الأخطاء الطبية مسؤولية من؟

الشيخ حسن الصفار * مكتب الشيخ حسن الصفار - تحرير: أديب أبو المكارم

ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «من تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد».

الإخلاص والإتقان مطلوب من الإنسان في كل عمل، لكنه في مجال الطب أكثر ضرورة وإلحاحًا، لأن عمل الطبيب يرتبط بأرواح الناس وسلامتهم، وأي خطأ يرتكبه يكون ثمنه باهظًا على حياة الآخرين وراحتهم. وقد أصبحت مسألة الأخطاء التي تقع من قبل الكادر الطبي والإداري في المستشفيات قضية تناقش عالميًا، ويعقد لها مؤتمرات خاصة. وهناك دراسات ورصد تؤكد أن أرقى المستشفيات لا تستطيع أن تتجاوز حدوث الأخطاء بل إن النسبة قد تصل إلى واحد من كل عشرة مرضى. وفي بريطانيا يصل عدد الذين يخسرون حياتهم بسبب الأخطاء الطبية ثلاثون ألف شخص سنوياً، وفي أمريكا مائة ألف شخص سنوياً هم ضحايا الاخطاء الطبية، مع العلم أن الحالة هناك من حيث العناية والتنظيم أفضل من البلاد الأخرى ولكن مع ذلك تحصل مثل هذه النتائج. أما في المملكة العربية السعودية فقد بلغت ضحايا الأخطاء الطبية حسب مصادر مطلعة 2500 مريض سنويًا، 45% يموتون بسبب الأخطاء، و33% يحصل لهم مضاعفات، و13% أثناء جراحات الولادة، 4% أثناء التدخل الجراحي. وخلال الخمس سنوات الأخيرة كان هناك 25 ألف خطأ طبي بمعدل 14 خطأ يوميًا.

أسباب الأخطاء الطبية

إن وقوع الخطأ في المجال الطبي له مستويات وأسباب من أهمها:

 

 
على الطبيب أن يراعي شعور المريض، ويتناقش معه حول مرضه ويقدم له النصيحة
 

عدم الإخلاص: مطلوب من الطبيب أن يتقي الله في أداء مهمته فعدم إخلاصه في أدائها يعرضه للخطأ، كما جاء عن أمير المؤمنين : «من تطبب فليتق الله ولينصح» يأخذ الحيطة والحذر قبل الشروع في إعطاء الدواء، وقبل تقرير نوعية العلاج، ويتوجب عليه أن ينصح المريض. هذه مسؤولية إنسانية والمريض لا يجد إنسانًا يستطيع مساعدته على المرض وإنقاذه منه بعد الله عز وجل إلا الطبيب، ولذلك من الناحية النفسية تجد أن المريض يشعر باطمئنان فور وصوله للطبيب لأنه يعلم بأن صحته وتجاوزه للمرض يكون عبر هذا الطريق. على الطبيب أن يراعي شعور المريض، ويتناقش معه حول مرضه ويقدم له النصيحة، النصح في العلاج من قبل الطبيب مسؤولية شرعية واجتماعية.

الطب التجاري: ابتلينا وفي هذا العصر بالذات بالحالة التجارية مع قضايا المرض والعلاج أكثر من أي عصر سابق، والتي تهدف إلى كسب المال على حساب صحة الناس. في بعض الأحيان لا تجد هناك داع لإجراء العملية، ولكن كيف تربح المستشفيات إذاً؟ فتجد الطبيب يقرر إجراء العملية في حين أن المريض ليس بحاجة حقيقية لها! كثير من النساء يتعرضن لعمليات قيصرية أثناء الولادة علمًا بأن حالاتهن لا تستدعي ذلك وما ذلك إلا لاستدرار المال والربح للمستشفى.

شركات إنتاج الأدوية من جهة أخرى تتخذ من بعض الأطباء مسوقين لمنتجاتها، وتعطيهم رشاوى مالية أو بعض الامتيازات، فقد لا يحتاج المريض لهذا الدواء لكن الطبيب يصفه له حتى يزيد من مبيعات هذه الشركة، وقد يكون هناك منتج أفضل منه وفعاليته أكبر، ومع ذلك يصف الطبيب المنتج الأقل فعالية لأنه متعاقد مع تلك الشركة. وفي كل ما ذكرنا غش للمريض، وخيانة لأمانة المهنة.

