فليتّسع صدرك

مكتب الشيخ حسن الصفار
الخطبة الأولى: فليتّسع صدرك

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ4 [سورة الشرح، الآيات: 1-4].

لقد امتنّ الله على النبيّ الأكرم في محكم التنزيل بجملة من النعم، وعلى رأسها نعمة شرح الصدر. حيث ورد في الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، ومعلوم أن ورود الامتنان بهذه النعمة في صدر السورة الشريفة، لم يأتِ على نحو الاعتباط، بل يمكن القول إنّ سائر النعم الأخرى التي أسبغها الباري على رسوله، إنما انبثقت من هذه النعمة تحديدًا، أي نعمة شرح الصدر.

معينان لشرح الصدر

وهناك معنيان لمسألة «شرح الصدر» الواردة في الآية الكريمة، أولهما معنى فكريّ معرفيّ، والآخر معنى أخلاقيّ.

فأنْ يتخلّق المرء معرفيًّا بانشراح الصدر، فهذا يعني امتلاكه إمكانية كبيرة لاستيعاب الحقائق والمفاهيم والعلوم والمعارف، في مقابل ما يتّسم به البعض من ضيق الأفق وضعف الاستيعاب، من هنا فانشراح الصدر، معرفيًّا، يأتي بمعنى امتلاك القدرة على استيعاب الحقائق والمعارف.

أما المعنى الآخر لشرح الصدر الوارد في الآية الكريمة، وهو محلّ التركيز هنا، فهو يعني سعة ورحابة الصدر إزاء الصعاب والمشاكل، فالإنسان بحاجة ماسّة لإدراك مدى تفاوت الناس الذين يخالطهم ويعيش بينهم، إنْ على صعيد أفكارهم وأمزجتهم، أو على صعيد أخلاقهم وسلوكهم، من هنا يأتي السؤال عن السبيل الأمثل للتعامل مع هذا الطيف الواسع من الناس، سيمّا عندما يبلغ المرء نقطة الافتراق معهم في الرأي أو المزاج أو المصلحة. ذلك أنّ مسألة التوافق مع الآخرين المشابهين فكريًّا، ليست مدعاة للفخر والراحة، إنما الامتحان الحقيقي هو التوافق مع الآخرين في ظلّ وجود نقاط اختلاف عميقة معهم.

يتّسم بعض الناس بسعة الصدر في تحمّلهم للغير، فيما يكون البعض الآخر ضيقي الصدر، بحيث لا يتحملون التعامل مع من يختلفون معهم في الموقف أو الرأي أو المزاج أو المصلحة. إنّ سعة الصدر على صعيد العلاقات الاجتماعية، صفة قرينة للنجاح، فهذه الخصلة تجعل المرء قادرًا على التأثير في محيطه الاجتماعي، كما تعطيه القدرة على جذب الاحترام والتقدير من الآخرين.

في مقابل ذلك، حين يضيق صدر الإنسان بغيره فسيكون النّكد هو الطابع الأغلب لعلاقاته بمحيطه الاجتماعي، وتبعًا لذلك، لن يكون بمقدور هذا الصنف من الناس ممارسة أيِّ قدرٍ من التأثير على المحيطين به؛ لأنّ الناس لا يستجيبون لمن يسيء لهم ويبدي الانزعاج منهم.

استيعاب المحيط العائلي والاجتماعي

من هنا تتضح حاجة المرء الماسّة للتحلي بسعة الصدر في التعامل مع الآخرين.

ولعلّ أول الناس الذين يجدر التحلّي بسعة الصدر معهم هم أفراد العائلة، الزوجة والأولاد، فهؤلاء الناس لم يخلقوا مطابقين لنا في الرأي والمزاج، غالبًا، بل هم متفاوتون معنا في أمزجتهم وتوجّهاتهم، ولعلّ الامتحان الأهمّ يكمن في النجاح في إدارة الاختلاف ضمن المحيط العائلي بالتوسّل دائمًا بسعة الصدر.

كما ينسحب ذات الأمر على محيط العمل، فسعة الصدر مطلب أساس في التعامل مع الإدارة، وزملاء العمل، والمرؤوسين، وصولًا إلى المراجعين، فجميع هؤلاء بشر ولكلٍّ منهم مزاجه الخاص، سيّما وهناك بعض الأعمال التي تتطلب قدرة نفسية كبيرة من التحمل، كممارسة الطب والتمريض مثلًا، فالطاقم الطبي غالبًا ما يتعاملون مع المرضى الذين هم في قمة المعاناة النفسية والجسدية، مع اختلاف مشاربهم وأمزجتهم، وهنا تبرز أهمية التحلي بسعة الصدر في التعامل معهم.

والأمر نفسه يجري مع العاملين في الشأن الاجتماعي، فمن يفتقد سعة الصدر سيكون عديم التأثير، وأبعد ما يكون عن قيادة الناس، وقد ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «آلة الرياسة سعة الصدر»[1]  ، فهذه الخصلة هي التي تمكن المرء من حسن الإدارة وقيادة زمام المبادرة.

لقد كانت سعة الصدر عند النبي الأكرم هي القدرة الأبرز، والأداة الأهمّ، التي ضمنت له النجاح في تبليغ الرسالة. فقد بُعث في مجتمع جاهلي، يسوده الجهل، وتنتشر فيه العصبيات، وتحكمه الأعراف والتقاليد القاسية الجافة، وكانت مهمته التعامل مع هؤلاء الناس، وتغييرهم وإصلاحهم، وما أصعبها من مهمة!، لكن الرسول الأكرم امتلك الأهلية والقدرة على القيام بهذه المهمة، نتيجة سعة صدره، حيث يقول سبحانه مخاطبًا نبيّه: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، فقد منحه سبحانه تعالى سعة الصدر، حتى شهد له بالنجاح في مهمته بقوله تعالى ممتدحًا نبيّه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ.

