الشيخ الصفار يُبشر بمرحلة جديدة للعلاقة بين المذاهب الإسلامية

مكتب الشيخ حسن الصفار
* ينبغي أن لا نكون مثاليين فهناك ركام لا ينتهي بين يومٍ وليلة بحيث يكون الخطاب المعتدل هو خطابٌ عام يقوله الجميع، كما ينبغي أن لا نستعجل النتائج.

* يجب على الواعين والمخلصين أن يكونوا صابرين وصامدين، وأن يتحمل كلٌ منهم الأذى من قبل القوى المتطرفة في مجتمعهم.

* للناس نقول: استخدموا عقولكم، ولا تتركوا لأحدٍ أن يستغلّكم ويُضللكم بشعارات برّاقة.


بشّر سماحة الشيخ حسن موسى الصفار بوجود مؤشرات إيجابية بدأت تلوح في الأفق من شأنها توسيع رقعة العلاقة بين أبناء المذاهب الإسلامية، ومن أهمها: بروز الخطاب المعتدل من كل طرف تجاه الطرف الآخر، وكذلك التواصل واللقاءات التي بدأت تتكرر بين فترةٍ وأخرى. وأكد أنه سيبقى متطرفون عند الطرفين، ولكن العقلاء يجب أن يتعاونوا وأن يُوسّعوا رقعة الاعتدال. وخاطب الواعين والمخلصين مؤكداً عليهم أن يكونوا صابرين وصامدين، وأن يتحمل كلٌ منهم الأذى من قبل القوى المتطرفة في مجتمعهم. مضيفاً إن على الجمهور استخدام عقولهم وأن لا يتركوا لأحدٍ أن يستغلّهم ويُضللهم بشعارات برّاقة. جاء ذلك في الخطاب الأسبوعي لسماحة الشيخ حسن موسى الصفار الذي ألقاه ظهر الجمعة التاسع من شعبان 1425هـ (24 سبتمبر 2004).

بدأ الشيخ الصفار خطابه الأسبوعي بالتأكيد على وضوح وجلاء المفاهيم والقيم الإنسانية التي لا يُنكرها أحد، قائلاً: القيم والمفاهيم الإنسانية واضحةٌ جلية، لا يحتاج الإنسان إلى جهدٍ كبير لكي يعرفها ويقتنع بها ويُقنع بها الآخرين. فقيمة العدل أو قيمة الإحسان أو قيمة الحرية وما أشبه من القيم، هي قيمٌ واضحة، لا تجد من يُجادل في صحتها وفي مقبوليتها، ولكن المشكلة تكمن على مستوى التطبيق، حيث تحصل التباساتٌ في تشخيص الموارد والمصاديق. وفي بعض الأحيان تكون هناك قوىً مصلحية لا تُريد لهذه القيم أن تُطبّق، ولا لهذه المفاهيم أن تسود، ولذلك تخلق التباسات، وتختلق اشتباهات من أجل أن لا يكون هناك وضوحٌ في موارد هذه القيم والمفاهيم. وهنا كلمةٌ جميلةٌ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يُؤخذ من هذا ضغثٌ، ومن هذا ضغثٌ فيُمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى.» (نهج البلاغة، خطبة 50)

وركّز حديثه حول مصداقٍ من مصاديق هذه الحالة وهي مسألة الوحدة والفرقة، مؤكداً أن الوحدة كقيمة لا أحد يُجادل فيها، مضيفاً: لو أجريت استفتاءً في أي مجتمعٍ تسأل فيه: هل أنت تؤيد الوحدة أم لا؟ لا تجد أحداً يقول لك إنه لا يؤيد الوحدة. ولكن عند الطبيق في هذا المورد أو ذاك المورد نواجه المشكلتين: مشكلة الالتباسات وخلط الأوراق، وأخرى تكمن في وجود قوىً مصلحية لا تُريد لقيمة الوحدة أن تسود في الأمة. ولذلك تتعرقل الوحدة في المجتمعات، وخاصةً المجتمعات التي يضعف عندها الوعي، وتكثر فيها القوى المغرضة.