 

 
العناية بالمريض والالتزام بالأمانة سبيل إلى التشخيص والعلاج السليم
 

الإهمال: قد يقع الخطأ الطبي نتيجة إهمال وتسيب من الكادر الطبي في المستشفى أو الكادر الإداري. وعلى الجميع أن يتقن عمله سيما الأطباء. يحتاج الطبيب أن يعطي المريض وقتًا كافيًا لشرح المرض، ومناقشة بعض الاحتمالات، فذلك يفيد المريض نفسيًا، وكذلك يمّكن الطبيب من التشخيص الصحيح للمرض. في المجتمعات الغربية نجد اهتمامًا بهذا الجانب، ويتعلمون أخلاقيات التعامل مع المريض، كيف يصغي له، وكيف يتفهم وضعه، ويتحمل حالاته، ويشرح له مرضه، في أستراليا مثلًا كما يخبرني بعض الأبناء المبتعثين أن الأطباء يستخدمون الكتب العلمية أحيانًا لعرض نوع المرض بالصور على المريض، وفي بعض الأحيان يقوم بطباعة نسخة ورقية للمريض فيها شرح مختصر للمرض، ومن هنا يزداد الوعي الطبي عند الناس. أما في بلادنا فعادة ما لا يعطي الطبيب فرصة للمريض يشرح فيها مرضه ومعاناته، وسرعان ما يصف العلاج ويطلب مريضًا آخر، إما لعدم وجود وقت كاف عنده، أو لأنه لا يتقبل النقاش من المريض.

وهنا مسألة الرقابة والتدقيق لتلافي وقوع أي خطأ في تقديم العلاجات, وخاصة عند اجراء العمليات الجراحية, والتي تكتنفها الأخطاء عند ضعف التدقيق والمتابعة.

ضعف الثقافة الطبية عند الناس: يفترض أن يكون للمريض ثقافة صحية, تساعده على الوقاية من المرض, وتعينه على التصرف المناسب في المستشفى, وتحميه من بعض حالات الاهمال والخطأ, إن بعض المرضى لا يكلفون نفسهم حتى قراءة التعليمات المرفقة بالدواء ولا يتأكدون من الخطوات والاجراءات التي تتخذ معهم للعلاج.

جزاء الإهمال

من الناحية الشرعية إذا تساهل الطبيب ووقع الخطأ فإن الطبيب يتحمّل المسؤولية ويكون مأثومًا أمام الله تعالى، ويستحق أن يطبق عليه الجزاء القضائي من دية وغرامة أو عقوبة. أما إذا بذل الطبيب كل جهده لكنه اخطأ في التشخيص أو وقع خطأ خارج إرادته فإنه لا يتحمل إثمًا أمام الله تعالى، أما من ناحية الدية المقررة شرعاً فإن ذلك يعتمد على أخذه البراءة من المريض أو وليه وإذا لم يأخذ هذه البراءة ووقع الخطأ الطبي فيتحمل الدية شرعاً.

رعاية المرضى أمر إنساني

 

 
الأطباء لهم ثواب كبير إذا أتقنوا عملهم، وفي المقابل فإن إثمهم كبير في حالة التقصير
 

نصوص كثيرة في الشريعة الإسلامية تؤكد على أهمية الاهتمام بالمرضى ورعايتهم. ورد عن رسول الله أنه قال: «من قام على مريض يومًا وليلة بعثه الله تعالى مع إبراهيم خليل الرحمن» وعنه : «من سعى لمريض في حاجة قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وجاء عن الإمام الصادق : «ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاج والغازي والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه» على الطبيب والعاملين في التمريض أن يتحملوا المريض حيث يكون في حالة نفسية غير طبيعية فيتأفف، ويرفع صوته، وقد تصدر منه أمور غير مقبولة، وفي تحملهم لذلك أجر وثواب كبير من الله سبحانه وتعالى، وحتى يتمكنوا من أداء واجبهم الإنساني. وفي الواجب الإنساني لا ينبغي التصنيف فالطبيب مسؤول أن يقوم بواجبه مهما كان المريض الذي أمامه.

نسأل الله أن يوفقنا لإتقان أعمالنا وإخلاصها لوجهه الكريم.

 

وللاستماع:

«الأخطاء الطبية مسؤولية من؟»