الشيخ الصفار يختتم المكاشفات مع ملحق الرسالة

اختتم سماحة الشيخ حسن موسى الصفار المكاشفات التي استمرت طلية الخمسة أسابيع الماضية من خلال منبر (ملحق الرسالة) التابع لجريدة المدينة. وقد صدرت الحلقة الخامسة من المكاشفات يوم الجمعة 15 شهر رمضان 1425هـ (29 أكتوبر 2004م)، وهي تحمل في طياتها مزيداً من النقاشات الهامة والحساسة في ذات الوقت.

نترككم مع المكاشفات

 

 

 

 

 

 

الوحدة الوطنية على أساس الإسلام هي أمانة في أعناقنا جميعاً وعلينا مسؤولية تأكيدها وإزالة أي غبار يلحق بوجهها الناصع

 


• أنصح إخواني بأن لا ينطلقوا في مواقفهم من الحماس وحده بل يُعملوا عقولهم ويأخذوا خصائص بلدانهم بعين الاعتبار

• نقدّر للدكتور غازي القصيبي تعاطفه ومساعيه الوطنية.

• لست مع بعض الممارسات في عاشوراء التي فيها إيذاء للنفس وتشويه للصورة أمام الآخرين

• بندر بن سلطان وناصر المنقور وأحمد الكحيمي كان لهم دور في انجاح الحوار مع الحكومة.

• ليس صحيحا بأن المرجع الديني هو الذي يقرر للشيعة في بلدانهم مواقفهم السياسية الوطنية

• قد يقوم المرجع الديني بدور سياسي في موطن مرجعيته إذا اقتضت المصلحة الدينية ذلك وكانت الظروف مناسبة.

• دور المرجعية في المجتمع الشيعي يشبه دور المفتي في المجتمع السني

• انفتاح الشيعة على الثقافة السنية أكثر من انفتاح السنة على الثقافة الشيعية لأنهم لا يعيشون التعبئة الطائفية


---------------------------------------------------------------------------

بين يدي مكاشفات


توالت عليّ احتجاجات عديدة، وعتب كثير من الأخوة ممن تفاعلوا مع مسألة التقريب والتفاهم بين طائفتي الأمة، بسبب نشر «الرسالة» لمداخلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الأسبوع الماضي، وكم فرحت بأصواتهم التي جدّدت الأمل عندي بأن ثمة من يشترك معي في رؤيتي التي أروم بعد أن كانت جلّ الاتصالات السابقة والمعاتبات قصرا على تيار معارض تماما.

تمثّل رأي هؤلاء الأخوة في أننا ونحن إزاء معضلة تاريخية نحاول تخفيف احتقانها وجمع الأمة على كلمة سواء وعلى أرضية من القواسم المشتركة العريضة لا يصح أبدا أن نسمح للأصوات التي تهدم بأن تواصل نهج الشرذمة، وهي التي قد تكون غير مقتنعة من الأصل بمشروع التفاهم والقبول وتحديد أطر للتعاون والتعايش. فأمثال هؤلاء سيحاولون تقويض كل أساسات الفكرة عبر التوسل بالصراعات الجانبية والعقدية واستدعاء ركام السجالات التاريخية على مدى ألف وأربعمائة عام مضت، والتي لن نضيف لها سوى رصيد سيىء جديد. وإذ تقبّلت منهم ابتداء وجهة النظر هذه، إلا أنني خالفتهم تماما في محاولة الإقصاء التي عبّروا لأسباب عدة في مقدمتها أننا دعاة حوار ولا يصح ابتداء حجب أي صوت مخالف، وليس من نهج مكاشفات أبدا منذ انطلاقتها إقصاء أي رد مهما كان مخالفا لمنهجنا. أيضا ليس من الموضوعية بمكان السماح للشيخ حسن أن يبدي كل رؤيته على مدى أربعة أسابيع دون أن نعطي الطرف الآخر وصاحب الحضور الذي لا ينكر حقه في إبداء رأيه وتحليل وحتى تفنيد ما طرحه الشيخ، طالما كانت المداخلة متلفعة بأدب الحوار العلمي دون التجاوز إلى الشخصي أو الطائفي.

أما ثالث هذه الأسباب فهي التي استخلصناها من تجربة مكاشفات على مدى ست سنوات، حيث رأينا أن مثل هذه السجالات عادة ما تبدأ متشنجة ويعتورها كثير من الاحتقان وسوء الظن، لكن العقلاء والوسطيين ما يلبثوا أن يتبيّنوا خلالها ايجابيات ُغمّيَ عليها أثناء السجال، ويتلمّسون بعض الحق في رؤى الضيف بعد انجلاء غبار المعركة، ما يترتب عليه تفاهم عاقل ورصين بعيد عن الصحافة وإثارتها. ونزعم بأننا أفلحنا كثيرا في ما سبق من السنوات في دفع من يوصفون بالصقور في تياراتهم الفكرية أو طوائفهم إلى الجلوس مع بعضهم البعض، وتبديد كثير من الهوة النفسية شديدة التعقيد بينهم وجملة من المسائل التي اختلفوا عليها، ما يجعلني في هذا الصدد متفائلا حيال هذه المسألة أكثر من ذي قبل لأن الطروحات التي أوردها الشيخ الصفار خلال المكاشفات الماضية تميزت بنَفس تصالحي بعيد النظر يروم التقارب والتفاهم بين أبناء الأمة، فضلا عن عقلانيتها وُبعدها عن المثالية وتجاهل معطيات الواقع بكل مرارته والتاريخ بكل ركامه. وقد ذكّر الرجل وهو يسوّق لمشروعه بالمستجدات السياسية وضغوط الغربي التي قلبت الوضع السابق رأسا على عقب، ما يجعلني أجزم بأن كل ذلك سيحتم على عقلاء الطائفتين النظر مليا في هذه الطروحات التي أخشى إن لم يقبلها ويهتبلها عقلاء الوطن وقادته الآن أن تفرضها الوقائع السياسية والحراك المجتمعي، أو تحددها الأصوات المتشنجة من كلا الطرفين.

وبالمناسبة فإن الطروحات التقاربية التي قدمها الشيخ حسن قد أثارت جدلا عريضا في الوسط الشيعي، ومن تسنى له أن يقرأ ردود الأفعال لديهم عبر المواقع الانترنتية فسيرى أن الأخوة الشيعة منقسمون بشدة حيالها..

بقي أن أشير وأنا أتلقى المداخلات التي سنباشر نشرها من الأسبوع القادم إلى استغراق المتداخلين في الجزئيات الفقهية والخلافات العقدية، وهي على أهميتها، ستكون عائقا أمام نقاش حقيقي لمشروع الشيخ حسن الصفار الذي طرحه عبر هذه المكاشفات ما سيبقينا داخل هذه الدائرة نلوب في ذات التيه الطائفي. وعليه أتمنى على الأخوة الدعاة ممن رفعوا لافتة الوسطية أو تدثروا بدثارها أو حتى أولئك الذين يتفرجون على هذا الحراك الطائفي والوطني المهم وهم صامتون، خشية مريديهم وحساباتهم الشخصية، أن يدلوا بدلوهم ويعلنوا مواقفهم الحقيقية وقناعاتهم بشفافية بمثل ما فعل الشيخ عوض القرني، وألا يتركوا الساحة فقط للأصوات المعارضة. والله تعالى أعلم ..

