تقديم لكتاب الشيخ حسن الراضي (على ضوء فلسفتنا)

الكتاب: نظرية المعرفة على ضوء كتاب "فلسفتنا"
المؤلف: الشيخ حسن الراضي
الناشر: منشورات دار المحجة البيضاء، بيروت – لنبان, الطبعة الأولى 2011م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

تمثل شخصية الإمام السيد محمد باقر الصدر أفضل أنموذج للفقيه المسلم المعاصر، حيث قدّم تجربة رائدة في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وفي تحمل مسؤولية الدعوة والدفاع عن مصالح الدين والأمة.

فقد استوعب قيم الدين ومفاهيمه وتشريعاته، بقدرة اجتهادية فائقة، وعلى مستوى الاستنباط وتكوين الرأي في المسألة الفكرية والفقهية.

كما انفتح على تطورات الحياة، وقرأ التيارات الفكرية المعاصرة، في عمقها الفلسفي، ومناهجها الاجتماعية والاقتصادية، ودرسها دراسة دقيقة واعية.

واستطاع أن يكشف مواقع الضعف والخلل في تلك التوجهات، وأنها عاجزة عن تحقيق ما يصبو إليه الإنسان من معرفة حقيقية، ونظام اجتماعي صالح.

وفي مقابل عجز تلك المذاهب الفلسفية المادية، والمدارس الاقتصادية الوضعية من رأسمالية وماركسية، قدّم الإمام الصدر رؤية الإسلام الواضحة في منهجية المعرفة، وإدارة الاجتماع البشري، وتنظيم الشأن الاقتصادي.

فكان كتاباه العظيمان «فلسفتنا» و «اقتصادنا» أهم استجابة معرفية إسلامية للتحديات الحضارية المعاصرة من الغرب الرأسمالي والشرق الماركسي. أبانت للمفكرين الآخرين عمق الفكر الإسلامي بصلابته العلمية، وقدرته على مواجهة أصعب التساؤلات وأعقد الإشكالات.

كما وجدت الساحة الإسلامية في كتابي «فلسفتنا» و «اقتصادنا»  ما كانت تبحث عنه وتحتاج إليه من مضمون علمي فكري، يساعدها على الثبات والصمود في وجه الحضارة المادية الزاحفة، المدججة بالقوة العسكرية والتقدم الصناعي والتطور التكنولوجي.

فقد تسلل الشعور بالضعف والهزيمة إلى مساحة كبيرة من ساحة الأمة، وظن البعض أن هذا العصر سيشهد نهاية الفكر الديني بشكل عام، والفكر الإسلامي بشكل خاص.

لكن الروح الإسلامية المتجذرة في أعماق النفوس، وما ينطوي عليه الإسلام من قوة الحق كدين إلهي، والدور الذي قام به العلماء المجاهدون، كل ذلك أدّى إلى قلب المعادلة، وتغيير موازين القوة لصالح الإسلام العزيز.

ويأتي السيد الشهيد الصدر في الطليعة من العلماء الربانيين المجاهدين، حيث أمدّ الأمة بعطائه العلمي المميّز، الذي ألهمها الثبات والصمود، وتجاوز بالفكر الإسلامي مرحلة الدفاع إلى مستوى الهجوم الكاسح على مواقع الفكر الآخر.

وشاء الله تعالى لهذا الفقيه المجدد، أن يكتب بمواقفه الرسالية، وبدمه الزكي ملحمة أخرى للثبات والمقاومة تتوج ملاحمه الفكرية العلمية الرائدة.

لقد مضى أكثر من نصف قرن على صدور كتابي «فلسفتنا» و «اقتصادنا» ، وحصلت تطورات فكرية وسياسية واجتماعية كبيرة على الساحة العالمية، لكن الكتابين لا زالا في موقع الصدارة، بل إن التطورات المختلفة جاءت مؤكدة وداعمة لما أورده الشهيد الصدر من نقد متين للمذاهب المادية، فقد تهاوت صروح الماركسية، وتصاعدت أزمات الرأسمالية، واستعادت الأمة الإسلامية ثقتها بدينها، وتألق الإسلام كمشروع حضاري واعد.

وبين يدي القارئ الكريم جهد معرفي مبارك، قدمه أحد تلامذة الشهيد الصدر، المنتهلين من نمير علمه، والذين منحهم الله تعالى فرصة وشرف الاقتراب من شخصيته الفريدة، ومعايشة خصائصه الأخلاقية العالية.

إنه الأخ العزيز العلامة الشيخ حسن الراضي حفظه الله تعالى، والذي يقدم في هذا الكتاب قبسات من فكر الشهيد الصدر، ضمن دراسة موضوعية تحليلية لأبعاد الصراع الفكري بين التيارات والمذاهب الفلسفية المادية، وبين الفكر والفلسفة الإسلامية، على ضوء كتاب «فلسفتنا».

وتتميز هذه الدراسة بوضوح التعبير، وحسن الأسلوب ورشاقة العرض. توّجها الشيخ المؤلف بكتابة سطور مضيئة عن حياة الإمام الشهيد الصدر، رضوان الله تعالى عليه، موثّقاً فيها بعض صور ومشاهد علاقته بالسيد الشهيد، بعبارات وجدانية صادقة، نابعة من أعماق قلبه، تعكس مدى حبه وعشقه وإخلاصه للأستاذ الكبير.

لقد أنعم الله تعالى على أخي العلامة الشيخ حسن الراضي بنعم عظيمة كثيرة، في طليعتها فرصة القرب من العلماء الصالحين المصلحين، والتزود من فيض علمهم، واقتباس مكارم أخلاقهم، والتعرف على خصوصيات حياتهم، كالشهيدين السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم.

وقد رأى هؤلاء العلماء في الشيخ الراضي سمة التقوى والصلاح، والطيب والاستقامة، فأولوه ثقتهم، واعتمدوا عليه في أداء بعض مهامهم الخاصة، التي لا يقوم بها إلا ثقة مخلص مستعد للبذل والتضحية.

ومن خلال معرفتي للشيخ الراضي منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، لمست انعكاس تربية أولئك العلماء الربانيين على شخصيته وسيرته، فهو حريص على التزام نهج التقوى، حذر من الوقوع في مزالق الأهواء والخلافات والصراعات، مهتم بخدمة الدين والمجتمع، قريب من الناس بتواضعه وأخلاقه، داعم ومشجع لجهود الإصلاح ومواقف المصلحين.

أسأل الله تعالى له المزيد من التوفيق والتسديد، وأن ينفع بكتابه هذا، ويجعله في سجل أعماله وميزان حسناته، إنه تعالى ولي التوفيق.

والحمد لله رب العالمين.

حسن الصفار       
12 محرم الحرام 1432ﻫ