تقرير حول زيارة سماحة الشيخ حسن الصفار لمسجد القائم (ع)

مكتب الشيخ حسن الصفار تقرير: اللجنة الثقافية/ مسجد القائم (ع)

مستقبلا بالورود ومائها وبالقلوب وشغافها حل سماحة المفكر الإسلامي الشيخ حسن الصفار ضيفا على مسجد القائم بالطرف، حيث كان في استقباله واستقبال الوفد المرافق لسماحته فضيلة المشايخ الكرام والأعيان والأهالي، ومباشرة توجه سماحته لإمامة المؤمنين والمؤمنات لصلاتي المغرب والعشاء.

وفور انتهاء الصلاة ابتدأ الحفل بمناسبة ميلاد الإمام الرضا حيث قدم له رئيس اللجنة الثقافية بالمسجد: أ. أحمد الربيح، و أشعل مصباح الحفل بتلاوة عطرة من القرآن الكريم وآيات من سورة الفرقان صدح بها صوت القارئ أ.عيسى الحبيب، عقب ذلك كانت المشاركة الشعرية المتألقة من قبل الأستاذ إبراهيم الحسين حيث عبر في أبيات تقديمية وأهداها إلى مسجد القائم ، وبعدها قرأ أبيات المناسبة الرضوية.

ثم أتت اللحظة المنتظرة لكلمة راعي الحفل سماحة المفكر الإسلامي الشيخ حسن الصفار، فاستقبلته الجموع بالصلوات على محمد وآله الطاهرين.

استهل سماحة الشيخ كلمته الضافية بالمباركة بالميلاد الشريف للإمام الرضا ، وبمباركة افتتاح المسجد التي تبعث أجواؤه على الطمأنينة والخشوع، وشكر القائمين على تنسيق هذا اللقاء مع هذه الجموع المؤمنة مجددا. ثم أبحر سماحة الشيخ في كلمة تمحورت حول ثلاثة أمور:

النقطة الأولى:

حول مناسبة إحياء ذكرى ميلاد الإمام الرضا ، حيث ركز على أهمية استعادة مثل هذه الذكريات الإسلامية العظيمة حيث يتجلى فيها دورنا في التمسك بتعاليم أهل البيت والتخلق بها، ومسؤوليتنا تجاههم تتجلى في ثلاثة واجبات:

1ـ نشر معارفهم وعلومهم سيما في ظل الظروف المنفتحة على الوسائل الحديثة.

2ـ التشيع رسالة يجب أن تصل إلى أبناء الأمة جمعاء سواء كانت بالتحدث عنها أو بتخلقنا وانعكاسها على سلوكنا، أي الدعوة إلى التشيع من خلال سلوكنا وأخلاقنا.

3 ـ حسن التعامل مع الآخرين وأسلوب الخطاب المنفتح على الآخر.

النقطة الثانية:

قبول الإمام الرضا لولاية العهد وتوفيقه مع دور الإمامة، ومن الواضح في هذا الإطار أن الإمام الرضا امتنع عن هذا الأمر في بداية الأمر، إلا أنه ومع إصرار المأمون على ذلك قبل الإمام الشكل الصوري لولاية العهد دون التدخل في الشؤون التنفيذية والسلطوية، واستعرض سماحته أسباب إصرار المأمون على تولية الإمام ولاية العهد، وذكر أن هناك رأياً يشير إلى أن هذا ناتج عن قناعة المأمون بأحقية أهل البيت لهذا الأمر متمثلا في شخص الإمام الرضا تمهيدا لتسليم الخلافة إليه، إلا أن ذلك غير مقنع من خلال المعطيات السياسية للأحداث سيما بالنظر إلى خصومات المأمون الدامية حتى مع أقرب الناس إليه، ورجح سماحة الشيخ أن هذا مجرد تكتيك سياسي لاستغلال مكانة الإمام الرضا للتأثير على الجماهير لتثبيت أركان حكمه المضطرب نتيجة الثورات المتعددة هنا وهناك.