عبد العزيز قاسم



--------------------------------------------------------------------------------


والى نهاية هذه المكاشفات الطويلة مع الشيخ الصفار:


• سأنتقل يا شيخ حسن إلى محور آخر وأتركك مع طائفتك كي يختار الله الطريق الأصلح لنا جميعا. ذكرت للتو بأن مرجعيتكم هو السيد السيستاني، وبين يدي قصاصة للدكتور «فؤاد الإبراهيم» مؤلف كتاب «تطور الفكر السياسي الشيعي» يحدّث بأن المرجعيات لدى طائفة الشيعة في القطيف، بالإضافة إلى السيستاني في النجف، هم خاميئني ومحمد صادق الروحاني والشيرازي في إيران، ولبعضكم محمد حسين فضل الله في لبنان. هلا فككت لنا هذه الفسيفساء المرجعية؟

- لأن اختيار المرجع الديني عند الشيعة يتم على المستوى الأهلي، وليست هناك جهة تفرض أو تقرر مرجعية معينة، وإنما يختار كل مكلف المرجع الذي يطمئن إلى توفر الشروط الشرعية فيه وأبرزها الاجتهاد والعدالة وهناك شرط الأعلمية على المشهور بين الفقهاء، لذلك يعتمد الناس على رأي العلماء المحليين الموجودين في القطيف والأحساء والمدينة المنورة، وكل واحد من هؤلاء العلماء حسب معرفته وتشخيصه يختار المرجع الذي يطمئن إليه ويرشد أتباعه إليه.

من هنا يحصل التعدد في المرجعيات، وغالباً ما يكون هناك مرجع تختاره الأكثرية، وهو حالياً السيد السيستاني. وليست هناك فوارق هامة بينهم إلا في بعض المسائل الفقهية القليلة، وقد تحصل بعض الفوارق بين المرجعيات في المواقف السياسية أو الثقافية، أو أساليب إدارة المرجعية، لكن انعكاس هذه الفوارق على الواقع المحلي محدود، لأن العلماء المحليين هم المؤثرون بالدرجة الأولى في واقع المجتمع الشيعي.

• اسمح بسؤال صريح هنا ياشيخ حسن، وقد استفزك سؤال سابق عن الولاءات، لكنني لا بدّ أن أسألك من وحي تخصصي في الرياضيات والمنطق والذي يقول: ألا ينبني على هذه التبعية الفكرية الشديدة الالتزام والولاء تبعيات أخرى كالتبعية السياسية مثلا؟

- إن كنت تقصد بالتبعية السياسية، بأن المرجع الديني هو الذي يقرر للشيعة في بلدانهم مواقفهم السياسية الوطنية وشكل علاقتهم مع حكومتهم ومجتمعهم فهذا غير صحيح إطلاقاً لأمرين:

الأول: عزوف أغلب مراجع الشيعة عن التدخل في الشؤون السياسية وتصديهم لدور الإفتاء في المسائل الشرعية، بحيث أصبح الارتباط بين الجمهور الشيعي والمرجع ضمن هذه الدائرة.

الثاني: قد يتصدى المرجع الديني للشأن السياسي في وطنه لأنه صاحب رأي في الموضوع أو لاستدعاء الظروف ذلك، لكنه لا يتدخل أبداً في الشؤون السياسية للبلدان الأخرى، وإنما يترك ذلك للقوى الشيعية الموجودة في تلك البلدان، لأنهم أعرف بظروف بلادهم. ولم يحصل أن تدخل المراجع في شؤون بلدان المنطقة، وكمثال قريب حاضر ما حصل في البحرين قبل الانفتاح الذي قاده ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى، وبعده، فإن المراجع لم يتدخلوا مثلاً في شأن الانتخابات البرلمانية، وانقسمت ساحة الشيعة في البحرين حيث قاطع البعض وشارك البعض، لكن المشاركة والمقاطعة تمت بقرارات من القوى المحلية ودون تدخل من المراجع.

إن المجتمعات الإسلامية سنة وشيعة تأخذ العلم الشرعي، والأحكام الدينية من العلماء الثقاة أينما كانوا فالحدود السياسية لا تمنع الاستفادة من علمهم ورأيهم، فشيخ الجامع الأزهر يأخذ برأيه مسلمون خارج مصر، وكبار العلماء في المملكة كالمفتي الراحل ابن باز، يأخذ برأيه مسلمون في بلدان مختلفة، والشيخ يوسف القرضاوي أصبحت له مكانة مرجعية في بلدان إسلامية كثيرة، ولا أحد يعتبر أن أخذ العلم الشرعي من فقيه معتمد خارج البلاد يشكل تبعية سياسية.

إنني أرى أفضلية أن تكون المرجعية الدينية من نفس المجتمع وضمن الوطن، لكن ذلك مشروط بتحقق مواصفات المرجعية والإفتاء، وكانت مرجعية الشيعة في القطيف والأحساء محلية إلى ما قبل خمسين سنة تقريباً. وأرجو أن تتاح الفرصة للحوزات العلمية الشيعية داخل البلاد لتساعد على الوصول إلى هذا المستوى إن شاء الله.

دور المرجعية الشيعية


• أما وقد نفيت أي ولاءات سياسية تتبع المرجعية الفكرية، بودي هنا سؤالك ياشيخ حسن عن الدور الحقيقي للمرجع الشيعي. ليتك توضح لنا، ونحن نسمع بهاته المراجع ولا نعرف أدوارها الحقيقية وعملها وما تقوم به والمساحات التي تتحرك فيها؟

يقوم المرجع الديني عادة بالأدوار التالية:

- استنباط الأحكام الشرعية والإجابة على الاستفتاءات.

- رعاية الحوزة العلمية بتصديه لتدريس الأبحاث العالية في الفقه وأصوله، وتوفير المكافآت للأساتذة والطلاب، ومعالجة المشاكل التي قد تواجه الحوزة من سياسية واجتماعية ومالية.

- إعطاء الإجازات والوكالات للعلماء المحليين في مختلف المجتمعات لينقلوا فتاواه وليستلموا الحقوق الشرعية نيابة عنه. وليتصدوا للمهام الدينية التي تحتاج إلى إذن المجتهد كالقضاء.

- ممارسة دور الأبوة والرعاية للمجتمع بتشجيع ودعم المؤسسات الدينية، وتوزيع الخمس على الفقراء والمحتاجين.

- وقد يقوم المرجع الديني بدور سياسي في موطن مرجعيته إذا اقتضت المصلحة الدينية ذلك وكانت الظروف مناسبة.

• أستأذنك في أن أطلب توضيحا أكثر..وأن تقرب لنا بأمثلة في واقعنا السني؟

- يمكن التمثيل لدور المرجعية في المجتمع الشيعي بدور المفتي في المجتمع السني، مع بعض الفوارق كما في جهة التعيين حيث يتم تعيين المفتي رسمياً، بينما يختار المرجع أهلياً.

• بالمناسبة يا شيخ حسن، أسماء شيعية عميقة. مثل أحمد الكاتب وأحمد الكسروي الذي اغتاله بعض الشيعة في الكويت والبرقعي وموسى الموسوي وغيرهم ممن نقدوا أصول وقواعد الشيعة، ونقدوا بعض الانحرافات التي خرجت عن منهج آل البيت . كيف تنظرون إليهم؟

- من كان لديه رأي ينكر به ضرورة من ضرورات المذهب المجمع عليها، يُنظر إليه باعتباره خارج المذهب، ولكن ضمن دائرة الإسلام، مادام يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر والثوابت التي اتفق عليها المسلمون.

وهناك فرق بين صنفين من هؤلاء الأشخاص، صنف يحصل له رأي مخالف للمذهب دون ملابسات أخرى، وهذا تجري مناقشته والحوار معه ليعود إلى دائرة المذهب، وإن لم يقتنع وكان ينشر رأيه ويبشر به، فإن العلماء يتصدون للردّ عليه وتبيين مواقع الخلل في رأيه حتى لا يتأثر بقية أبناء المذهب.

وصنف من هؤلاء الأشخاص يتعدى دائرة إبداء الرأي للقيام بدور عدائي ضد المذهب والطائفة، بالتحالف مع الخصوم، أو الارتباط بجهات مشبوهة، وهنا يتم اتخاذ موقف رادع ضده على المستوى الاجتماعي والثقافي.

وقد تختلط الأوراق، وتنشأ اتهامات وظنون سيئة وتحصل مواقف انفعالية غير منضبطة نتيجة للحساسية الشديدة الدينية عند الشرقيين بشكل عام بمختلف أديانهم ومذاهبهم، والتي قد تكون في بعض الأحيان على حساب حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي.

