الشيخ الصفار يُشيد بوعي الشعب العراقي وبمنهجية السيد السيستاني

مكتب الشيخ حسن الصفار
* الشيخ الصفار: ينبغي أن نُبدي إعجابنا وتقديرنا لمواقف الشعب العراقي الذي رغم ما عاناه من محن ومن تضليل إلا أنه بقي محتفظاً بدينه وبولائه للقيادة الدينية.

* من أهم نقاط القوة في منهجية السيد السيستاني وأخلاقه: الاستيعاب وسعة الصدر.

* لم يُصدر السيد السيستاني أي موقف حاد ضد أي جهة من الجهات، بل لم يُعطِ مجالاً لأي جهةٍ من الجهات أن تستفيد من مرجعيته في تصفية الحسابات مع هذه الجهة أو تلك.


أشاد سماحة الشيخ حسن موسى الصفار بمنهجية المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني المتمثلة في استيعابه للجميع وسعة صدره وحسن خلقه، مؤكداً أنه بهذه المنهجية أصبح صمام الأمان وضمانة الاستقرار في العراق. وأشار إلى خصائص مرجعية السيد السيستاني ومواقفه المستوعية للجهات التي تختلف معه، مؤكداً أن السيد السيستاني لم يُصدر أي موقف حاد ضد أي جهة من الجهات، بل لم يُعطِ مجالاً لأي جهةٍ من الجهات أن تستفيد من مرجعيته وموقعيته، ومقامه، في ضرب هذه الفئة أو تلك، وتصفية الحسابات مع هذه الجهة أو تلك. وأبدى الشيخ الصفار إعجابه وتقديره لمواقف الشعب العراقي الذي رغم ما عاناه من محن ومن تضليل إلا أنه بقي محتفظاً بدينه وبولائه للقيادة الدينية. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الشيخ الصفار ظهر الجمعة 10 رجب 1425هـ، بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام محمد بن علي الجواد .

مدخل


بدأ الشيخ الصفار بكلمة للإمام الجواد هي قوله : «عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.» وقال: العنوان هو الشيء الواضح، الذي يُعرف به الإنسان، وتعرف به الأشياء، ويُمكن عن طريقه الوصول إلى الإنسان والأشياء. مشيراً إلى أن المؤمن مع ضرورة توفر فيه مجموعة كثيرة من الصفات: العبادة، العلم، الجهاد، التقى، الورع، إلا أن الإمام الجواد يعتبر أن حسن الأخلاق هي بمثابة العنوان للإنسان المؤمن، مع أهمية جميع الصفات التي ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها. مؤكداً أن حسن الأخلاق لا تقتصر على البشاشة وحسن الاستقبال بل تتعدى ذلك إلى منهجية التعامل مع الناس. وأضاف: إن هذه الكلمة هديّتنا من ذكرى ميلاد الإمام الجواد هذا الإمام العظيم الذي ولد كما في بعض الروايات في العاشر من شهر رجب سنة 195هـ، والتحق بالرفيق الأعلى سنة 220هـ، وحين تصدى للإمامة كان في السابعة من عمره، بعد شهادة أبيه الإمام الرضا ، سنة 203هـ، ومع حداثة سنه إلا أن كفاءته وجدارته في العلم والفضل كانت واضحة، فقد انبهر به المأمون العباسي، حينما جلبه إلى بغداد وحضر في مجلسه العلماء، والفضلاء والأدباء وظهرت مكانة الإمام الجواد العلمية.

وركّز الشيخ الصفار حديثه حول آخر تطورات الأحداث في العراق وفي النجف الأشرف على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن عودة السيد السيستاني إلى العراق ومبادرته لتصحيح الأوضاع ولإعادة الهدوء والاستقرار إلى النجف الشرف، لفتت أنظار المحللين والمراقبين. وتحدث في هذا السياق ضمن بعدين:

البعد الأول: الإعجاب بمواقف الشعب العراقي.


أكد الشيخ الصفار أنه من الضروري أن نبدي إعجابنا وتقديرنا للشعب العراقي، الذي رغم ما عاناه من محن، ورغم سنواتٍ طويلة من التضليل، ومن التهريج الإعلامي والثقافي، ومحاولات الفصل بين هذا الشعب وقياداته الدينية إلا أن ما يُدهش العالم الآن التفاف هذا الشعب حول هذه القيادات، وولاؤه لدينه.

واستطرد في ذكر نماذج من الآلام التي عاناها الشعب العراقي من الأحزاب التي حكمت العراق كالحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس سنة 1934م وكذلك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم العراق بعد سقوط حكم الشيوعيين، مؤكداً أن هذه الأحزاب وغيرها لم تكن مجرد أحزاب مخالفة للدين، بل كانت تقوم على استراتيجية محاربة الدين. وأخيراً ما قام به حزب البعث الحاكم للعراق الذي شنّ حرباً لا هوادة فيها ضد المراجع والحوزة العلمية وضد الدين، وضد الشعب. وأضاف: ما فعله حزب البعث في العراق، يصعب وصفه وتصوره، فمن نماذج ذلك: المقابر الجماعية، وتهجير مئات الآلاف من الشعب، وإلى السنة الأخيرة من حكمه قام باغتيال مجموعة كبيرة من العلماء والفقهاء في النجف الأشرف، كالمرجع الشيخ الغروي، والفقيه الشيخ البروجردي، والمرجع السيد محمد صادق الصدر (رحمة الله عليهم) وغيرهم من العلماء والفقهاء.

