حوار سماحة الشيخ حسن الصفار في جريدة عكاظ حول حادثة الأحساء الأليمة

جريدة عكاظ خالد الفارس

أجرى المحرر في جريدة عكاظ الأستاذ خالد الفارس مقابلة مع الشيخ حسن الصفار حول حادثة الأحساء الأليمة، وفيما يلي نص إجابات الشيخ الصفار على أسئلة الجريدة:

سؤالرغم فداحة الجريمة التي وقعت في الدالوة وأرادت الفتنة بين أبناء الوطن الواحد إلا أن النتائج كانت مخيبة لآمال الإرهابيين كيف تنظر إلى لحمة أبناء الوطن بعد هذه الحادثة ؟

جوابحادثة الأحساء الأليمة أيقظت الضمير الوطني، وحرّكت مشاعر الوحدة في نفوس جميع المواطنين الغيورين على أمن الوطن واستقراره.

كانت صدمة عنيفة اشعرت الجميع بخطورة التحدي الذي يواجه الوطن من قبل هذه الجهات الإرهابية التكفيرية، التي تريد اشعال نيران الفتنة الطائفية، فاندفع الواعون من أبناء الوطن من مختلف المناطق والمشارب ليعبروا عن رفضهم لهذه التوجهات الإجرامية وليعلنوا تمسكهم بالوحدة والتلاحم الوطني، مما أظهر بلادنا وشعبنا في أروع موقف وأجمل صورة، بحمد الله وتوفيقه.

سؤالكيف تصف لنا مشاعر أهالي الضحايا والتفاف الشعبي بعد الجريمة ؟

جوابالشهداء الذين سقطوا برصاص الغدر هم شباب في مقتبل أعمارهم، وأحدهم يتيم ليس لعائلته وأخواته أخ غيره، وإصابتهم جاءت مفاجئة وغير متوقعة أبداً، فهم يعيشون في قرية هادئة آمنة مطمئنة، وكانوا يؤدون شعائر توارثوها من آبائهم وأجدادهم، لإعلان المودة والمحبة للنبي وآله الكرام، وكانوا يؤدونها كل عام بهدوء وانضباط لا يسبب أذىً ولا ازعاجاً لأحد.

كانوا قد خرجوا من حسينية استمعوا فيها لمحاضرة دينية فاستقبلهم المجرمون بالرصاص، الذي اغتال أحلامهم، وأثكل أمهاتهم وفجع أهاليهم، لكن هؤلاء الأهالي رغم هول الفاجعة يمتلكون رصيداً عالياً من الايمان بقضاء الله وقدره، ويتوهج في نفوسهم الحب والولاء للنبي وآله الطاهرين، فيحتسبون ما اصابهم في سبيل الله، وقد كان لمواساة سمو وزير الداخلية وسمو أمير المنطقة الشرقية وسائر المسؤولين في الدولة، وكذلك تعاطف جموع المواطنين من مختلف أنحاء المملكة، كان لذلك أكبر الأثر في تخفيف المصاب على الأهالي المثكولين وفي رفع معنوياتهم، وإشعارهم بأن الوطن بقيادته وشعبه يقف معهم في محنتهم، ويتضامن ويتعاطف مع معاناتهم.

سؤالعُرفت الأحساء بالتسامح الذي يعيشه الأهالي فيما بينهم من مختلف الطوائف ما هي أسس هذا التسامح الفريد؟

جوابالتسامح الذي يعيشه أهالي الاحساء فرضته طبيعة وجود التنوع والتعددية المذهبية، لأن المناطق التي تعيش الأحادية والانغلاق المذهبي، تكون أقرب إلى أجواء التعصب والتشدد، أما حين يعيش الناس تنوعاً قائماً في المجتمع، فإنهم يألفون وجود الآخر المختلف، ويتعرفون عليه عن قرب، وليس عبر الاشاعات والصور النمطية، وهذا ما هو حاصل في الأحساء، فأبناء السنة يختلطون بالشيعة، والشيعة يتداخلون مع السنة، فلا مجال للاتهامات والدعايات المغرضة، فمثلاً يعرف السني في الأحساء أن الشيعي يقرأ مثله نفس المصحف الشريف القرآن الكريم، بل بعض أبناء السنة ربما كانوا يتعلمون القرآن في كتاتيب شيعية، كما تحدث بعض شخصياتهم، وهنا لا تنطلي عليهم فرية أن للشيعة قرآناً آخر أو أن قرآنهم محرّف.

وبعض أبناء السنة يحضرون المجالس الدينية للشيعة (الحسينيات) وخاصة في المناسبات الاجتماعية، ويسمعون ما يلقى فيها من مواعظ وخطابات دينية وأخلاقية، وبناءً عليه  لا تضلّلهم الدعايات التي تلصق بمجالس عاشوراء تهماً باطلة.

