الشيخ الصفار يعلنها مدوية في ثاني حلقات مكاشفاته بملحق الرسالة

* المراهنة على الأمريكيين مراهنة على سراب فهم لم يأتوا أبدا لحماية الأقليات أو نشر الديموقراطية.

* المطلوب منا الآن هو تصليب الوحدة الوطنية وسدّ الثغرات التي ينفذ منها العدو وليس تبادل الاتهامات.

* الموقف حساس والمشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة خطير وهم يلعبون على وتر الأقليات والصراعات الطائفية
كتاب (الكافي) لا يدرّس أبداً ونحن الشيعة لا نتعامل معه كما يتعامل إخواننا السنة مع الصحيحين.

* في حوزاتنا العلمية لا ندرس كتاباً للتجييش الطائفي ضد إخواننا السنة بل أغلب كتبنا الدراسية وخاصة في علوم اللغة العربية والمنطق هي لأهل السنة.

* ليس هناك تحصين قادر على استيعاب كل أبناء المجتمع واخترقنا بسبب ضعف الحركة الثقافية الدينية والغبن.

* لماذا يتحول الأمر إلى تشكيك في الولاء والانتماء بالنسبة للشيعة دون غيرهم؟

------------------------------------------------------------------------------
 

نشرت الحلقة الثانية في ملحق الرسالة بتاريخ 24/8/1425هـ

أجرى الحوار : عبدالعزيز محمد قاسم

 


------------------------------------------------------------------------------

بين يدي مكاشفات


دعوني أعترف بأنني لم أتوقع أن يحظى الجزء الأول من مكاشفات الشيخ حسن الصفار بكل هذا الاهتمام من قبل النخب الفكرية المحلية, فقد فاق ما كنت أتوسمه حينما تلمست رضا وقبول الكثيرين من قراء الرسالة.

صحيح أنني كنت مستشرفا بعض ذلك, بيد أنني توقعت أيضا ردة فعل عنيفة من قبل أطياف إسلامية عُرفت عنها حدية الموقف، الى جانب روح المفاصلة الطائفية حيال مسألة الشيعة برمتها.

يكفيني على أية حال ما وجدته من استشعار المجتمع ونخبه وقادته لأهمية ما قدمنا, عبر إتاحتنا الفرصة لشريحة من أبناء الوطن كي يعّبروا عن أنفسهم وهمومهم في إطار حوار داخلي ومراجعات وطنية خلاقة تتم عبر المنابر الشرعية المتاحة.

لكم نحن بحاجة إلى مناقشات تتسربل الشفافية وتعتمد المكاشفة بروح وطنية حقيقية, وخصوصا في هذا الظرف المجتمعي الحسّاس، وحيث تخيّم اللعبة السياسية الأخطر على أجوائنا كشعب ووطن.

نزعم أيها السادة أن ما نفعله هو جزء من مسؤوليتنا المهنية الوطنية, وأننا بما نقدمه سنفوّت الفرصة على سيد العالم الأشقر الذي استمرأ دسّ أصابعه في أحشائنا, وبات منذ 11 سبتمبر يكيل لنا الاتهام تلو الاتهام, ويسوق لنا الإدانة تلو الإدانة, خالطا في ذلك الحق بالباطل، ومشهرا في وجه العالم لافتة مكافحة الإرهاب, ومقوضا في طريقه مئات المشروعات الإنسانية والخيرية التي تنبعث من هذا البلد المعطاء، بل وصل به الأمر حد توجيه الاملاءات بما يجب علينا أن نقرأه وندرسه ونتعلمه, سالكا في غيّه هذا ألاعيب السياسي وخبثه.

لقد تابعناه قبل أيام وهو يستضيف في الكونغرس أحد المارقين على المجتمع ممن يحسب نفسه على إخواننا الشيعة كيما يؤلّب على وطن محفوظ بعين الله, وعلى مجتمع متماسك وملتف حول رايته الشرعية، ومستعد للتضحية بالغالي والنفيس كيما يحافظ على وحدة شعبه وترابه.

هكذا اصطف المدعو علي آل أحمد إلى جانب آخرين مبثوثين في لندن ونيويورك, ينفثون أحقادا قميئة, ويضعون في يد ذلك الذئب الأمريكي المتسربل بشعاراته الكاذبة عن حقوق الإنسان والديموقراطية, أدلة "علقمية" موهومة يشهرها في وجه قادتنا كي يدلل على هرائه الذي ما فتيء يلوح بها في وجهنا أينما يمّمنا.

في هذه الأجواء يبدو من الضروري أن يكون بعض طلبة العلم وأولئك العلماء الذين يتخذون موقفا حدّيا من مسألة التعايش, على وعي كامل بأنّ أية عبارة تنطلق بدون تأمل للعواقب, أو أي تصريح لا يحيط بالمتغيرات التي تموج من حولنا, سترتد سلبا علينا جميعا. ويجب أن يفهم سادتنا هؤلاء بأنهم عبر إطلاق الفتاوى الطائفية على عواهنها, قد يكررون دون وعي ما تفعله جوقة المعارضة الخارجية الزاعقة, وهو ما سيضر بموقفنا السياسي الحسّاس أمام العالم.

فليتق الله أولئك في وطنهم ودينهم. ولعل من المناسب هنا أن أشير الى أن بعض القوم قد بعثوا بخطابات كيدية تنال من توجه كاتب السطور, ما يدفعني الى أن أسجل هنا بعيدا عنهم, أنني راض عن اجتهادي الذي رجوت به وجه الله تعالى، وهو وحده العالم بالسرائر, دافعي في ذلك واجب أكيد لوطن أدين له بالحب والعشق والإخلاص ولا يزايد عليّ في حبه أحد. والى الحلقة الثانية من مكاشفات الشيخ حسن الصفار:

AZIZKASEM1400@YAHOO.COM

------------------------------------------------------------------------------

* سنبدأ هذه الحلقة يا شيخ وأنت تلحّ على أبيك للانتقال الى العراق وسؤالي هنا: هل كانت هذه حالة عامة لديكم في القطيف, حيث ُيرسل الطلاب النوابغ من عائلات الشيعة الكبيرة العلمية إلى الحوزات؟ ولماذا العراق يا شيخ..لماذا لم تك إيران مثلاً ؟

- كان شائعاً في الماضي أن العوائل العلمية ترسل أبناءها أو تربي أبنائها على الدراسة الدينية ولكن في المرحلة التي نشأت فيها كانت هناك حالة من الفتور حتى العوائل العلمية ما عادت ترسل أبناءها أو توجههم للدراسة الدينية لذلك أصبحنا في القطيف نعيش حالة انقطاع لتواصل الأجيال في العوائل العلمية العريقة, عوائل من مائة سنة واكثر كانوا يتوارثون الدور العلمي والديني ولكن انقطع في تلك الفترة فكان الذين يذهبون للدراسة العلمية الدينية عداد قليلا ومحدودا جداً وأسباب ذلك عديدة اجتماعية واقتصادية. في الماضي هناك فرص للدراسة في القطيف مدارس وحوزات ولكن تقلصت هذه الفرص وبالتالي اصبح دارس العلم الذي يريد ان يدرس العلوم الدينية لابد ان ينتقل من صغر سنه إلى الخارج وما كان الأهالي يحبذون إرسال أبنائهم وهم صغار وحينما يكبر الواحد منهم يكون قد شق طريقه في حرفة من الحرف أو مهنة من المهن، ولذلك كنا نعيش مرحلة من الركود والفتور على المستوى العلمي الديني، فكان الذين ذهبوا للدراسة الدينية في ذلك الوقت عدد قليل ربما وصل إلى عشرين أو خمسة وعشرين وكانوا اكبر مني سناً فالسفر في تلك السن لم يكن مألوفاً.

اما لماذا النجف وليس إيران......


* معذرة قبل الإجابة على هذا السؤال, ولكن طرأ لي عن سبب السفر الى النجف. والقطيف بها الحوزات وكانت تسمى كما في كتبكم التي اطلعت بالنجف الأصغر..

- ذاك كان في مرحلة أسبق أما في المرحلة التي أتحدث عنها كان هناك جمود كبير على المستوى العلمي والديني في منطقة القطيف.

* اذاً لماذا لم تذهب إلى إيران؟

- كل المجتمعات الشيعية العربية كانت دراستهم في العراق وليس في إيران والمرجعية الدينية الشيعية تاريخياً في العراق وليست في إيران وليس هناك تاريخياً ارتباط بين شيعة المنطقة بشيعة إيران، إنما كان ارتباطهم مع العراق ومع الحوزة العلمية في العراق لأنها المنطقة الأقرب وثانياً بسبب اللغة العربية وثالثاً لان الحوزة العلمية المركزية بالنسبة للشيعة في العالم كلهم بما فيهم إيران كانت في النجف. لم تكن الحوزة في إيران قد أخذت تمركزها ومكانتها في العالم الشيعي إلا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والتضييق الذي حصل للحوزة العلمية في النجف من قبل حزب البعث الحاكم في العراق آنذاك.