• سأتجاوز قضية التصنيف وإسقاط الأسماء التي سقتها لك، وأعود إلى المحور الأصل وأعكس السؤال عملا بمبدأ العدل والإنصاف وأستفهم منك، وقد عشت يا شيخ حسن تلك الأحداث والفترة التي نرصد الآن تاريخها، إن كان ُوجد في المقابل قيادات إسلامية سنية تأثرت بفكر وأطروحات بعض أئمتكم الشيعة بنفس القدر الذي تأثرتم أنتم بالكتّاب والمفكرين من أهل السنّة؟

- من المعروف أن عدداً من العلماء المفكرين السنة قد تأثروا كثيراً بأفكار السيد جمال الدين الأفغاني وفي طليعتهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، وكانت مجلته التي أصدرها في باريس «العروة الوثقى» منبعاً لأفكار النهضة الإسلامية الحديثة.

وأعرف أن كتب العالم المجدد السيد محمد باقر الصدر «فلسفتنا» و«اقتصادنا» و«البنك اللاربوي في الإسلام» كانت مصادر معتمدة في مجالها للكثير من العلماء والمفكرين السنة.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران حصل انفتاح كبير على الثقافة الشيعية من قبل العلماء والمثقفين السنة واستلهموا من التجربة الإيرانية سياسياً وفكرياً.

ولكن يمكن القول إن انفتاح الشيعة على الثقافة السنية أكثر من انفتاح السنة على الثقافة الشيعية، ولعل من أسباب ذلك أن الشيعة لا يعيشون تعبئة تمنعهم من الانفتاح على الرأي الآخر، ولا كانوا يخشون من التأثر بالرأي الآخر، بينما نجد شيئاً من هذا القبيل في بعض الأوساط السنية.

إن في الثقافة الشيعية ثراءً معرفياً هاماً في مختلف المجالات لا ينبغي لعالم أو مثقف سني أن يحرم نفسه من الاطلاع عليه، والاستفادة منه، وخاصة فيما يرتبط بعطاء أئمة أهل البيت وسيرتهم العطرة.

إن الإسلام يشجعنا على الانفتاح على الرأي الآخر لنعرفه على حقيقته ولعل فيه شيئاً نستفيده منه، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ وورد في الحديث كما في الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :«الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها».

وإذا كنا مطالبين بأن نطلع على ما يمكننا من نتاج الفكر الإنساني بشكل عام فكيف نتردد في الاطلاع على نتاج بعضنا بعضاً داخل الإطار الإسلامي.

المذهب الجعفري هل هو المذهب الخامس؟


• عفوا يا شيخ حسن أنت هنا في هذه الجزئية تطرح الفكر الشيعي في مقابل الفكر السني. ولكأنك تمرّر أو توحي من خلال حديثك الآنف بأن المذهب الجعفري يدخل في نطاق المذاهب الإسلامية كمذهب خامس، وأنه مذهب يأخذ منه أهل السنّة وأئمة السلف السابقين. هل ما شعرت به صحيح؟

- لا شك أن مذهب أهل البيت عريق في تأريخه وأصالته، وقد أخذ كبار أئمة أهل السنة وعلمائهم عن أئمة أهل البيت وأستحضر هنا كلمة للعالم المصري المعروف الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الإمام الصادق» قال:«ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم في أمر، كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق وعلمه، فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه وأخذوا، أخذ عنه مالك ، وأخذ عنه طبقة مالك، كسفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وغيرهم كثير، وأخذ عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السن، واعتبره أعلم الناس، لأنه أعلم الناس باختلاف الناس، وقد تلقى عليه رواية الحديث طائفة كبيرة من التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني وأبان بن تغلب وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم من أئمة التابعين في الفقه والحديث، وذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين ومن جاء بعدهم والأئمة المجتهدين الذين أشرنا إلى بعضهم».

وإذا كان الأئمة الأربعة لهم مذاهب فهل يستكثر على الإمام جعفر وأئمة أهل البيت أن يكون لهم مذهب؟

إن البعض يشكك في صحة ما يرويه الشيعة من مذهب أهل البيت، ثم لا يقدم بالطرق التي يعتبرها صحيحة ما يمثل مذهباً لأهل البيت موازياً للمذاهب الأربعة، فتكون النتيجة أن لا مذهب لأهل البيت، إن كل إمام من أئمة المذاهب جاء مذهبه عن طريق تلامذته القريبين منه، وكذلك مذهب أهل البيت نجده عن طريق تلامذتهم القريبين منهم، إننا إذا شككنا مثلاً في مرويات أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني وزفر بن هذيل عن شيخهم أبي حنيفة فمن أين نجد مذهبه إذاً؟

وإذا لم نقبل مرويات صالح بن الإمام أحمد وأخيه عبدالله بن أحمد، وأحمد بن محمد الأشرم وعبدالملك الميموني وأحمد المروزي وإبراهيم بن إسحاق الحربي وأمثالهم، وما جمعه بعد ذلك أبو بكر الخلال عن الإمام أحمد بن حنبل فكيف لنا بالوصول إلى مذهبه وآرائه الفقهية؟

وكذلك الحال لن نجد مذهب أهل البيت وفقههم إلا عبر تلامذتهم القريبين منهم.

ولا يعني ذلك القبول بكل ما روي عن أهل البيت، كما لا يمكن القبول بكل ما روي عن رسول الله ، وعن بقية الصحابة، وأئمة المذاهب، بل لابد من التحقيق والتمحيص مع أخذ تلك الحقيقة بعين الاعتبار.

وبعد فإن المذهب الجعفري واقع قائم، وأتباعه ليسوا أقل من أتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة، ونتاجهم المعرفي ليس أقل من غيرهم، ولا تصح المزايدة على الشرعية، فكل مذهب يرى أتباعه توفرها فيه، فلا بد من أن نعترف ببعضنا ونتبادل الاحترام ونتعاون على البر والتقوى كما أمرنا الله تعالى.

• سأقف وقفات عدة أمام حديثك هذا يا شيخ حسن، أولاها أن أئمة أهل البيت لهم منزلة واحترام وما نقل عنهم بسند صحيح معتبر وفق أدوات الترجيح وليس وفق الاستحقاق الوراثي كما هي عقيدتكم أنتم الشيعة ، وليس هناك كبير إشكال في فقههم وإنما في المنسوب إليهم من الأغاليط والخرافات التي ينزه أهل السنة علماء أهل البيت عن الوقوع فيها، وقد تساءلت عن رأي أهل البيت في القضايا الفقهية؟ أتصور أن المشكلة ليست في الفقه بل في القضايا الاعتقادية المنسوبة إليهم بمغالطات من وجهة نظر السنة.. أي التباين الاعتقادي والتناقض الأصولي..

- أعيذك بالله يا أستاذ عبدالعزيز من الطرح الاستعلائي، ومن أسلوب المصادرة للرأي، فالشيعة لا يقولون بالاستحقاق الوراثي، وإنما يقولون بالنص في الإمامة، وإذا كان النص قد ثبت عندهم في سلسلة العترة الطاهرة فهذا ليس معيباً ولا قادحاً، فقد أخبر القرآن الكريم عن استمرار النبوة في ذرية إبراهيم : ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ.

وأما الاغاليط والخرافات فالشيعة أيضاً ينزهون النبي وأهل البيت عنها، لكن اعتبار كل ما خالف رأيكم اغاليط وخرافات هذا مصادرة وتسرع، ومن حق الآخر أن ينظر إلى ما لديكم كذلك.

والمفروض أن ندخل ساحة الحوار بأدب الأسلوب النبوي الكريم: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ.

وإذا كان من الطبيعي أن يعتقد كل طرف أنه على الحق ومع الصواب، فإن من غير الطبيعي أن لا يعترف بوجود الطرف الآخر، وأن لا يقبل الانفتاح على ما لديه والتحاور معه.

ثم إن التنكر لمذهب أهل البيت لم يقتصر على الجانب العقدي كما ذكرت، وإنما حتى الجانب الفقهي من مذهبهم مغيّب.

