المبعث النبوي ونهضة الأمة

الخطبة الأولى: المبعث النبوي ونهضة الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين صدق الله العلي العظيم.

مع حلول ذكرى المبعث النبوي الشريف نستحضر هذه النعمة الإلهية الكبرى، نعمة بعث الأنبياء لبني البشر بشكل عام، ونعمة بعث نبينا محمد رسولا للعالمين ونبيا لهذه الأمة على وجه خاص. إن الإنسان لا يستغني عن الهدي الإلهي في طريقه وسعيه نحو التكامل والسعادة، إذ يحتاج إلى هداية الله وتوجيهه سبحانه وتعالى حتى يسير في طريق الكمال ويحقق السعادة لنفسه. ومع إن الله عز وجل منح الإنسان نعمة العقل حتى يستطيع عن طريقه تحقيق الكمال والوصول للسعادة، إلا إن عقل الإنسان يبقى محدودا ضمن محيط مدركاته وما يمتلك من المعرفة والعلم . ويبقى شغف الإنسان قائما للتعرف على مبدأه ومصيره، كما انه في توق إلى معرفة سبب مجيئه إلى هذه الحياة، ومن أوجده وإلى أين مسيره وما مصيره؟ هذه التساؤلات تقلق الإنسان وتلح على عقله ونفسه ويحتاج إلى إجابة مطمئنة صحيحة. وربما لجأ بني البشر في أحيان كثيرة للأساطير والأوهام للحصول على تفسيرات لجوانب من حياتهم إلا انها عادة ما تشوّش عليهم فكرهم وأذهانهم فتحول دون وصولهم إلى الحقيقة. الإنسان ليس جسما فقط بل هو روح تحتاج الى منهج وبرنامج يملأ البعد المعنوي والروحي في حياته، فكيف له أن يضع هذا البرنامج؟ إلى جانب ذلك فإن الإنسان في حياته المادية والمعنوية يحتاج إلى نظام وقانون يضبط علاقته مع أبناء جنسه ومحيطه، فكيف يصل إلى هذا النظام الاجتماعي، والقانون الذي ينظم حياته؟

لا شك بأن التجارب الإنسانية قد توصل بني البشر إلى بعض الحقائق، ولكن اقتصار الإنسان على التجربة الحسية فقط قد يكلفه وقتا طويلا وجهدا كبيرا. لأجل كل ذلك فهو بحاجة إلى الهدي الإلهي. إن الله تعالى الذي خلق الإنسان بهذا الخلق المتميز ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، جعل من كمال لطفه ورحمته بهذا الإنسان أن يوفر له الهدي الذي يحتاجه في هذه الحياة فكان ذلك عن طريق الأنبياء والرسل. فالأنبياء يحملون إلى الإنسان الهدي الإلهي. إن الله تعالى يختار من عباده من بني البشر من يبعثه برسالته حتى يدل الإنسان إلى طريق الكمال والسعادة، وقد كان لهؤلاء الأنبياء الذين بعثهم الله الدور الكبير في هداية الإنسان، ولعل هذه المكاسب التي ترونها في حياة البشرية ليست بعيدة عن دور وهدي الأنبياء. فقد أحيا الأنبياء برسالتهم وهديهم في الإنسان الجانب الروحي القيمي، وهدوا البشرية إلى الكثير من الحقائق التي أمكن للبشرية أن تستوعبها منهم.

ان وجود الأنبياء وبعثهم ضرورة من أجل كمال الإنسان وسعادته، ولهذا بعث الله هذا العدد الكبير من الرسل الذي بلغ 124 ألف نبي كما تشير بعض الروايات. كل هذا العدد الضخم من الأنبياء إنما جاء لهداية الإنسان وإسعاده، وقد شاء الله أن يختم النبوة بمن هو الأفضل والأكفأ والأقرب إليه وهو نبينا محمد ، لكي تكون رسالته وشريعته هي خاتمة الرسالات والشرائع، بالنظر لاستيعابها لغة الزمن وتقدم البشرية وتطورها، وهذا ما أثبته الواقع، فمع كل هذا التطور والتقدم الإنساني، نحن نرى بأن رسالة الإسلام ظلت غضة ومواكبة لحضارة الإنسان في كل زمان متى ما فهمت على النحو الصحيح.