مرجعيات الشيعة :أعاجم أم عرب؟


* سأتوقف معك هنا يا شيخ حسن. قلت للتو بأن المرجعيات عربية. بيد أنني عندما أستعرض المرجعيات الشيعية الكبرى, لأجدهم من العجم, مثلاً بشير النجفي هو باكستاني، اسحق الفياضي افغاني، السيستاني ومحمد سعيد الحكيم إيرانيان.. من الواضح ان ثمة التباسا.

- السيد محمد سعيد الحكيم عراقي عربي ومن أصل عربي وليس ايرانياً وجده السيد الحكيم كان من قادة ثورة العشرين في العراق والسيد محسن الحكيم كان مرجع الشيعة في العراق وإيران وشارك في الثورة التي قاومت الاحتلال البريطاني في العراق فهو عراقي وليس ايرانياً. في تلك المرحلة كان المراجع والعلماء العرب كثيرون في العراق كان مثلاً من آل كاشف الغطاء كبار العلماء في الحوزة العلمية كانوا من العرب، الشيخ جعفر كاشف الغطاء من كبار العلماء والمجتهدين، واهم كتاب فقهي يعتمده الشيعة الآن فقهاؤهم وعلماؤهم يستفيدون منه اسمه (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) مؤلفه من اصل عراقي وهو جد الجواهري الشاعر العراقي المعروف، وعرفوا باسم الجواهري نسبة إلى كتاب (جواهر الكلام) للشيخ محمد حسن النجفي وكان من كبار مراجع الشيعة والشيخ محمد رضا آل ياسين أيضاً مرجع شيعي كبير عراقي والشيخ مرتضى آل ياسين والسيد محمد باقر الصدر من عائلة الصدر والصدر الثاني السيد محمد صادق أيضاً عراقي عربي فكان هناك مراجع كثيرون من العراق من العرب وعندنا من لبنان مراجع مثل السيد محسن الامين العاملي وكبار العلماء السابقين في التشيع هم أيضاً عرب، الشيخ المفيد عربي بغدادي العلامة الحلي من الحلة في العراق. كبار العلماء كانوا من المنطقة العربية، لكن خلال العقود الثلاثة الماضية مرت بالنجف والحوزة العلمية محنة كبيرة جداً وبالتالي كانت الفرصة متاحة امام الايرانيين لكي يواصلوا دراستهم العلمية ولكي يتطوروا وتصعبت الأمور على العراقيين أنفسهم إضافة أيضاً إلى ان هناك مراجع أيضاً هم من المنطقة الخليجية من البحرين عندنا مراجع كبار لازالوا إلى الآن هناك من يقلدهم كالشيخ يوسف البحراني (توفي سنة 1186هـ) هذا فقيه كبير وعنده كتاب مهم (الحدائق الناظرة في فقه العترة الطاهرة) وهو كتاب مفصل في الفقه ويستفيد منه العلماء والشيخ حسين العصفور (توفي سنة 1216هـ) أيضاً من البحرين ولازال كثير من أهل البحرين يقلدونه والشيخ أحمد زين الدين الأحسائي (توفي سنة 1241هـ) من الأحساء وكان مرجعاً قلده قسم كبير من الإيرانيين وعندنا في القطيف الشيخ علي الخنيزي (توفي سنة 1363هـ) والشيخ عبدالله المعتوق (1274 – 1362هـ) وعلماء كثيرون كانوا مراجع. أما الحالة الموجودة الآن ان اكثر المراجع والفقهاء من الإيرانيين فبسبب ما عاشه الشيعة في المنطقة العربية من إقصاء ومن تهميش.. فالشيعة في العالم العربي عاشوا تهميشاً حتى في بلد مثل العراق يمثل الشيعة فيه أغلبية ولكنهم كانوا مهمشين وكانوا يعانون من الضغوط وهذا أصبح واضحاً، بقي أن أشير إلى أن المرجعية الدينية لا تتأثر بالاعتبارات المادية والسياسية.

* عودة إلى ذهابك إلى النجف..وأنا إزاء رصد تأريخي ربما اكثر منه صحافي زاعما بأنها مادة بكر أقدمها لقارئ (الرسالة). هلا وصفت لنا ياشيخ حسن وصفاً مفصلاً طريقة تلقي طالب العلم الشيعي دروسه في الحوزة العلمية الشيعية ؟

- ذهبت إلى النجف في بداية سنة 1391هـ وعشت مع المجموعة القطيفية أو السعودية من القطيف والاحساء، كان هناك عدد من الطلاب وبعضهم قد مضى عليه فترة بالنجف وكانوا يولون عنايتهم بالملتحقين الجدد وكانت دراستي على أيديهم، كما درست على يد بعض العلماء اللبنانيين وبعض العلماء العراقيين ودروسنا مثل الحلقات العلمية التي توجد في المساجد لم تكن دراسة منتظمة على شكل صفوف وعلى شكل دراسة أكاديمية وإنما كل طالب كانت له الحرية في ان يختار الدرس الذي يريد والمدرس الذي يريد، هناك دروس موجودة في الحلقات بالمساجد وفي هذه المرحلة تكون الدروس في اللغة العربية في النحو والصرف وهناك دروس في المنطق و درس في مبادئ الفقه واصول الفقه.

* سأدخل ببعض التفصيل كي يستطيع قارئي مقارنته بما لديه. ما هي كتب الفقه التي تدرسونها؟

- في البداية هناك ما يطلق عليها (الرسالة العملية) يعني الكتاب الفقهي للمرجع الشيعي الموجود، كل مجتهد يأتي يبين آراءه في الأحكام الشرعية وليس ملزماً بآراء الفقهاء السابقين وإنما يجتهد ويطرح آراءه في كل المسائل الفقهية، هذه الآراء تجمع ثم تطبع ويطلق عليها (الرسالة العملية) يعني الرسالة التي يعمل بها (المقلد) وفي بعض الأحيان يأخذ المرجع الرسالة التي عملها المرجع الذي قبله ويعلق عليها وكل مرجع متصدي للمرجعية لابد أن يكون له كتاب يحمل آراءه الفقهية لأنه يجب أن يبدي آراءه في كل مسألة من المسائل في كل أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات.

في بدايتنا ندرس هذا الكتاب من أجل أن يكون الطالب عارفاً بتكليفه ولو سئل يجيب بحسب آراء المرجع الموجود. بعد ان ننهي (الرسالة العملية) ندرس كتاباً آخر اسمه (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي الشيخ جعفر بن الحسن (602 – 676هـ) فقيه عراقي. وهو كتاب فقهي عبارته رصينة و موسع في كل أبواب الفقه. بعد أن ننهي هذا الكتاب ندرس كتاباً آخر اسمه (اللمعة الدمشقية) وشرحها ومؤلفها الشيخ محمد بن مكي العاملي من جبل عامل – لبنان (734 – 786هـ) وشارحها الشيخ زين الدين العاملي (911 – 965هـ) والكتابان يدرسهما الطلاب العرب والعجم.

واللمعة الدمشقية نسبة إلى دمشق لان المؤلف ألفها في دمشق، هذه موسوعة مفصلة في كل أبواب الفقه فيها نوع من الاستدلال بعد اللمعة الدمشقية يدرس كتاب آخر اسمه (المكاسب) للشيخ مرتضى الأنصاري (1214 – 1281هـ) و كان من كبار العلماء في النجف الأشرف ومن اسمه (المكاسب) يرتبط موضوع الكتاب بالكسب والتجارة والبيع وكل ما يرتبط بهما وهو كتاب يمهد ذهن الطالب لمرحلة استنطاق الحكم الشرعي بعد كتاب المكاسب تنتهي الدراسة الكتابية الفقهية ان صح التعبير وينتقل الطالب إلى ما يطلق عليه (البحث الخارج) يحضر محاضرات المجتهدين التي تتحدث ليس ضمن مكان معين وإنما هو يلقي المسألة وأدلتها ويطرح رأيه ويفسح المجال للطلاب حتى يناقشوه فيها ومن خلال الحضور في هذا المجلس والمناقشة تتكون عند الطالب ملكة استنطاق الحكم الشرعي. وهناك منهج لدراسة أصول الفقه يمر بعدة كتب آخرها (الرسائل) للشيخ مرتضى الأنصاري و (كفاية الأصول) للشيخ محمد كاظم الخراساني (1255 – 1329هـ) وبعدها يكون بحث الخارج في الأصول إلى جانب بحث الخارج في الفقه.

وبعد الحضور لسنوات في هذه المحاضرات إذا أثبت الطالب من خلال مناقشته مع الأستاذ ومن خلال حواره مع زملائه أو كتاباته اثبت انه قادر يطلق عليه مجتهد ويعطيه الأستاذ إجازة الاجتهاد، بمعنى ان هذا الطالب اصبح قادراً على استنطاق الحكم الشرعي.