• أسأل الله أن يعيذنا جميعا من آفة الاستعلاء، وأرجوك ياشيخ حسن أن تتفهم طبيعة أسئلة مكاشفات، وسأمضي في محاججتك ولن أتوقف. ففي مقابل حديثك الأول، أنت تتحدث وتقول الشيعة، ونحن الشيعة والشيعة قالوا والشيعة فعلوا.. وأتصور أن المسألة تحتاج من كلينا إلى تحرير، لأنه كما يعرف عامي مثلي من أهل السنة أن الشيعة مصطلح فضفاض يدخل أو ينضوي تحته عشرات الجماعات والفرق، غير الاثني عشرية أو الجعفرية. لا أدري أين ميزانك ولماذا اختزلت الفكر الشيعي في مذهب واحد؟ وأنت تطلق مصطلح الشيعة.. إلى من تصرفه يا شيخ؟

- وهل السنة كلهم رأي واحد وقالب واحد، ألا يوجد فيهم أشاعرة ومعتزلة، وأصحاب رأي وأصحاب حديث، ومذاهب أربعة ومع المذهب الظاهري وغيره يكونون أكثر، وفيهم سلفية وصوفية، لكني أعرف أنك حينما تتحدث عن أهل السنة أنك تنتمي إلى المدرسة السلفية المنتمية إلى المذهب الحنبلي وهي جزء لا يبدو أنه الأكبر من ساحة أهل السنة، وأنت تعلم أني أنتمي إلى مذهب الإمامية الاثني عشرية وأتحدث عن مذهبهم، وإن عنوان الشيعة حين يطلق ينصرف إليهم، فهم الأكبر مساحة ضمنه فإذا أُريد غيرهم احتاج الأمر إلى قرينة صارفة، فأين الفضفاضية والاختزال أيها الأخ الكريم؟

الصفار والثورة الإيرانية


• تركناك وأنت في السعودية تقوم بأدوارك الدعوية بين طائفتك، وبثّ الروح الإسلامية بينهم. كم بقيت هنا في القطيف؟ وإلى أين كانت محطتك التالية؟

- بقيت في القطيف إلى ما بعد عاشوراء مطلع سنة 1400هـ، حيث انتقلت إلى طهران في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك في أعقاب الأحداث التي حصلت في القطيف أيام عاشوراء، فقد تفجر غضب أهالي المنطقة ضد الأمريكيين الذين كانت تهديداتهم تتوالى على الجمهورية الإسلامية أثناء احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وكانت أيام عاشوراء فرصة للشباب المتعاطفين مع الثورة الإسلامية في إيران والغاضبين من الهيمنة الأمريكية، ليظهروا مشاعرهم من خلال مواكب العزاء التي تعارف عليها الشيعة في مختلف أنحاء العالم، وكان العزاء ممنوعاً خارج الحسينيات، وهي القاعات التي يجري فيها إحياء مناسبة عاشوراء، لكن الأجواء الحماسية والاندفاع الشبابي وما يختزنه الناس من شعور بالغبن، دفعنا للجرأة بالخروج بمواكب العزاء إلى الشوارع، في أكثر من منطقة وقد تخلل بعضها بعض الشعارات السياسية إلى حدّ رفع بعض صور الامام الخميني والدولة اعتبرت أن هذا عمل سياسي وانه نوع من المظاهرات وتوافق ذلك مع ما كان يحصل في الحرم من حادثة جهيمان العتيبي، فاتخذت الجهات الأمنية موقفاً صارماً، وصل إلى حد إطلاق النار وسقط عدد من الضحايا، كما تم توقيف عدد كبير من المشاركين أو المتهمين بالمشاركة في هذه المسيرات التي حصلت في أكثر من منطقة.. في القطيف وفي صفوة وفي سيهات وفي مناطق مختلفة.. فكان ذلك سبباً لتشنج الأوضاع ولخروجي من البلد.

• اسمح لي يا شيخ حسن. لكأنك تبسّط الأمور إلى حدود لا يتقبلها عقل. لو انتقلت أنت حسن الصفار إلى موقع الرسمي ونظرت إلى هذا الأمر مستصحبا الظرف السياسي الحسّاس، سواء من قبل حركة جهيمان السلفية المتشددة أو من أجواء الشحن الثوري الإيراني ودعوة الخميني إلى تصدير الثورة وخصوصا في الخليج. لا أبررّ هنا للسياسي بقدر ما أضع الأمور في نصابها. ثمة شحن شديد، وكان لا بدّ للرسمي أن يحزم ويكون صارما وإلا ستفلت الأمور، فالقضية كانت ستأخذ منحى سياسيا يهدد وحدة الوطن. وليست كما قلت مجرد رفع الجرأة في ممارسة العبادات؟

- حديثي عن ما حصل كان استرسالاً ضمن الإجابة على سؤال آخر، وما ذكرته هو صورة توصيفية مختصرة، ولست بصدد التحليل والمناقشة للحدث، فليس في الأمر تبسيط كما لا داعي للتضخيم والتهويل الذي أشرت أنت إليه.

وإذا كانت الأمور يحكم عليها بنتائجها فقد أدى ذلك الحزم والصرامة إلى تصعيد في الحالة، تبلورت على شكل عمل معارض في الخارج، استمر حوالى أربعة عشر عاماً، حتى تم التفاهم مع الحكومة وعاد الإخوة إلى البلاد عام 1994م.

المعارضة الشيعية


• عفوا ياشيخ حسن، ما هذا.. أتريد أن تفوّت عليّ ضربتي الصحافية ببضعة أسطر وتختزل أكثر من أربع عشرة سنة مهمّة في تاريخ شيعة السعودية السياسي بسطور قلائل. حنانيك يغفر الله لي ولك. سأقف مع سنوات معارضتكم بالتفصيل، وأسأل: هل كانت للحكومة الإيرانية آنذاك يدٌ طولى في دعمكم و توجيهكم إلى هذه المعارضة للحكومة السعودية أم أنها فقط مجرد مستضيف كما فعل الملك فيصل رحمه الله بالإخوان المسلمين؟

- من حقك كصحفي أن تحرص على ما يخدم دورك المهني الإعلامي، ولكني حريص على الإخلاص لهذه القضية الوطنية ضمن الظروف الحساسة المعاشة.

أما سؤالك عن الدور الإيراني، فأجواء الثورة آنذاك كانت ملتهبة ضد الأمريكيين، وتفاعلات احتلال السفارة الأمريكية وأزمة الرهائن الأمريكيين، ومحاولات التدخل العسكري الأمريكي، جعلت لغة التعبئة والحماس والثورة هي الحاكمة على الإعلام الإيراني، والذي كان يجد أصداءه في المنطقة ومختلف بلدان العالم الإسلامي، كما هو واضح لمن عايش تلك المرحلة أو قرأ عنها.

لكن الإيرانيين كانوا مشغولين بأنفسهم، ولم يتمكنوا بعد من إنجاز بناء دولتهم الجديدة، ثم حصلت عندهم مشاكل داخلية عاصفة، وفاجأتهم الحرب العراقية، لكل هذه الأمور لم يكن هناك توجه إيراني لتبني دعم معارضة للمملكة، كنا نستفيد من فرصة البقاء في إيران، ونستغل فرصة عدم إحكام أجهزة السلطة الجديدة سيطرتها على الأمور لممارسة نشاطنا الإعلامي والسياسي، وإذا كان الملك فيصل قد وفر للإخوان المسلمين الذين استضافتهم المملكة بعض الوظائف، وعيّن لهم مخصصات مالية كما فهمت من كلامك، فإننا لم نحصل على مثل ذلك في إيران، فكنا نتحمل نفقات حياتنا وعملنا بأنفسنا، ولم ينخرط أحد منا في أي وظيفة رسمية أو أهلية، بل واجهنا صعوبات كبيرة على المستوى القانوني لتحصيل الإقامات، حين بدأت تترتب أوضاع الأجهزة الأمنية هناك.

