المجتمعات الحرة تكافح فساد الزعامات

الخطبة الأولى: حتى لا نندم يوم القيامة

يحفل القرآن الكريم بالكثير من الآيات المباركات التي تحذر الإنسان من حال الحسرة والندامة في يوم القيامة. ان العقل والفطرة السليمة يدعوان المرء إلى الاستجابة إلى التحذيرات الصادرة عن ذوي الخبرة، سيما إذا اجتمعت إلى جانبها الشفقة. فالخبير المشفق لا يلقي الكلام على عواهنه ولا يعطي التحذير اعتباطًا، ذلك لأنه مشفق ويريد المصلحة والخير لك.

نعم إذا كان التحذير قد جاء من طرف لا تثق بخبرته، أو لا تثق بإخلاصه لك، فلربما كان  ذلك مبررًا لعدم الاستجابة، أما إذا كان المحذر لك طرف تثق بخبرته وإخلاصه فإن عقلك وفطرتك يدعوانك لأخذ تحذيره بعين الاعتبار، وحينما يقول لك ذلك الخبير المشفق إنك ستندم حتما لو لم تحذر أمرا من الأمور، فإن هذا مما يوجب مضاعفة الاهتمام، فإذا لم يؤخذ التحذير حينها بعين الاعتبار وأصبحت أمام الكارثة فهنا يكون الندم في النفس مضاعفا.

إن الله تعالى وهو الخبير بنا، والعالم بهذه الحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهو الرحيم الذي لا يريد لنا إلا خيرا، هذا العليم الخبير يحذر عباده من ولوج بعض المسالك في هذه الحياة الدنيا، خشية التعرض للحسرة والندامة الكبيرة يوم لا ينفع مال ولا بنون، أفلا ينبغي لنا أن نأخذ هذا التحذير الإلهي بعين الاعتبار؟.

إن الله سبحانه يصف يوم القيامة بأنه يوم الحسرة. وجاء في الآية الكريمة ﴿وأنذرهم يوم الحسرة، والحسرة تعني الندامة الشديدة المؤلمة لنفس الإنسان، فيوم القيامة هو يوم الندامة الشديدة. وقد حذرت آيات عديدة في القرآن الكريم من أن يصاب الانسان بالحسرة في ذلك اليوم. وتنقسم الحسرة يوم القيامة إلى نوعين، حسرة عامة تصيب جميع البشر في يوم القيامة المحسن منهم والمذنب، فيندم المذنب نتيجة اخطاءه، فيما يندم المحسن لأنه لم يزد في إحسانه، فيتمنى لو ازداد في عمل الخيرات. وذلك يشبه تماما كما لو عرضوا على تاجر شراء كمية من الأسهم الرابحة وعنده من المال الكثير، لكنه اكتفى بشراء كمية ضئيلة من الأسهم حتى بعد نصيحة ذوي الخبرة، فإذا بهذا التاجر يجد لحظة جني الأرباح أسفا وندما شديدا في نفسه لأنه لم يستمع لنصيحة ذوي الخبرة في هذا الشأن، وإلا لكان ازداد أرباحه أضعافا مضاعفة.

ثمة العديد من النصوص الدينية التي تصور لنا حال الحسرة لدى البشر يوم القيامة تصويرا دقيقا كما لو كنا نعيش تلك اللحظة. ومن ذلك قوله تعالى ﴿أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت من الساخرين، فالآية الكريمة تصور الواحد من هؤلاء وهو يعاتب نفسه عتابا مرا على تجاهله تحذيرات رب العالمين وعدم آخذه الأمر على نحو الجد.