طبعاً ممارسة الاجتهاد لا تحتاج إلى إجازة لكن من اجل ان يعرف الناس بان هذا مجتهد و مستوى الاجتهاد متفاوت، هناك عالم وهناك من هو أعلم منه وقد تعارفت الشيعة خاصة في العصور المتأخرة على القول بتقليد الأعلم، فعلى الناس ان لا يقلدوا أي مجتهد بل يبحثوا عن اعلم مجتهد باعتبار انه ما دام اعلم فقوله اقرب للصواب والى الاطمئنان كما في أي مجال من مجالات العلوم يؤخذ برأي من عرفت أعلميته وأفضليته فيكون هو المرجع الأعلى وقد لا يكون واحدا بل قد يكون طبقة من عدة أفراد عادة ما يكونون ثلاثة وبالكثير ستة أو سبعة هؤلاء هم الذين يدعى لهم الأعلمية قد لا تتوحد كل الآراء على أن شخصاً بعينه هو الأعلم فيصبح عندنا طبقة من المراجع يدعى لهم الأعلمية وغالباً ما يكون من بينهم الأبرز الذي يطلق عليه المرجع الأعلى.

* هذا بالنسبة للفقه, ولكن تهمني جدا مسألة العقائد والتي في تصوري تمثل مفاصلة حادة واختلاف أشدّ بينكم وبين الطوائف الأخرى, ماذا عن كتب العقائد؟

- في العقائد عادة ما يدرس كتاب (تجريد الاعتقاد) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي (توفي 672هـ) وله شروح عديدة وأكثر من نصفه في الفلسفة عن الوجود والعدم وعن الماهية ولواحقها والعلة والمعلول والجواهر والأعراض والقسم الآخر في التوحيد والنبوة والمعاد والامامة.

ويدرس (الباب الحادي عشر) وهو فصل من كتاب للشيخ الحسن بن المطهر الحلي (توفي 726هـ) وهو في التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

وفي السنين الأخيرة صار الطالب يبدأ بدراسة كتاب (عقائد الإمامة) للشيخ محمد رضا المظفر من العلماء العراقيين المجددين المصلحين، وكل هذه الكتب تطرح المعتقدات الشيعية بادلتها بعيداً عن التشنج وتكفير الآخر وتجريحه أو التعبئة ضده.

كتاب الكافي ومنزلته


* يبقى أن أسأل عن كتاب شهير, وسمعته لدينا كما تعلم, وهو كتاب الكافي. من يقينياتنا فيه أنه يعتبر بالنسبة لكم في منزلة كتاب الإمام البخاري.. في أي المراحل تدرسونه ؟

- كتاب الكافي لا يدرس أبداً ولا يعتبر كتاباً عقدياً ولا كتاباً فقهياً وإنما يعتبر مجموعة حديثية بمعنى مصدر من مصادر الحديث ونحن الشيعة لا نتعامل مع كتاب الكافي كما يتعامل إخواننا السنة مع الصحيحين, لا يرون ما في كتاب الكافي من أحاديث كلها صحيحة وإنما على المجتهد أن يدرس كل حديث من الأحاديث يدرس سند الحديث ومتنه مقارنة له بالنصوص الأخرى وبعد ذلك يعطى رأيه هل الحديث صحيح ام غير صحيح ولذلك قد لا يتفق الفقهاء بان حديثاً بعينه يعد صحيحاً قد يرى البعض أنه صحيح ويرى البعض الآخر أنه غير صحيح، وهذه هي الإشكالية, وهي أن إخواننا السنة يحاسبون الشيعة على ما ورد في كتاب الكافي وهذا خطأ كبير ناتج من الخلط في الموضوع.

كتاب الكافي لا يدرس أصلاً في حوزاتنا العلمية وليس كتاباً عقدياً ولا فقهياً ولا يصح محاسبة الشيعة على كل حديث ورد فيه.

* بكل صراحة أنا مندهش من إجابتك, ما يجعلني أتساءل اتكاء الى موروثي الفكري حيال قضية الشيعة: هل ما سمعته للتو هو رأي الشيخ حسن الصفار العالم الشيعي السعودي.. أم ما ذكرته معبّر عن رأي جملة علماء الشيعة العرب والعجم؟

- بل كل علماء الشيعة يتحدثون عن هذا الأمر كانت هناك مدرسة عند الشيعة يطلق عليها (مدرسة المحدثين الاخباريين) هذه المدرسة كانت ترى صحة ما في الكتب الأربعة (الكافي) و(تهذيب الأحكام) و(الاستبصار) و(من لا يحضره الفقيه) فهي عندها بمثابة الصحيحين عند أهل السنة وهذه المدرسة كانت هي السائدة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة. أما قبل هذا التاريخ وبعده فالاتجاه السائد يمثل المدرسة الأصولية التي لا ترى صحة كل ما في هذه المجاميع الحديثية. ولو أن أي شخص اطلع على أي كتاب فقهي واحد من كتب الشيعة الاستدلالية لوجد هذه الحقيقة واضحة أمامه لان الفقيه يأتي بالمسألة ويقول الدليل عليها رواية وردت كذا ولكن هذه الرواية صحيحة أو غير صحيحة مقبولة أو غير مقبولة. أبرز الفقهاء المراجع المعاصرين عند الشيعة ولعلكم سمعتم عنه هو السيد أبو القاسم الخوئي و كان المرجع الأعلى للشيعة، له كتاب موسوعة اسمه (معجم رجال الحديث) ثلاثة وعشرون مجلداً كل رواة الحديث عند الشيعة تحدث عنهم في المعجم مرتبين على حروف الأبجدية، في مقدمة كتابه تحدث بشكل واف عن رأيه ورأي الشيعة المحققين في الكافي وفي الكتب الأربعة، قال تحت عنوان (روايات الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور) في مقدمة الجزء الأول ما نصه: (ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور وهذا القول باطل من أصله، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد. ولا سيما ان في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع، على ما ستقف عليه قريباً في موارده إن شاء الله تعالى). فالثابت عند الشيعة ان الكافي مجرد مصدر حديثي فقط ومن هنا عتابنا على بعض العلماء عندما يحاكموننا على أساس أحاديث وردت في الكافي. المحاسبة عليه تشبه ان نحاسب أهل السنة على كل أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل.

أو على الأحاديث الواردة في كنز العمال أو على أي مصدر لا يعتبرونه من الصحاح أنا لا أستطيع أن أحاسبك عندما تقول ان هذا الحديث موضوع أو ضعيف غير مقبول. فالشيعة بالنسبة لكتبهم الأربعة الحديثية يتعاملون معها على هذا الأساس.

مرحلة التجييش الطائفي


* التجييش الطائفي.. لأقف هنا قليلا معك. يدرك كلانا بأن هناك تراكمات تاريخية بين الطائفتين, وأقدّر لك روحك وأطروحاتك التوافقية، لكن لا بدّ من سؤالك بشفافية عن التجييش الطائفي ضد أهل السنة ..في أي المراحل يتعرض لها الطالب الشيعي ؟

- في الحوزة العلمية لا ندرس كتاباً للتجييش الطائفي ضد السنة، على العكس من ذلك اغلب كتبنا الدراسية وخاصة في علوم اللغة العربية والصرف والمنطق هي لأهل السنة، في علوم النحو نحن نبدأ بدراسة شرح الأجرومية لابن آجروم الصناهيجي وبعده ندرس قطر الندى لابن هشام وبعده ندرس ألفية ابن مالك أما بشرح ابنه ابن الناظم أو بشرح ابن عقيل وبعد ذلك ندرس (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) أيضاً لابن هشام هذه هي الكتب النحوية التي ندرسها في الحوزة وفي الصرف ندرس الكتب الصرفية للسنة مثل (شذا العرف في أحكام الصرف) لأحمد الحملاوي، وفي المنطق والبلاغة ندرس للتفتازاني كمختصر المعاني والبديع، أما الكتب الفقهية فهي تعرض آراء المذهب وربما تشير إلى الرأي المخالف. وليس في مناهجنا الدراسية تجييش لأن الكتب العلمية هي كتب دراسة والتجييش عادة ما يكون للعامة، أما الدراسة فتكون علمية. بل على العكس من ذلك غالباً ما تنحو دراستنا الفقهية والأصولية إلى المقارنة فيستعرض رأي السنة إلى جانب رأي الشيعة سواء كان في الفقه أو الأصول مع المناقشة العلمية الموضوعية.

ومناهجنا الدراسية مناهج معلنة ومطروحة ويمكن لأي شخص أن يطلع عليها.