نعم كانت لنا صداقات وعلاقات مع بعض العلماء والقيادات الثورية كما أشرت سابقاً وكنا نستفيد منها لتمشية بعض أمورنا.

ولم يبد الإيرانيون اهتماماً بالوضع في المملكة إلا بعد ما حصل في مكة للإيرانيين في حج عام 1408هـ-1987م. ونحن قررنا الخروج من إيران حتى لا نكون أداة في الصراع الذي سيدور وحتى لا نكون ضمن معركة الطرف الإيراني ضد الحالة في المملكة. خرجنا من إيران وانتقلنا إلى سوريا والى لبنان، وبعض إخوتنا انتقل إلى أوروبا حتى نحافظ على استقلاليتنا وحتى لا نكون أداة في صراع لم نكن نحب أن نكون فيه.

• كم كان عدد الذين ذهبوا معك إلى إيران؟

- من الصعوبة بمكان الحديث عن عدد معين.

• بالتقريب؟

- الذين انخرطوا في عملنا السياسي والإعلامي، كان عددهم محدوداً، ويقدرون بالعشرات، لكن هناك مجاميع التحقت بنا وتوجهت لدراسة العلوم الدينية، وبعضهم جاء هرباً من الملاحقة في البلاد، وبعضهم بقي مدة يسيرة وعاد للبلاد، والمجموع يمكن تقديره بالمئات.

• كيف هي أشكال المعارضة التي مارستموها، وهذا للتأريخ يا شيخ حسن، هل بما يفعله سعد الفقيه مثلا.. مجرد إذاعة وبيانات؟

- كان عملنا في الخارج يقتصر على المجالات التالية:

- تربية الكوادر الفكرية والسياسية والإدارية.

- النشاط الإعلامي والثقافي عبر الكتب والمجلات وتسجيل الأحاديث والمحاضرات.

- التحرك السياسي بشرح قضيتنا لمختلف الأطراف والأوساط.

وكنا نرفض العنف كنهج للمعارضة، لذلك لم نقترب منه ولم ندع إليه ولم نؤيده، والمرجعية التي كنا ننتمي إليها وهو السيد الشيرازي كان يرفع شعار اللاعنف ويحذر منه، وقد كتب وحاضر كثيراً ضد أسلوب العنف والعمل العسكري، لأن ممارسته داخل المجتمع مخالف لتعاليم الدين، وسبب لانتهاك الحرمات، وفقدان الأمن، ويسبب ردة فعل عند الناس ضد مرتكبيه، وغالباً لا يوصل إلى نتيجة صالحة.

الوعي السياسي هل كان غائبا؟


• لتوك قلت بأنه عندما تأزمت الأمور السياسية بين السعودية وإيران نأيتم بأنفسكم أن تدخلوا في الصراع. اسمح لي بإبداء اعتراض أو استفسار جاش بصدري ولا بدّ أن أصارحك به. لا أدري يا شيخ حسن ألم تستشعروا قبل هذا التأزم بأنكم كنتم ورقة سياسية في يد طهران ضد السعودية.. بكل صراحة أنا لم أستطع أن أستوعب ما قلت..هل كنتم بهذا الفكر السياسي الذي لا يميز ذلك؟

- لم يكن هناك صراع آنذاك بين إيران والمملكة، ولم نكن نشعر أننا ورقة بيد أحد، ولا نقبل بذلك، لكن هناك حقيقة أودّ الإشارة إليها، وهي أن الأوضاع في أي بلد إذا لم تستوعب أبناءه فإن ذلك قد يدفعهم للارتماء في أحضان الآخرين، كما أن العلاقة مع الآخرين قد تكون علاقة التقاء مصالح يستفيد منها كلا الطرفين، وعلى المواطن الصادق أن يحرص على الإخلاص لوطنه، وأن لا يكون منفذاً لأي إرادة أجنبية ضد مصلحة الوطن.

• عفوا..عفوا.. ولكن ثمة تأزم ملموس وواقع بسبب دعم المملكة للعراق وكان ذلك معلنا؟

- صحيح وذلك هو ما أعطانا فرصة للبقاء في إيران والعمل السياسي والإعلامي، لكن الإيرانيين كانوا حذرين في فتح جبهات واسعة، فما كانوا يريدون التصعيد مع دول المنطقة، وكانت الحرب ترهقهم، والضغوط الأمريكية والغربية شديدة عليهم، لذلك لم يتجهوا للتصعيد مع المملكة قبل أحداث مكة. وعندها انتقلنا إلى سوريا ولبنان وانتقل بعض الأخوة إلى بريطانيا.

• سامحني ياشيخ حسن. والله مع مكاشفاتك وفي هذه الحلقة بالذات توّهت بي السياسة. فما زلت متحيرا ولم أستوعب ذهابكم إلى سوريا بالتحديد وهي التي لها علاقات قوية واستراتيجية مع السعودية.. ألم تخشوا مثلا على أنفسكم في حال طلب الحكومة السعودية تسليمكم إليها؟

- اخترنا سوريا لأنها البلد العربي الوحيد المتعاطف مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية، وكان يقصدها الزوار والسيّاح السعوديون مما يعطينا فرصة التواصل مع المجتمع، كما أن المعيشة فيها مريحة وسهلة، إضافة إلى وجود حوزات علمية شيعية في منطقة السيدة زينب قرب دمشق.

اخترناها لتكون مكاناً لمعيشتنا، لا لكي نمارس فيها عملاً سياسياً، فذلك ما لا يسمح به السوريون، لكن قرب لبنان كان يوفر لنا المجال المفقود في سوريا.

وكانت سياسة السوريين احترام اللاجئين والمقيمين مادام وضعهم قانونياً، ولا يمارسون نشاطاً ضد بلدانهم، وكمثال على ذلك فإنه ومع شدة التحالف السوري الإيراني كان هناك في سوريا بعض الإيرانيين المخالفين للجمهورية الإسلامية.

بالطبع كان في بقائنا في سوريا نسبة من المغامرة ولكن ثقتنا بموقفنا وإخلاصنا لقضيتنا كان يساعدنا على تحمل تلك الدرجة من الاحتمالات.

• سأتطوع بتقديم رؤية عن تفسير قبول سوريا بكم، ولك يا شيخ حسن إن تصحح لي أو تخطّي.. أشعر كأنه نوع من الرد غير المباشر لاحتضان المملكة لمجموعة الإخوان المسلمين السوريين في أوائل الثمانينيات.. فكانت رداً من السوريين في احتضانكم؟

- لا أدري ماذا كان يدور في أذهان المسؤولين السوريين، ولكنهم كانوا يتعاطون مع وجودنا كجزء من الحوزات العلمية في منطقة السيدة زينب، حيث كنا نمارس الدراسة والتدريس والنشاط الثقافي الاجتماعي لا غير.

• كم مكثتم في سوريا؟

- مكثت في سوريا حوالى ست سنوات (1409-1415هـ).

• هل كانت لك علاقات هناك مع المرجعيات الشيعية وهل كانت لحزب الله فروع هناك؟

- لا توجد في سوريا مرجعيات شيعية وإنما هناك حوزات علمية، أبرزها الحوزة التي أسسها السيد حسن الشيرازي عام 1395هـ-1975م وهو شقيق المرجع السيد محمد الشيرازي، وقد أسسنا حوزة خاصة بشبابنا باسم «حوزة الإمام الصادق» في منطقة السيدة زينب.

ويوجد هناك مكاتب لممثلي المرجعيات الشيعية وكنت على صلة وثيقة بهذه المكاتب وبمعظم ممثلي المراجع الكرام.

أما حزب الله فلا أعلم عن وجود فرع له في سوريا.

