الشيخ الصفار يدين الازدواجية في التعاطي مع قضايا الشعوب

مكتب الشيخ حسن الصفار الدكتور تركي العجيان

وصَفَ فضيلة الشيخ حسن موسى الصفار المجتمع الدولي بالإزدواجية في تعاطيه مع قضايا الأمة العربية، فحيناً يغض الطرف عن شعبٍ دُمّرت أرضه، وسُلبت حقوقه، وأمعن العدوّ المحتل فيه قتلاً على مرأى ومسمع من العالم، ورغم ذاك فإن المجتمع الدولى لا يرى بأساً في الأمر. بينما تجده مع شعبٍ آخر يتدخل بقوّة السلاح رافعاً شعار حقوق الإنسان والدفاع عن المدنيين.

وأكد أن هذه الإزدواجية طالت بعض الأوساط الإسلامية فتجد بعض العلماء أو المؤسسات الإسلامية يقفون موقف المدافع والمؤيد تجاه بعض الثورات والانتفاضات  لأنها ترتبط بمجتمعٍ يتفق معهم مذهبياً، بينما يتجاهلون حركة شعب آخر بل ويسمون حركته بالطائفية لا لشيءٍ إلا لأنه يختلف معهم مذهبياً.

وأبان الشيخ الصفار بأن الحكم على المواقف والأشخاص ينبغي أن يكون منطلقاً من منطلقات قِيَمِيَة بعيداً عن الإزدواجية واتّباع الهوى، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء، 135].

وأشار إلى أن داء الإزدواجية يُعاني منه حتى الأفراد في حكمهم على المواقف والأشخاص، ملفتاً النظر إلى أن الإنسان السوي هو الذي تكون أحكامه ومواقفه ذات مقياسٍ واحد، لا أن يكيل بمكيالين. مضيفاً: إن الأشخاص يُعرفون بالحق، لا أن الحق يُعرف بالأشخاص. مستعرضاً عدداً من الأحاديث والروايات التي تؤكد هذا المعنى، فعن رسول الله أنه قال: «اقبل الحق ممن أتاك به، صغيراً أو كبيراً، وإن كان بغيضاً. واردد الباطل على من جاء به من صغيرٍ أو كبيرٍ وإن كان حبيباً». وفي نهج البلاغة أن الحارث بن حوط جاء إلى الإمام علي قائلاً: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال : يا حارث إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك، فحِرت. إنك لم تعرف الحقَّ فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. وقال الإمام الصادق : «خذوا الحقّ من أهل الباطل، ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق. كونوا نقّاد الكلام».

وختم الشيخ الصفار هذا الحديث من خطبة الجمعة 18 جمادى الأولى 1432هـ، بهذه الحادثة التي تُبين حالة الإزدواجية في التعاطي مع المواقف، وهو الداء الذي تُعاني منه الأمم اليوم:

الحادثة تبدأ عندما هجم كلبٌ على أحد الأطفال في إحدى الحدائق العامة في مدينة نيويورك الأمريكية، وحاول افتراسه وسط دهشة الناس وعدم تحرك أيٍّ منهم للمساعدة، عندها اندفع شاب من بين المتفرجين وأبعد الكلب عن الطفل ودخل في مصارعة شرسة معه حتّى تمكّن من خنقه حتى الموت. وبدأ الناس بالتصفيق للشاب الشجاع الذي أنقذ حياة الطفل من موت أكيد. حينها اقترب منه مصوّر صحفي ليُهنئه على شجاعته، ويُخبره بأن جريدته ستنشر خبر هذه الحادثة في صفحتها الأولى تحت عنوان: شاب نيويوركي يُنقذ طفلاً من موتٍ أكيد. فردّ عليه الشاب بدون تردد: ولكنّي لست من نيويورك. فأجابه الصحفي: إذن سأجعل العنوان: بطل أمريكي يُنقذ طفلاً من الموت. فاعترضه الشاب مرةً أخرى ليقول: ولكنّي لست أمريكياً. عند ذلك سأله الصحفي بغضبٍ عن أصله بعد أن نفذ صبره، فردّ الشاب: أنا شاب مسلم من باكستان!! وفي اليوم التالي تظهر الجريدة وهي تحمل عنواناً رئيسياً على صفحتها الأولى وهو: إسلامي متشدد من باكستان يخنق كلباً حتى الموت في إحدى حدائق نيويورك.

وفي سياق آخر وجّه الشيخ الصفار خطاباً توجيهياً أكّد فيه على ضرورة أن يتحلى الإنسان بالأمل وروح التفاؤل في مختلف مجالات الحياة الشخصية والاجتماعية، وكذلك فيما يرتبط بالعلاقة مع الله جلّ وعلا، ذلك لأن الأمل يفتح للإنسان باب التوبة والرجوع إلى الله، بينما القنوط يجعل الإنسان يستمر في طريق الابتعاد عن الله تعالى. وقد جعل الله تعالى باب التوبة مفتوحاً لعباده جميعاً، يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر، 53]. وقد وصف الإمام علي هذه الآية بقوله: «ما في القرآن آية أوسع من: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...». وورد عن الرسول الأعظم قوله: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».

وأكد الشيخ الصفار أن العلماء المبلّغين والمرشدين يتحمّلوون مسؤوليةً كُبرى في فتح أبواب الأمل للناس، وأن يعرضوا لهم التوجيه الديني والحياتي بأسلوب يستقطب الناس ويُقرّبهم إلى الله تعالى لا أن يكونوا سبباً لقنوط الناس ونفورهم من الدين. يقول الإمام علي : «الفقيه كل الفقيه من لم يُقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من رَوح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله».

وختم الشيخ الصفار خطابه بالتأكيد على أن رحمة الله تعالى وعفوه وكرمه أعظم من أن يُوصف، وأنه تعالى يفرح بتوبة عبده العاصي، مشيراً إلى جملةٍ من الأحاديث والروايات التي تؤكد هذه الحقيقة، فعن رسول الله أنه قال: «الله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضّال الواجد، ومن الظمآن الوارد». وعن الإمام الباقر أنه قال: «إن الله تعالى أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجلٍ أضلّ راحلته وزاده في ليلةٍ ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها».

وللاستماع:

«الخطبة الأولى: احياء روح الأمل والرجاء»

«الخطبة الثانية: الازدواجية والكيل بمكيالين»