* ولكن يا شيخ حسن, التحاما بالواقع الموجود والتأريخ الذي لا يمّحي, بودي سؤالك بعيدا عن المثالية المتوخاة: أين هي جذور الانفصال بين الشيعة والسنة الذي أدى بهما الى هذا الحال.. هذا هي مثلا في مسألة سبّ طائفة الشيعة للصحابة رضوان الله عليهم جميعا؟

- هي تأتي من عاملين، الأول أن الشيعة كانوا أقلية محكومة وكان الفقه في أغلب الفترات هو للمذهب الرسمي والذي هو مذهب أهل السنة وفي كثير من الفترات كان يُمارس نوع من القمع والاضطهاد للشيعة كما في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحينما يمارس نوع من القمع على جماعة يوجد لديهم رد فعل يكون في تمسكهم أكثر بمذهبهم ومحاولة التحصين لأنفسهم و لأجيالهم من الرأي السائد و لا يمكن الإنكار أنه كان هناك صراع في عمق التاريخ... فجذور الانفصال تكمن في عدم احترام حرية الرأي الآخر وقمع معتنقيه.

بداية الخلاف كما هو معلوم خلاف سياسي حول مسألة الخلافة والإمامة لكنه ما لبث أن تحول إلى إيجاد مبررات دينية وشرعية لكل طرف وهناك تكونت المذاهب وتكونت التوجهات..

* عفوا لاختلافي معك هنا يا شيخ حسن, قلت بأن الشيعة كانوا دوما أقلية محكومة وأتصور أن ذلك غير صحيح, هناك الدولة الصفوية التي قامت بالمذابح تجاه أهل السنة, وهناك الدولة االبويهية, والحمدانية..هل أذكرك بالدولة الفاطمية وتأريخ الحاكم بأمرها..

- نعم الشيعة ضمن الخلافة الإسلامية العامة كانوا أقلية، وقامت لهم بعض الدول في مناطق من العالم الإسلامي ولبعض الفترات، فالفاطميون حكموا في شمال إفريقيا ومصر وبعض بلاد الشام، والحمدانيون في منطقة الموصل وحلب، والبويهييون حكموا الجزء الغربي من إيران والعراق والصفويون حكموا في إيران.

فحكوماتهم كانت ضمن مقاطع زمنية وجغرافية لا تنفي كونهم أقلية في المجمل الزمني والواقع العام.

أما الحديث عن تعامل هذه الحكومات مع أهل السنة فهذا يحتاج إلى بحث موضوعي بعيداً عن تأثير الانتماءات المذهبية في كتابة التاريخ وسرد وتحليل أحداثه، بالطبع لا يمكن تبرئة هذه الحكومات خاصة وأن الفكر والفقه الشيعي لا يسبغ عليها الشرعية، لأن للحكم الشرعي مواصفات لم تتحقق عند أغلب هذه الحكومات المنتمية للشيعة، وكان الحكم الشاهنشاهي في إيران محسوباً على الشيعة، لكن علماءهم لم يسبغوا عليه الشرعية وأخيراً أسقطوه.

لكن ذلك لا يعني القبول بكل ما يثار حول هذه الحكومات وخاصة إذا كان من طرف خصومهم.

* سحت بنا تأريخيا يا شيخ حسن عن نشأة الخلاف بين الطائفتين, وربما لن أتجادل معك كثيرا وأترك تفنيد ما قلت لطلبة العلم ليعلقوا. ولكن لي سؤال هنا عن جوهر التشيع. لكأني أتلمس. وأنا العامي, بأنه سياسي بالدرجة الرئيسة. بمعني أن دعائمه قامت على أفكار سياسية ..

وجوهر التسنن أيضاً انطلق من موقف سياسي إذا أخذنا الخلافة كمحور تمايز وافتراق.

وأريد بكلامي هذا انه ليس من الصحيح ان جهة تعتبر نفسها أنها تمثل الاتجاه الديني وان مواقفها انطلقت من الدين وأن جهة أخرى انطلقت مواقفها من مصلحة سياسية. هذا التصوير خطأ وفيه خلط للمسألة، فكلا الطرفين يعتبر نفسه منطلقاً في موقفه السياسي من مبررات دينية، ولكل منهما مدرسة عقدية ومذهب فقهي.

فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصلت بيعة الخليفة الأول في سقيفة بني ساعدة فكانت تأسيساً للموقف السني في الخلافة، وحصل اعتراض عند بني هاشم وعدد من الأصحاب الذين رأوا أولوية الإمام علي بن أبي طالب فكان ذلك تأسيساً للموقف الشيعي المعارض والقائل بإمامة أهل البيت عليهم السلام مع التسليم بالواقع حفاظاً على وحدة الأمة ومصلحة الدين.

وكان من الطبيعي أن يدافع كل من أتباع الاتجاهين عن رأيه وموقفه ملتمساً المبررات والأدلة الشرعية. وبمرور الزمن وتوالي الأحداث أصبحت هناك مدرستان وثقافتان متمايزتان. وفي القرن الثاني بدأ تكوّن المذاهب الفقهية حيث برزت شخصيات بعض المحدثين والفقهاء، والتف حولهم تلامذة واتباع، كالإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل.

ولا أحد ينكر مكانة أئمة أهل البيت العلمية، فليس مستكثراً عليهم أن يكون لهم مذهب، فالإمام جعفر الصادق مثلاً كان أستاذاً لأبرز العلماء والفقهاء في عصره، وكانوا يعترفون له بالفضل.

* عذرا يا شيخ حسن, سأشهر لك مسألة الإمام الغائب ولكأنه أحد أركان المذهب الشيعي, وهي فكرة سياسية بالدرجة الأولى؟

- واحد أركان السنة قائم على أساس ان الإمامة والخلافة تكون بالاختيار وتكون بالقوة والغلبة وهي فكرة سياسية أيضاً.. فالسنة أيضاً مثل الشيعة إذا اعتبرنا أن الخلافة هي جوهر الخلاف. أصل الخلاف لم يكن حول رؤية الله في الآخرة حتى نقول أن الخلاف قائم على رؤية دينية. أصل الخلاف قام على من يتولى هذا الموقع والمنصب. الفارق أن السنة كأمر واقع أصبح بيدهم الحكم لكن الشيعة لم يكن الحكم بيدهم وبالتالي من الخطأ القول بان أصل مذهب الشيعة أصل سياسي. إنما نقول أصل الافتراق كان حول قضية سياسية أخذ السنة فيها طريقاً واخذ الشيعة طريقاً آخر. أرجو أن تكون الفكرة واضحة.

* لعلني أستدرك عليك هنا يا شيخ بأن الخلافة كانت ربما منشأ الخلاف, ولكن جوهر الخلاف تحول بعد ذلك إلى أصول الإسلام كالنص القرآني ثبوتا وتأويلا والعصمة والصحابة والصفات والقدر وتوحيد الربوبية والألوهية وغيرها من الأصول

- نعم منشأ الخلاف كان حول الإمامة والخلافة ثم تطور وتشعب، لأن الشيعة يرون أن معالم الدين تؤخذ عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وعند الخلاف بين قولهم وقول غيرهم فالراجح المتبع قولهم، أما السنة فيرون الأخذ من سائر الصحابة والتابعين.

أما الكلام عن الخلاف في الأصول أي في جزئيات وتفاصيل أصول الإسلام فهو صحيح لا في ذات الأصول حيث يتفق السنة والشيعة على الإيمان بالله تعالى ووحدانيته وعلى الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالآخرة وبمرجعية الكتاب والسنة ليس هناك اتفاق على كل التفاصيل والجزئيات، وحتى بين أهل السنة ليس هناك اتفاق على كل التفاصيل والجزئيات المرتبطة بأصول الدين، فهناك أشاعرة وهناك معتزلة وهناك سلفية وهناك صوفية.. كما أنه ليس هناك اتفاق بين الشيعة على كل التفاصيل العقدية أيضاً.

أما ثبوت النص القرآني فهو أيضاً متفق عليه بين السنة والشيعة، وحتى الرأي الشاذ الذي يقول بالتحريف في القرآن لا يناقش في ثبوت النص القرآني الموجود، بل يقر به ويؤمن به ويعمل به لكنه يرى لشبهة أن هناك نقصاً وحذفاً من القرآن، وهو رأي مردود لكنه لا يتنكر لشيء من النص القرآني.

والخلاف حول فهم الآيات وتأويلها موجود بين المذاهب وداخل المذاهب نفسها كما هو معلوم.

لذلك أتحفظ على القول بأن بين الشيعة والسنة خلافاً في الأصول، لأنه يوهم بأن الخلاف في ذات الأصول، كما يوهم بأن هناك اتفاقاً بين كل السنة على كل تفاصيل الأصول، أو بين الشيعة وهذا ليس دقيقاً.

* ولكن في المقابل يا شيخ حسن لم تجبني على مسألة الإمام الغائب, ليتك تدلي لنا رؤيتك حيالها ؟

- يتفق المسلمون سنة وشيعة إلا من شذ على الإيمان بظهور إمام مهدي آخر الزمان من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد فاطمة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، لورود أحاديث صحيحة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإخبار بذلك.

