العفاف سمة العبّاد والأشراف

مكتب الشيخ حسن الصفار تحرير: أديب أبو المكارم

 

الخطبة الأولى: العفاف سمة العبّاد والأشراف

ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: (أفضل العبادات العفاف)[1] ، وعنه أيضًا: (العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا)[2] .

لا تتكامل شخصية الإنسان في هذه الحياة إلا من خلال مواجهة التحديات، وإحراز النجاحات في الامتحانات التي يتعرض لها، لأنه بذلك يفجّر طاقاته ويزداد ثقة بنفسه، ولذلك فإن الله تعالى جعل الإنسان معرضًا للتحدي من داخل نفسه، حيث تتشكل نفس الإنسان من مجموعة غرائز عارمة مندفعة تتطلب من الإنسان قوة وإرادة لكبحها، وهذا ما يجعله وجهًا لوجه أمام التحدي وهنا يكون الامتحان، فهل يستطيع اجتيازه بنجاح؟

ليس المطلوب من الإنسان كبت شهواته، فهي لها وظائفها الايجابية حينما تمارس بالطريقة الصحيحة، ولكن المطلوب هو الاقتصار في إشباعها ضمن الحدود المشروعة، وعندنا في النصوص الإسلامية مفاهيم ومفردات تشكل مفاتيح لهذا الالتزام القيمي ومن تلك المفاهيم (العفاف).

العفاف يعرف بأنه ضبط الشهوات، وذلك بأن يكون عند الإنسان ضوابط في ممارسة شهواته ورغباته، وله قدرة للسيطرة عليها. الإنسان الذي يتاح له مجال ممارسة الشهوة لكنه يمتنع لأن تلك الممارسة خارج الاطار المشروع هذا يسمى عفيفاً, الله تعالى يخبر عن نبيه يوسف الذي كان في ريعان وعنفوان شبابه كيف تعفف أمام إغراءات أجمل امرأة في مصر هي امرأة العزيز: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ (يوسف: الآية23).

ولأن من أبرز الشهوات السائدة بين بني البشر هما شهوة الجنس وشهوة المال، فقد جاء التأكيد على ضبط هاتين الشهوتين.

شهوة الجنس

هذه الشهوة والغريزة تنطلق من أعماق نفس الإنسان وخاصة في مرحلة عنفوان الشباب، مرحلة المراهقة، في هذه الفترة تكون الغرائز الجنسية عند الشاب مندفعة عارمة متأججة، وقد لا يكون من اليسير عليه أن يتوفر على الطريق المشروع لإشباع هذه الغريزة، أو قد يتوفر الطريق المشروع ولكن طبيعة هذه الغريزة جامحة فيصعب السيطرة عليها، لذلك تجد أن بعض من يبتلون بالانحراف أشخاص محصنون، لديهم زوجات، ولكن عنفوان هذه الغريزة مع عدم القدرة على السيطرة وعدم توفر الإرادة تكون مدعاة لتعدي الحدود والضوابط، سيما في هذا العصر الذي تكثر فيها المغريات، ويسهل فيه الوصول إليها.

الإنسان الذي لا يتوفر له الطريق المشروع لتصريف طاقة غرائزه عليه أن يكون ممسكًا بأزمة شهواته، يقول تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النور: الآية33) قد لا يتوفر لك الطريق المشروع بشكل دائم، أو مؤقتاً، بسب كالغربة أو العجز المادي، فعليك أن تتحصن بمستوى عال من العفة.

شهوة المال

الأمر ذاته قائم تجاه شهوة المال، فالإنسان بطبعه يحب المال والثروة: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ(آل عمران: الآية14) حب الإنسان وطلبه للمال والثروة ليس في حدود الحاجة فقط، ورد في حديث عن رسول الله : (منهومان لا يشبعان: طالب دنيا وطالب علم)[3] . ترى بعض الناس عنده من الخير والثراء ما يكفي ميزانية لدولة لكنه يجور على حق عامل ضعيف لا لحاجة لكن نهم حب المال يدخله في هذه الحالة ولذلك يحتاج الإنسان إلى يقظة وإرادة ليفلح في الانفلات من أسر شهوة المال الطاغية يقول تعالى:  ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هم المفلحون (الحشر: الآية9).