وأكد أن المجتمعات الإسلامية تُعاني في أوطانها من تعثر مسيرة الوحدة، رغم اتفاق المسلمين نظرياً على أهمية هذه القيمة وعلى دعوة الإسلام إليها: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران، 103)، ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال، 46). مشيراً إلى نوذجٍ من الالتباسات وخلط الأوراق، وهو: ما قد يُشاع من أن الوحدة تقتضي تنازل طرفٍ من الأطراف عن قناعاته أو مصالحه. وقال في ردّه على هذا الالتباس: في الواقع لو أن الإنسان تأمل ودقّق يصل إلى النتيجة الحقة وهي: ليس المطلوب من أحدٍ أن يتنازل عن قناعاته ومعتقداته، فليبق أتباع كل مذهبٍ على قناعاتهم ومعتقداتهم وآرائهم وليتمسكوا بمصالحهم، ولكن المطلوب هو كف الإساءة من كل طرفٍ باتجاه الآخر، وكف العدوان بحيث يعيش الجميع متساوين في الحقوق والواجبات. والوحدة لا تكون بتازل أحد الأطراف عن قناعاته لأنها في ذلك الوقت ستكون عملاً تكتيكياً لا يلبث أن ينتهي ويزول.

وتساءل الشيخ الصفار: هل أمتنا عاجزة على الوصول إلى حل للتوفيق بين الأمرين، أن نحافظ على قناعاتنا ومعتقداتنا دون أن نتنازع ونتخاصم، ونكون أمةً متحدة؟ مبينناً أن الأمم الأخرى حققت هذا الأمر، رغم اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقناعاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، ولكنهم يعيشون ضمن حالةٍ من الاستقرار الاجتماعي.

وإجابةً على ذلك قال: الوصول إلى هذا المستوى ليس صعباً ولا عسيراً إذا ما توفرت الإرادة. مضيفاً أن هناك عوامل كثيرة تُساعد الأمة للوصول إلى هذا المستوى:

- ارتفاع درجة الوعي عند الناس.
- الانفتاح على أوضاع المجتمعات الأخرى.
- التجربة العملية لآثار التفرقة والخلاف، طيلة 1400عام من الزمن، وكانت النتيجة هي الضعف المتصاعد والمستمر.

مؤكداً أن هذه التجربة القاسية كافية بأن تثبت لنا بأن ما كنا نعيشه من خلاف وتفرقة لم تكن فيه مصلحة، واستشهد بكلمةٍ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها: «إن الله سبحانه لم يُعط أحداً بفرقةٍ خيراً، ممن مضى ولا ممن بقي.» (نهج البلاغة، خطبة: 176)

وأشار الشيخ الصفار إلى أن هناك مؤشرات إيجابية قد بدأت تلوح في الأفق ومن أبرزها أمران:

الأمر الأول: بروز الخطاب المعتدل من كل طرف تجاه الطرف الآخر.

ينبغي أن لا نكون مثاليين بحيث يكون الخطاب المعتدل هو خطابٌ عام يقوله الجميع، ولكن هناك من مختلف الأطراف من يُنتج خطاباً معتدلاً.

وحتى نقترب أكثر من ساحتنا، لو تحدثنا عن وضعنا في المملكة، فالمملكة تُعتبر ساحةً من الساحات التي كانت تُعاني من القطيعة ومن التشنج المذهبي الطائفي أكثر من أي ساحةٍ أخرى، وخاصة فيما يرتبط بين الشيعة، أتباع أهل البيت ، وبين السلفيين، الذين يُمثلون الاتجاه السائد في المملكة.

نلحظ في الآونة الأخيرة وجود خطابٍ معتدلٍ من كلا الطرفين السلفيين والشيعة، ولكنه يبقى محدوداً، لأن الحالة لا يُمكن أن تتبدل بين عشيةٍ وضحاها، وسيبقى متطرفون عند الطرفين، ولكن العقلاء يجب أن يتعاونوا وأن يُوسّعوا رقعة الاعتدال.

الأمر الثاني: بدأ هناك نوعٌ من التواصل.

