مناسبات مضيئة

كما هي أيام الحج وأيام شهر رمضان المبارك ترتبط بالهداية والتوجه نحو الخير؛ فإنَّ أيام شهر محرم بما لها من أجواء ومعان تقوم بالدور ذاته وفي الاتجاه نفسه.

تحتوي أيام المحرم على توجيه مركز ومكثف من قبل الخطباء الكرام على قيم الدين وأخلاقياته، ويحاول الخطباء كعادتهم الاقتراب من قضايا الناس وهمومهم في شئونهم المختلفة ليوجهوا ويصوبوا المسار.

الأجواء الدينية والروحانية العامة في تلك الأيام توفر كمّاً هائلاً من الإيحاءات الإيجابية التي تعزز السمو والرفعة والكرامة في حياة الإنسان، فهي تحيط بالإنسان في منزله وفي أماكن الاجتماع العام، وفي الشوارع والأزقة، وهذه الأجواء ذات أثر مهم وفعال.

لا يخلو بعض طعام الإنسان ووجباته في أيام عاشوراء من حضور تلك الأجواء، فالوجبات توزّع مجاناً وطلباً للأجر والثواب، لذلك تكون كل الظروف المحيطة بالإنسان تدفع نحو شيء واحد وهدف واحد، وهو التذكير بتلك المناسبة وطلب إحيائها.

لا يمكن هنا أن نغفل دور الإعلام والفضائيات التي أصبح عدد مجزٍ منها يتحرك في السياق نفسه، فهي تبث في أغلب أوقاتها ما يرتبط بتلك المناسبة من أفكار ومفاهيم ورؤى وتصورات، بالإضافة إلى مباشرتها لخلق أجواء عالمية عامة تخترق كل الحواجز والمعوقات.

إن كل ما ذكرته كما أتصور هو أجواء مساعدة ومحفزة للإنسان كي يتمسك بقيمه وتعاليم دينه، ولكن كيف ومن أين يبدأ؟ وكيف يغيّر حياته نحو الأفضل؟ ربما يلاحظ أحدنا الأثر البليغ والمباشر الذي تتركه بعض برامج المحرم على أنفسنا وأرواحنا، لكن طبيعة الإنسان تميل إلى النسيان، وتحاول التحلل من الالتزام، وأحياناً تقف مذبذبة، فهي تريد أن تحدث تغيراً وتبدّل واقعاً، لكنها في الوقت نفسه لا تعرف كيف؟ هنا من المهم التوجه إلى الخطب والكلمات والحكم المأثورة في تراث أهل البيت النبوي الشريف ، فهي مفصلة في الحديث عن كل ما يرتبط بحياة الإنسان وآخرته. ففيها العديد من التعاليم التي تربط الإنسان بربه في واجباته وعبادته وطاعته، والاندفاع لأوامره، والكف عن زواجره.

وفيها كم هائل من التعاليم حول علاقة الإنسان بنفسه وما فيه من دواعٍ للخير ودوافع للشر، وما بين ذلك من هواجس وأحاسيس وشكوك وإيحاءات ومغالطات... إلى آخر القائمة.

وفي روايات النبي والأئمة من أهل بيته أحاديث عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان في العمل والجيرة والوطن وكل نقاط التلاقي والاحتكاك بين الإنسان ونظيره.

وأهم ما في هذا النوع من الروايات هو توجيهها الأخلاقي والسلوكي الذي يصب في تأكيد إنسانية الإنسان، بعيداً عن كل التفاصيل الأخرى الطارئة عليه من دين أو مذهب أو توجه أو رأي. وسيرى المتابع لرواياتهم وكلماتهم أنهم لم يغفلوا علاقة الإنسان بكل ما حوله من طبيعة وحيوان وجماد وغير ذلك.

من تلك الروايات يمكن أن تتشكل علاقة متينة وقوية وعاقلة مع الخالق والمخلوق والنفس وكل ما حولها، فإذا بنيت تلك العلاقة على أساس تلك التعاليم فإن أيام المحرم ستتحول من أجواء مساعدة ودافعة، إلى واقع عملي وسلوكي وفكري ونفسي يوجه مسيرة الإنسان في أدق تفاصيلها الحياتية، وإلا فستغادرنا ونحن لم نستفد منها كما يجب.

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3719 - الإثنين 12 نوفمبر 2012م الموافق 27 ذي الحجة 1433هـ