كما ورد عن النبي قوله (يا ابن مسعود أكثر من الصالحات والبر فإن المحسن والمسيء يندمان. يقول المحسن يا ليتني ازددت من الحسنات، ويقول المسيء قصرت وتصديق ذلك قوله تعالى (ولا أقسم بالنفس اللوامة))[1] . وعنه (شر الندامة ندامة يوم القيامة)[2] ، ذلك لأن ندامة الدنيا تنسى مع مرور الأيام لكن ندامة الآخرة هي الأشد والأبقى. ولنا أن نتأمل هذا النص الوارد عن رسول الله والذي جاء فيه (الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم في الجنة )[3] ، وذلك بأن يعرض على أهل النار قصورهم المعدة لهم في الجنة في حال أطاعوا ربهم في الدنيا، لكن وبسبب تفريطهم فقد فوتوا على أنفسهم هذه القصور، وهنا تكون الندامة أكثر شدة وقسوة على النفس.

ومع ما سبق إلا ان هناك نصوصا دينية تتحدث عن حالات خاصة تكون فيها الحسرة يوم القيامة في أشد ألوانها، وأبرزها ثلاثة موارد:

المورد الأول: الكسب غير المشروع يعود للوارث الصالح

ينهمك البعض في جمع المال بكل صورة مشروعة وغير مشروعة، ولا يؤدون حق الله فيها، ثم يرحلون عنها، فتعود لورثتهم الذين ينتفعون بها، وينفقونها في مختلف أوجه البر. ويأتي صاحب المال يوم القيامة فيرى ورثته يدخلون الجنة بسبب المال الذي كسبه هو بطرق غير مشروعة وخلفه لهم، أما هو فيدخل بسببه النار، وهنا الحسرة الكبرى. ورد عن أمير المؤمنين (إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله فورثه رجلا فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة ودخل به الأول النار)[4] .

وسيان في ذلك من يكسب المال بطرق غير مشروعة ومن لا يؤدي الحقوق الشرعية من أمواله، وقال جمع من الفقهاء في هذا الصنف الأخير من الناس، أنه إذا كان شخص لا يخمس أمواله عصيانًا، فلا يجب على ورثته تأدية الخمس عنه، بل يتصرفون فيه كيف شاءوا وعليه وزر التقصير. وسئل أمير المؤمنين (من أعظم الناس حسرة، قال من رأى ماله في ميزان غيره، فأدخله به النار وأدخل وارثه به الجنة)[5] . جميع هذه النصوص تحذرنا وتلفت أنظارنا إلى ضرورة أن ننتبه لأنفسنا، حتى لا نقول انا كنا عن هذا غافلين.

المورد الثاني: الواعظ غير المتعظ

ان الوعاظ هم أولى الناس بالتزام الموعظة الحسنة التي يلقونها على أسماع الناس. فالواعظ سواء كان خطيبًا أو عالمًا أو حتى إنسانا عاديًا، يأمر الناس بالخير والمعروف، فيدخل الناس الجنة بسببه وقد يدخل هو نفسه النار لأنه لم يتعظ ولم يعمل الخير الذي أمر به الناس، بل على النقيض من ذلك فقد يكون خالف مواعظه الملقاة تماما. فأمثال هذا ينظر إلى المستمعين لموعظته فيراهم في الجنة فيسألهم كيف أتيتم هنا؟ فيقولون جئنا بسبب التزامنا بمواعظك فأنت الذي هديتنا، وههنا تكون الحسرة شديدة ومضاعفة. يقول الإمام الباقر لخيثمة (أبلغ شيعتنا أنه لا ينال ما عند الله إلا بالعمل، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره)[6] . فماذا ينفعنا الإفتخار بسيرة أئمتنا أمام الآخرين، دون أن نقتدي بهم ونمشي على خطاهم، ذلك مما يورث الحسرة في النفوس يوم القيامة. ولنتأمل هذه الرواية قال أمير المؤمنين (إن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله عز وجل فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله، فأدخله الله الجنة، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى)[7] . وورد عن رسول الله قال (يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله)[8] .