ولذا بعد ذلك الإصرار من قبل المأمون رجح الإمام بحكمته القبول تحت الضغط، وهذا يعود إلى أن اختلاف الظروف قد يملي اختلاف نمط التعاطي، من منطلق أن هناك مبدأين يحكمان الحركة السياسية للأئمة هما: رعاية مصلحة الإسلام، ورعاية مصلحة الدور الرسالي الذي يقوم به الإمام ، وعلى ضوئهما قرر الإمام القبول بولاية العهد مكرها، واستفاد الإمام من هذه الفرصة حيث كانت تسود حالة من الاستقرار والتراخي الأمني لأهل البيت وأمام العلويين وشيعتهم بحيث أتيحت الفرصة لنشر علوم أهل البيت على مستوى أعلى من خلال الحوارات في مجالس المأمون المتعددة مع مختلف الطوائف والفرق.

وهذا الأسلوب من التعاطي يفتح لنا مدرسة واسعة على هذا الصعيد أي أن المؤمنين في كل عصر عليهم دراسة واقعهم السياسي لتشخيص ما أهو أفضل لهم وتكون الحلول المطروحة مناسبة لهم وتصب في مصلحة الأمة، فالمواجهة مع السلطات ليست أمرا حتميا في كل الظروف، ولا يجدر المقاطعة والانشغال بالعبادات والشعائر بحجة عدم جدوى المواجهة، فبعض الأحيان يمكن الاستفادة من التعاطي، وهذا ما نلمسه من  اختلاف تعاطي أهل البيت على حسب عصرهم واختلاف ظروفه.
 

النقطة الثالثة:

في نهاية المطاف توجه سماحته بكلمة للأخوات المؤمنات حيث بارك الحضور النسائي في المسجد وهو تطور جميل في المجتمع مقارنة بالأعوام السابقة يبشر بالخير وهذا يعني أن الحضور لصلاة الجماعة ينبغي أن يشكل منطلقا لنشاط وحراك ديني واجتماعي للمرأة في أوساطنا فهي بحاجة لأن تقوم بأدوارها جنباً إلى جنب أدوار الرجال. وأشار سماحته إلى أنه ونحن نحتفي بذكرى ميلاد الإمام الرضا نرى إلى جانبه في قم أخته فاطمة المعصومة وهذا يجب أن يعطينا درسا في أن تكون المرأة مع الرجل في تحمل المسؤولية تجاه المجتمع.

وفي معرض حديثه إلى النساء أشار إلى أن هناك فرصا على المرأة أن تستثمرها في مختلف المجالات وهذا أمر ممكن ولذا على بناتنا ونسائنا الاهتمام بأنفسهن وتفجير الطاقات الكامنة وعلينا كرجال فسح المجال لهن وتهيئة الأجواء المناسبة. وعلى هذا يجب أن تتابع الخطوات والمبادرات لتعطي الصورة الصافية عن المذهب بمعارفها وسلوكها.

ختاما توجه سماحة الشيخ حسن الصفار بالدعاء للصرح المبارك لمسجد القائم وللقائمين عليه على الاستقبال والحفاوة وشكر الأخوة الحضور والأخوات على المشاركة، وأكد على الجميع أن نمثل المذهب الشيعي خير تمثيل.

بعدها بدأ استقبال أسئلة الحضور والحاضرات وأجاب عليها سماحته بكل شفافية وأريحية، وحول مواقفه حول الأحداث الأخيرة ونصيحته للشباب أجاب: في هذا الإطار هناك ثلاث نصائح يمكن تقديهما:

1ـ رفع المستوى العلمي والمعرفي من خلال الدراسة الأكاديمية والثقافة العامة.

2ـ النجاح في تنظيم أمور الحياة والاستفادة من الثروات والخيرات وعدم التفكير في الخيار الأسهل وهو الوظيفة، والبحث عن العمل الحر فهو الخيار الأفضل والتفكير بعيون مفتوحة وتطلعات كبيرة والمشاركة في حل البطالة بالاستثمارات لتلك الخيرات التي يستفيد منها الوافدون للمنطقة أكثر منا.

3ـ ممارسة النشاط في الشأن العام السياسي والحقوقي.

وحول سؤاله عن القيادة الموحدة والصالحة أجاب سماحته بتساؤل: هل القيادة قبل النهوض أو أن النهوض يفرز القيادة، ومما لاشك فيها أن نهضة المجتمع هي التي تفرز القيادة فالحراك هو الذي ينمي الطاقات، وفي الوقت ذاته فلا يجب أن نكون مثاليين في مسألة القائد المخلص، فقد انتهى عصر البطولات الفردية فقد تجاوزنا هذا الانتظار الوهمي للبطل وينبغي أن يكون النشاط متنوعا ومتعددا وليست هناك مشكلة في تعدد الآراء والقيادات.

