إحياء عاشوراء

 

يشكل موسم عاشوراء محطة هامة لإحياء أمر أهل البيت، وإظهار المودة للقربى التي أمرنا الله تعالى بها، وجعلها أجرًا للرسالة فقال عز من قائل (قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى). هذا الإحياء يشكل مظهرًا من مظاهر تعظيم شعائر الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب)، وتختلف أشكال تعظيمها وتجسيدها باختلاف الأزمان والعصور. كما يتجلى في هذا الموسم تأكيد الولاء لأهل بيت الرحمة، وإحياء أمرهم, وما أمرهم إلا أمر الدين والقيم والمبادئ فأهل البيت ليست لهم أغراض خاصة، فالإمام الحسين لم يتحرك من أجل طلب سلطة أو منصب أو مطمع، وقد قال (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) ونحن إذ نشكر الله تعالى على أن بلغنا لهذا الموسم، فإننا نسأل الله أن يوفقنا لاحياء هذه المناسبة على خير وجه بما يعود علينا وعلى مجتمعنا ووطننا بكل خير. ان موسما ثريا كعاشوراء ينبغي يكون مصداقا حقيقاً لإحياء قيم وثقافة آل بيت النبي .

إن مناسبة عاشوراء تستحضر للأذهان نهضة الحسين وتذكرنا بظلامة أهل البيت . وكما قال شاعر أهل البيت:

 

هذا   المحرم   قد   وافتك  صارخة
يملأنا   سمعك  من  إعوال  iiناعية
تنعى   إليك   دماء   غاب  ناصرها

 
مما   استحلوا   به   أيامه   iiالحرم
في مسمع الدهر من إعوالها صمم
حتى   أريقت  ولم  يرفع  لكم  iiعلم

وقد وردت عن أئمة آل البيت جملة من المرويات التي تحث باتجاه احياء هذه المناسبة العظيمة. فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال للفضيل بن يسار: تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم. قال: تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا. وورد عن الإمام علي بن موسى الرضا أنه قال: من جلس مجلسًا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

ويشكل عاشوراء كذلك مناسبة هامة تبرز خلالها أهمية الجهد الأهلي والمبادرات التطوعية. فالمطلوب من كل مؤمن الاهتمام بانجاح هذا الموسم, فاحياء مناسبة عاشوراء لا تعتمد -كما هو معروف- على جهد حكومي رسمي في أي بلد من البلدان، وإنما يقع جل الجهد على العمل الأهلي وتنافس الناس على إحياء هذا الموسم العظيم.

من هنا يجدر بكل واحد منا الالتفات إلى عدة أمور:

أولًا: التفكير وإبداء الرأي

إن لكل إنسان قدراته الخاصة والمستقلة على التفكير والابداع وتقديم الاقتراحات لأجل الوصول إلى مستوى إحياء أفضل لهذا الموسم. ولذلك على كل واحد منا أن لا يبخل عن تقديم أفضل ما لديه من أفكار واقتراحات للمساهمة في تطوير سبل وأشكال إحياء هذه المناسبة العظيمة.

ثانيًا: العطاء من المال والوقت والجهد

لا ينبغي لأي واحد خلال هذه المناسبة أن يلعب دور المستهلك أو المتفرج أو المشارك من دون عطاء. إن على كل إنسان أن يسعى للبذل في هذا الموسم، والبذل فيه مخلوف، وما أعظم البذل في إحياء قضية أبي عبدالله الحسين . على المرء أن يبذل من ماله ومن جهده ووقته لإحياء هذه المناسبة، وذلك من خلال التواجد في التجمعات وحضور المآتم ومواكب العزاء، ولا ينبغي الاكتفاء بمتابعة المجالس عبر القنوات الفضائية، فإنها وإن كانت مفيدًة إلا ان الفائدة الأعظم تكون في الحضور والمشاركة، لأن ذلك هو ما يظهر الشعيرة بأكمل وجه ويتيح للمرء الإستفادة منها.

ثالثًا: حماية أجواء الاحتفاء من أي شوائب

إن احياء مناسبة عاشوراء تعكس في حقيقتها أحد أوجه مجتمعنا، ومذهبنا. ولذلك علينا أن نظهر هذه المناسبة على أكمل صورة مشرقة، فينبغي أن يكون لكل واحد منا دور وجهد في رعاية وحماية هذه الأجواء، حتى يتم إحياء وإقامة هذه المناسبة، بالطريقة السليمة والمفيدة والمشرقة التي أمرنا بها أهل البيت (حين قالوا: كونوا لنا زينًا، ولا تكونوا علينا شينًا).

رابعًا: توجيه الأبناء وتقويم سلوكهم

ينبغي أن نستفيد من هذه المناسبة في استيعاب أبناء مجتمعنا وتقويم سلوكياتهم وأخلاقهم. فلابد من التأكيد وحث الأبناء على الالتزام بالمبادئ والقيم، ذلك لأننا نعيش في عصر يتعرض فيه أبناؤنا لغزو ثقافي إعلامي يستهدف إفساد سلوكهم وأخلاقهم، وهذا الموسم يشكل أفضل مناسبة لمعالجة هذا الأمر، فإن قلوب الشباب وقلوب الناس تهفو لذكر أبي عبدالله الحسين. يأتي الناس طوعًا كبارًا وصغارًا، رجالًا ونساء إلى مجالس إبي عبدالله الحسين وإلى مواكب العزاء، وتلك  فرصة مهمة ينبغي أن نستفيد خلالها من حضور أبناء المجتمع بكافة شرائحه وأطيافه في التوجيه إلى الدين وإلى الخلق القويم. هناك مسئولية خاصة تقع على القائمين على مواكب العزاء التي تكتظ بحشود من المشاركين الشباب. فعلى الأخوة القائمين على هذه المواكب وبدعم من المجتمع أن يستثمروا هذه العاطفة الجياشة، في استقطاب الشباب وإصلاح أي خلل أو أي ظاهرة سلبية نراها خطرًا على مجتمعنا. في مواكب العزاء ينبغي التأكيد على حضور صلاة الجماعة، والالتزام الديني، والتأكيد على مسألة العفة وعدم الوقوع في أجواء الشهوات والأهواء التي تحرض عليها مختلف الوسائل والأساليب الإعلامية والتقنية الحديثة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه المناسبة علينا مناسبة خير وبركة وزيادة في محبة أهل البيت وتثبيتا لمشاعر الولاء في القلوب والنفوس والتزاما بالسير على نهج أبي عبدالله الحسين نهج العزة والكرامة, نهج الحرية والالتزام بالدين والسعي من أجل الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثبتنا الله وإياكم على ولاية أهل البيت وجعلنا من أنصار الحسين ووفقنا وإياكم على إحياء هذه المناسبة على أكمل وجه.

 

وللاستماع:

«إحياء عاشوراء»

 

الجمعة 29 ذو الحجة 1432هـ الموافق 25 نوفمبر 2011م