الشيخ الصفار يحصر خلاص الأمة من أزماتها المتفاقمة في العودة إلى منهج الإمام علي (ع)

مكتب الشيخ حسن الصفار
حصر سماحة الشيخ حسن موسى الصفار خلاص الأمة من أزماتها المتفاقمة، وخروجها من التحديات الداخلية في العودة إلى منهج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، مؤكداً أن سبب هذه الأزمات والتحديات هو عزوف الأمة طيلة تاريخها المنصرم عن هذا المنهج القويم، وقدّم ملامحاً من هذا المنهج أهمها: احترام إرادة الأمة، العدالة بين الناس في العطاء والحقوق، حرية التعبير عن الرأي حتى بالنسبة للمخالفين. كان ذلك في الخطاب الجماهيري الذي ألقاه الشيخ الصفار عشية استشهاد أمير المؤمنين في حسينية العوامي بالقطيف.

أكد الشيخ الصفار في بداية خطابه أن التحديات التي تُحدق بالأمة قد تفاقمت، وأصبحت في مستوىً لم تكن عليه في أي عصر من العصور السابقة، وأرجع السبب في ذلك أن التاريخ العام للأمة نحى منحىً يختلف عن المنهج الذي طرحه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسار عليه خلال خلافته. ومع تعاقب السنين تراكمت الأزمات على الأمة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن. ويُضيف الشيخ الصفار: إن الأمة أمامها أحد خيارين لتجاوز الأزمات المحدقة بها:

الخيار الأول: أن تسلك الأمة منهجاً غير الإسلام، وهذا ما لا تقبله الأمة حيث أن شعوبها متمسكنة بدينها وبإسلامها. فلا مجال لها إلا في الخيار الثاني.

الخيار الثاني: أن تنفتح الأمة على الفهم الآخر للإسلام وتُطبقه، هذا الفهم هو المنهج الذي قدمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والذي عزفت عنه الأمة، فحُجب هذا المنهج عن التطبيق، وكان وراء حجبه جهتان:

الجهة الأولى: المنافسون والمناوئون للإمام علي ، حيث منعوا الحديث عن الإمام والرواية عنه فضلاً عن تطبيق منهجه.

الجهة الثانية: شيعة علي وأصحابه، حيث أن البعض منهم وبسبب الغضوط لم يطرحوا نهج الإمام ، في حين أن البعض الآخر شغلتهم العواطف عن طرح هذا المنهج، فاهتموا بالكتابة عن حب الإمام ومكانة الإمام وفضائله وتغافلوا عن المنهج الذي قدّمه الإمام وهو الأساس.

وتحدث الشيخ الصفار عن الدور الذي أعده رسول الله للإمام علي وهو ما ذكرته الكثر من المصادر السنية والشيعية في أحاديث ورواياتٍ عديدة، ومنها:

1- عن اسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنا جلوساً ننتظر رسول الله فخرج علينا من بعض بيوت نسائه. قال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: «إن منكم من يُقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال لا ولكن خاصف النعل، قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنه قد سمعه». مسند أحمد بن حنبل، حديث رقم: 11795.

2- قال رسول الله : «علي بن ابي طالب يُقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله». بحار الأنوار، ج: 69.

ويقول الشيخ الصفار: إن هذه الرويات وأمثالها تتناسب مع الأحاديث التي تبين مكانة الإمام علي وأفضليته، ومنها قوله : «أقضاكم علي». وقوله : «علي مع الحق والحق مع علي».

وأشار إلى معنى تأويل القرآن، وقال: إنه يعني تحديد المراد والمقصد من آياته، وبعبارة أخرى: الفهم الصحيح للقرآن، وهذه مهمة الإمام علي .

وأشار الشيخ الصفار أن أهم خطر تواجهه الأمة يكمن في أزماتها الداخلية، وهذا الأمر واضح وجلي، فالأمة في داخلها تعيش تخلفاً وعجزاً في مختلف المجالات مع ما تملكه الأمة من إمكانيات وثروات هائلة، إضافةً إلى ذلك تفشي الفتن داخل الأمة أصبح على أعلى المستويات، حتى وصل الأمر بالبعض إلى انتهاك أماكن العبادة لتصفية الحسابات والأحقاد، كل ذلك جعل سمعة الأمة في الحضيض.

ويُجيب الشيخ الصفار على التساؤل المهم: كيف للأمة أن تتخلص من ذلك كله؟ بقوله: إن لدى الإمام علي وأهل بيته منهجاً عزفت الأمة عنه، وليس لها خلاصٌ من كل أزماتها المتفاقة إلا بالرجوع إلى هذا المنهج، مؤكداً أن منهج الإمام علي هو منهج الإصلاح الداخلي.

وأضاف: إذا عجزت الأمة عن إصلاح وضعها بنفسها فإن العالم لن يتركها، فالمسألة لم تعد تخص الأمة وحدها، وليس هناك مسلم يتمنى أن يأتي الآخرون ليتدخلوا في شؤون الأمة الداخلية، مؤكداً أن الآخرين حينما يتدخلون فإنهم يخدمون مصالحهم بالدرجة الأولى.

وأشار الشيخ الصفار إلى منهجين تنتهجها المجتمعات تجاه الأزمات:

الأول: إلقاء اللائمة على الخارج، وتحميل الأعداء المسؤولية، وهذا المنهج سائدٌ عند المجتمعات المتخلفة.

الثاني: الالتفات إلى نقاط الضعف الداخلية ومعالجتها، إذ أنها السبيل إلى تدخل الآخرين.

وقدّم الشيخ الصفار صورةً موجزة عن بعض ملامح المنهج الذي طبّقه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والذي يُعتبر الصورة المثلى في تعامل الحاكم مع شعبه، وأبرز تلك الملامح:

أولاً- احترام إرادة الأمة، فأمير المؤمنين تولى الخلافة برضا وإرادة شعبية عامة، وهذا ما لم تتوفر بنفس الدرجة والطريقة في أي حاكم أو خليفة، ويقول الإمام علي في ذلك: «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون». نهج البلاغة، من الخطبة الشقشقية.

ثانياً- العدالة بين الناس في العطاء والحقوق، وتوفير إمكانيات الأمة لها. وقد مارس الإمام علي هذه الصرامة تجاه نفسه وعائلته بالدرجة الأولى، ويقول في ذلك: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو ابيت مبطاناً وحولي بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرّى؟». نهج البلاغة، ج:3، خطبة: 45.

ثالثاً- حرية التعبير عن الرأي حتى بالنسبة للمخالفين، وحياة أمير المؤمنين حافلةٌ بالقصص في هذا الجانب.

واختتم الشيخ الصفار خطابه بالتأكيد على أن هذا المنهج الذي قدّمه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو خلاص الأمة ونجاتها من كل الأزمات المحدقة بها، وهو سبيلها الوحيد للالتحاق بركب الحضارة والتقدم.