سلافة التجارب وعصارة السنين


• هذه الفترة التي نتحدث، لا شك أنها شهدت كثيرا من الطرح العاطفي المندفع في تأييد الثورة الإيرانية وأدبياتها وفكرة تصدير الثورة واجتاحت الساحتين العربية والإسلامية بطوفان من تأجيج كاسح انتهى فورته الآن بما ترى. أنا الآن أمام الشيخ حسن الصفار بعد كل تلك التجربة الطويلة والعميقة.. كيف تنظر إلى تلك الفترة وخطاباتك وشعاراتك. هل مازالت متقدة لديك أم أن الأيام والتجارب علمتك أن تتراجع عن بعضها وأن تغيّر طرائق دعوتك، و في ذات الإطار ما هي نصيحتك التي ستقدمها للأجيال الجديدة من طائفتك وللشباب الإسلامي عموماً، كي لا يقعوا في أخطائك وكيما يستفيدوا من نواحي تجربتك الايجابية؟

- اعتقد أن ما كنا نمارسه في تلك المرحلة كان من وحي قناعاتنا وكان يمثل الاستفادة المناسبة من تلك الظروف التي استجدت على الساحة الإقليمية والإسلامية، ولست نادماً على التفاعل مع الثورة الإسلامية الإيرانية، فأنا أنظر إليها كإنجاز متقدم للصحوة الإسلامية، وأنها جاءت في سياق تمسك الأمة بدينها وأصالتها، ورفض التوجهات الغربية والهيمنة الأمريكية، وكثيرون في العالم الإسلامي من السنة والشيعة نظروا إليها بمثل هذه النظرة. يبقى الكلام عن أخطاء وقعت فيها الثورة والنظام الإيراني، وهذا أمر وارد، وخاصة في المرحلة الأولى، ومع الظروف الحرجة التي واجهتهم، وكان يجب مساعدتهم لتجاوز تلك الأخطاء، لكن المؤسف أن النظرة الطائفية من جهة، والتأثر بالإعلام الأجنبي من جهة أخرى هو الذي جعل التفاعل مع الحالة الإسلامية الإيرانية محل تساؤل ومثار استفهام.

لقد اتضح أن الذين قادوا المواجهة لإيران هم الذين قادوا فيما بعد المواجهة مع المملكة العربية السعودية، كالنظام العراقي الزائل، والإدارة الأمريكية مما يدل على استهداف الإسلام وخيرات المنطقة.

هذا فيما يرتبط بنظرتي إلى تلك المرحلة.

أما عن مدى التزامي بخطاب ونهج تلك المرحلة، فإن الإنسان يتكامل ويتطور من خلال التجربة والمعرفة، كما أن المراجعة والنقد الذاتي أمر ضروري لسد الثغرات وتجاوز الأخطاء، ثم إن تغيّر الظروف والأوضاع يستدعي تغيراً في الخطاب والنهج، وكلنا نعلم أن نهج النبوة في العهد المدني يختلف عنه في العهد المكي، في بعض الخصائص والجوانب.

إني أنصح نفسي وإخواني من أبناء الأمة بأن لا ينطلقوا في مواقفهم من الاندفاع والحماس وحده، بل يُعملوا عقولهم ويأخذوا خصائص بلدانهم ومجتمعاتهم بعين الاعتبار، فالأسلوب الناجح في بلد ما قد لا يكون صالحاً لبلد آخر.

الصفار هل هو خميني القطيف؟


• دعني هنا أحشرك في الزاوية، كما نقول في أدبياتنا الصحافية، وأتساءل يا شيخ حسن بأنه من يقرأ تأييدك الصارخ للخميني والثورية التي كانت عليه ربما يقول الآن بأن الشيخ حسن الصفار سيمتثله هنا في القطيف وسيقوم بنفس الدور الذي قام به الخميني.. كيف تعلق على هذا؟

- في هذا الطرح كثير من التسطيح والتبسيط، فلا وجه للمقارنة والمقاربة إطلاقاً، لا في الصفات الشخصية، ولا في نوعية البيئة الاجتماعية، ولا من حيث طبيعة الظرف السياسي.

فالإمام الخميني فقيه ومرجع وأنا مجرد طالب علم صغير، وهو انطلق من قاعدة شعبية كبيرة حيث الأكثرية الشيعية في إيران، بينما أعمل ضمن مجتمع شيعي محدود، وكان يواجه نظاماً شاهنشاهياً أراد فرض التغريب على الشعب المسلم، وارتبط مع الكيان الصهيوني، بينما نعيش في ظل نظام يواجه ضغوطاً من الغرب، ويرفض الكيان والعدوان الصهيوني. إلى جوانب كثيرة من الاختلاف والتفاوت.

وإذا كان مراجع الشيعة في العراق الآن لا يتبنون استنساخ التجربة الإيرانية للفوارق الموضوعية بين البلدين، فكيف بالبلدان الأخرى.

• واذن يا شيخ حسن، هل لي أن أتساءل عن النهج الذي تنتهجونه هنا في السعودية، وأتساءل عنك تحديدا؟

- برامج عملنا بعد العودة إلى الوطن تحددت في أربعة اتجاهات:

الأول: الإصلاح داخل المجتمع، بنشر الوعي والثقافة السليمة، عبر الوسائل المتاحة، ودعم المؤسسات الخيرية الاجتماعية، وتشجيع كل ما من شأنه نفع المجتمع وخدمة تقدمه.

الثاني: الانفتاح على المحيط الوطني، بإقامة جسور العلاقة مع بقية المواطنين، لتجاوز حالة القطيعة المذهبية، والانغلاق الطائفي، وإنتاج الخطاب والثقافة المؤصلة والداعمة لهذا الاتجاه.

الثالث: التواصل مع المسؤولين وقيادات الدولة، لمعالجة القضايا العالقة، والمشاكل القائمة، بما يخدم التلاحم بين القيادة وشرائح المواطنين.

الرابع: الإسهام في الشأن الوطني العام على مختلف الأصعدة.

• نأتي على الجانب الثاني والذي حقيقة ربما يهمّ متابعا مثلي. لكم بعض الفتاوى الخاصة في قضية الاندماج في المجتمع وان كان في الجانب الأول لكم رؤى تجديدية كفتواكم في عاشوراء والتبرع بالدم وغير ذلك هلا أوضحتم لنا هذه الفكرة؟

- الاندماج الوطني قضية ملحة، يجب أن يبذل كل الواعين أقصى جهودهم من أجل خدمتها وتحقيقها، فهذا الوطن الواسع الكبير، الذي تحققت وحدته وقام كيانه على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، يضم مناطق عديدة، ومجتمعات مختلفة في بعض خصائصها الجانبية، وإن كانت تنتمي لأصول عربية واحدة، ولدين واحد، هو الإسلام والحمد لله.

لكن الحرص الطبيعي والمشروع لكل مجتمع على خصوصياته يقتضي احترام هذه الخصوصيات، واتساع بوتقة الوطن للجميع، بالتأكيد على القاسم المشترك، والهوّية الوطنية الواحدة التي تحترم الخصوصيات ولا تقمعها. وحين تضعف هذه الحالة لصالح خصوصية معينة، يزداد تمسك الآخرين بخصوصياتهم، فيصبح الوطن ساحة صراع بين الخصوصيات أو الهوّيات الفرعية، على حساب الهوّية الوطنية، كما أن وجود ثقافة تنال من الآخر الوطني، وتعبئ ضده لاختلاف مذهبي أو فكري، يعوّق تحقق الاندماج الوطني، ويحول بعض فئات الشعب إلى كانتونات تنكفئ على نفسها، وتنعزل عن محيطها.

إن الوحدة الوطنية على أساس الإسلام هي أمانة في أعناقنا جميعاً، وعلينا مسؤولية تأكيدها وتجديدها وإزالة أي غبار يلحق بوجهها الناصع.

من هذا المنطلق شغلني هذا الهم الإسلامي الوطني، فألقيت حوله الكثير من المحاضرات، داعياً أبناء مجتمعي إلى الانفتاح أكثر على محيطهم، وإلى إبراز ولائهم الوطني، وتعزيز مشاركتهم في الشأن العام، ومطالباً المناخ الوطني الرسمي والديني بالاهتمام أكثر بهذه القضية الخطيرة، ومعالجتها بعناية خاصة، لتجاوز آثار الحقبة الماضية، ومواجهة تحديات الظرف الحاضر.