وهكذا فإن تداخلهم الاجتماعي، يعرفهم على بعضهم بعضا بشكل مباشر، في التزاماتهم الدينية وسلوكهم الاجتماعي، وطباعهم الأخلاقية، كأبناء مجتمع واحد، لا يختلفون إلا في بعض تفاصيل المسائل العقدية النظرية، أو جزئيات المسائل الفقهية، مما يتسع لها الأمر حتى داخل المذهب الواحد، فهناك اختلافات عقدية وفقهية في التفاصيل ضمن أهل السنة، وكذلك ضمن الشيعة، ففي السنة موالك وشوافع وأحناف وحنابلة، واتجاه سلفي، وآخر صوفي، وآخر ليبرالي، وفي الشيعة أصوليون وإخباريون وشيخية، وتعدد في الانتماءات المرجعية، وليبراليون.

نود ان نتعرف علي طبيعة القاءات بين علماء السنة والشيعة في محافظة الاحساء وما مدي استمرار تلك القاءات واستمرارها لخدمة الوطن ؟

كانت اللقاءات بين علماء السنة والشيعة في الأحساء أكثر انسيابية وحصولاً في الماضي، كما حدثني القاضي الأسبق للشيعة الشيخ باقر ابو خمسين والسيد ابراهيم بن عبدالله الخليفة من كبار علماء السنة الأحسائيين، وغيرهما، ولكن يبدو لي أن اللقاءات الآن اقل من الماضي، لأن بعض العلماء المعاصرين تأثروا بالتيارات المتشددة السائدة، وحتى الواعون المنفتحون من العلماء، يحسبون حساباً للأجواء المحيطة بهم، والتي قد تشجع على الفرز المذهبي، وهناك من العلماء السنة والشيعة في الأحساء مخلصون صادقون يسعون لتأكيد التقارب والتآلف والحفاظ على ميزة التسامح الثمينة في المجتمع الأحسائي. ونأمل أن تشكّل هذه الحادثة الأليمة حافزاً لتكثيف التواصل بين العلماء والدعاة السنة والشيعة في الأحساء ومجمل المنطقة الشرقية، وعلى مستوى الوطن، لأن الجهات الدينية هي التي تؤثر في تشكيل الوعي العام باتجاه التسامح أو التشدد.

هذا السؤال يقودنا إلى الحديث عن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني  كيف تري دوره في المرحلة المقبلة  لنشر المزيد من الحوار بين المذاهب؟

كانت الآمال معقودة على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في تطبيع العلاقات المذهبية، والوقوف أمام اتجاهات التعصب والتشدد المذهبي، والتعبئة والشحن الطائفي.

لكني ألحظ تجنب المركز ملامسة هذا المشكل الطائفي الخطير الذي يهدد مستقبل الأمة والوطن. فمقاربات المركز لموضوع التنوع المذهبي ضعيفة خجولة، ليست بمستوى التوقع والطموح.

بالطبع لا نتنكر للجهود التي يقوم بها المركز على صعيد نشر ثقافة الحوار، وجمع ذوي الرأي في مختلف المناطق والتوجهات في ملتقياته، فهي جهود تأسيسية نأمل أن تهيئ المجتمع أكثر لقبول التعددية واحترام الرأي الآخر.

بادر  سماحة مفتي عام المملكة وهيئة كبار العلماء بإدانة جريمة الدالوة  ماذا يمثل لكم ذلك ؟

المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة وعلى رأسها سماحة المفتي وهيئة كبار العلماء، ليست مجرد موقع ديني علمي، بل هي جزء من كيان الدولة، وتعلم أن بقاء هذه الدولة، وقوة نظامها، واستقرار الأمن فيها، يستوجب التصدي للتحديات والأخطار التي تستهدفها، لذلك كانت المسؤولية تفرض على هذه المؤسسة الدينية المبادرة إلى اتخاذ الموقف المسؤول، وبحمد الله لم تتأخر عن ذلك، بل كانت المبادرة سريعة وصريحة لا تقبل اللبس والتأويل، وهذا ما يستحق الاكبار والتقدير، ويزيد ثقة كل المواطنين بمتانة وصلابة مؤسسات الدولة الدينية والمدنية والأمنية في مقابل الارهاب ومحاولات الفتنة والفرقة والتخريب.

إن موقف المفتي العام وهيئة كبار العلماء فوّت الفرصة على المغرضين والحاقدين، وأثار الارتياح والاطمئنان في نفوس المواطنين سنة وشيعة، وكان موضع تقدير المرجعيات الشيعية في مختلف أنحاء العالم.