على الإنسان أن يمتلك القدرة للسيطرة على شهواته حتى يكون عفيفًا، (فأفضل العبادات العفاف) كما يقول الإمام أمير المؤمنين ، ويقول أيضًا: (العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا) لأنه إذا انطلق الإنسان وراء شهواته فلن يقف عند حد، وخاصة في الجانب المالي. بعض الناس متدينون يؤدون الصلاة والصوم، ويبتعدون عن مثل الخمر والزنا، لكنهم يضعفون أمام حب المال والثروة فيجورون على حقوق الآخرين وعلى المال العام.

وفي مجتمعاتنا وبلداننا الكثير من التلاعب بالأموال العامة، الموظف حينما يجد أمامه فرصة توفر المال بين يديه ويعتبرها أموال الدولة فيأخذ منها ما شاء ما دام هناك ضعف في الرقابة، وينسى أو يتناسى أنها أموال الناس، وأموال الشعب كله، وليس له وجه حق في أي فلس يأخذه. لقد أصبح الفساد معششًا في مختلف الأرجاء والدوائر، تتاح الفرصة للموظف العادي، ويرى ضعف الرقابة، ويرى من فوقه ينهب ويسرق، فيتمادى هو كذلك، لأنه لا يستطيع الصبر أمام هذه المغريات، الإمام علي يقول: (الصبر عن الشهوة عفة)[4] . قد يرى الإنسان أن الصبر صعب، ولكنه إذا جاهد نفسه وعودها سوف يسهل عليه الأمر (العفة تضعف الشهوة)[5]  كما يقول علي . كلما مارس الإنسان العفة تقوت إرادته، وما أحوج كل إنسان إلى قوة الإرادة، والتي تتوفر عن طريق أمور وأسباب:

الأول: الارتباط بالله تعالى، فقراءة القرآن والإكثار من الدعاء، ومراقبة الله تعالى والصلاة كلها أمور تربط الإنسان بالله تعالى وتمنحه فرصة للتأمل والتفكر.

الثاني: الوعي، يقول الإمام علي : (من عقل عف)[6] . العاقل يعرف بأن للحرام لذة عاجلة، ولكن ماذا بعد هذه اللذة؟ (تزول اللذة وتبقى التبعة) سوف يرى نفسه أمام مشاكل تقض مضجعه ومن أهمها لوم النفس وتوبيخها: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة:2) كما يقول تعالى في كتابه الكريم.

الثالث: الأجواء الصالحة، على الإنسان أن لا يُضعف إرادته بالحضور في الأجواء الفاسدة، الشيطان لا ينقل الإنسان مرة واحدة للحرام، وإنما بالتدريج، لذلك يقول الله تعالى: ﴿لا تتبعوا خطوات الشيطان حيث يتدرج الشيطان مع الإنسان خطوة خطوة، يُهوّن له الأمر في البداية، ثم يرغبه له، ثم يوقعه فيه، وكل خطوة يتقدمها الإنسان مع الشيطان يكون التراجع عليه اصعب، لذا على الإنسان أن يلتفت للأمر من البداية ويرفض الاستجابة من اللحظة الأولى.

الخطبة الثانية: العلاقة التعاقدية بين السلطة والشعب

ورد عن أمير المؤمنين علي في خطبة له: (ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَ يُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَ حَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَ عِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَ أَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَ اعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَ طُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَ يَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ)[7] .

هذا مقطع من كلام طويل لأمير المؤمنين ، يتحدث فيه عن الحقوق المتقابلة بين أبناء البشر.

إن أية علاقة بين الناس لابد وأن تتضمن حقوقًا متقابلة بين الطرفين، ليست هناك علاقة يكون فيها الحق لطرف واحد، ويجرّد فيها الطرف الآخر من حقوقه. بل إن أمير المؤمنين يشير إلى مسألة مهمة، حتى في علاقة البشر بربهم سبحانه وتعالى، الله الذي خلق الناس، وهو الذي أعطى نعمة الوجود وكل شيء لهم، مع ذلك رتّب بينه وبين عباده حقوقًا متقابلة. يقول : (لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَ لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَ جَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ).