لكن الشيعة ينفردون عن السنة بالإيمان بأن هذا الإمام المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن العسكري وأنه ولد في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255هـ وقد تحدث عن ولادته ابن الأثير في تاريخه وابن خلكان في عدد من كتبه وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، والنسابة أبو نصر البخاري. ولا يزال موجوداً لكنه غير ظاهر ومعروف للناس وهذا هو معنى الغيبة.

ولدى الشيعة منطلقات وأدلة وإجابات على التساؤلات المثارة حول هذا المعتقد، حيث كتبوا عنه الكثير من الكتب والرسائل، ومن منطلقاتهم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أمر الأمة بالتمسك بالثقلين، كتاب الله وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «...وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي»، وأخرج الترمذي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل البيت، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلُفوني فيهما»، وورد مثل هذا النص في معظم المصادر الحديثية، وفي هذا الحديث دلالة على استمرار وجود الإمامة في العترة النبوية، وعدم انقطاعها إلى يوم القيامة.

وقد أشار بعض علماء السنة إلى مثل هذه الدلالة يقول ابن حجر الهيتمي: «إن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة، وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك: بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة».

ومرة أخرى يقول: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت، إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، ويشهد لذلك الخبر: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي».

ومن منطلقات الإيمان بوجود المهدي: ما صح عندهم من روايات أهل البيت عليهم السلام: أن الأرض لا تخلوا من قائم لله بحجة، وقد أشار ابن حجر العسقلاني إلى هذه الحقيقة في شرحه لأحاديث البخاري، حيث قال ما نصه: «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الأمة، مع كونه في آخر الزمان، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة».

ومنها: الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أن الخلفاء اثنا عشر، كما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن سمرة قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش»، وجاء في صحيح مسلم: «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش».

والأئمة الاثنا عشر هم المصداق المناسب لهذه الأحاديث، ولا بد من استمرار وجود إمام منهم إلى يوم قيام الساعة. إضافة إلى ماورد عن أئمة أهل البيت حول الموضوع وقولهم عند الشيعة حجة شرعية. وحيث تمت لدى الشيعة الأدلة على هذا المعتقد آمنوا به كأي قضية دينية تتجاوز المعادلات المادية المعتادة وتدخل ضمن الإعجاز كما هو الحال بالنسبة للاعتقاد ببقاء نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام وانه لم يقتل ولم يصلب كما يدعي المسيحيون وأن الله رفعه إليه، كما نص القرآن على ذلك وسيعود ويأتم بالإمام المهدي كما ورد في صحيح البخاري ومسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم).

وبعد فان الاعتقاد بالإمام الغائب لا يناقض شيئاً من أصول الإسلام، وإنما هو جزئية عقدية يؤمن بها من ثبتت لديه بالدليل والبرهان، ومن يرفضها لعدم ثبوتها لديه لا يخرج عن الإسلام.

كما لا يصح النظر إليها من خلال المقاييس المادية العادية فتبدوا وكأنها تخالف العقل ويستسخفها الوجدان إذ كيف يبقى إنسان حياً طول هذه المدة؟ لأن هذا يعني رفض أشياء دينية أخرى من هذا القبيل كولادة عيسى بن مريم من دون أب وبقائه إلى نزوله آخر الزمان وماشابه من المعتقدات التي قام الدليل الشرعي عليها فيؤمن بها المسلم وان خالفت ما هو معتاد كمعاجز الأنبياء وغيرها.

ويتطلع المسلمون جميعاً سنة وشيعة لظهور الإمام المهدي إن شاء الله حتى يوحد الأمة ويقودها والبشرية إلى شاطئ العدل والأمن والسلام.

النجف وطلب العلم


* يبقى لطلبة العلم لدينا أن يدلوا برأيهم حيال ما تجادلنا, وأعود إليك في النجف, كم كان عمرك وقتها؟

- كان عمري وقتذاك 14 سنة.

* أنتظر منك أن تحدثني عن مشاهدات الفتى حسن الصفار وحياته هناك كرصد توثيقي.. مَن مِن أقرانك السعوديين كان معك وقتذاك.. وهل التقيت بالشاعر العراقي الشهير الجواهري وهو ابن النجف؟

- كان المحيط الذي عشت ضمنه في النجف من الطلاب السعوديين والبحرانيين. كانت لديهم مجالس أسبوعية وفي المناسبات الدينية يجتمعون فيها، وأحدها في منزل الشيخ أحمد بن منصور آل سيف من علماء تاروت – القطيف (1326 – 1406هـ) والآخر في منزل الشيخ منصور بن عبدالله البيات من علماء القطيف (1325 – 1420هـ) ومجالس أخرى عند بعض الطلاب والفضلاء الاحسائيين والبحرانيين.

وكان قد جاء إلى النجف في تلك الفترة بعض الشخصيات الأدبية من القطيف بسبب ظروف سياسية حصلت لهم في الوطن، فأقاموا في النجف مدة حتى تقشعت الغيوم وعادوا إلى القطيف، ومنهم السيد حسن باقر العوامي وهو محامي وأديب ووجيه اجتماعي، وقد استفدت من التواصل معه لأنه كان يشجع الطلاب والعلماء على الحركة والنشاط، وينتقد حالة الركود والجمود، وكان يوجه رسائل مطولة وناقدة لبعض المراجع والقيادات الدينية مبدياً ملاحظاته على واقع الحوزة العلمية والإدارة المرجعية، واطلعت على عدد من تلك الرسائل، فكان صوتاً يكسر حاجز الهيبة والتقديس ويشجع على النقد والاعتراض.

ومنهم الشيخ عبدالله الخنيزي قاضي محكمة المواريث والأوقاف حالياً في القطيف ولم يكن قد ارتدى الزيّ الديني هناك، وهو معروف في الوسط الأدبي والشيعي بكتابه (أبو طالب مؤمن قريش) والذي دافع فيه عن إسلام أبي طالب وأثبته وناقش المرويّات المضادة، واعتقل بسبب ذلك سنة 1381هـ في المملكة ثم أفرج عنه بعفو ملكي، بعد سنوات من هذه القضية جاء إلى النجف لظروف سياسية، وقد التقيت في مجلسه بعض الشخصيات الأدبية من العراق ومصر ولبنان.

ومن الطلاب السعوديين ذوي الاهتمامات الثقافية في النجف كان الأستاذ عبدالعلي بن يوسف آل سيف حيث لم يقتصر على الدراسة التقليدية في الحوزة بل التحق بكلية الفقه ونال شهادة البكالوريوس وألف عدة كتب وكانت مكتبته ثرية بالكتب الثقافية والأدبية وعلاقاته بالمثقفين واسعة وكانت لي به صلة طيبة. وهو الآن محامٍ ورجل أعمال في تاروت/ القطيف.

وقد كان للشيخ إبراهيم بن عبدالله الغراش وهو إمام جماعة في أحد مساجد القطيف الآن، دور كبير في رعايتي للسنة الأولى من ذهابي للنجف حيث اشتركت معه في استئجار منزل ولم يقصر هو وعائلته في رعايتي كما درست عنده مبادئ اللغة العربية، وكان مهتماً بالنحو، ومعه حفظت ألفية ابن مالك لأنه كان كفيف البصر وكنت اقرأها عليه وأتابعه للحفظ.

وبعض الأحيان كنت أحضر مجالس بعض المراجع كمجلس السيد الخوئي (1317 – 1413هـ) ومجلس السيد الشاهرودي، ومجلس السيد محمد باقر الصدر (1353 – 1400هـ) ومجلس الشيخ علي كاشف الغطاء، ومجلس الشيخ محمد أمين زين الدين (1333 – 1419هـ) وهي مفتوحة يستقبل فيها المراجع المستفتين والزائرين في ساعات محددة كل يوم، وتلقى فيها الخطابات في المناسبات الدينية.

كما تعرفت في النجف بشكل مباشر على الشخصيات العلمية والأدبية التي كنت أسمع واقرأ عنها كالعالم الباحث أسد حيدر وكنت قرأت كتابه القيم (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) في ستة أجزاء وأعجبت به واستفدت منه. والعالم المؤلف الشيخ باقر شريف القرشي صاحب المؤلفات الكثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. والخطيب الشهير الدكتور الشيخ أحمد الوائلي والخطيب المعروف السيد جواد شبر.كما صرت أتردد على المكتبات العامة للمطالعة فيها كمكتبة أمير المؤمنين ومكتبة الإمام الحكيم.وحضرت بعض الاحتفالات والمهرجانات الدينية والأدبية وكانت قد ضعفت وتقلصت تلك الفترة بسبب الضغوط الأمنية.