وكتبت عدداً من الكتب والأبحاث تتناول الموضوع من زواياه المختلفة مثل «التعددية والحرية في الإسلام» و«التسامح وثقافة الاختلاف» و«التنوع والتعايش» و«السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته» و«كيف نقرأ الآخر» و«الحوار والانفتاح على الآخر» و«التطلع للوحدة» وغيرها.

وبحمد الله فإن دعوة سمو ولي العهد للحوار الوطني، ومشاركة بعض الدعاة والمثقفين في طرح هذه المفاهيم والأفكار، عبر الصحافة والكتابات، هيأ الساحة الوطنية أكثر من السابق لتحقيق حالة الاندماج وتعزيزها.

أما مبادرتنا بالدعوة إلى التبرع بالدم في عاشوراء كل عام، فقد لقيت استجابة هائلة من قبل المواطنين الشيعة، يفوق استعدادات بنك الدم الإقليمي. بدأناها في القطيف من سنة 1416هـ، وامتدت إلى الأحساء سنة 1424هـ، وإلى البحرين قبل ثلاث سنوات، وكذلك إلى منطقة السيدة زينب في سوريا، وأرجو أن يصبح يوم عاشوراء يوماً عالمياً للتبرع بالدم، في أي مكان وبلد يوجد فيه من يهتم بهذه المناسبة، يبادر إلى التبرع بدمه لصالح المرضى من بني البشر.

وهي ليست فتوى لأني لست في مقام المرجعية والإفتاء وإنما هي دعوة لاستثمار مشاعر التفاعل مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين بما ينفع الناس.

مظاهر عاشوراء والصورة السلبية


• لكأنك ضد ما تفعله طائفتكم، وتتناقله وسائل الإعلام في عاشوراء، من إسالة الدماء وخدش رؤوسهم بالخناجر ومظاهر تعطي صورة سلبية عنكم.

- هذه المظاهر التي تحصل في بعض المجتمعات الشيعية في عاشوراء، هي مورد خلاف داخل الطائفة فقد كتب ضدها أحد أبرز علماء الشيعة السيد محسن الأمين العاملي «1284-1371هـ» من لبنان كتاباً بعنوان «التنزيه»، كما أصدر الإمام الخميني أمراً بمنعها، وكذلك السيد الخامنئي القائد الحالي للجمهورية الإسلامية، وكذلك السيد فضل الله العالم البارز في الساحة اللبنانية، من منطلق أن هذه الممارسات إيذاء للنفس، وتشويه للصورة أمام الآخرين. لكن مراجع وعلماء آخرين في الطائفة يؤيدونها ويرونها وسيلة صارخة لإحياء المناسبة، وجذب الأنظار لها، وتدخل ضمن عناوين إبراز المودة لأهل البيت والتعاطف مع ظلامتهم، ويردون على المعترضين بأنه ليس مطلق الإيذاء للنفس حرام، وإنما هو الإيذاء الذي يصل إلى تلف النفس أو تلف أحد الأعضاء، أو حصول مرض، وأننا لا يصح أن نتنازل عن شعائرنا إرضاء للآخرين عنا.

بالنسبة لي شخصياً أنتمي إلى المدرسة الأولى، وأرى أنه مادام ليس هناك نص ثابت لأحد أئمة أهل البيت يدعو إلى هذه الممارسة وإنما هي مجرد مظهر وأسلوب تكوّن في بيئة اجتماعية معينة للتعبير عن عنوان الولاء والمودة لأهل البيت، فإن المظاهر والأساليب قابلة للتغيير والتطور، كما أني أرى أهمية تقديم الصورة الحسنة المشرقة للمذهب والطائفة كما يقول الإمام جعفر الصادق فيما روي عنه «كونوا زيناً لنا ولا تكونوا علينا شينا» مادام ليس على حساب الثوابت والقضايا الأساسية ولا اعتقد أن هذه منها.

لكنها تبقى وجهة نظر وكما قلت سابقاً لست في مقام المرجعية والإفتاء.

• وطالما نحن في مسألة التوافقية، لدي سؤال صريح حيال عدم صلاة الشيعة مع السنة، رغم أن هناك فتوى شهيرة للخميني أزالت عنكم هذا الحرج بجواز الصلاة خلف أئمة الحرم المكي والنبوي؟

- بلى، الشيعة يصلون خلف أئمة الحرم المكي والنبوي عندما تقام الصلاة. وكذلك في سائر الأماكن، فالنصوص الواردة عن أئمة أهل البيت وفتاوى مراجع الشيعة تدعو الشيعة للمشاركة في صلاة الجماعة مع إخوانهم السنة حينما يحضرون مكاناً تقام فيه الصلاة.

أما في أماكن استقرارهم فمن الطبيعي أن تكون صلاة جماعتهم بإمامة علمائهم، كما هو الحال بالنسبة لأهل السنة، فإن لهم في المناطق الشيعية كالقطيف وقراها مساجد خاصة بهم ولا يصلون مع أئمة الشيعة.

أشير هنا إلى أن الشيعة أحياناً يواجهون بعض المشاكل حينما يصلون في المسجد النبوي مثلاً، حيث إن رأي المذهب عدم صحة السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض غير المأكول والملبوس، ولأن أغلب مساحة المسجد النبوي مفروشة بالسجّاد، فإنهم يضطرون إلى وضع حجر أو خشب أو ورقة يسجدون عليها، وهذا ما لا يتحمله البعض منهم، ويضيق ذرعاً حتى بالاختلاف في هذه المسألة الجزئية، وأن يتعبد الناس لربهم وفق رأي مذهبهم.

ومن المشاكل التي يواجهها الشيعة في الصلاة جماعة مع إخوانهم السنة أن بعض الأئمة في خطبهم ينالون من الشيعة ويعبئون ضدهم ويصفونهم بالشرك والضلال والابتداع، وهل يقبل إنسان بالصلاة خلف من يكيل له هذه الاتهامات؟

لقد حدث أن انسحب وفد شيعي رسمي من خارج البلاد من صلاة الجماعة حينما استغرق الخطيب في مثل هذه الإساءات البغيضة.

نرجو أن تتضافر الجهود لمعالجة هذه الإشكاليات لتكون صلاة الجماعة مظهراً لوحدة الأمة واجتماع شملها إن شاء الله.

• عوداً إلى سوريا، كيف كانت عودتكم. وهلا حدثتنا بالتفصيل في أسباب وكيفية رجوعكم للمملكة؟

بعد احتلال العراق للكويت واستعانة المملكة بقوات التحالف لحماية المملكة وتحرير الكويت، دخلت المنطقة وضعاً جديداً، ورأينا الخطر محدقاً ببلادنا، خاصة مع موقعية المنطقة الشرقية الحساسة، وقد بذل النظام العراقي الزائل جهوداً مكثفة لاستمالتنا نحو موقفه، بأن نعارض مجئ قوات التحالف، ونصعّد معارضتنا للنظام في المملكة، واتصلت بنا حركات إسلامية سنية كثيرة تشجعنا على ذلك، لأن الموقف العام عندهم كان بهذا الاتجاه، ولكننا درسنا الأمر بموضوعية وبروح وطنية، فقررنا أن ننحاز لوطننا، وأن نقف معه في وقت المحنة والشدة، فأعلنت في تصريح بثته وكالة رويتر للأنباء في وقته، بأننا وإن كنا نعاني كطائفة من بعض المشاكل، إلا أن ذلك لا يعني أن نقف مع العدوان العراقي أو نبرر له، ورفضنا كل الإغراءات، وطالبنا مجتمعنا في المنطقة الشرقية بالتطوع للدفاع عن الوطن، وبحفظ الأمن والاستقرار في ذلك الظرف الحساس، هذا الموقف قابلته حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتقدير، وكان هناك بعض الوسطاء مثل سفير المملكة في الشام «الأستاذ أحمد الكحيمي» الذي كان كان له دور طيب والدكتور ناصر المنقور سفير المملكة بلندن قبل القصيبي وبعض الأخوة في أمريكا التقوا أيضاً مع السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان فتكثفت اللقاءات وتكثف التواصل بيننا وبين الدولة تقديراً منا للظرف الذي يمر به البلد وتقديرا من الدولة للموقف الوطني الذي اتخذناه، ثم تفضّل خادم الحرمين الشريفين «حفظه الله» وبعث مندوباً من جهته إلى لندن، داعياً الإخوة للقاء الملك مباشرة للاطمئنان إلى موقف الحكومة واهتمامها بالأمر، وسافر بالفعل أربعة من الإخوة إلى جدة حيث حظوا بلقاء خادم الحرمين الشريفين في سبتمبر عام 1993م وسمو وزير الداخلية، وسمو أمير المنطقة الشرقية.

