معدلات البطالة ناقوس خطر

مكتب الشيخ حسن الصفار تحرير: أديب أبوالمكارم

في الخطبة الأولى:

ـ من مظاهر سوء الظن بأحد الشك فيه وعدم الاعتماد عليه والحذر منه.
ـ مبررات سوء الظن.
ـ كيف يكون سوء الظن بالله تعالى؟

في الخطبة الثانية:

ـ توفير حاجات الناس مدعاة للأمن والاستقرار.
ـ الفقر أسوء ما يصيب الإنسان.
ـ الفقر طريق الإجرام.
ـ سياسات الحكومات المسؤول الأول عن البطالة.

الخطبة الأولى: حسن الظن بالله

قال الله تعالى: ﴿الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء.

مظاهر سوء الظن

لسوء الظن بالآخرين مظاهر من أبرزها:

الأول: التشكيك في القول. بمعنى أنك تحتمل عدم الصدق فيمن ينقل لك خبرًا ما، أو تحتمل عدم موافقة ذلك للواقع.

الثاني: عدم الاعتماد. حينما تريد تكليف موظف عندك أو ابن لك بمهمة فهناك من تستطيع الاعتماد عليه لأدائها، وهناك من لا تثق فيه بأن يؤدي لك المهمة بالشكل المطلوب.

الثالث: أخذ الحيطة والحذر. حيث يحذر الإنسان ممن يسيء الظن فيه، خوفاً من قصده الاضرار به.

منشأ سوء الظن

متى يكون الإنسان سيء الظن بأحد آخر؟

ذلك يكون في حالات منها:

ـ التجربة الشخصية، كأن يسمع كلامًا من شخص ثم يتبين له العكس، أو يكلف شخصًا بمهمة فلا ينجزها له، أو قد يكون رأى منه ضرراً ما. فيكون سوء ظنه من واقع تجربة.

يعد الله تعالى من ينفق في سبيله بالعوض والزيادة ولكن الإنسان يتردد في العطاء، وهذا من سوء الظن بالله!

ـ تجارب الآخرين، حينما تريد أن تتعامل مع شخص ما، فتسأل الآخرين عنه، فتطمئن إذا مدحوه، أما إذا لم يزكه أحد أواشتكوا من سوء عمله فإنه يصيبك سوء ظن به فتحجم عن التعامل معه.

ـ الجهل بالطرف الآخر. حيث أن عدم التعرف على الآخر قد يوقع في سوء الظن به.

سوء الظن بالله

لو أردنا أن نتحدث عن علاقتنا بالله تعالى هل نجد ما يبرر للإنسان أن يسيء الظن في الله سبحانه وتعالى؟ وماذا يعني سوء الظن بالله ﴿الظانين بالله ظن السوء؟

المظاهر والحالات التي ذكرناها قد يتخذها الإنسان في التعامل مع الله عزّ وجل، يعني أنه يشكك في قول الله تعالى حين يأمره وينهاه بما هو لمصلحته, لكنه من داخل نفسه لا يطمئن بأن ما امره الله تعالى به لمصلحته فعلاً.

لا مبرر للشك وسوء الظن بالله تعالى وهو الذي خلقنا ورزقنا وأعطانا كل شيء

الله سبحانه يقول: ﴿وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون وفي آية أخرى: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة يعد الله تعالى من يعطي بالعوض والزيادة، لكن الإنسان بالرغم من أنه يسمع هذا النداء يقف حائرًا حين يريد دفع الصدقة أو الزكاة أو الخمس حيث يظن أن ماله سوف ينقص, وهذا لا شك سوء ظن بالله تعالى. من يثق في شخص يعتقد بكل ما يقوله له، ويبادر إلى تطبيق ما يسمعه منه، فكيف نتجاهل قول الله تعالى أو نشك فيه؟ حتى إذا لم نفصح عن ذلك لكننا عملًا لا نأخذ كلام الله تعالى على محمل الجد.

