الشيخ الصفار يُشارك في ندوة بعنوان: نحو خطاب إسلامي إنساني معاصر في سيهات

مكتب الشيخ حسن الصفار
شارك سماحة الشيخ حسن موسى الصفار في ندوة بعنوان نحو خطاب إسلامي إنساني معاصر بمسجد الإمام زين العابدين بسيهات، تم التطرق فيها إلى العديد من المسائل المتعلقة بالخطاب الإسلامي المعاصر، وكذلك التطورات التي تشهدها البلاد من خلال الحوار الوطني والانتخابات البلدية، وتم التركيز على مشروع الشيخ الصفار المتمثل في السلم الاجتماعي والتعايش المشترك بين فئات المجتمع بمختلف توجهاته ومذاهبه. كان ذلك مساء الخميس 7 شهر رمضان 1425هـ (21 أكتوبر 2004م).

بدأ اللقاء بكلمة موجزة لمدير الحوار الأستاذ علي آل طالب أكد فيها أن مثقفي الأمة في عصرنا ما اتفقت كلمتهم على شيء مثل اتفاقها على أن الأمة الإسلامية في سائر شعوبها، وفي مقدمتها الشعب العربي، تعيش أزمة فكرية تتجلى في شكل غياب ثقافي، وتخلف علمي، وكسوف حضاري، وتتجسد في عجز الخطاب الفكري المعاصر عن إيصال مضمون الخطاب الإسلامي السليم ومحتواه، قرآنا وسنة وشريعة وأخلاقا، وإن اختلفوا في تحديد الأسباب ووسائل العلاج. وسبل النهوض بالمشروع الإصلاحي.

بعد ذلك ألقى الشيخ الصفار كلمةً قسّم فيها الخطابات المتواجدة على الساحة الدولية والمرتبطة بالخطاب الإنساني إلى ثلاثة أقسام:

أولاً- الخطاب المادي (المصلحي)، وهو الخطاب السائد، ويُركز على تحصيل المكاسب المادية ويجعلها المحور الأساس في نشاط الفرد والمجتمع والدولة.
وأضاف الشيخ الصفار أن وسائل الإعلام تُثير في الإنسان نوازعه المصلحية والذاتية ليرتبط أكثر بالحضارة المادية.

ثانياً- الخطاب اللاهوتي (الإلهي)، ويتمحور حول الحقوق الإلهية، ويُركز على العبادة لله تعالى متناسياً الجانب الإنساني وكأن الدين جاء للدفاع عن حقوق الله، في حين أن الله تعالى غنيٌ عن ذلك كله.
وأضاف الشيخ الصفار إن الدين جاء من أجل الحياة، ولكننا جعنا الحياة فقط للدين وتركنا الحياة للآخرين.

ثالثاً- الخطاب الإنساني السياسي، ويتمثل في المؤسسات التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عنها، بغض النظر عن الأهداف التي تسعى لها هذه المؤسسات من وراء رفع هذه الشعارات.

وأنهى الشيخ الصفار كلمته بالتساؤل عما إذا كان هناك خطابٌ إنساني إسلامي في الساحة التي تسودها هذه الخطابات الثلاثة.

مقتطفات من الحوار


ودار حوارٌ متشعب ومتنوع مع الشيخ الصفار ونلقي فيما يلي بالظلال على جوانب من هذا الحوار:

مدير الحوار: بلا شك بأن ثمة فرق ما بين (العقيدة) و (الفكر) ما بين حقيقة المعرفة ومعرفة الحقيقة، ما بين الثابت والمتغير، ما بين النص وفهمه... هلاّ أوضحتم لنا الفارق؛ وما هي المجالات التي تظل خاضعة للمداولة والتحري.؟

أكد الشيخ الصفار في إجابته على أننا حينما نقرأ النصوص الدينية وخاصةً آيات القرآن الحكيم نجد أن القرآن يفتح المجال أما العقل والفكر لينطلق بدون تحفظات. وأعطى لذلك مثلاً واضحاً يُقدمه القرآن عندما يتحدث عن قصة نبي الله إبراهيم وتساؤلاته حول وجود الله تعالى، وكذلك في قصة نبي الله موسى عندما طلب من الله تعالى برهاناً يدل على عظمة وقدرة الله تعالى.
ويُضيف الصفار: القرآن يُريد أن يقول للناس: لا داعي للقلق فلتتفتح العقول ولتُطرح كل القضايا للنقاش، وإن كان ذلك في أهم المواضيع وهو الإيمان بالله. مشيراً أن سيرة النبي والأئمة حافلة بنماذج عديدة من المناظرات والنقاشات حتى في أهم الثوابت.