حقيقة الأمر، ان هناك من قدم أفهاما عليلة وسقيمة ملؤها الجمود والانحراف والتشويه لرسالة الإسلام، أظهرت الإسلام على النقيض تماما، بل متصادم إلى حد بعيد مع التطور في واقع البشرية. ولكن هناك في مقابل ذلك من تجاوز ذلك، وفهم الإسلام على حقيقته ولذلك لا يجد هؤلاء أي تصادم أو تناقض بين الشريعة والتقدم الحضاري للبشرية، بل وجدوا في تعاليم هذا الدين استباقا للكثير من التطورات والحاجات التي تلح على الإنسان في حياته كلما تقدم به الزمن.

ولعل أحد أسرار بعث النبي الأكرم في مجتمع كان يعيش أدنى درجات الانحطاط، أن تظهر عظمة هذه الرسالة وتميز هذا الرسول. فلو جاء النبي في مجتمع له تاريخ من الحضارة والتقدم لسهل القول بأنه انطلق من تجربة مجتمعه واستفاد من تاريخ محيطه، ولكن أن يأتي هذا الرسول مجتمع يعيش أدنى درجات الجهل والانحطاط، ثم يعرض على البشرية هذه الرسالة العظيمة الرائعة في مختلف المجالات, حينها لا يبقى لأي عاقل مجال للشك في أن هذه الرسالة ليست إنتاجا بشريا, ولا تعبيرا عن مستوى ذاتي، لأن المحيط الاجتماعي الذي عاش فيه النبي لا يسمح بأي حال من ألأحوال لشخص يعيش تلك الظروف أن يقدم مثل الرسالة وهذه الشريعة. كل ذلك يدل على صدق رسالته ونبوته ، ولذلك يمن الله تعالى على المؤمنين: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم، فلم يأتهم شخص يعيش تقدما وتطورا أكثر من الوضع الذي كانوا يعيشون فيه، وإنما من نفس ذلك المجتمع. لقد بعث هذا الرسول العظيم في مجتمع يعتقد بالخرافة ويعبد الأصنام ويسجد للأوثان، فقد كان في كل بيت من بيوت مكة صنم يعبده أهل ذلك البيت، بل كان في جوف الكعبة نفسها وعلى سطحها أكثر من 360 صنما يُعبدون من دون الله، وقد كان العربي آنذاك يستبق سفره بالتمسح بالأصنام تبركا والتماسا للخير، كما يفعل ذات الأمر إذا عاد من سفره. لقد كانت العصبية والنزاعات وحالات الاحتراب تسود في ذلك المجتمع ولأتفه الأسباب، كما جرى في حرب البسوس حيث أصاب شخص ضرع ناقة بسهم فقامت إثر ذلك حرب استمرت لأكثر من أربعين سنة قتل فيها الألوف. وعلى ذات المنوال جرت حرب داحس والغبراء بسبب خلاف على سباق بين فرسين، واستمرت هذه الحرب عشرات السنين هلك خلالها الحرث والنسل.

جاء النبي الأكرم وسط مجتمع كانت حياته حياة احتراب وعصبية وجهل وتخلف في مختلف المجالات وبحسب وصف الآية الكريمة ﴿وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ، لقد كان مجتمعا معرضا للانتهاء والإبادة ومهددا بالعيش خارج التاريخ والحياة، فخلق منه هذا النبي العظيم مجتمعا جديدا وأمة متقدمة استطاعت أن تقود العالم خلال فترة قياسية من الزمن. إن في ذلك دلالة كبيرة على عظمة هذا الدين وهذا الرسول .