ولم ألتق بالشاعر الكبير الجواهري وهو كان يعيش في بغداد، ولعله خارج العراق آنذاك، والأجواء الدينية التي كنا نعيشها في النجف كانت سلبية تجاهه لأنها تعتبره خارج الحالة الإسلامية، وإن كانت موقعيته الأدبية محل احترام.

وفي النجف وعيت معركة الإسلام مع الاتجاهات المناوئة كالشيوعية والرأسمالية والصراع مع البعثيين والقوميين، ولم أكن في القطيف قبل هجرتي إلى النجف منفتحاً على هذه الآفاق، لأني كنت أعيش جواً تقليدياً محافظاً.

أما في النجف فقد قرأت باهتمام كتابي السيد محمد باقر الصدر (فلسفتنا) و (اقتصادنا) وتابعت قراءة أعداد مجلة (الأضواء) كانت أصدرتها جماعة العلماء، كما شدتني كتابات الشيخ محمد أمين زين الدين (إلى الطليعة المؤمنة) و (الإسلام ينابيعه غاياته) و(العفاف بين السلب والإيجاب) ومن خلال ما كنت أسمعه في اللقاءات والجلسات وما لحظته من ضغوط على الحوزة العلمية والحالة الدينية من قبل البعث الحاكم في العراق، توضحت أبعاد معركة الإسلام مع الاتجاهات الأخرى إلى حد لم أكن أدركه سابقاً وما كنت أعيش مثل هذه الأجواء في القطيف ولم يكن لدينا احتكاك مع هذه التوجهات والتيارات لكن في العراق واجهناه..

* سأستوقفك هنا وأقاطعك رافعا لافتة اعتراض كبيرة يا شيخ حسن. للتو قلت بأنكم هنا في القطيف لم تتأثروا بهذه الأيديولوجيات والأفكار ولم تك لكم احتكاكات. وأنا أزعم لك العكس وأبرهن لك. فالقارئ لتأريخ المنطقة سيلاحظ من فوره بأنه قد سادت كثير من الأيديولوجيات السياسية كالشيوعية والبعثية والقومية والناصرية وحتى الإسلامية منطقتك, هل أنا بحاجة لتذكيرك بالحزب الشيعي السعودي، واتحاد شعب الجزيرة، وحزب البعث العربي الاشتراكي، ومصدري هو رفيق دربك حمزة الحسن، سرد ذلك في قراءة تاريخية لمنطقة القطيف.. فكثير من أبناء الشيعة انخرطوا في هذه التنظيمات.. كيف تعلق؟

- حينما ذهبت للنجف الأشرف انطلقت من جو تقليدي في القطيف لم أحتك ولم أطلع من خلاله على التوجهات الفكرية والسياسية الأخرى، وذلك لحداثة سني ومحدودية دائرة انفتاحي، لكني في النجف انفتحت على آفاق هذا الصراع الإسلامي مع التوجهات الأخرى.

وفي القطيف هناك امتدادات للتوجهات الفكرية والسياسية التي ظهرت في الوطن العربي آنذاك كالشيوعية والبعثية والقومية والناصرية كما حصل في مناطق أخرى من المملكة أيضاً.

لكنها كانت حالة نخبوية ولم تصل إلى مستوى التيار الشعبي، كما أن الوضع في المملكة السياسي والديني لم يكن يسمح لهذه التوجهات ان تظهر وجودها ونشاطها، بينما كانت هذه التوجهات علنية وبعضها كالبعثيين يمارسون الحكم في العراق وهذا هو المتغير الذي عشته هناك.

* دعنا نترك الفتى حسن الصفار.. وندلف إلى الشيخ العالم.. وأسألك وأنت في مرحلتك الآن.. لِمَ يتلقف شباب الشيعة هذه التيارات؟ ولماذا لديهم الاستعداد لمثل هذه الأيديولوجيات.هل لعدم قناعاتهم بأدبيات الطائفة مثلا, لأني أعرف أن نصف المشاركين في مظاهرة أرامكو الشهيرة كانوا من طائفة الشيعة..بم تفسر هذا ؟

- هذه الأفكار والتوجهات شقت طريقها إلى المجتمعات الإسلامية عامة ووجدت لها متجاوبين في مناطق مختلفة من المملكة، ولعل من عوامل انتشارها في المجتمع الشيعي أمران:

الأول: وجود شعور بالغبن والاضطهاد يدفع إلى التفاعل مع الشعارات الثورية.

الثاني: ضعف الحركة الثقافية الدينية حيث كانت الحالة الدينية تقليدية لم تمتلك آنذاك لغة معاصرة ولم يكن لها عطاء فكري ثقافي يملأ أذهان الشباب ويجيب على تساؤلاتهم، إضافة إلى محدودية فرص العمل الديني والثقافي من الناحية الرسمية عند الشيعة، حيث لا مجال لهم لإنشاء مكتبة أو طبع كتاب أو إصدار مجلة أو قيام مؤسسة ثقافية.

وقد تعرفت فيما بعد على بعض من ينتمون لهذه التوجهات فوجدت أن انتماءهم أقرب إلى الحالة السياسية منه إلى الاقتناع الفكري أو التقمص الأيديولوجي، بالطبع هناك منتمون إيديولوجيون.

* اسمح لي أن أبدي لك استغرابي, وأستأذنك في سرد رؤيتي للمسألة. وأنظر إليها من زاوية أخرى غير التي نظرت بها أنت..ألم يكن ثمة تحصين ديني قوي لأبناء الطائفة.. بحيث لا ينخرطوا في حزب شيوعي أو بعثي أو حتى أي أفكار وافدة.. خصوصاً وأن أعدادهم كما ذكرت قبلا كانت كبيرة نوعاً ما؟

- ليس هناك تحصين قادر على استيعاب كل أبناء المجتمع، في أي مجتمع إنساني، ففي نجد مثلاً ومع أن الحالة الدينية حاكمة وتحت تصرفها إمكانيات هائلة، لكن ذلك لم يمنع من ظهور مثل عبدالله القصيمي، ومن وجود اتباع لمختلف الأحزاب والتوجهات الفكرية والسياسية.

وإذا صح أن الإقبال على هذه التوجهات في المجتمع الشيعي كان أكبر من بقية مجتمعات المملكة، فيبدو لي أن ذلك للعاملين السابقين، الشعور بالغبن ومحدودية النشاط الديني، إضافة إلى أن وجود أرامكو في المنطقة واجتذابها للموظفين والعاملين وفيهم عناصر ذات اهتمامات ثقافية وسياسية من مختلف مناطق المملكة، ومن مناطق أخرى من العالم العربي، والانفتاح النسبي الذي كان في أجواء الشركة، لعل ذلك هو ما خلق أرضية أكثر خصوبة لتلك التوجهات.

السؤال الأهم : الولاء والانتماءات


* لعل هذا السؤال يشجعني على فتح مسألة حساسة, وسبق لي استئذانك في الحديث بكل حرية وصراحة. ما أنا بصدد مناقشته معك هو ذلك الاتهام الدائم الذي يوجه لطائفة الشيعة حيال ولائهم وانتمائهم الفعلي والحقيقي، وربما عرض لك هذا الموضوع مرارا.. وبودي أن أثبته هنا معك يا شيخ حسن, وخصوصاً المرحلة التي نمرّ بها ككيان ومجتمع حرجة سياسياً واجتماعياً وفكرياً. بودي أن أسمع منك حول هذه القضية التي توجه لشيعة المنطقة الشرقية.

- ولاءات أو انتماءات هذه تدخل ضمن حالة التهريج والتشهير, هذه الاتهامات التي توجه للشيعة هي من مظاهر معاناتهم وناتجة عن الأجواء السلبية التي صنعت تجاههم. فوجود تيارات فكرية وسياسية لا يخص مجتمع الشيعة، والمعركة التي كانت قائمة بين السلفيين والحداثيين في المملكة ليست على ساحة المجتمع الشيعي، فلماذا يتحول الأمر إلى تشكيك في الولاء والانتماء بالنسبة للشيعة دون غيرهم؟

إن احزاباً وتيارات فكرية وسياسية ظهرت في المجتمعات السنية في مختلف البلدان كما هو معروف وكان ينظر إليها ضمن التحليل السياسي والاجتماعي، فلماذا التمييز الطائفي ضد الشيعة حتى على صعيد التحليل والتفسير للظواهر الاجتماعية.

* يا شيخ حسن أتفهم كثيرا ما اعتراك من استفزاز الى درجة ان تطلق على هذا السؤال بأنه تهريج . وأتكئ على السياسي فيك لتتفهم حساسية الموقف الذي نعيشه ككيان ومجتمع, ودخول الذئب الأمريكي على الخط واللعب بوتر الطائفية والشيعة، والضغط على الرسمي لدينا وآخرها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية..ومثلك يدرك تماما بأن مجموعات من الشيعة يحتضنهم الغرب في الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدا وهي مجموعات معارضة.