المورد الثالث: التضحية بالدين لمصلحة الغير

ان ألزم ما على المرء دينه. فالشقي من باع دينه بدنياه لهثا وراء مصالحه الشخصية، اما الأشقى منه فهو من باع دينه بدنيا غيره. فقد يشهد أحدهم شهادة زور لصالح شخص آخر، فينتصر له بالباطل، فيربح ذلك الطرف القضية بفضل شهادة الزور تلك، فيما يبوء صاحب الشهادة المزورة بذنبه. وكذلك الأمر مع من يضحون بدينهم من أجل الظالمين، ممن هم على شاكلة الأربعين من علماء البلاط الذين شهدوا لسليمان بن عبدالملك زورا بقولهم أن الخليفة لا عقاب عليه ولا عذاب!، فهذا الخليفة سينغمس في ملذاته الدنيوية المحرمة، لكن ماذا سيجني اولئك في مقابل ذلك؟. ينتفع الحكام بفتاوى فقهاء السلاطين فيكون لهم العذاب في الآخرة، هذا مصداق لمن يبيع آخرته لأجل دنيا غيره. ورد عن رسول الله (ان أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل باع آخرته بدنيا غيره)[9] ، وسئل أمير المؤمنين (أي الخلق أشقى؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره)[10] .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين والمنتبهين لأنفسهم والمتفكرين في آخرتهم.

الخطبة الثانية: المجتمعات الحرة تكافح فساد الزعامات

لكي تستقيم أمور أي مجتمع بشري لابد له من نظام وقانون يحمي الحقوق العامة والخاصة، ويردع الناس من الاعتداء على حقوق بعضهم بعضا. لكن وجود القانون شيء وتطبيقه شيء آخر، فلو امتلك المجتمع أفضل قانون لكن هذا القانون لم يسلك طريقه للتنفيذ والتطبيق فما الفائدة منه؟.

نمتلك كمسلمين أفضل المبادئ والنظم والقوانين في شريعتنا الإسلامية، وحق لنا أن نفخر حينما يتحدث أحد في العالم عن العدالة والحرية وحقوق الإنسان وكرامته، نأتي لهم بنصوص من ديننا الكريم، لكن السؤال المهم هو؛ ماذا عن واقعنا؟ فواقعنا سيئ حتى مع امتلاكنا لمنظومة متكاملة من القوانين الإسلامية، لا لشئ سوى لأن تلك القوانين لم تأخذ طريقها للتطبيق فغدت عديمة الفاعلية، فلا قيمة لقانون مهما بلغ ما دام لا يجاوز الحبر الذي كتب به، حتى بات الحال في بعض بلادنا، كما قال الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء  فوق  ظهورها iiمحمولُ

وكما حكى الله تعالى عن اليهود: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

ولكي يأخذ القانون طريقه بشكل سليم يجب أن يكون تطبيقه عاما شاملا، على القوي قبل الضعيف، وعلى الحاكم قبل المحكوم، حينئذ يصبح للقانون قيمة. أما في غير هذه الصورة فلا يكون للقانون قيمة. ان ديننا الإسلامي يؤكد على سيادة القانون على كل أحد مهما كانت مكانته وفوق كل اعتبار. فهذا القرآن الكريم يتحدث عن رسول الله فيما لو خالف شيئا من أوامر الله ونسب له ما لم يقله فإن العقوبة شديدة (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين). وعنه (لو عصيت لهويت)[11] .

ينبغي أن يتساوى كل الناس أمام القانون. وفي القصة النبوية المشهورة مع سوادة التي كانت في آواخر حياة رسول الله حيث خطب المسلمين وقال لهم: ان ربي عز وجل حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم بالله، أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة الا قام فليقتص منه، فالقصاص في دار الدنيا، أحب إلي من القصاص في دار الآخرة، على رؤوس الملائكة والأنبياء " فقام إليه رجل من أقصى القوم، يقال له: سوادة بن قيس، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، انك لما أقبلت من الطائف، استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فلا أدري عمدا أو خطأ، فقال : " معاذ الله أن أكون تعمدت، ثم قال: يا بلال قم إلى منزل فاطمة، فائتني بالقضيب الممشوق " فخرج بلال وهو ينادي في سكك المدينة: معاشر الناس، من ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة؟ ! فهذا محمد يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة . وساق الحديث إلى أن قال: ثم قال رسول الله : " أين الشيخ؟ " فقال الشيخ: ها انا ذا يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فقال: " تعال، فاقتص مني حتى ترضى " فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله، فكشف عن بطنه في رواية ذكرتها عدد من المصادر[12] . كما تتناول المصادر التاريخية الكثير من النماذج التي تؤكد أهمية سيادة القانون على الجميع وليس على طبقة معينة كالمحكومين والضعفاء. وتروي المصادر ما حصل بين الخليفة عمر وبين أبي هريرة، فقد ورد عن أبي هريرة قال: كنت عاملًا في البحرين فقدمت على عمر بن الخطاب فقال: عدوًا لله وعدوًا لكتاب الله أسرقت مال الله؟ فقلت: ما أنا بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، ولا سرقت مال الله. قال: فمن أين اجتمعت لك؟ فأجبت: خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت، فأمر الخليفة بها إلى بيت المال[13] .