العلاقة بين الوالي والرعية

ثم يتكلم عن حق الوالي وحق الرعية، والتي هي من أعقد العلاقات بين بني البشر. الحاكم بيده أمور الناس ومقدرات البلاد، وبالتالي إذا لم يحصل هناك التزام بالحقوق المتبادلة، وكان هناك جور على الحقوق فإن أوضاع المجتمع والبلاد تصبح في خطر كبير، ولهذا تتأكد أهمية إصلاح هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتكشف لنا تجارب الزمن والحياة أن أهم أسباب المشاكل والاضطرابات التي تحصل بين بني البشر تكون بسبب الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. إذا صلحت هذه العلاقة عاش الناس حالة الأمن والرضا والاستقرار، ومتى ما اختلت سلب الأمن وتلاشى الاستقرار، فالناس يكونون غاضبين، والحاكم يكون شاكًا في ولاء الشعب له، وفي التفافهم حوله، وهنا تنفرط الأمور وتصبح البلد مهزوزة ومهيأة للاضطرابات والأخطار، ولذلك جاءت النظريات السياسية إضافة إلى النصوص الدينية متجددة في كل زمن من الأزمان، لأن العلاقات بين بني البشر تتطور مع تطور الزمن.

العلاقة بين الأب وأبنائه في أساليبها تتغير مع تغير الزمن،  لو أراد الأب أن يتعامل مع أبنائه كما عامله أبوه، وأن يعامله أبناؤه كما عامل هو أباه، فهذا أمر صعب ولا ينتظم، لتغير الزمن. نعم من حيث جوهر العلاقة القائمة من جهة الأب كعطف ورعاية، والاحترام من جهة الأبناء هذا شأن إنساني مطلوب في كل العصور، لكن الأساليب والصيغ الخارجية تختلف من جيل لآخر. وكذلك الحال في العلاقات الزوجية، فما عادت الزوجة تتعامل مع زوجها وفق ما كان عليه النساء في الأزمان الماضية، ولا الزوج كذلك، وذلك توافقًا مع تغير نمط الحياة الذي أوجد تغيرًا كبيرًا في نمط التعامل بين الناس وهذا أمر واضح، كما هو الحال مثلاً بين العلاقة بين رب العمل وعماله، هناك الآن أنظمة وقوانين جديدة فرضها تطور الحياة الإنسانية، ولم يعد بإمكان رب العمل ان يتعامل مع عماله حسب رغبته ومصلحته كما كان في الماضي. وكذلك في مجال العلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن لحاكم في هذا الزمن أن يطلب من شعبه أن يتعاملوا معه كما كان الناس يتعاملون مع السلطات في ماضي الزمان، اختلف الوضع وارتقى مستوى وعي الناس وفكرهم، وانفتحوا على بقية الشعوب، وصار عندهم نضج سياسي، فلابد من مواكبة التطورات وتغيير نمط العلاقة. عدم مواكبة الزمن هو الذي يوجد الشرخ والخلل في العلاقات، وما نلحظه من توترات سياسية اجتماعية في الشرق الأوسط، من مظاهرات وثورات وانتفاضات واحتجاجات، سببه الرئيس وجود خلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة بالية معطوبة في كثير من البلدان، وما لم تجدد هذه العلاقة وتصلح سوف لا تستقر الأمور.

نحو علاقة تعاقدية

عاشت المجتمعات الغربية أوضاعًا مثل أوضاع المجتمعات العربية الآن، وقد عالجوا الأمر بإنشاء عقد يضبط علاقة الحاكم بالشعب وعلاقة الناس مع بعضهم، وقد أطلق المفكرون الغربيون من القرن السابع عشر الميلادي على هذا العقد (العقد الاجتماعي). لأن الشعب هو مصدر السلطة، كان هناك من يعتقد أن السلطة مصدرها السماء، فهي التي تعين هذا الشخص حاكمًا على هذا الشعب، ونحن المسلمين نرى بأن هذا الشيء يكون في حالة المعصوم الذي يختاره الله تعالى لقيادة الناس، أما في غير هذه الحالة فإن السلطة تكون بإرادة الناس، وحتى المعصومين كالأنبياء والأئمة إنما قادوا الناس بعد أن اقتنع الناس بهم، ولم يأتوا عن طريق انقلاب عسكري، ولم يفرض أحدهم على الناس قوته، ومن ثم يحكمهم بالقهر، الناس يقتنعون فيتبعون. من الناحية الشرعية عليهم واجب الانقياد والطاعة للنبي لكن إذا لم ينقادوا ولم يؤمنوا فهو لا يفرض عليهم سلطته ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (سورة الغاشية: الآيتان: 21 -22).