ينسب إلى أمير المؤمنين هذا البيت الجميل:

من  ظنّ  بالله  خيرًا  جاد  iiمبتدئًا والبخل من سوء ظن المرء بالله

وكذلك من مظاهر سوء الظن بالله عدم الاعتماد عليه، قد تطلب من شخص أداء مهمة ما، وتشك في أنه سيؤديها لك، ولكن هل يخيب من يعتمد على الله؟ من توكل على الله كفاه ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه وفي آية أخرى: ﴿وكفى بالله حسيبا.

والمظهر الآخر لسوء الظن بالله تعالى عدم الرضا بقضائه وقدره, حينما يقع الإنسان في مصيبة يظن بأن الله يريد به سوءً، ويتساءل لماذا يصنع الله بي هذا؟ قد تكره شيئًا ولكن الله يرى فيه الخير لك، والعكس صحيح كما قال تعالى: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما دمت لا تعلم الأصلح لك فثق بالله تعالى، وارض بما يختاره لك. قد تطلب شيئًا من الله ويبطئ عليك في الإجابة فتنزعج، لكن المؤمن الواثق بالله تعالى يقول: «ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور».

يجب على الإنسان أن يحسّن ظنه بربه عز وجل فان سوء الظن طريق الردى والهلاك يقول تعالى: ﴿وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين وعن رسول الله : «أكبر الكبائر سوء الظن بالله»، وعنه أيضًا : «ليس من عبد يظن بالله خيرًا إلا كان عند ظنه به». وورد عن الإمام الصادق أنه قال: «أوحى الله إلى نبيه داود: يا داود ذكّر عبادي من آلائي ونعمائي فإنهم لن يروا مني إلا الحسن الجميل، لئلا يظنوا في الباقي إلا مثل الذي سبق مني إليهم, حسن الظن يدعو إلى حسن العبادة، والمغرور يتمادى في المعصية»، يمدح الله عباده المؤمنين بقوله: «رضي الله عنهم ورضوا عنه» رضوا بما كتب الله تعالى لهم وعليهم، وبما أعطاهم من نعمه وفضله. وعن الإمام الحسن بن علي : «من اتكل على حسن الاختيار من الله، لم يتمنَّ غير الحال التي اختارها الله له» وعن الصادق : «إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله» وعنه أيضًا: «من لم يرض بما كتب الله له اتهم الله تعالى في قضائه» وعن أمير المؤمنين : «إن أهنأ الناس عيشاً من كان بما كتبه الله له راضيًا».

الخطبة الثانية: معدلات البطالة ناقوس خطر

ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «لا تلم إنسانًا يطلب قوته، فمن عدم قوته كثر خطاياه».

وجود الفقراء والمعوزين الذين لا تتوفر لهم احتياجات حياتهم يفقد المجتمع أمنه واستقراره

لكل إنسان في هذه الحياة حاجات ومستلزمات يسيّر بها أموره، وكلما سهل عليه تلبية هذه الحاجات كان أقرب إلى الاستقامة، وإذا صعب عليه تلبية حاجاته الضرورية فإنه يكون أقرب للانحراف لأن حاجاته قد تدفعه لسلوك سيء لتوفير متطلبات حياته.

الفقر وعدم الاستقرار

إن مختلف الأنظمة والتشريعات تحاول أن تكفل للإنسان سبل الوصول إلى حاجاته في هذه الحياة, انطلاقاً من لأنها تعلم أن غير ذلك قد يحدو بالإنسان إلى السير في طرق الفساد، والإسلام بتشريعاته وخصوصًا في المجال الاقتصادي يريد أن يؤمّن حاجات الناس ويوفر لكل إنسان حاجاته أو على الأقل الحد الأدنى من حاجاته. ويحذر الإسلام كما يحذر العقلاء والمفكرون من أن وجود الفقراء والمعوزين الذين لا تتوفر لهم احتياجات حياتهم يفقد المجتمع أمنه واستقراره. نصوص كثيرة تشير إلى أن وجود الفقراء يؤدي إلى عدم الاستقرار, يقول علي : «لا تلم إنسانًا يطلب قوته»، فمن لا يقدر على ذلك يكون مرشحًا لأن تصدر منه الأخطاء والجرائم «فمن عدم قوته كثر خطاياه»، والإمام هنا يعطي وصفًا للحالة والنتائج المتوقعة، ولا يعني ذلك القبول والتشريع. وفي كلمة أخرى له : «ما ضرب الله العباد بسوط أوجع من الفقر» الفقر هو أسوء شيء يصيب الإنسان، بحيث لا يجد له قوتًا وسكنًا له ولعياله.