ان ذكرى المبعث النبوي الشريف فرصة لتجديد الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظيمة، ولا سبيل لأمتنا إلا العودة إلى الهدي الإلهي إذا أرادت أن تلحق بركب الحضارة البشرية اليوم، فالأمة الإسلامية وخاصة في المحيط العربي أصبحت تعيش وضعا شبيها بأوضاع العرب في الجاهلية، فالأمة تكاد تكون خارج سياق التطور البشري في مختلف المجالات والأبعاد، ولكن مهما كانت قسوة التخلف التي نعيشها، لا ينبغي أن يصيبنا ذلك باليأس والإحباط مادام عندنا هذا الهدي الإلهي وهذه الرسالة العظيمة. إن العودة لهذه القيم العظيمة السامية كفيلة بأن تتجاوز بنا التخلف والانحطاط. وهناك في الأفق بدأت تلوح بشائر الأمل وهذا ما يبشر بعودة الأمة الى سالف مجدها واعتزازها بدينها القويم.

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للعودة الى قيم الدين وأحكامه وأن نتحمل مسؤوليتنا في هذه الحياة لنجدد مجد ديننا وأمتنا.

الخطبة الثانية: استثمار العطلة الصيفية

ورد عن أمير المؤمنين علي بين ابي طالب : «إن يكن الشغل مجهدة فاتصال الفراغ مفسدة».

ان أحد أسوأ ما يمكن أن يواجه الإنسان على المستوى النفسي والعملي هو الشعور بالفراغ. فعلى الصعيد النفسي يقود الفراغ إلى شعور الإنسان بالسأم والملل، وأنه لا دور له في هذه الحياة، أما على الصعيد العملي فإن الفراغ قد يدفعه إلى بعض التوجهات السلبية والمزالق الفاسدة خاصة في مرحلة الشباب. إن مشكلة الفراغ لم تكن مطروحة في الحقب الماضية فلم يكن الإنسان يعاني منها في الغالب، وذلك لأن الحياة كانت تتطلب منه كدحا وكفاحا مستمرا حتى يضمن توفير أبسط مستلزمات عيشه. فلم يحظى الانسان في المجتمعات البدائية والتقليدية بعطلة أسبوعية أو سنوية ولا ببلوغ سن التقاعد حتى يعفى خلالها أو بعدها من الشغل فيتوفر له شيء من الفراغ، وإنما كان الواحد يكدح كل يوم من أيام سنته حتى يتوفر على لقمة العيش ويتحصل على حاجته.

ومع أن باحثين يذهبون الى تأصل ظاهرة الفراغ لدى الناس في كل الحضارات والمجتمعات حتى القديمة منها، مستدلين على ذلك بتوجيهات الفلاسفة اليونانين ارسطو وأفلاطون للناس لكي يستفيدوا من فراغهم في تنمية ذواتهم في الجوانب الفكرية والأدبية، ولكن سائر علماء الاجتماع يقصرون بروز ظاهرة الفراغ في المجتمعات والحضارات القديمة على النخب والطبقة الراقية الحاكمة وليس عامة الناس، فهؤلاء الفلاسفة كانوا يخاطبون هذه الطبقة العليا من الناس أما عامة الناس فكانوا يكدحون طوال أعمارهم دون أن تتاح لهم فرصة الراحة فضلا عن الفراغ.

لقد برز مفهوم تنظيم وقت الفراغ في أعقاب الثورة الصناعية فأصبحت هناك أنظمة وقوانين للعمل، وأصبح هناك تنظيم لأوقات الفراغ فتحددت ساعات العمل، وأصبحت هناك إجازة أسبوعية وسنوية وتحديد وقت التقاعد خاصة في الوظائف العامة، كل ذلك بسبب دواع اجتماعية إنسانية، بحيث أصبح الآن في كل المجتمعات والبلدان البشرية وقت للراحة والفراغ، حتى صار هذا الفراغ مادة بحثية لدى علماء الاجتماع تناقش كيفية إدارته واستثماره. فقد لاحظ علماء الاجتماع أن وقت الفراغ قد يسبب للإنسان مشاكل قد تفسد عليه حياته سواء خلال عطلته الأسبوعية أو إجازته السنوية أو فور خروجه على التقاعد. رأى هؤلاء العلماء أن الفراغ أصبح ظاهرة تحتاج إلى بحث وتوجيه، ولهذا نشأ هذا الفرع من فروع علم الاجتماع وكان أكثر أهمية واستقطابا للعلماء والباحثين، وقد أجريت الكثير من الأبحاث والنقاشات حول سبل التعامل مع وقت الفراغ في حياة الإنسان.