القانون يجب أن يطبق على الجميع، فإذا تلاعب وال على منطقة بأموال الناس فينبغي أن يحاكم فهو ليس فوق القانون، ومقامه لا يعفيه عن المتابعة والمحاسبة.

وكذلك الأمر بالنسبة لمن يتعدى على كرامات الناس، فينبغي أن يخضع للقانون مهما علت مكانته وكائنا من كان. وأسوق هنا نموذجا ذكرته مصادر أهل السنة أيضا، ومفاده أن رجلا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين ! عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين . قال أنس، فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين ! إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا[14] .

وفي سيرة أمير المؤمنين علي أروع الأمثلة لسيادة القانون على جميع المستويات.

لنا أن نتساءل هنا؛ إذا كان تراثنا يحفل بنماذج عن سيادة القانون فأين ذلك عن واقع المسلمين اليوم. ان العالم من حولنا بات يحقق يوما بعد آخر خطوات جبارة باتجاه تعزيز قيم الشفافية ومحاربة الفساد، حتى ظهرت هناك منظمات عالمية متخصصة في الرصد وقياس مستويات الشفافية عبر العالم. وقد اتخذت في بلادنا خطوة طيبة مع تأسيس هيئة مكافحة الفساد، والتي ينبغي أن تفعل على أحسن وجه، وأن لا تجعل لنشطاها سقفا متدنيا عبر الاكتفاء بملاحقة صغار الموظفين فحسب، فمشكلة الفساد الحقيقية لا تكمن في هؤلاء وإن كان ينبغي متابعتهم. ينبغي على الهيئة متابعة المسئولين الفاسدين،  الكبار منهم قبل الصغار، والمتنفذين قبل الضعفاء، وذلك تبعا للمرسوم الملكي الذي صدرت بموجبه هذه اللجنة والذي أطلق يدها دون سقف محدد.

إن مكافحة الفساد في مستوياته العليا هي وسيلة النجاة وبغيرها ليس سوى الهلاك. ورد عن النبي الأكرم (إنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)[15] . بمعنى اذا كان السارق متنفذا او مسؤولا كبيرا ترك يفعل كيف يشاء، فيما يصار في مقابل ذلك الى الاستقواء على الضعفاء والعاملين الصغار،  المطلوب اخضاع الجميع لمسطرة القانون دون تمييز بين أحد وآخر لأي اعتبار كان، بداية كبار المسؤولين، ذلك أنه إذا رأى الصغار أن الكبار قد حوسبوا فإنهم سيرتدعون حتما. من هنا كان التصدي للفساد وسيلة للنجاة بالمجتمعات من الهلاك.