- من الطبيعي ان يسعى الأمريكيون وغيرهم للاستفادة من الثغرات ونقاط الضعف، وان يبحثوا عن مختلف وسائل الضغط والتدخل في الشؤون الداخلية، والمطلوب هو تصليب الوحدة الوطنية وسدّ الثغرات التي ينفذ منها العدو وليس تبادل الاتهامات التي تعمّق الهوّة بين أبناء الوطن.

أما ما ذكرته عن مجموعات شيعية يحتضنها الغرب فهو مبالغة وتضخيم وتهويل، قد يكون هناك أفراد من الشيعة يعبرون عن آرائهم، بطريقة لا نقبلها لكن اتهامهم جميعاً بالارتباط بالجهات الخارجية أمر ينبغي التأكد منه وأعتقد أن فيه مبالغة وتهويلا.

* عفوا ..عفوا يا شيخ حسن, وأرجو ألا تتحسس من السؤال السابق. فعندما قلت احتضانهم للمجموعات المعارضة قصدت بمثل ما يفعلون مع سعد الفقيه ولجنته المزعومة, فهي ليست حالة شيعية خاصة بل هي حالة عامة..

- قلت إن الأمر في حدود أفراد لا يصح التعبير عنه بمجموعات، وأرجو أن توضع المسألة في سياقها السياسي وأن لا تعطى تفسيراً طائفياً.

* لك ذلك.. لنقل إنها أصوات شيعية معارضة؟

- أصوات شيعية. كما هو من الشيعة موجود هو من السنة أيضاً موجود. لماذا حينما يكون هناك سني في الغرب يحاسب كفرد وحينما يكون شيعي يحاسب كطائفة يقال شيعة أو أصوات شيعية هل يطلق على سعد الفقيه مثلاً أو المسعري أو البقية أنهم معارضة سنية هم يحاسبون كأشخاص دون الإشارة إلى صفتهم المذهبية. لماذا حينما تأتي المسألة للشيعة الفرد يحاسب كطائفة وتحاسب هذه الطائفة كلها؟ أليس هذا تنميط خارج الموضوعية ومظهر للتمييز الطائفي؟

أودّ أن أقول بأن المزايدة على الشيعة في الموقف من أمريكا أمر مرفوض فإن الشيعة هم من بدأ المواجهة مع الأمريكيين في الشرق الأوسط وليس السلفيون ففي الوقت الذي كان هناك تحالف بين الجهات السنية والأمريكيين فيما يرتبط بأفغانستان، كان الشيعة في إيران ولبنان ومختلف المناطق يعلنون الرفض والمواجهة للأمريكيين وأعتقد أن هذا الأمر واضح معروف.

وإذا كان الوضع في العراق قد سبب انفتاح بعض الشيعة على الأمريكيين فان ذلك يأتي بعد أن شبعت جهات سنية كثيرة من التعامل مع الأمريكيين وفي سنة العراق مثل ما في الشيعة جهات تهادن وجهات تقاوم فلا داعي لإعطاء المواقف السياسية صبغة مذهبية.

وبعد صدور تقرير الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في السعودية بادرنا لإعلان رفضنا التدخل الأمريكي في شؤوننا الداخلية.

فيجب التوقف عن الاتهامات والمزايدات لأنها لا تخدم الوحدة الوطنية بل تفيد الأعداء.

* أردت بأسئلتي التي سمعت التنبيه الى حساسية الموقف الذي نعيشه, ودخول الغرب وأمريكا تحديدا على الخط واللعب بوتر الطائفية والأقليات في مجتمعنا، والضغط على الكيان والمجتمع والرسمي في املاءات لا تنتهي. .

- أوافقك الرأي أن الموقف حساس وان المشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة خطير، وانهم سيحركون كل أوراق الضغط وسيلعبون على وتر الأقليات والصراعات الطائفية.

كل هذا صحيح وباعث على القلق لدى كل مسلم واع ومواطن مخلص، ولكن كيف نواجه هذا التحدي؟ وكيف نفوّت الفرصة على الأعداء؟

أعتقد أن هناك أمرين أساسيين:

الأول: معالجة الثغرات ونقاط الضعف والجد في مسيرة الإصلاح والتطوير التي تحدث عنها خطاب خادم الحرمين الشريفين في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى وأكدّ عليها سمو ولي العهد والنائب الثاني.

الثاني: تصليب الوحدة الوطنية وتجاوز آثار الصراعات المذهبية والتمييز الطائفي.

أما إثارة الشكوك في ولاء هذه الجهة أو تلك فهو يقدم أفضل الخدمات للأعداء.

كما أنه ينطلق عادة من الأوهام والظنون وأساليب التنميط والتعميم غير الموضوعية، كما هو الحال في إثارة البعض لقضية ابن العلقمي وجعل ذلك عنواناً للتاريخ الشيعي. وهي قضية مختلقة فهل درست أنت شخصياً موضوع ابن العلقمي؟

* والله ياشيخ حسن لست سوى صحافي من غمار الصحافيين البؤساء, ولست متخصصا في التأريخ . ولكن الذي أعلمه حقا بأن ابن العلقمي هذا قام بالخيانة التاريخية التي تلبسته مذاك, واستحق لعنات كل الأمة مذ ذلك التأريخ, بسبب عمله القذر في خيانة الخليفة العباسي ومساعدته للتتار ..

- هل تعلم أن اتهام ابن العلقمي بالخيانة الذي يرسله البعض إرسال المسلمات وكحقيقة ثابتة، هذا الاتهام غير ثابت على مستوى البحث العلمي التاريخي، وقد ناقشه مؤرخو الشيعة كالسيد حسن الأمين في كتابه عن الغزو المغولي، ورده بأدلة واضحة.

ودعك عن السيد حسن الأمين الشيعي فان باحثاً سعودياً سنياً هو الدكتور سعد بن محمد حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود في الرياض، قد ناقش هذا الاتهام بموضوعية وإنصاف، ضمن كتابه (سقوط الدولة العباسية) وطبع في الرياض سنة 1401هـ وتبنته الجامعات السعودية كمرجع معتمد وأعيد طبعه سنة 1403هـ وقد توصل الدكتور الباحث إلى ان اتهام ابن العلقمي بالخيانة لا يقوم على دليل بل هناك أكثر من إحدى عشرة حقيقة تاريخية واجتماعية تدحضه، وان مصدر الاتهام كان خصومة مذهبية وتعصب طائفي.

لكن المؤسف صدور قرار من جهة دينية بجمع الكتاب من المكتبات وإحراقه ومنع تداوله، وحتى النسخ الموجودة في مكتبة الجامعة محجوبة لا يطلع عليها أحد إلا بإذن خاص – كما أخبرت بذلك – كل هذه الإجراءات اتخذت بحجة ان الكتاب يدافع عن الرافضة.

فهناك إصرار على الاتهامات المفتعلة ورفض مناقشتها حتى من كاتب سني سعودي التزم الموضوعية والإنصاف.

ولو فرضنا أن شخصاً من الشيعة قد أساء وارتكب خيانة فهل كل الشيعة في تاريخهم يحاسبون بذلك، أليس في أهل السنة من الحكام والسياسيين وغيرهم من انحرف وأساء وخان؟ فهل يصح اتهام كل السنة.

إننا نعاني كثيراً من الصور النمطية ومن الأحكام التعميمية حينما تحصل أعمال إرهابية من قبل جهات سنية يقال شرذمة من الإرهابيين والمغرر بهم، ولا تعمم على كل السنة أو السلفيين، ولكن حينما يحصل شيء من قبل أفراد من الشيعة تصدر الأحكام الشاملة والتعميمية هل هذا من العدل؟

موقف الشيعة من أمريكا


* بعيدا عن صحة أو عدم صحة ما ذكرت, أعترف لك بأن ثمة اشكالات وهمية من كلتا الطائفتين ُتورثت عبر تاريخ صراعهما, وآن الأوان لينبري عقلاء الطائفتين لإزالة هذه الأوهام ويبقى خلافا رئيسيا لا يمحوه لا حسن الصفار ولا عبدالعزيز قاسم.. ودعني أعود الى السؤال الذي استفزك ..لعلي أقدم لكم شكرا وطنيا خاصا لموقفكم الوطني عبر بياناتكم المتكررة وآخرها تعليقكم على تقرير لجنة الحريات الأمريكية, ما أعطاني انطباعا لإدراككم الى اللعبة الأمريكية القذرة.. ونقدر لكم كمجتمع التحامكم بقيادتكم في كياننا ..