وأكد أن الانهزام أما الفكر الآخر، وعدم الوضوح الكامل في المبادئ هو السبب وراء غلق الأبواب أما الانفتاح الفكري. مشيراً أن الحقائق الدينية تستند إلى الدليل والبرهان ولا داعي للقلق تجاه النقاش حولها، يقول تعالى: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، ﴿ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا.

وأكد أن هناك خلطٌ بين الثوابت وغيرها من المسائل الجزئية، وقد يصل ذلك إلى تضخيم الأمور بحيث تُصبح أبسط المسائل الجزئية (عقدية، فقهية، تاريخية) من أهم الثوابت.

وأشار أن سبب هذا التضخيم أحد أمرين:
الأول: إما أن يكون هناك شبهة والتباس.
الثاني: أن يكون هذا التضخيم عنوان لصراعات مصلحية.

مدير الحوار: ذكرت يا سماحة الشيخ في تصريح لك في ملحق الرسالة التابع لجريدة المدينة بأن من يمارس في سب الشيخين إما أن يكون متطرفا أو جاهلا... ألا يدفع ذلك بالتعبئة السلبية في وسط البيت الشيعي الداخلي سيما وأن هنالك من يختلف معكم في هذه النظرة ؟

يقول الشيخ الصفار في إجابته على هذا السؤال: هذا التصريح ليس شخصي، وأي شيعي وفي أي موقعٍ كان (علمي أو فقهي) لا يقول بغير هذا، وذلك لعدد أسباب:

أولاً- النصوص الدينية تأمر بحسن القول للآخرين: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً.

ثانياً- سيرة الرسول الأعظم وأئمة أهل البيت غنيةٌ بالنماذج التاريخية التي تؤكد فيها على حسن القول مع المخالفين، فهذا أمير المؤمنين يقول لجمعٍ من أصحابه (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين).

ثالثاً- أخذ الظروف المعاشة بعين الاعتبار، فهل يُعقل أن يُطرح مشروع للتعايش والسلم الاجتماعي مع ممارسة السب والشتم للآخرين، هذا ما لا يقبله أي عاقل.

وأضاف الشيخ الصفار هناك فرقٌ بين أن يكون عندي رأيٌ تجاه هذا الصحابي أو ذاك وبين ممارسة السب والشتم.

مدير الحوار: من يُحدد المتغير؟ هل هي الحوزة العلمية، أم المثقفون أم مَن؟

في إجابته على هذا التساؤل، قال الشيخ الصفار: لا بد من تحديد الثوابت، ذلك لأن المتغيرات لا حد لها، إضافة إلى كونها غامضة ومعقدة،. مضيفاً أن كل ما تًصبح به مسلماً هو من الثوابت، وكل ما تصبح به شيعياً هو من الثوابت، مؤكداً أن الشيعة لا يُكفرون أحداً من المسلمين، وأن الفرق بين الشيعة وغيرهم من المسلمين هو اعتقادهم بالإمامة وأنها بالنص.

وأضاف الشيخ الصفار ما عدا هذه الثوابت فهو قابل للنقاش والحوار.

مدير الحوار: في إدارة الصراع والتصدي للأمة هل ثمة فارق ما بين المؤسسات الدينية السنية والشيعية .. سيما وأن المؤسسة السنية لها كيان واضح بينما تظل المرجعية الشيعية تخطو الهوينى للتشكل المؤسسي ؟

أكد الشيخ الصفار في تناوله لهذا السؤال أن مؤسسات إخوانا أهل السنة ليست دائماً متفقة على المستوى السياسي وقد حصلت معارك في هذا الجانب.

وأضاف مع وجود هيئة خاصة لكبار العلماء في المملكة إلا أن هناك علماء خارج هذه الدائرة وتكون لهم آراء مخالفة لهذه الهيئة، والمثال ينطبق على العراق كذلك.

وقال مضيفاً: ليس دقيقاً أن علماء الشيعة يختلفون في كل المواقف، وضرب مثالاً بالاتفاق الراقي الحاصل بين العلماء والمراجع في العراق.

مدير الحوار: من الجهة المسؤولة عن حمل لواء التجديد .. العلماء؛ الفقهاء؛ المثقفون؛ المفكرون ... ؟

أكد الشيخ الصفار من خلال هذا التساؤل أنه ليس هناك جهة تحتكر الإسلام بنص الحديث الشريف: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.» مضيفاً أن الناس يطمئنون لرأي المختصين وهم العلماء وبذلك تقع المسؤولية الكبرى عليهم.