ويُضيف قائلاً: ولكن بعد كل تلك المحاولات تخرج جماهير الشعب العراقي وتُعلن انقيادها للمرجعية، وولاءها للدين. فأين ذهبت تلك الجهود والخطط والمحاولات؟ ذهبت كلها أدراج الرياح، وبقي الشعب العراقي محتفظاً بأصالته، وبانتمائه للدين، وولائه للمرجعية. في الواقع هذا شيء ينبغي أن يُقدر، وأن يُكبر، وأن تُلفت إليه الأنظار. مؤكداً أن الشعب العراقي ينطلق في كل ذلك من القيم الدينية التي يتحلى بها هذا الشعب.

البعد الثاني: الإشادة بمنهجية السيد السيستاني.


أشار الشيخ الصفار إلى جانب من السيرة الذاتية للسيد السيستاني، وقال: إنه جاء من إيران من أجل الدراسة الدينية في العراق، وبقي في النجف الأشرف واستمر يدرس فيها. ومن خلال مكانته العلمية، وتقواه وورعه، ومعرفة العلماء والتلامذة والناس بكفاءته وجدارته، التف الشعب العراقي حوله، وسلّم له القيادة. وأضاف: حينما زحف السيد السيستاني من البصرة متوجهاً إلى النجف زحف معه مئات الألوف من الشعب، وانتظروه في الشوارع التي سيمر بها خلال مسيرته، في ظل الحر الشديد، وفي بلدٍ يُعاني من عدم الاستقرار الأمني، ومع إمكانية حصول ما لا يُتوقع، وقد حصلت اعتداءات وراح ضحيتها مجاميع من الناس الذين جاؤوا لاستقبال السيد السيستاني، ومع ذلك كلّه تجد هذه الألوف تخرج لاستقبال المرجعية، وبعضهم سيراً على الأقدام، وهذا الشيء يُقدّر للشعب العراقي من جهة، ومن ناحيةٍ أخرى يُلفت النظر إلى خصائص هذه المرجعية الدينية.

وأكد الشيخ الصفار أن من أهم نقاط القوة في منهجية السيد السيستاني وأخلاقه: الاستيعاب وسعة الصدر، وقال: إن السيد السيستاني يُدرك أنه كمرجع في مقام الأبوة لجميع أبناء الطائفة، بل الشعب، فهو يعيش هذا الشعور والإحساس، وبالتالي فإنه يتعامل مع الكل كالأبناء، حتى من لا يلتزم بآرائه السياسية والفكرية. ويقول المحللون إن صمام الأمان وضمانة الاستقرار الآن في العراق يتمثل في شخصية السيد السيستاني، مع العلم أن في العراق أديان ومذاهب مختلفة، ولكن السيد السيستاني باستيعابه للجميع، وعدم إبدائه لتحيزٍ في آرائه ومواقفه وتعامله تجاه أي فئةٍ من فئات الشعب احتل هذه الموقعية. وأكد أن هذه المسألة مهمة وكبيرة ولها فوائد عديدة، ومنها:

أولاً- تُساعد المرجعية على أن تحتفظ بمقامها المحترم بين الجميع، حيث أن الناس لا يحترمون من يُسيء إليهم وإن كان في مقام المرجعية، والسيد السيستاني استوعب الجميع ولم يُسئ لأحد مع كل الاختلافات والتوجهات، وبالتالي أبقى الاحترام لمقام المرجعية في نفوس الجميع.

ثانياً- محاربة الجهات المخالفة يُقسّم المجتمع، فلو أن المرجعية حاربت وطردت كل من يُخالفها فإن مصير الساحة الانقسام، والسيد السيستاني يرى في أن هذا الأمر يُسبب فتنةً، وليس في صالح المجتمع، ولذلك لم يصدر منه أي موقفٍ طارد للجهات الأخرى، التي تختلف معه، سياسياً أو فكرياً.

ثالثاً- التواصل مع الجهات المخالفة يُعطيها الفرصة للتراجع، حيث أن المرجعية إذا بقيت على تواصل مع الجهات التي يُعتقد أنها على خطأ، فإنها تُعطيها فرصة للتراجع عن موقفها وعن الخطأ، بينما إذا اتخذت المرجعية موقفاً حديّاً، فإنها تُغلق خط الرجعة على هذه الجهة، وبالتالي يتكرّس الخطأ أكثر.

وخلص الشيخ الصفار على أن مرجعية السيد السيستاني ومنهجيته قائمة على أساس المرونة، والاستيعاب، حتى مع الجهات التي تختلف معه. مؤكداً حرص السيد الشديد على رفض اتخاذ أي موقف حاد ضد أي جهة ولم تفلح كل الضغوط وكل المحاولات، من أجل انتزاع موقفٍ من السيد على هذا الصعيد. وأشار إلى مواقف مختلفة للسيد السيستاني في هذا المجال في الماضي والحاضر.

وقال في ختام كلمته: في بعض الأحيان قد تُحاول بعض الجهات والعناصر التي تلتصق بهذا المرجع أو ذاك تصفية حسابات مع جهةٍ من الجهات فتستخدم المرجعية التي تنتمي إليها كعنوان لتصدير فتوى أو موقف ضد تلك الجهة التي يختلفون معها فكرياً أو سياسياً أو مصلحياً، مظهرين دفاعهم عن المرجعية في حين أنهم يدافعون عن مصالحهم وأهدافهم الشخصية. مؤكداً أن السيد السيستاني لديه من الحنكة والحكمة ما يُدرك هذا الأمر، ولذلك لم يُعطِ مجالاً لأي جهةٍ من الجهات أن تستفيد من مرجعيته وموقعيته، ومقامه، في ضرب هذه الفئة أو تلك، وتصفية الحسابات مع هذه الجهة أو تلك. فهذه المنهجية منهجية رائدة.