قراءة في كتاب السياسة النبوية ودولة اللا عنف

معتوق الحرز أذن واعية

الكتاب: السياسة النبوية ودولة اللاعنف.

المؤلف: الشيخ حسن الصفار.

الناشر: أطياف للنشر والتوزيع.

عدد الصفحات: 144صفحة.

اللاعنف مبدأ مهم قامت عليه دعوة الرسول الأكرم. و لسبب من الأسباب ولإرادة سياسية تم تشويه سيرة الرسول الأكرم لتأصيل مبدأ العنف في العصرين الأموي والعباسي .الراي العالمي  - في وقتنا الحاضر-  ينظرإلى بلاد المسلمين باعتبارها خارج إطار عالم الحريات وحقوق الإنسان و مسرحا للعنف ومصدرا للإرهاب. ولقد جاء هذا البحث في سلسلة من الردود والتوضيحات لسيرة الرسول الأكرم .

يضيء لنا الشيخ الصفار في كتابه السياسة النبوية ودولة اللاعنف على جانب مهم من جوانب سيرة الرسول الأكرم وهي نهج التعامل مع الأمة وإدارة شؤونها . «فحياة الرسول ليست مجرد فضائل نفتخر بها ولا مجرد صفات أخلاقية يمتاز بها شخصه الكريم ، بل هي منهج لحياتنا الاجتماعية وبرنامج لنظامنا السياسي».

في هذا البحث يركز الكاتب على إبراز المبادئ العظيمة التي قامت عليه منهجية الرسول الأكرم في بناء الأمة وإدارة شؤونها وهي مبدأ التسامح واجتناب العنف السياسي. وذلك لأن من أهم أسباب تخلف الأمة الإسلامية – على مر العصور - خضوعها لسلطة العنف، وانتشار أفكار التشدد والتطرف في أوساطها.

يستعرض الكاتب في بداية البحث الأسباب التي بسببها شوهت صورة الإسلام و صورة النبي الأكرم كحادثة التطاول على الإسلام والنبي الأكرم برسوم مسيئة وبالإساءة إلى شخص النبي من قبل الغرب.فمن وجهة نظر الكاتب أن أهم الأسباب التي شكلت الصورة السيئة عن الإسلام والنبي هي:

1- واقع التخلف التي تعيشه الأمة والإصرار على إسباغ الصبغة الإسلامية عليه، والتبرير له والدفاع عنه باسم الدين، هو سبب رئيسي في تشكيل الصورة السيئة عن الإسلام في العقل الغربي.

2- ممارسة بعض الفئات للعنف والإرهاب تحت عناوين وشعارات إسلامية، وبزعم تحقيق أهداف إسلامية، أنتج إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين.

3- القصور والتقصير في التعريف بسيرة الرسول الأكرم وحقيقة شخصيته العظيمة على المستوى العالمي.

إذا فمن الواجب علينا - نحن المسلمين- أن نبرز الصورة المشرقة للإسلام و للنبي إلى العالم.

إن الامتحان الحقيقي أمام من يتصدى للقيادة - الدينية أو السياسية - هو تعامله مع من يخالفه في الرأي، وكما نرى في المجتمعات الغير ديمقراطية، فإن تعاملها مع هذه الحالات إما الرفض أو القمع، وتبرير ذلك بالحكم عليهم بالكفر والمروق أو إدانتهم بالخيانة والانشقاق. النبي الأكرم كان قيادة دينية وسياسية أيضا وواجه تيار مناوئ للدعوة وهم – المنافقون - وبسبب سياسة النبي العادلة التي ساوت بين الغني والفقير وأصلت إلى ميزان محدد وهو التقوى، فالطبقة الثرية والنافذة رأوا أن في هذه التعاليم – تعاليم الإسلام - إلغاء لنقودهم و مصالحهم. فتستروا بستار الإسلام وحاولوا ضربه من الداخل ببث الشكوك لدى المسلمين عن دعوى النبي و التآمر مع الأعداء كاليهود والمشركين والتخطيط لاغتيال الرسول.

وبالتالي فإن النبي الأكرم مارس سياسة الاحتواء والاستيعاب ضد هذا التيار، فلم يلجئ النبي إلى القوة والقمع رغم استفزازهم وجرائمهم، أيضا لم يصادر أي حق من حقوقهم المدنية فلقد كانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كسائر المسلمين وأكثر من ذلك كان النبي يبذل لهم الإحسان، ويحوطهم بمداراته، ويشملهم بكريم خلقه.

ويستعرض الكاتب تأسيس النبي للوحدة السياسية و الاجتماعية فلقد كانت أحد مشاريع النبي - المهمة، فمجتمع الجزيرة العربية قبل الإسلام كان ممزقا مليئ بالصراعات بين القبائل المتناثرة فيه، فلقد جاء الإسلام ليوحد تلك القبائل تحت الهوية الإسلامية ذات الأهداف السامية واعتبار أن المسلمين تربطهم رابطة الإسلام و أنهم إخوة.

ومن جهة آخرى يتطرق الكاتب إلى نهج الحوار الذي اتبعه النبي الأكرم ، فلا يؤمن الانسان بفكرة إلا إذا اقتنع بها،ومن يسعى لنشر فكرته في أوساط الآخرين ،  ويهمه استجابتهم لدعوته ، عليه أن يبحث على منافذ التأثير على نفوسهم، وطرق الوصول إلى عقولهم، ليضمن اقتناعهم وقولهم بفكرته ودعوته. النبي الأكرم لم يكن يملك قوة عسكرية قبلية عند بعثته تفرض على القبائل الآخر دعوته، لكنه نجح في استمالة النفوس بعظم أخلاقه وبفصاحة بيانه، وقوة حجته، وحسن منطقه.

وبهذا نختم بأن التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة لا تسمح لنا بالاسترسال في دوامة الصراعات الداخلية، فلا بد من التوقف والتراضي، ونبذ العنف وسيلة لحل الخلافات، واعتماد الحوار والنهج الديمقراطي السليم، الذي أسس لهم النبي الأكرم، فحالنا اليوم –بسبب الإستبداد- أصبح أشبه بالأوس والخزرج مليء بالصراعات والاهتمام بسفاسه الأمور، ويجب علينا الوقوف صفا واحدا ولإظهار الإسلام الذي أسس له النبي وليس من أسست له القوة المستبدة.

 

نشرت في نشرة أذن واعية الثقافية التي تصدر عن هيئة الرسول الأعظم بأم الحمام ـ العدد الأول ـ جمادى الأولى 1434هـ