وسؤال حول القنوات الفضائية الطائفية أبدى في هذا الجانب عن أسفه لحرفية التحريض الطائفي التي تمارسه تلك الفضائيات سنية وشيعية بغض النظر عن الفعل وردة الفعل، مما يصب في التعبئة الطائفية إما  لجهل وقصور في الوعي أو المسألة ناتجة عن تغذية من أطراف أخرى جريا وراء مصالح معينة.

وبالنسبة للقنوات الشيعية المتزمتة في خطابها الديني تجاه الآخر، فنحن  ندرك مدى الظلامات والاضطهاد التي كانت تعيشه الطائفة على مدى طويل إلا أن المسألة ليست مسألة انفعالات، فنستغل فرصة الانتشار الفضائي وإتاحة المجال إلى طرح كل شيء بأي لغة كانت فهذا توجه سلبي، فنحن مقيدون بتوجيهات أهل البيت ، والأئمة يوصون بعدم التعرض للآخر إلا بالتي هي أحسن وذلك حسب المنهج القرآن الذي ينادي بالحسنى في القول والفعل، وعلى هذا يجب أن تكون الوسيلة من جنس الغاية وليست الغاية تبرر الوسيلة، وعدم المراعاة قد يسبب ردود فعل عكسية تجاه مذهب أهل البيت .

وفي سؤال أثير حول الحوار الوطني، أجاب سماحته: إن الحوار الوطني فكرة حضارية ووطنية رائدة وفي الجولتين الأولى والثانية كان الحوار جيدا، حيث استطاع أن يكسر الحواجز بين الأطياف وفئات المواطنين، وكنا نتمنى أن يواصل الحوار مسيرته إلا أنه أفرغ من محتواه بكل أسف، هذا المحتوى القائم على تجسير العلاقة بين شرائح المجتمع السعودي ومنع الحواجز التي تحصل بين مختلف الأطراف، ففي الجلسات التالية للحوار أخذ يطرح القضايا العامة مثل التعليم وغيره مما يمكن طرحه في محافل أخرى، وتخلى عن العلاقة بين مكونات الوطن والسلطة والشعب، ولذا لم نجد أي تحرك من قبل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حيال أي تعبئة طائفية تتحرك هنا أو هناك، فهو لم يحرك ساكنا وقد تحدثت بهذه الرؤية للمسؤولين في المركز الوطني للحوار، فالوطن في حاجة إلى الحوار الفاعل والجاد ونأمل أن يعود إلى مساره المفترض الذي يرفض الأحادية في الرأي والتوجه ويقبل الانفتاح على كل الأطياف.

وكان آخر سؤال يدور حول برنامج سماحته الذي أعده للأمة خاصة في مثل هذه الأوضاع، فأجاب بكل تواضع أنه ليس في مقام وضع برنامج للأمة، إلا أنه شكر الله أن جعله واحدا من المهتمين بواقع الأمة، وممن يقدم الأفكار في هذا الشأن، وأشار إلى أن واقعنا العربي قد بدأ يدخل مرحلة التغيير في ظل الربيع العربي، الذي نأمل أن يكون مقدمة للأمن والأمان، فآن الأوان لأن تعيش أمتنا كما الآخرين في الاستقرار وتبذل الطاقات في بناء الأوطان وتقدمها، فالأمة تملك رصيدا ضخما من تراثها الإسلامي (كنتم خير أمة للناس) يؤهلها لذلك المستوى.

بعدها توجه المؤمنون لزيارة الإمام الرضا بعد التبرك بقراءة حديث السلسلة الذهبية للإمام الرضا بصوت الشيخ علي الحجي. من ثم قدمت اللجنة الثقافية عرضا مصورا عن افتتاح المسجد وعن أبرز الأنشطة العامة والثقافية الموجهة لكافة شرائح المجتمع من فتيان وفتيان ورجال ونساء منذ افتتاحه وعلى مدى ثلاثة شهور، بعدها أبدى سماحته إعجابه بما رآه وسجل سماحته كلمته في السجل الذهبي بهذه المناسبة جاء فيها:

"أشكر الله أن وفقني لزيارة هذا المسجد المبارك حيث رأيته صرحا شامخا ورأيت فيه فتية من الشباب الواعين الغيورين على مصلحة دينهم ومجتمعهم والمدركين للدور الحقيقي الذي يجب أن يقوم به المسجد في حياة المجتمع".