تقديم لكتاب (بصائر من النهضة الحسينية)

الكتاب: بصائر من النهضة الحسينية
المؤلف: رضي منصور العسيف
            باسم إبراهيم البحراني
الطبعة: الأولى 1434هـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين

كما الشمس تشرق ذكرى الثورة الحسينية على مجتمعاتنا كل عام وكل يوم، لتضيء لها طريق المبادئ والقيم، ولتبث في أرجائها دفء الايمان والثبات والاستقامة.

وكما تتطور وتتقدم فرص الاستفادة من ضوء الشمس وأشعتها، كلما تطور وتقدم وعي الانسان وعلمه، فإن استفادة مجتمعاتنا من ذكرى الثورة الحسينية تنمو وتتسع بمقدار نمو وعيها، واتساع مداركها ونضجها الاجتماعي.

كان الانسان يستفيد من طاقة الاشعاع الشمسي في مجالات محدودة كتدفئة المنازل، وتجفيف المحاصيل الزراعية، إلى جانب الاستضاءة بنورها، ثم اصبحت اشعة الشمس مصدراً للحصول على النار عن طريق تركيز الإشعاع، وبدأ استخدام الطاقة الشمسية في صهر المواد، وتوليد بخار الماء، وتقطير الماء، وتسخين الهواء، وأنشئت محطات للري بواسطة الطاقة الشمسية، وصولاً إلى توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، ويزيد حجم الاستثمار العالمي في مجال الطاقة الشمسية حالياً على 20 مليار دولار، ويتوقع الخبراء أن يصل اجمالي استهلاك الطاقة الشمسية بحلول عام 2030م نحو 45 مليون طن من المكافئ النفطي.

إن الاشعاع الشمسي كان ولا يزال موجوداً ولم يتغيّر ولم يتطور فيه شيء، لكن وعي الانسان هو الذي تطور، فمكّنه من الاستفادة الأكثر، ولا يزال في بداية الطريق، ولم يستثمر من هذه النعمة الإلهية المتمثلة في الاشعاع الشمسي إلا الشيء القليل الضئيل، حيث يشير العلماء إلى ان الشمس ترسل في كل 40 دقيقة كمية من الطاقة مساوية للطاقة التي يستهلكها جميع سكان الأرض خلال سنة كاملة، وإنما يستخدم الناس جزءاً محدوداً جداً من الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض.

 وهنا يكمن وجه الشبه والمقارنة التي أردنا عرضها فيما يرتبط بمستوى الاستفادة من أشعة ذكرى الثورة الحسينية، فالأجيال المؤمنة على مدى الأزمنة والعصور كانت تستضيء بنور هذه الذكرى العظيمة، وتمتار منها حاجتها من الوقود الروحي، والطاقة المعنوية، بمقدار وعيها واستيعابها ومستوى إدراكها.

ومع هذا التقدم المعرفي والتكنولوجي الذي تتمتع به الأجيال المعاصرة، فإن فرصها في الاستفادة والاستثمار من ذكرى الثورة الحسينية فرص عظيمة هائلة، تماماً كتطور فرص الانسان في الاستفادة من الطاقة الشمسية، ومهما اقتبسنا من اشعة النهضة الحسينية، وأخذنا من طاقتها المتوهجة، فلن يكون إلا جزءاً يسيراً مما أودع الله تعالى فيها من نور الهداية، وإشعاع القيم، ومخزون الطاقة الروحية والمعنوية.

إن مجتمعاتنا وقد أصبحت اليوم أكثر وعياً بواقعها، وأكثر تطلعاً للإصلاح والتغيير، فإن قدرتها على الاستفادة من مخزون النهضة الحسينية، والاستلهام من بصائرها وعبرها ستكون أكبر وأفضل.

إن عملية الاصلاح والتغيير تستدعي إحياء منظومة من القيم والمبادئ في نفوس ابناء الأمة، وتستلزم اسقاط الكثير من الأوهام والمفاهيم الزائفة التي انتجتها عصور التخلف والاستبداد، وكرستها في الأذهان والقلوب.

ولا يمكن لأمة أن تتجاوز واقع الظلم والفساد دون تقديم التضحيات ودفع أثمان التحرر والنهوض، مما يجعل الحاجة ماسّة لضخ ثقافة التضحية والفداء، وبثّ روح البذل والعطاء، وتحفيز ارادة المقاومة والصمود.

كما تحتاج الأمة إلى الرؤية الواضحة التي تضئ لها دروب التحرك والنضال، حتى لا تنزلق حركتها إلى المسار الخطأ، وتتبعثر الجهود والطاقات.

وفي النهضة الحسينية مخزون هائل وثروة كبيرة من الإمكانات الروحية الفكرية، التي يمكنها أن تزود جماهير الأمة بما تحتاجه في معركتها الحاضرة للإصلاح والتغيير.

وهنا يأتي دور الطليعة الواعية من علماء الأمة ومفكريها، لتجديد القراءة للثورة الحسينية على ضوء تطورات الحياة، وحاجات الأمة في هذا العصر.

وفي هذا السياق تأتي مبادرة الأخوين الكريمين: الأستاذ باسم البحراني، والأستاذ رضي العسيف، لتحفيز همم بعض الباحثين الواعين في المجتمع، لاقتباس شيء من شعاع النهضة الحسينية، وتسليط ضوئه على جانب من قضايا الأمة المعاصرة.

وبين يدي القارئ الكريم إحدى ثمرات هذه المبادرة الطيبة للأخوين الكريمين، حيث ضم هذا الكتاب مجموعة من  المقالات القيمة، التي تتناول بعض أبعاد النهضة الحسينية، برؤية جديدة، تلامس هموم الواقع، وتواكب تطورات الوعي الاجتماعي، وتقدم البصائر الهادية من وحي أفكار وأحداث تلك الثورة العظيمة.

أسأل الله تعالى أن يتقبل من الأخوين الكريمين ومن الإخوة العاملين معهما في لجنة الامام الجواد هذا الجهد المشكور، وأن يوفقهم جميعاً للمزيد من الجود والعطاء في خدمة الدين والمجتمع.

والحمد لله رب العالمين.

حسن موسى الصفار
25 جمادى الأولى 1433هـ
17 أبريل2012م