المختلف موجود فما هو الرهان؟

يحدث الاختلاف في الأسرة الواحدة ذات العدد القليل والمحدود، وتتباين وجهات النظر في الجماعات الكبيرة لتعدد آراء فعالياتها ومفكريها، ويحصل التغاير في التصور والرؤية والتحليل في المجتمعات وهي تشترك مع بعضها في العيش على بقعة جغرافية واحدة.

كل ذلك قد يحصل وربما يدفع لصراع إرادات داخل كل دائرة من الدوائر التي ذكرت، لكن لا خلاص لكل هذه الدوائر، ولا نجاة لها إلا بالانسجام والاعتراف ببعضها، لكي تحفظ إطارها العام كأسرة أو جماعة أو مجتمع، ولكي ترعى مصالح من فيها.

لقد كتب الأستاذ متعب بن فرحان القحطاني مقالا بعنوان (من ينصفنا من أنفسنا) وتحدث فيه بوضوح عن الصراع الداخلي الذي يعتري المجتمع السعودي بين الإسلاميين أنفسهم وبينهم وبين الليبراليين مستشهدا هنا بمقالة للكاتبة مها فهد الحجيلان بعنوان «الليبراليون السعوديون»، وما انتابها من ردود غاية في القسوة والإقصاء, أما فيما يرتبط بإلغاء الآخر في التيارات الدينية فقال: ( بل وحتى داخل هذه التيارات الإسلامية نفسها تجد روح الإقصاء والأحادية تسري في عروق أبنائها فهذا يقلل من شأن ذاك وأولئك يتهمون بالعمالة آخرين وقس على ذلك مما لا يخفى على من كان قريباً من دوائرهم.

وأغلق الجميع الأبواب على أنفسهم وتمترسوا خلف أطروحاتهم ولم يسمع أحدٌ من أحد) جريد اليوم 20/سبتمبر/2005.

يقول العلامة محمد حسين فضل الله في محاضرة مثبتة على موقعه بعنوان (صناعة الشخصية بالحوار والانفتاح): "نحن مجتمع عدم الاعتراف بالآخر ولذلك هذا العنف، عنف الفكر ضدّ مَنْ يحمل فكراً آخر، عنف الدين ضدّ مَنْ يحمل ديناً آخر، عنف الموقف ضدّ مَنْ يحمل موقفاً آخر.. إنّنا لا نعترف بالآخر، ولأنّنا لا نعترف بالآخر لم نستطع أن نكون مجتمعاً يلتقي فيه الناس على التنوّع ويلتقي فيه الناس على الفكر المتنوّع والموقف المتنوّع ليكون الحوار القاعدة التي تتحرّك فيها الحقيقة، لأنّنا لم نعترف بالآخر .. انطلقت مسيرتنا في هذا الاتجاه، الأب لا يعترف بأسرته أن يكون لها موقف يختلف عن موقفه، الرجل لا يعترف بالمرأة أن تكون شريكة له تفكّر معه وتقف الموقف الذي قد يختلف معه.

إنّ هذا التمييز العنصري للرجل ضدّ المرأة ينطلق من قاعدة عدم الاعتراف بالآخر. الرجل لا يعترف بأنّ للمرأة عقلاً يفكّر، وأنّ لها قلباً يمكن أن يأخذ استقلاله بالحبّ، وأنّ لها ثقافة يمكن أن تنتج فكراً، وأنّ لها موقفاً يمكن أن تؤصله في حياتها، ولذلك عدم الاعتراف بالآخر وإنكار الآخر تحوّل إلى ظلم للآخر".

كما أن الكثير من الصراعات الاجتماعية والأسرية تنطلق من الاستصغار والتحقير، فالكثير من الآباء يخوضون صراعات مريرة مع أولادهم بسبب الازدراء لهم والتهوين من شأنهم، وأنهم ما زالوا صغارا لا يفقهون ولا يعون ولا يستطيعون تحمل المسؤولية، ومن ثم لا يمكن الاعتماد عليهم وإعطاؤهم مكانتهم الحقيقية في وسطهم الأسري.

وسواء نظرنا لأطر صغيرة أم انتقلنا لدوائر كبيرة فإن الانسجام هو عمود الخيمة وقاعدة الأمن والتقدم والرقي، ولعل دولا كثيرة نلحظ ضعفها وتفتتها وانفراط عقدها بسبب تجاذباتها الداخلية الحادة وزهدها في الوصول للمشتركات بين مكوناتها، فالصومال شاهد ما زال يدفع الثمن غاليا جراء المصالح المتباعدة التي لا تعرف للتفاوض والتوافق طريقا.

لن نعدم المختلف معنا رأيا وفكرا وتصورا في كل مكان وكل عمل، لكن علينا أن لا نعدم السبل ليكون المختلف صديقا وقريبا منا سواء كان ابنا أم قريبا أم جارا، وسواء كان فردا أم جماعة أم طيفا. 

السبت 10/5/1431هـ الموافق 24/4/2010م - العدد: 13462