سابقاً كنا نعيش قطيعة، وما كنا في يومٍ من الأيام نجد أن عالماً من علماء السلفيين أو شخصيةً من شخصياتهم يلتقي مع شخصيةٍ شيعية، وبالعكس كذلك. وحتى لو حصل لقاء فردي أو ثنائي فإنه يكون في الخفاء نتيجة الأجواء الضاغطة.

ولكننا الآن وبعد سنةٍ من الحوار الوطني، وسنواتٍ من الجهود التي بُذلت، بدأنا نجد بعض النتائج العملية الإيجابية، من خلال بعض اللقاءات والزيارات والحوارات التي تتخطى الحالة الثنائية، وبدأت تُطرح هذه الحالة على المستوى الإعلامي.

البعض يتعجل النتائج، ولكن ينبغي أن نكون واقعيين، حيث أن هذا الركام من التاريخ لا يُمكن أن يُعالج بسرعة. ولكن هذه المبادرات بداية يجب علينا تنميتها، وأن نتعاون في تطويرها.

وعلينا أن نلحظ أن هناك قوىً متطرفة متعصبة من كلا الطرفين، إما لشبهةٍ ذهنية أو لأغراضٍ مصلحية أو حسدٍ عند البعض، وتُغلف هذه الأغراض بأغلفةٍ دينية، وهؤلاء لن يسكتوا عن مثل هذه المبادرات الإيجابية، وبالفعل حصل هناك تشنجاتٍ تجاه بعض المبادرات الإيجابية.

وأوضح أن البعض يُمارس ذلك معتقداً أنه يُدافع عن المذهب وعن العقيدة، مضيفاً أن من يُريد أن يُدافع عن العقيدة فليُترجم حرصه عملياً وليس عبر التشهير والتجريح والتهريج ضد فلان وفلان وهذه الجهة وتلك الجهة، مؤكداً أن الخطاب موجهٌ لمن هم في داخل الشيعة أو السلفيين على حدٍ سواء.

وأضاف أن هذه القوى ستعمل وستتحرك من أجل أن تعرقل أي مسعىً للتلاقي وللحوار، وستُحاول الاستفادة من حدثٍ هنا وحدثٍ هناك.

ووجه في ختام خطابه كلمتين:

الكلمة الأولى: للواعين المخلصين من أبناء الوطن، في الطرفين: السلفيين والشيعة.

يقول فيها: يجب على الواعين والمخلصين أن يكونوا صابرين وصامدين، وأن يتحمل كلٌ منهم الأذى من قبل القوى المتطرفة في مجتمعهم.

مؤكداً أن المصلحين طوال التاريخ واجهوا مثل هذه التشكيكات، وقال: لو قرأنا تاريخ علمائنا الذين تبنوا الوحدة وتحركوا من أجل التقريب بين المسلمين نجد أن مثل هذه العواصف ثارت عليهم. موجهاً الجمهور للقراءة حول تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تبناها السيد البروجردي (رحمة الله عليه) ودعمها العلماء الواعون في الشيعة مثل: الشيخ عبد الكريم الزنجاني، الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، السيد محسن الأمين العاملي، وبقية العلماء المصلحين، وما ثار تجاههم من تشكيك وتجريح.

وأضاف: إن مثل هذه الحالة حصلت عند إخواننا أهل السنة حينما أفتى شيخ الجامع الأزهر شلتوت بصحة التعبد بمذهب الشيعة قامت عليه القيامة وألفوا كتباً ضده، ومن جملتها: إعلام الأنام بمخالفة شلتوت للإسلام.

الكلمة الثانية: للجمهور، من أبناء السلفيين والشيعة.

يقول فيها: استخدموا عقولكم، ولا تتركوا لأحدٍ أن يستغلّكم ويُضللكم بشعارات برّاقة تحت شعار: الدفاع عن المذهب، أو عن العقيدة، أو الولاء والبراء، أو ما أشبه من المصطلحات. إنها مجرد شعارات يُقصد بها تعويق مسيرة الوحدة، ووضع العراقيل أمام المصليحن الواعين بقصدٍ أو بدون قصد.