• لا أدري..يا شيخ حسن، وأنا اعدّ لهذه المكاشفات، لكأن بعض المصادر ذكرت دورا للدكتور غازي القصيبي وهو المتعاطف دوما مع طائفتكم. هلا أجليت لنا الأمر؟

- لا لم يكن ضمن الوسطاء. ونحن نقدر جدا تعاطفه مع ما يخدم الوحدة الوطنية، فقد نشأ في منطقة الأحساء وعاش مع الشيعة هناك وكذلك في البحرين.

• عودا للأخوة الأربعة الذين بعثتموهم. أستأذنك في سرد أسمائهم بسبب التوثيق التأريخي الذي اتفقنا عليه؟

- هم الدكتور الشيخ توفيق السيف، والمهندس جعفر الشايب والأستاذ عيسى المزعل والشيخ صادق الجبران. وعادوا بانطباعات إيجابية، وأصدر خادم الحرمين الشريفين أمراً بإطلاق سراح المعتقلين من الشيعة ضمن الأحداث السابقة، وعفواً عن الموجودين في الخارج ليعودوا بكل أمان، ورفع حظر السفر عمن كان ممنوعاً. إضافة إلى الوعود بمعالجة المشاكل التي يعاني منها المواطنون الشيعة. وهكذا أنهينا نشاطنا في الخارج وعدنا بحمد الله إلى الوطن لنتفيأ ظلاله.

• على الرغم أنك في الحلقة الثانية من المكاشفات كنت تقول بأننا في الفترة التي نعيش فيها لا توجد مجموعة شيعية معارضة وإنما هي مجرد أصوات متبعثرة هنا وهناك لا تمثل الشيعة؟

- تأخير المعالجة والحل للمشاكل أصاب بعض الأخوة بالإحباط، وربما حصل عند بعض الأفراد شك في الجديّة، وأن الأمر لا يعدو استيعاب الدولة لتلك الحالة، وحتى على مستوى الجمهور الشيعي، نواجه إحراجاً وتساؤلات من قبل الناس الذين انتعشت آمالهم بمعالجة ما يعانون من المشاكل فصدمتهم حالة التأخير والتباطؤ، في مثل هذه الأجواء قد تنبعث بعض الأصوات المعارضة، وقد تلقى بعض التجاوب والقبول، لكننا نأمل بقطع الطريق على هذه التوجهات بالاهتمام الجادّ بمعالجة ما يشكو منه هؤلاء الناس، فهم مواطنون من حقهم أن يتمتعوا بالكرامة والخير في وطنهم.

بيان «شركاء في الوطن»


• ولا يصح، ونحن إزاء هذه المكاشفات المطولة إلا أن نتعرض لموضة البيانات التي اجتاحت مجتمعنا مذ ثلاث سنوات ونيف. أصدرتم بياناً العام الماضي أسميتموه «شركاء في الوطن» تحدثتم فيه عن مطالبكم كشيعة.. بودي معرفة أسباب إصداركم هذا البيان.. وهل للأمر علاقة بالأجواء السياسية التي تمر بها المملكة ولربما قال بعض الأخوة أنها نوع من الانتهازية للظرف السياسي والمجتمعي الذي تمر به الدولة.فما هو تعليقكم؟

- وثيقة «شركاء في الوطن» لم تكن بياناً، وإنما هي رسالة سلمت إلى سمو ولي العهد عبر وفد يتكون من 18 شخصية شيعية، من القطيف والأحساء والمدينة المنورة، وقد انطلقت الرسالة التي وقعها 450 شخصية من منطلق إعلان الولاء للوطن، والوقوف مع الدولة في مواجهة التحديات الخارجية، كما ركزت الرسالة على ضرورة تدعيم الوحدة الوطنية، والتلاحم بين الشعب والقيادة، وأن الشيعة هم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب والوطن، ويجب أن تفسح لهم مجالات الخدمة على جميع الأصعدة كبقية مواطنيهم دون تمييز أو تهميش، وأن تحترم خصوصيتهم الدينية المذهبية.

وكان استقبال سمو ولي العهد «حفظه الله» رائعاً جميلاً حيث طمأن الجميع بأنه مهتم شخصياً بالأمر، وأشاد بوطنية الشيعة ورفض المزايدات عليهم دينياً ووطنياً. وأخبرنا عن عزمه على الدعوة إلى لقاء للحوار الوطني.

أما وصف هذه الرسالة ومطالبها بأنها نوع من الانتهازية فهي «شنشنة أعرفها من أخزم» فكل الجهات والأطراف تصدر بيانات، وتقدم رسائل وعرائض، فإذا ما عرض الشيعة قضاياهم أمام ولاة الأمر يوصف بالانتهازية واستغلال الظروف فإلى الله المشتكى.

• عفوا.. وبعيدا عن الحساسية الطائفية والمناطقية حتى.. التهمة ُأطلقت على الكل يا شيخ حسن.. في هذا تساويتم مع الآخرين؟

- إذا كان كذلك فيحق لي أن أدافع عن الكل، حيث لا يصح اتهام النوايا، ولا أن يضيق الوطن ذرعاً بأصوات أبنائه، فإن المسؤولين في البلاد يفخرون بسياسة الباب المفتوح، فلنشجع المواطنين على التخاطب مع قياداتهم وولاة أمورهم، ففي ذلك تحقيق لمبدأ النصيحة، وتفويت الفرص على الأعداء.

• هل من كلمة أخيرة في نهاية هذه المكاشفات؟

- أشكركم على إتاحة الفرصة من خلال مكاشفاتكم لمناقشة هذه القضايا التي تهمنا كمسلمين نواجه التحديات العاصفة، وكمواطنين نحرص على أمن وطننا واستقراره، وأرجو أن تساعد مثل هذه المكاشفات على فهم متبادل أفضل، وأن تبلور لدينا جميعاً إرادة الحوار والتعاون على البر والتقوى، ولم أقصد بشيء من إجاباتي تجديد السجال المذهبي والجدل الطائفي المزمن، وإنما أردت توضيح الصورة لكي يعرف الطرف الآخر بأن للآخرين وجهة نظرهم وبراهينهم وأدلتهم، وأدعو إخواني الدعاة والمثقفين للاهتمام بمساحات الاتفاق والوفاق الواسعة بين مذاهب الأمة وأبنائها، بدل التركيز على نقاط الاختلاف المحدودة، سيبقى هناك متطرفون من شتى المذاهب، لكنّ العقلاء والمعتدلين من كل الأطراف عليهم أن لا يتركوا الساحة ملعباً لقوى التطرف والتشدد. وأن يرفعوا أصواتهم ويكثفوا جهودهم لإنقاذ الأمة من هذا الواقع الصعب الذي تعيشه.

 

 

 

 

 

 

 

 

والحمد لله رب العالمين

 

 


--------------------------------------------------------------------------------

 

 

 

 

 

للأخوة الذين يودون المداخلة والتعقيب مراسلتنا على:

صحيفة المدينة – ملحق الرسالة
ص.ب:51113 جدة 21543
أو على فاكس 026714966 عناية مشرف ملحق الرسالة
أو على البريد الالكتروني: Azizkasem1400@yahoo.com

علما بأن المجال مفتوح للجميع بالمشاركة والتعقيب طالما كانت ضمن الأطر الصحافية المعروفة وملتزمة أدب الحوار النبوي.