- أريد ان أقول وأعلنها بصوت واضح لكل المسلمين ولكل أبناء المنطقة بمختلف اتجاهاتهم بأن المراهنة على الأمريكيين مراهنة على سراب. الأمريكيون وهم يعلنون ذلك إنما يريدون حماية مصالحهم وهم في تحالف معلن مع اسرائيل ويعلنون دعمهم ورضاهم وغطائهم لكل الممارسات الصهيونية العدوانية. وبذلك لا يمكن المراهنة على الأمريكيين هم لم يأتوا من اجل الديموقراطية و حماية حقوق الإنسان ولن يأتوا من اجل حماية هذه الأقلية أو تلك الأقلية وإنما يأتون من اجل مصالحهم ولذلك انا أحذر كل المسلمين وكل العرب وكل أبناء المنطقة بأن لا ينخدعوا بهذا السراب الأمريكي، واوجه اللائمة اكثر لحكوماتنا لتبادر هي باستعادة شعوبها وان لا تترك الفرصة أمام المخططات الأمريكية أن تكون هناك مبادرة للإصلاح السياسي ولمعالجة المشكلات المطروحة. أما أن تبقى الأمور في المنطقة العربية والإسلامية كما هي عليه هذا هو ما يخدم الأمريكان.. الذي يتعامل مع الأمريكيين لا ينفع الأمريكيين اكثر مما تنفع الأنظمة حين تحافظ على الواقع كما هو هذه الأنظمة إذا لم تبادر للإصلاح وإذا لم تبادر للتغيير فهي تخدم الأمريكيين اكثر مما يخدمهم هذا العميل أو ذاك المخدوع.

عودة للنجف وأجواء الحوزة


* بعيدا عن الهمّ الأمريكي الذي أصبح كالدرن في الصدر. دعنا نعد لك في النجف كي تكمل لنا مشاهداتك وتلقفك العلم. كم بقيت هناك؟

- بقيت سنتان فقط ثم ساءت الأحوال وبدأت حملة اعتقالات في أوساط العلماء والطلاب استهدفت حتى الطلاب السعوديين هناك واعتقل عدد من الطلبة السعوديين من أهل القطيف.

* متى كان ذلك, وهل هذه الاعتقالات التي طالتكم بسبب أنشطتكم السياسية ؟

- لم يكن بسبب نشاط سياسي ولكن بتهمة أنهم جواسيس للحكومة السعودية، وهي حلقة ضمن مسلسل إجراءات حكم البعث لمحاربة الدين والحوزة العلمية.

* هل كان هذا في عهد أحمد حسن البكر أم في عهد عبدالكريم قاسم؟

- كان في عهد أحمد حسن البكر. ولم ندرك عبدالكريم قاسم وبالتالي خرجنا من النجف. أغلب الطلبة القطيفيين خافوا عدا بعض الكبار الذين اطمأنوا انه ليس عليهم شيء والبعض رجع إلى بلده وترك الدراسة وبعضنا وأنا منهم التحقنا بالحوزة العلمية في قم وذهبنا إلى إيران.

* متى كان ذلك ؟ واعذرني في مقاطعتي للتوثيق في الذي تسرد.

- كان ذلك عام 1393هـ وذهبنا إلى قم بالطبع في عهد الشاه وكان للتو قد تأسست فيها مجموعة من الطلاب العرب من العراقيين الذين هجرّوا إلى إيران بحجة أن أصولهم إيرانية، ومن اللبنانيين الذين طالت بعضهم الاعتقالات في العراق ومن الخوزستانيين العرب.

وقد احتضننا المرجع الأبرز آنذاك في إيران السيد محمد كاظم شريعتمداري وكانت له مؤسسة للدراسة العلمية والعمل الديني والثقافي باسم (دار التبليغ الإسلامي) وكان مرجعاً منفتحاً أقام علاقة مع المؤسسات الإسلامية السنية كرابطة العالم الإسلامي وأثناء وجودي في قم جاء وفد من الرابطة برئاسة الشيخ أبو الحسن الندوي وجرى لهم استقبال طيب وحصل حوار جميل للتقريب بين فئات الأمة واتباع المذاهب الإسلامية.

وكانت تصدر من (دار التبليغ الإسلامي) مجلة (الهادي) باللغة العربية وفيها كتابات لعلماء من أهل السنة، وكان يتصدر هذا النشاط الثقافي المنفتح السيد هادي خسروشاهي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد سعيد النعماني وغيرهم من الأسماء التي اصبح لها دور معروف بعد انتصار الثورة الإسلامية.

* كم كان عددكم أنتم السعوديين هناك؟

- لعلنا كنا خمسة عشر من السعودية.. ثم زاد العدد فيما بعد، فبقيت في قم ولكن لم يطل بقائي في قم بقيت سنة واحدة فقط.

* يا ساتر.. أنت المحبّ للمذهب ..لم تستطع أن تتأقلم في تلك الأجواء؟

- كنت ابحث عن جو آخر عربي يكون اقرب للبلد وأتأقلم معه اكثر. فأحد العلماء الذين نزحوا من العراق اختار الكويت وهو المرجع السيد محمد الشيرازي. جاء إلى الكويت عام 1391هـ وعمل على تأسيس مدرسة دينية، وزرت المدرسة وارتحت إلى أجوائها ومناهجها ومدرسيها فقررت الالتحاق بها سنة 1394هـ فتابعت الدراسة فيها مع التواصل مع البلد.

* وأنت تسرد لي هذا التأريخ, كنت أفكر من أين تجلبون المال.. بصيغة أخرى من كان يصرف عليك أنت حسن الصفار سواء أثناء إقامتك في النجف أو في قم.. هل من أموال المحسنين ام الحوزة الدينية. أم أن أهليكم هم من يبعث الأموال؟

- الحوزة العلمية والمراجع الموجودون يعطون رواتب لكل الطلبة ولكنها رواتب محدودة.

* هل هي من الخُمس الذي يصلهم؟


- نعم من الخٌمس الذي يصلهم، يعطون كل الطلبة رواتب وكل مرجع متصد للتقليد والمرجعية وتصله أخماس يعطى راتباً لم يكن هناك راتب موحد من مؤسسة يقال لها حوزة.. وإنما كان كل مرجع تصله أخماس حسب سعة مرجعيته.. يعطي مبلغاً اكبر، وإذا كانت مرجعيته محدودة يعطي مبلغاً أقل حتى انه كان عندنا أحد المراجع كان يعطي خبزاً يومياً لكل الطلبة بإعطاء حوالات على الخبازين.وبالتالي يجمع الطالب من اكثر من مرجع، عادة يكونون أربعة أو خمسة مراجع يعطون واذكر ان اكثر ما وصلنا إليه كان في حدود عشرة دنانير عراقية في الشهر وكان الدينار يساوي أكثر من عشرة ريالات سعودية وقيمته الشرائية آنذاك جيدة، بالنسبة للطلاب الإيرانيين أو الأفغانيين كانوا يكتفون بهذا المبلغ أما الخليجيون باعتبار أن عوائلهم متمكنة وهم يعيشون حياة اكثر رفاهية فعادة يدعمهم الأهل فبالنسبة لي كان والدي يدعمني كما ان الذي يمارس الخطابة في المواسم الدينية في محرم أو في رمضان يعطى مكافأة.. فكنا نستفيد من هذه المكافآت التي نعطاها مقابل محاضراتنا و إضافة إلى دعم الأهل والراتب الذي كنا نتلقاه من المراجع وبذلك يغطي الإنسان مصروفات حياته.

المال..والثقل الاجتماعي للمرجعيات


* والله يا شيخ حسن .. قضية الخمس هذه تعطي علماءكم ثقلا نوعيا ومكانة مميزة وتأثيرا في الشعبي والسياسي على حد سواء .. بل ان الروايات التي رصدت الثورة الإيرانية تقول بأن البازار في إيران هم من دعم الخميني وأسقط الشاه..

- بالفعل فان الخمس عند الشيعة هو الذي يؤمن استقلالية مراجعهم ومؤسساتهم الدينية. والخمس فريضة إسلامية إلى جانب الزكاة لكن الشيعة يرونه في كل ما يكسب الإنسان ويغنمه فعليه الخمس فيما زاد على نفقاته ومصارفه طبقاً للآية الكريمة: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه.. الآية. أما المذاهب الإسلامية الأخرى فترى الآية خاصة بغنائم الحرب.

------------------------------------------------------------------------------

في ملحق (الرسالة) الأسبوع القادم :

اقرأ إجابات الشيخ حسن الصفار لأسئلة مكاشفات:

ما السبب في تأثركم كحركات إسلامية شيعية بالإخوان المسلمين وحزب التحرير؟

ما هي علاقتك بالخميني وموقفك مما صنعه بالفكر الشيعي وانطلاقه بالملالي الى عالم السياسة دون انتظار المهدي الغائب؟

ما السبب في الرؤية المتعصرنة والمتسامحة للحالة الشيعية اللبنانية عكسها في العراق وايران والخليج؟

حددّ لنا موقفك من سبّ الصحابة رضوان الله عليهم, وماذا عن التسجيل الصوتي المتداول لك في الإنترنت؟

أنتم لديكم مصحفا غير مصحفنا تسمونه بمصحف فاطمة!