عن أمير المؤمنين : «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».

وجاء عنه أيضًا : «ليس في الغربة عار إنما العار في الوطن الافتقار» ليس من العيب أن يغترب الإنسان عن وطنه بحثًا عن عمل يوفر له حاجاته الأساسية لحياته، العيب أن لا يجد الإنسان عملًا في وطنه وما يوفر له العيش الكريم. إنه يكشف عن خلل في الواقع الاجتماعي.

الفقر طريق الإجرام

قبل أيام منّ الله تعالى على أحد الشباب بالهداية، فأتى أحد العلماء كي يعطي الحق الشرعي لكنه قال للعالم: لقد كنت في الماضي عاطلًا عن العمل، وكنت أعيش الفقر والحاجة، فانخرطت في سلك الإجرام والسرقة، وفي ذمتي أموال للآخرين، بعضها لعمالة وافدة لا يمكنني التعرف عليهم والوصول لهم، وبعضها لمحلات تجارية أعرفها، ولكن كيف أعيد لهم المال؟ هل أقول له هذا ما سرقته منكم؟

طبعًا في هذه الحالة يتم استرضاء الجهات المعروفة، أما غير المعروفة فتعتبر أموالها مجهولة المالك ويتم التصدّق عنها مع نية إرجاع المبلغ متى ما تم التعرف عليها. الشاهد في القصة أن الفقر سبّب انخراطه في السرقة. يروى عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري أنه قال: »عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه؟».

السرقات ومعظم الجرائم آثار، سببها الرئيس الفقر والبطالة

من هنا فإن على المجتمعات أن تفكر في أن الإجرام له جذور من أهمها البطالة والفقر، قد تكون الحاجة والفقر في بلد فقير وهنا يكون الصبر والتحمل أكثر إمكانية عند الناس، ولكن إذا كان البلد ثريًا وهم يرون هدر الأموال والثروات، ويرى الفقير نفسه بلا مسكن وبلا عمل، وكل شيء يصعب الحصول عليه، عندها تصبح أبواب الإجرام مفتوحة على مصراعيها.

ورد عن أمير المؤمنين قوله: «الفقر الموت الأكبر»، وعنه: «القبر خير من الفقر».

قبل أيام كتبت الصحف أن رجلًا أمريكيًا طلبت منه عائلته أن يشتري لهم هدايا أعياد الميلاد، فخرج لكنه لم يكن باستطاعته أن يلبي احتياجاتهم كلها لقلة المال عنده، فخجل من نفسه أن يعود لهم خالي الوفاض، فجلس في البرد القارص حتى رأوه ميتًا. ورد عن رسول الله : «الفقر أشد من القتل».

وسمعنا أيضًا ما حصل من انتفاضة في تونس قبل أيام من قبل العاطلين عن العمل، والجمهور المتعاطف معهم، وكانت الشرارة أن شابًا جامعيًا في منطقة (سيدي بوزيد) صار يبيع الخضار بسبب عدم توفر الوظيفة المناسبة، وجاءه ذات يوم أحد موظفي البلدية يمنعه من بيع بضاعته، ثم قام بنثر البضاعة وصفع الشاب على وجهه. عاد الشاب إلى بيته محبطًا وقرر أن ينتحر وجاء أمام المحافظة وأشعل النار في جسمه أمام الناس.

الانتحار ليس مشروعًا ولكن سبب انتحاره هو فقره. وبعد أيام انتحر شاب أخر في تونس أيضًا وقد صرخ بأعلى صوته وهو يمسك سلكًا كهربائيًا: كفاية بطالة كفاية فقر.

البطالة في البلاد العربية

المشكلة لا تخص تونس وحدها، ففي الجزائر مظاهرات واحتجاجات مشابهة, وكل البلاد العربية تعيش على بركان ثائر، وتقارير منظمة العمل العربية تشير إلى أن أزمة البطالة منتشرة في الوطن العربي وأن نسبتها تصل إلى 14% ويعني ذلك وجود 17 مليون عاطل عن العمل. أوليس هذا مجال لتكون خلايا الإرهاب والإجرام؟ المنطقة تسجل أعلى نسبة بطالة بين المتعلمين.