وعلى ذات المنوال، أولت التعاليم الدينية أهمية كبرى لعنصر الزمن وذلك لتعزيز حس المسؤولية تجاه كل دقيقة من عمر الإنسان. نحن مسئولون مسئولية تامة عن الزمن الذي نعيشه، ولا يصح أن نهدره كيفما اتفق. وقد تواترت الأحاديث المروية الدالة على أن الإنسان يسئل عن أوقاته يوم القيامة ففي الحديث الشريف: «لا تزول قدم عبد على الصراط يوم القيامة حتى يسأل عن أربع. أولها وعن عمره فيما أفناه».

إذن فالوقت هو الحياة، ولذلك ورد عن الإمام علي قوله: «إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي بعضك»، وفي كلمة أخرى «ما نقصت ساعة من دهرك إلا بقطعة من عمرك»، فهذا الزمن لا ينبغي أن يهدر ويضيع، وإنما ينبغي على الإنسان أن يشعر بالمسؤولية تجاه كل لحظة تمر عليه. ان وجود وقت للتقاعد من العمل، أو الخروج في إجازة كما هو حاصل بالنسبة للطلاب، فهذا لا يعني بأي حال أن فترة الإجازة هذه وقت فائض قابل للهدر على نحو اعتباطي. وعليه من المهم ونحن نعيش هذه الأيام فترة العطلة الصيفية، أن نفكر في كيفية استثمار هذا الوقت بما يعود على أبنائنا الطلاب بالنفع. فبعد أشهر من الانشغال بالدراسة طوال أغلب أشهر العام, يجد الأبناء والبنات أنفسهم الآن أمام فراغ كبير يمتد إلى نحو ثلاثة أشهر، فماذا يصنعون في هذه الأشهر الثلاثة؟ في الحقيقة المسألة من الصعوبة بمكان ان تحل على نحو فردي, حتى مع نجاح البعض في ابتكار برامج لأبنائهم. حقيقة الأمر هذه المسألة بحاجة إلى جهد جماعي، فالمجتمعات الواعية هي التي تفكر في كيفية الاستفادة من هذا الوقت باتجاهين: يمنع الأول منهما المفاعيل السلبية للفراغ, حتى لا يكون اتصال الفراغ مفسدة. فحينما يبقى هؤلاء الطلاب ثلاثة أشهر من دون برامج تملأ وقت فراغهم, فإن ذلك قد يدفعهم نحو المفاسد والانحرافات، وهذا ما تشير إليه كثير من التقارير, حيث تشهد العطلة الصيفية تزايدا في معدل المشاكل وظواهر الانحراف في المجتمع، ولا شك بأن ذلك بسبب الفراغ. أما الاتجاه الثاني فيقضي باستثمار هذا الوقت في منفعة هؤلاء الشباب والشابات وهذا ما يحتاج إلى جهد جمعي كما أسلفنا.

هنا يمكن القول أنه كما للحكومات دور في التهيئة لاستثمار أوقات الفراغ، كذلك يتحمل المجتمع مسئولية كبيرة في ابتداع مبادراته الخاصة في هذا المجال، وهذا العنصر الأخير هو ما تفتقده مجتمعاتنا على نحو بالغ مع الأسف الشديد، فالرصيد الذي يضعه المجتمع لاستثمار الإجازة الصيفية يعد ضئيلا جدا, ولا يكاد يذكر بالمقارنة مع ما ينفقه الناس خلال مواسم أخرى مثل موسم عاشوراء أو شهر رمضان، فالناس في هذين الموسمين يبذلون جهودا كبيرة, ويصرفون أوقاتا طويلة, وينفقون أموالا طائلة لإنجاح البرامج الدينية، في مقابل ذلك لا نجد سوى جهود محدودة تجري لاستثمار العطلة الصيفية, مع إنها تمثل ثغرة خطيرة يمكن أن تلج من خلالها الشرور لأولادنا وبناتنا نتيجة الفراغ القاتل الذي يلفهم طوال هذه الفترة.