ولعل في تجارب الأمم اليوم خير مثل في تطبيق سيادة القانون على الجميع دون استثناء. ويذكر في هذا السياق الضجة المثارة هذه الأيام ضد الرئيس الألماني كرستيان فولف لجهة أخذه سنة 2008 قرضا بقيمة 500 ألف يورو من زوجة أحد رجال الأعمال الأثرياء ابان رئاسته لإحدى الولايات الألمانية، وتصاعدت الدعوات لإقالته وتقديمه للمحاكمة لعدم اعطاءه تفاصيلا حول ذلك القرض عندما تقدم للترشح لمنصب الرئاسة. وعلى غرار ذلك لايزال الرئيس الإسرائيلى السابق موشيه كساف يقبع في السجن بعد ادانته بتهمة الاغتصاب والتحرش الجنسي في فترات مختلفة عندما كان وزيرا للسياحة ورئيسا لدولة اسرائيل،  هذا الكيان الغاصب لمقدساتنا يعتزون بتطبيق سيادة القانون في كيانهم، وتكرر ذات الأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت الذي أدين بتهم الفساد في فضيحة كبرى حول عقارات في القدس حين كان رئيسا لبلدية المدينة. هكذا يسود القانون، ففي تلك البلدان يطبق النظام على الجميع دونما استثناء.

ان غياب الجدية في مكافحة الفساد جعل من العالم العربي مرتعا للسراق والفاسدين دونما حسيب ورقيب. ولو أخذنا مثالا واحدا في هذا السياق زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ليلى الطرابلسي، فقد كانت هذه السيدة من عائلة فقيرة تعمل كمصففة شعر فأحبها الرئيس وتزوجها، ليبدأ نفوذها ونفوذ أفراد عائلتها في كل مفاصل الدولة حتى قدرت ثروتها أبان سقوط زوجها المخلوع بما يفوق سبعة مليارات دولار كما تحدثت بعض المصادر. لا سبيل لمكافحة واجتثاث الفساد إلا من خلال التطبيق الجدي لمبدأ المحاسبة للجميع.

ينبغي أن يتحمل الناس مسئوليتهم في مكافحة الفساد. لقد طالبت هيئة مكافحة الفساد من المواطنين في المملكة في اعلانات عبر الصحف المحلية أن يبلغوا عن أي حالات فساد ومخالفات للقانون، ولذلك ينبغي للناس أن يتحلوا بالجرأة في محاربة الفساد، ليس الحديث في المجالس المغلقة فقط، وإنما عبر رفع الدعاوى ضد المفسدين لفضح ممارساتهم، والابلاغ عنهم،  خاصة وأن الهيئة وضعت طرقا تضمن حق المتقدم للبلاغ، ولذلك على الناس أن يستفيدوا من هذه الفرص.

إذا فهناك أمران؛ الأول ان تقوم هذه الهيئة بكامل واجباتها على جميع المستويات وأن لا تضع لها سقفا، والأمر الآخر أن يتحمل المواطنون مسؤولياتهم. وإلا فلن يكون مآل المجتمعات المتقاعسة عن مكافحة الفساد إلا الهلاك تبعا لقول الرسول (إنما أهلك الناس قبلكم..)، فالبطالة وتأخر المشاريع وسوء تنفيذها فيه هلاك للمجتمع، فنحن نرى الهلاك واضحا جليا بسبب انتشار الفساد، فلا بد من مواجهته دون أن يترك المتنفذون وأصحاب القرار يعيثون في الأرض الفساد كيف شاءوا.

للمشاهدة:

«الخطبة الأولى: حتى لا نندم يوم القيامة»

«الخطبة الثانية: المجتمعات الحرة تكافح فساد الزعامات»

* خطبة الجمعة بتاريخ 12 صفر 1433هـ الموافق 6 يناير 2012م.
[1]  بحار الأنوار ج74، ص104.
[2]  أمالي الصدوق. ص395.
[3]  الدر المنثور. ج3، ص9.
[4]  بحار الأنوار.ج100، ص12.
[5]  مستدرك الوسائل. ج15 ص272.
[6]  وسائل الشيعة ج1 ص93.
[7]  الكافي ج1 ص44.
[8]  جامع أحاديث الشيعة ج14 ص423.
[9]  كنز العمال حديث44084.
[10]  من لا يحضره الفقيه ج4 ص383.
[11]  بحار الأنوار ج22ص467.
[12]  مستدرك الوسائل ج18 ص288.
[13]  طبقات ابن سعد ج4 ص335.
[14]  كنز العمال ج12 ص660.
[15]  صحيح البخاري ج3 ص94 حديث4304.