مدير الحوار: لو جاء شخص من خارج الحوزة العلمية، وأخذ بأدوات الفقيه، هل يُمكنه أن يُعطي رأيه في هذا الجانب.

يقول الشيخ الصفار مجيباً على هذا التساؤل: إذا كان رأيه في الأمور العامة فلا مانع من ذلك، أما الأمور الفقهية فالأمر ليس بالسهولة إذ أن الفقيه لا يصل إلى مستوى الفقاهة إلا عبر مراحل عديدة وسنوات يقضيها في الحوزة العلمية، ثم إن الناس لا تقبل الرأي الفقهي إلا من المختصين.

مدير الحوار: ظاهرة الغلو.. وما أدراك ما الغلو، وما يحدث في العراق خير شاهد من ثقافات لم تكن تعرف إلا في هذا البلد المتأزم .. ولعل ثقافة قطع الرؤوس هي العنوان الأبرز في وصف هذه الظاهرة؟

يجيب الشيخ الصفار على ذلك: الاتجاه العام عند علمائنا هو ضد ممارسات الانتهاك، ولله الحمد فإن أتباع أهل البيت لم يتورطوا في ذلك. ويُشير إلى أن السبب هو الاهتمام المكثف لشيعة أهل البيت بظلامة كربلاء أوجد عندهم تحسساً ضد الظلم.

ودعا الأمة كلها إلى الاستفادة من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ليس لأنها حالة شيعية بل لأنها حالة إسلامية، والرسول الأكرم دعا إلى ذلك.

مدير الحوار: قمتم بدورٍ كبيرٍ لإيضاح موقف الطائفة، فهل وصلنا إلى نهاية الطريق؟

يقول الشيخ الصفار: أنا متفائل جداً، وقد عبّرت عن تفاؤلي في أكثر من خطاب. وأكد أن بداية التغيير يكون من خلال التعارف والتواصل، وقدّم شكره الخاص إلى بعض الوسائل الإعلامية التي ساهمت كثيراً في هذا الجانب كمجلة الجسور وجريدة المدينة.

مدير الحوار: عملية الإصلاح تملأ الخافقين بدءً من المؤتمر الوطني ووصولاً إلى الانتخابات البلدية، ما هي تصوراتكم في ذلك؟

أكد الشيخ الصفار في إجابته على هذا السؤال أن أي مجموعة تريد لنفسها الخير عليها أن تعرف أنه لا يكون من خلال الانطواء والانكفاء، وإنما يتحقق عبر الانفتاح وتكثيف الفاعلية بكل الوسائل. مؤكداً أن منهج أهل البيت (عليهم السلام) هو في هذا الاتجاه.

مدير الحوار: لماذا غابت بقية الحقوق (الديمقراطية، حقوق الإنسان، ...) هل يجب عليها أن نغرق في الإطراء، والتفاعل مع أي مبادرة وإن لم تُحقق طموحنا؟

يقول الشيخ الصفار: لم أتحدث بإطراء، فأنا ممن لديهم تطلعات وطموح أكبر من هذه المبادرات، ولكن علينا أن نستفيد مما هو متاحٌ لنا الآن، ونعتبرها خطوة أولية في طريق الوصول إلى ما نتطلع إليه.

مدير الحوار: أما آن الأوان أن تحظى المنطقة بمجلس شيعي أعلى على غرار المجالس المشكلة في بلاد إسلامية أخرى ؟

يجيب الشيخ الصفار على ذلك بقوله: كان من المفترض أن يتحقق ذلك منذ زمنٍ بعيد، ولكن يقف أمام ذلك أمران:

الأول: عدم نضج العلاقات الاجتماعية.

الثاني: الوضع السياسي السائد في البلد الذي لا يسمح بوجود مؤسسات أهلية كالمجلس الذي تقترحونه، وإذا أتيحت الفرصة بشكلٍ رسمي لذلك فستكون المسألة أقرب إلى التحقق.

وأشار إلى أن الطموح المأمول هو أن يون هناك مجلس علمائي يضم مختلف العلماء من السنة والشيعة.

كان ذلك مقتطفاتٌ مما درا من حوارٍ فاعلٍ بين سماحة الشيخ الصفار ونخبة من المجتمع في مدينة سيهات.


صورٌ من اللقاء