إننا جميعا مدعوون لتحمل مسئوليتنا نحو تأسيس برامج صيفية لأبنائنا في مختلف المجالات. وأخص من هذه المجالات المهمة اثنين: الأول تنمية القدرات والكفاءات عند أبنائنا وبناتنا، وقد أصبحت الآن هناك مؤسسات لوضع برامج لتنمية القدرات لدى الأبناء وتثقيفهم في المجالات الدينية والقيمية. من الملاحظ في هذا السياق تراجع التفاعل مع هذه البرامج التي كانت أوسع انتشارا فيما سبق. من هنا ينبغي أن يكون هناك برنامج في كل مسجد، وفي كل حسينية، وكذلك الأمر في كل نادي وجمعية خيرية، كلنا معنيون بأن ندعم هذه البرامج وأن نوجه أبناءنا وبناتنا نحوها. أما في الاتجاه الآخر: فيتركز في تعزيز حس الخدمة الاجتماعية لدى الأبناء والبنات، إذ نحتاج إلى برامج صيفية تعزز في نفوس الأبناء حس المسئولية الاجتماعية وخدمة مجتمعهم. ان هذا الأمر موجود في سائر المجتمعات، ولعل الجمعيات الخيرية، على سبيل المثال لا الحصر، مدعوة لوضع برامج تطوعية يتم تفعليها خلال فترة الإجازة الصيفية، حتى يتسنى لمن أراد من الطلاب والطالبات ان يتطوع للعمل في هذه الفترة فيكون المجال مفتوحا أمامه ضمن عدد من البرامج، ذلك حتى يستفيد هؤلاء الأبناء وينمو عندهم حس الخدمة الاجتماعية, كما يتعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعهم.

هنا يمكننا الإشارة على هامش هذا الحديث إلى أهمية استثمار فئة المتقاعدين عن العمل في تأسيس الأنشطة ولجان العمل, ورفد المؤسسات الاجتماعية بالخبرات الكبيرة. المتقاعدون عن العمل بما لديهم من قدرات وخبرات يمكن أن يشكلوا رصيدا ضخما ورافدا مهما من روافد العمل التطوعي والاجتماعي. ونشير هنا إلى تجربة فريدة جرت على هذا الصعيد في الهند, وتحدثت عنها وسائل الإعلام، حيث تكونت مجموعة تحت مسمى «مجموعة المشاركة» قوامها عدد من المتقاعدين، وهدفت هذه المجموعة لمتابعة الدوائر الحكومية ومراقبة سير العمل فيها وتوجيه الملاحظات التي يرون من الضروري الانتباه لها. هذه المجموعة لم يتجاوب معها أحد في بداية الأمر، بل لم يكن يعيرهم أحد أي اهتمام، لكنهم ومع مزيد من الإصرار ازداد عددهم حتى وصل إلى 14 ألف عضو حققوا خلال ست سنوات 1000 قصة نجاح، وقد خصصت لهم الأمم المتحدة جائزة عام 2005م باعتبارهم أفضل جماعة في العالم في خدمة النشاط الاجتماعي.

نحن بحاجة إلى آبائنا وإخواننا المتقاعدين في أن يتوجهوا لاستثمار فترة تقاعدهم عن العمل الوظيفي، وأن يرفدوا المؤسسات العامة والأهلية بخبراتهم واهتمامهم, إلى جانب تأسيسهم لجانا جديدة تتناسب واهتماماتهم، فمجتمعنا بحاجة إلى الكثير من الجهود والخدمات التطوعية للنهوض والفاعلية باستثمار كل دقيقة من عمر الزمن. نسأل الله أن يوفقنا لاستثمار أوقاتنا في خدمة الدين والمجتمع، وتحصيل رضاه تعالى.

وللاستماع:

«الخطبة الأولى: المبعث النبوي ونهضة الأمة»

«الخطبة الثانية: استثمار العطلة الصيفية»

* خطبة الجمعة بتاريخ 29 رجب 1432هـ الموافق 1 يوليو 2011م.