الشيخ الصفار ينتقد تقصير العلماء في إيصال صوت أهل البيت ونشر معارفهم للناس

مكتب الشيخ حسن الصفار
أعده: تركي العجيان

استفتح الشيخ الصفار خطابه الأسبوعي الذي ألقاه ظهر الجمعة 11 ذو القعدة 1425هـ (24 ديسمبر 2004م) بكلمة للإمام علي بن موسى الرضا إذ يقول: «لا يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان إلا بثلاث خصال: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا». مبيناً أن الإيمان قد يكون شعاراً وعنواناً أو مجرد انتماء، وقد يكون حقيقةً ينعكس على سلوك الإنسان وحياته.

وتحدث حول الخصال الثلاث التي حددها الإمام الرضا ليستكمل بها الإنسان حقيقة الإيمان:

أولاً- التفقه في الدين.

أكد الشيخ الصفار أن الفهم السائد لمعنى الفقه وهو: تعلّم المسائل الفقهية الفرعية، ليس دقيقاً، موضحاً أن القه يعني: فهم المعارف الدينية الشاملة. مؤكداً أن فرص الفقه في الدين لم تعد كما في الماضي من حيث الصعوبة ووجود العقبات، بل أصبح ذلك متاحاً للجميع خصوصاً مع التقدم التكنولوجي حيث الشبكة العنكبوتية، والقنوات الفضائية وانتشار الكتب ووجود العلماء.

ثانياً- حسن التقدير في المعيشة.

أكد الشيخ الصفار أن المتدين ليس ذلك الإنسان الفوضوي الذي لا يعرف كيف يدير أمور حياته المادية، ولكن الإنسان المتدين هو من يُحسن التقدير في المعيشة، ويُحدد الأولويات ويُقدمها على الكماليات. وأشار إلى تقرير يتحدث عن الفارق بين السائح الأمريكي والعربي في أوروبا حيث يؤكد التقرير أن السائح الأمريكي يُنفق أقل من السائح العربي بـ (40) %، وفي المقابل هناك فارق كبير بين استثمار السائح الأمريكي لسياحته وبين السائح العربي.

ثالثاً- الصبر على الرزايا.

أشار الشيخ الصفار أن الصبر على الرزايا ضروري جداً، وهو يعني أن لا تُسبب الرزايا هزيمة نفسية للإنسان، وتجعله يتراجع عن أهدافه والمنهج الذي يسير عليه.

العطاء الفكري والمعرفي في حياة الإمام الرضا


وتحدث الشيخ الصفار عن جانبٍ بارزٍ في حياة الإمام الرضا وهو العطاء الفكري والمعرفي، مؤكداً أن عهد الإمام الرضا في هذا الجانب يُعتبر الأبرز بعد عهد الإمام علي وعهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام). مؤكداً أن الروايات الواردة عن الإمام الرضا كثيرة جداً وقد جمع (محمد بن عيسى اليقطِني) 18 ألف مسألة للإمام الرضا ، كما أن الشيخ العطاردي كتب مؤلفاً بعنوان: مسند الإمام علي بن موسى الرضا، في مجلدين، وكذلك الشيخ الصدوق له مؤلف اسمه: عيون أخبار الإمام الرضا.

وأكد الشيخ الصفار أن هذا التوفيق الذي تحقق في عهد الإمام الرضا لم يكن لو لم يُجد الإمام الرضا استغلال الفرصة التي أتيحت له، حيث الانفتاح السياسي الذي ساد تلك الحقبة الزمنية.

وعن التفسير السائد الذي يقول أن الإمام الرضا قبل ولاية العهد مكرهاً قال الشيخ الصفار: لعل الإمام الرضا وجد في القبول بولاية العهد شكلياً ما يُتيح الفرصة لبث معارف وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) وليست المسألة محدودة في إطار إكراهه على ولاية العهد.

وأشار الشيخ الصفار إلى عدة أمور:

أولاً- استهداف أهل البيت (عليهم السلام) الأساس ليس سياسياً وإنما فكرياً وثقافياً.

وقد أوضح هذا الجانب الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، حيث أكد أن ما ورد عن أهل البيت في جانب مهمتهم التبليغية أضعاف ما ورد عنهم في جانب مهمة الخلافة والحكم.

كما أن للسيد البروجردي رأيٌ كان يجهر به في هذا الجانب، إذ كان يقول: ينبغي أن نتحدث عن المرجعية الدينية المعرفية لأهل البيت (عليهم السلام)، وأن لا نتوغل في جانب الخلافة إذ أن مسألة الخلافة قد انتهى زمنها، وإذا استطعنا أن نثبت مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)، وأن تأخذ الأمة من نمير معالم أهل البيت فإن ذلك يعُتبر إنجازاً كبيراً، وطريقة أفضل لنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) في وسط الأمة. وكان إلى جانب ذلك يركز على حديث الثقلين.

ثانياً- وظيفتنا تجاه الفرص.

أكد الشيخ الصفار أنه إذا أتيحت لنا فرصةً لإيصال صوت أهل البيت (عليهم السلام) للناس فلابد من استثمارها وشحذ الهمم لأجلها، وانتقد تقصير العلماء الكبير تجاه الفرص التي يفرضها التطور العصري. وصنّف اهتمامات العلماء إلى ثلاثة أصناف:

الأول: يهتم بالشأن السياسي، ومن بينهم: السيد موسى الصدر.

الثاني: يهتم بالعمل الفكري والثقافي، ومن بينهم: الشيخ محمد جواد مغنية.

الثالث: يهتم بالجوانب التقليدية المحضة، ويندرج فيه كثير من العلماء.

وأكد أن الجميع إلى خير، ولكن الاستفادة الكبرى لنشر علوم وفكر ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) تكون عبر الصنفين الأول والثاني.

وانتقد الشيخ الصفار التقصير الكبير لأصحاب الأوقاف الشرعية وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، مؤكداً أن الكثير من الأوقاف الشرعية لا تُستثمر الاستثمار الصحيح، كما أن أصحاب رؤوس الأموال يبخلون بأموالهم على بث علوم وفكر أهل البيت (عليهم السلام).

وأكد الشيخ الصفار في ختام خطابه أن لا عذر للناس وخصوصاً العلماء، فالظروف ملائمة ومناسبة لبث علوم وفكر أهل البيت (علهم السلام) عبر مختلف الوسائل والسبل العصرية، مشيراً إلى الدور الريادي الذي قام به الآباء القدامى مع صعوبة الظروف والاضطهاد الذي كانوا يعيشونه إلا أنهم قاموا بدور كبير في هذا الجانب، فما عذرنا اليوم والظروف باتت متاحة للقيام بأعظم الأدوار، ولكن ذلك بحاجة إلى شحذ الهمم، وعدم الانهزام أمام أبسط المعوقات.