الدول الحديثة الآن قائمة على أساس هذا العقد الاجتماعي، والذي يعطي السلطة شرعية داخلية، من الشعب، وباقتناع ورضا. ويمكننا ان نفهم البيعة للإمام أو للحاكم في هذا السياق, فهي ليست مظهراً شكلياً بل هي بمثابة توقيع على هذا العقد.

ويطلق على نصوص هذا العقد عنوان الدستور، يلزم الحاكم بواجباته ووظائفه، ويلزم الرعية بواجباتها ووظائفها تجاه الحاكم، كما ينظم شكل العلاقات داخل المجتمع، هذه الحالة الدستورية هي التي تجلب الاستقرار وتجعل العلاقة سوية في المجتمعات، وإذا لم يكن هناك تصحيح للعلاقة من هذا المدخل، وكانت العلاقة مختلة فإن النتائج هو ما نراه الآن من ثورات وانتفاضات في مختلف البلدان، لماذا لا يتحقق هذا التغيير والتحول في بلاد العرب والمسلمين بسهولة مع ما نراه من ثورة عارمة؟

أن التغيير الذي حصل في الدول الأخرى حتى وصلوا إلى نظام العقد الاجتماعي لم يمر هكذا بسلام، لم يبادر الحكام الأوربيون مثلاً لتغيير نظام حكمهم لنفحة هداية حلت في قلوبهم، وإنما مرت الشعوب بمخاض عسير حتى ولد هذا الواقع الجديد الذي يعيشونه. وما يجري الآن في كثير من العالم العربي والإسلامي هو مخاض آخر سيولد به واقع جديد إن شاء الله.

نسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمور المسلمين لاصلاح أمورهم لكي يختصروا الزمن والطريق، وحتى لا نقع في كثير من الخسائر والتضحيات. نحن رأينا ما حصل في تونس ومصر كان الحاكم في البداية يتردد ويتمنع ولكن في الأخير لا يجد أمامه بدًا من الاستجابة ، ولو استجاب من البداية لوفر الخسائر والتضحيات ولكانت سمعته أفضل عند شعبه وفي سجلات التاريخ. ما حصل ينبغي أن يكون عبرة حتى يتحقق الأمن والاستقرار فهو مصلحة للجميع، ليس هناك من يرغب في القلاقل والمشاكل ولكن حين يكون هناك خلل في العلاقة فسيكون هناك سعي لإصلاح هذا الخلل.

ما يجري الآن في ليبيا مثلًا والعالم كله يتابع يوميًا ما يحصل هناك، نرى كيف أن عسكرياً نزا على الحكم منذ أربعة عقود من الزمن وأصبح يتعامل مع الناس بتعالٍ وكبرياء، ويسمي نفسه (ملك ملوك أفريقيا) و(زعيم العالم الإسلامي)، ويعبر عن نفسه بأنه العز والمجد والشرف، وأن وطنه وشعبه لا قيمة له إلا به! الناس هناك يطالبون بإصلاح هذا الخلل، وأن يكون الحاكم منتخبًا من قبلهم وبإرادتهم، ويكون بينهم وبينه عقد ملزم، ولكنه يصر على ممارسة الاستبداد والديكتاتورية والتفرد، والنتيجة المزيد من الخسائر، وإعطاء فرصة سانحة للدول الغربية الطامعة في خيرات هذه البلاد لتحقيق ما تصبو إليه.

نسأل الله تعالى الأمن للجميع في كل بلاد المسلمين.

 

 

* خطبة الجمعة بتاريخ 29 ربيع الأول 1432هـ الموافق 4 مارس 2011م.
[1]  الكافي ج2 ص79.
[2]  غرر الحكم ودرر الكلم.
[3]  الكافي ج1 ص46.
[4]  مستدرك الوسائل ج11 ص263 حديث 12945.
[5]  مستدرك الوسائل ج11 ص275 حديث 12987.
[6]  غرر الحكم ودرر الكلم.
[7]  نهج البلاغة خطبة 216، من خطبة له بصفين.