أطاحت الأجهزة  الأمنية بالمتورطين في الجريمة في وقت قياسي وفي أكثر من مدينة وقدّم رجال الأمن أنفسهم شهداء لحماية الوطن والمواطنين. ما هي كلمتكم للشهداء وأسرهم ؟

إن رفع أهالي الاحساء لصور شهيدي القوات الأمنية، في مسيرة تشييعهم الحاشدة لشهداء الدالوة التي تجاوزت 250 ألف شخصا حسب تغطيات وسائل الإعلام، وكذلك ذهاب وفد كبيرٍ من علماء الشيعة وشخصياتهم لتقديم العزاء لأهالي شهيدي الأمن في القصيم وحائل، يحمل دلالة كبيرة وواضحة على تقدير الناس لتضحيات رجال الأمن وانجازاتهم المشهودة في حماية أمن الوطن والمواطنين.

وحين نرى الانفلات والفوضى في بلدان أخرى، تسفك فيها الدماء، وتنتهك الأعراض، وتستباح الحرمات، فإن ذلك يجب أن يدفع لتقوية المؤسسة الأمنية في بلادنا، لتحمي الوطن من شرور الإرهاب، ومن كل عدوان على أمن المواطنين.

ولا درجة أعلى عند الله من الاستشهاد دفاعاً عن الدين وعن حرمات المسلمين، نسأل الله تعالى للشهداء المغفرة والرحمة، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وحق لهم أن يفخروا بأبنائهم المضحين بحياتهم في خدمة الدين والوطن.

ما هو الدور المطلوب من علماء السنة والشيعة لحماية الوطن ومواطنيه من الفتن وشرور الأشرار؟

المطلوب من علماء الأمة ودعاتها سنة وشيعة توعية أبناء الأمة وتذكيرهم بالمبادئ الأساسية في دينهم، وفي طليعتها حماية وحدة الأمة من التفرق والتنازع والاحتراب، هذه الوحدة التي أعتبرها الله تعالى مظهراً لعبادته وتقواه حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، ﴿وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فمن لا  يلتزم نهج الوحدة لا يعبد الله حقيقة ولا يتقيه، وأن أقام الصلاة وسائر العبادات.

وواجب العلماء أن يؤكدوا على التزام نهج العدل والإحسان، فاختلاف المذاهب لا يبرّر الظلم والعدوان على الحقوق، فالمواطنون يجب أن يكونوا متساويين في الحقوق والواجبات، والعلاقة فيما بينهم تكون على أساس الإحسان والاحترام المتبادل، وليس القطيعة والإساءة كما يحرّض عليها المتطرفون المتشددون.

وواجب العلماء دعوة الناس للاجتهاد في تطوير حياتهم، وبناء أوطانهم، وإنجاح مشاريع التنمية، ليكونوا نموذجًا مشرقًا لدينهم، بدل أن يعيشوا حياة التخلّف والانحطاط، بينما تواصل سائر المجتمعات البشرية تقدمها وتطورها في مختلف الميادين.

بوصفكم احد علماء الشيعة ما هي كلمتك  لإخواننا الشيعة في هذا الظرف ؟

أقول لأخواني الشيعة ما أقوله لأخواني السنة، أن وطننا أمام تحدٍ خطير، حيث تريد قوى معادية تحويل بلادنا إلى ساحة احتراب واضطراب، كما أعلنت أخيراً بعض قيادات الإرهاب، وعلينا جميعًا أن نعي خطورة المرحلة، وأن نسدّ الثغرات التي يريد الأعداء والمغرضون النفوذ من خلالها، بتنقية أجوائنا من الإثارات الطائفية، ومنابر التحريض على الكراهية، والتعبئة والشحن المذهبي، وأن لا نسمح للمعارك والصراعات في البلدان الأخرى أن تمتد إلينا، وأن نصلح كل خلل في أي إدارة أو مؤسسة لنعيش شعوراً موحداً بالولاء والانتماء لهذا الوطن، دون أن  يشعر طرف فيه بالتعالي أو آخر بالغبن والإقصاء، فكلنا شركاء في هذا الوطن الغالي، ولا مستقبل لنا إلا في ظل أمنه وعزته وقوته، ولا مصلحة لأحد في إضعاف الدولة أو اهتزاز سلطتها.

سؤالظهرت تيارات وجماعات ما أنزل الله بها من سلطان وأنتجت لنا جيل يكفر هذا وذاك دون وازع ديني أو أخلاقي كيف تري خروج هذه الجماعات وما هي أسبابها ؟

جوابالتيارات والجماعات التكفيرية المتطرفة تنطلق من سوء فهم للدين، وحالة يأس وإحباط، وتغذيها قوى سياسية طامحة في السلطة والحكم باسم الدين، وقوى خارجية حاقدة تريد هدر ثروات الأمة في الاحتراب الداخلي، وتعويق مسيرة التنمية في أوطانها، وإضعافها في مواجهة الهيمنة الأجنبية والإطماع الصهيونية.

نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا من كل مكروه، وأن يوفق قيادتنا لتحقيق تطلعات الشعب والوطن.