إذا كان الإنسان في بلد فقير فقد يتحمل ذلك لان أغلب الناس مثله، ولكن ما حال من يعيش في بلد غني، في المملكة العربية السعودية يوجد ثمانية مليون ونصف من العمالة الأجنبية يعملون في البلد، بينما نجد أبناء البلد عاطلين عن العمل؟ لسنا ضد العمالة الأجنبية ولا يصح التعبئة ضدهم فهم أتوا بحثًا عن قوتهم، وهذا حق مشروع، ولكن نتساءل كيف لا يتوفر العمل للمواطن؟ ومن المسؤول؟

فقد نشرت الصحف السعودية تقارير تفيد بأن المساجين بالسجون السعودية 90% منهم عاطلون, والأدهى ان 70% منهم جامعيون!!

قبل سنوات أراد أحد العلماء أن يستقرّ في أمريكا وأن يستخرج له تأشيرة ليكون إمامًا في أحد المراكز الإسلامية، فكانت إجراءات إخراج تأشيرة إقامة له تقضي الإعلان أولاً عن حاجة المركز إلى إمام بالمواصفات المطلوبة, فإذا لم يتقدم أحد من المواطنين أو المقيمين لملئ هذه الوظيفة الشاغرة, يحق حينئذٍ للسلطات إعطاء التأشيرة لشخص من الخارج. وفي بلادنا تباع التأشيرات بالألوف ونعاني من العمالة السائبة! فكيف لا تحصل البطالة؟

السياسات الاقتصادية فيها خلل كبير، والقطاع الخاص أيضاً مسؤول عن البطالة

من هنا فإن السياسات الاقتصادية هي المسؤول الأول عن هذه البطالة. من جهة أخرى فان القطاع الخاص تشتد فيه الأنانية وعدم التقدير، يريد من ابن البلد أن يقبل براتب الأجنبي مع فارق الظروف المعيشية؟ هذا الراتب الذي يستلمه الأجنبي يصنع له الكثير في بلده، أما ابن البلد فحال المعيشة معروف، والراتب المحدود لا يغطي كثيرًا من التكاليف. كما أن ما يستلمه المواطن يعزز اقتصاد البلد، بينما الأجنبي يعزز اقتصاد بلده، في العام المنصرم صدّرت العمالة الأجنبية إلى بلادها 90 مليار ريال!

الأمر الآخر هو دور الأهل في تأهيل أبنائهم لسوق العمل. إذا كنا نتألم لوقوع الجرائم فعلينا أن نسعى لحل المشكلة من جذورها. حينما نتحدث مع بعض الجهات عن الجرائم تتعذر بقلة الموظفين، لماذا قلة والعاطلون عن العمل كثيرون؟ أعلن قبل مدة عن 700 فرصة عمل برتبة جندي تقدم لها مائة وثلاثة عشر ألف شاب!

الجرائم متفشية، وما عاد الإنسان يأمن على نفسه وماله، بل حتى في أتفه الأمور. قبل أيام في طريقنا إلى الرياض دخلنا محطة لنسبغ الوضوء تفاجأنا أن الابريق الذي يستخدم في الحمام  مربوط بسلسة من حديد حتى لا يسرق! مغتسل للأموات يتعرض للسرقة! ما هذه الحالة التي نعيشها؟ الإنسان يشعر بالقلق وعدم الأمن. ولا أريد أن ألغي دور بقية العوامل كالتربية وما شابه ولكن أريد أن أركز على هذا الأمر، على حكوماتنا والقطاع الخاص أن يتداركا الأمر، كما أننا نتحمل جزءً من المسؤولية.

نسأل الله تعالى الأمن في بلادنا وفي كل بلاد العالم أجمع.

وللاستماع:

«الخطبة الأولى: حسن الظن بالله»

«الخطبة الثانية: معدلات البطالة ناقوس خطر»

خطبة الجمعة بتاريخ 3 صفر 1432هـ الموافق 7 يناير 2011م.