الخلق النبوي الرفيع

إنّ من المهم أن نتناول في هذا المقام جملة من النماذج الأخلاقية الرفيعة لتعامل النبي الأكرم، رغبة في الاقتداء والتأسّي، لا مجرّد إظهار الإعجاب والانبهار.

فقد روى بعض أصحاب النبي أنه كان ذات يوم مرتديًا بُردًا غليظ الحاشية، فجاءه أعرابي وجذبه من ردائه بشدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ليس هذا وحسب، بل زاد الأعرابي، الذي كان هو نفسه محلّ الحاجة، بأن خاطب النبي على نحو جافٍّ خشن، قائلًا: يا محمد، احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك، فسكت هنيئة ثم قال: المال مال الله، وأنا عبده، وهل أقاصّك يا أعرابي ما فعلت بي، فأجاب الأعرابي بالرفض، فسأله النبي عن سبب رفضه، فقال الأعرابي: لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة، فضحك النبي ثم أمر أن يحمل له الشعير على بعير، والتمر على بعير آخر[2]  .

وفي حادثة أخرى حضر أعرابي عند النبي طالبًا حاجة، فأعطاه النبي حاجته، ثم خاطبه بالقول، هل أحسنت إليك، فأجاب الأعرابي بمنتهى الجفاء والقسوة قائلًا: لا ولا أجملت، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، ثم قام فدخل منزله، ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت، فأعطاه شيئا، فقال: (أرضيت؟) فقال: لا، ثم أعطاه أيضا، فقال: (أرضيت؟) فقال: نعم، نرضى، فقال: (إنك جئتنا، فسألتنا، فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس المسلمين شئ من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب عن صدورهم ما فيها )[3] ، في إشارة إلى شكره النبيّ على عطائه، ففعل الأعرابي ذلك.

وفي حادثة ثالثة، رُوي عن العلاء الحضرمي أنّه قال للنبي: إنّ لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيئون، وأصلهم فيقطعون، فقال رسول الله: اِدفع بالتي هي أحسن، وقرأ عليه الآية الكريمة: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[سورة فصلت، الآية: 34]، فقال العلاء: إني قلت شعرًا هو أحسن من هذا، في إشارة إلى القرآن الذي قرأه النبي عليه، فدعاه النبي لإلقاء شعره الذي زعم أنه أحسن من القرآن، فأنشده عدة أبيات من الشعر، فأظهر النبي حينها جانبًا كبيرًا من سعة الصدر إزاء هذا الشاعر، مخاطبًا إيّاه بعد أن سمع شعره، قائلًا: «إنّ من الشعر لحكمة وإنّ من البيان لسحرًا، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب الله أحسن»[4]  ، ليقدّم بهذه العبارات الموجزة درسًا بليغًا له وللأجيال من بعده، في حسن الخلق وسعة الصدر، وعلى هذا المنوال تحفل السيرة النبوية بالكثير من القصص المماثلة.

سيرة للاقتداء

ونحن إذ نقرأ هذه القصص والمواقف النبوية العظيمة فإنّ علينا أن نأخذ منها العظة والعبرة في تعاملنا مع الآخرين. على أن نبدأ في ذلك بأنفسنا وتعاملنا داخل العائلة، وأن نتوسّل بسعة الصدر مع الزوجة والأولاد، وألّا نستثار عند أقلّ كلمة أو تصرف؛ لأنّ نتيجة ردّ الفعل على هذا النحو، هي استفحال سوء العلاقة الزوجية والأسرية. والأمر ذاته ينسحب على العاملين في الشأن العام، والعلاقة مع الأصدقاء، وزملاء العمل، والمرؤوسين، وكافة الناس من حولنا، ويجب أن نقتدي جميعًا برسول الله في سعة صدره، فهذا هو ما يريده الله منّا حين قال سبحانه: «ولكم في رسول الله أسوة حسنة».

 

الخطبة الثانية: هل ينتظرنا غدٌ مشرق؟

عن الإمام عليّ: «تفاءل بالخير تنجح»[5]  .

إنّ من المهم جدًّا للمرء أن يخضع ذاته للمراقبة في سبيل الإبقاء على جذوة التفاؤل مشتعلة في نفسه. ذلك لأن الإنسان يستقبل أمور الحياة بمشاعره وأحاسيسه النفسية، أكثر مما يستقبلها بعقله وجوارحه، فإذا كانت نفسه مرتاحة، فإن عقله يعمل بشكل أفضل، في معالجة مشاكل الحياة، كما تكون جوارحه أكثر طاقة وقدرة على مواجهة المشكلات. وعلى النقيض من ذلك إذا كانت نفس الإنسان، تعاني من الكدر والاستياء والانزعاج، فستتأثر تبعًا لذلك قدراته العقلية والبدنية سلبًا، وهذا مما هو معروف بالتجربة والوجدان. من هنا، فإنّ على الإنسان أن يراقب نفسه، لكي يكون دائم التفاؤل، وأن تكون أحاسيسه ومشاعره في طور التفاؤل دائمًا، في استقباله لأمور الحياة.

وتتفاوت درجة التفاؤل والتشاؤم عند الناس، إزاء مختلف شؤون الحياة. فهناك من هو أقرب لحالة التفاؤل، حتى في مواجهته لأشدّ الصعوبات والشدائد، في المقابل تسود فريقًا آخر من الناس حالة التشاؤم والانزعاج، حين يواجه أقلّ مؤشرٍ من مؤشّرات الأذى. وقد ورد في وصايا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في هذا الشأن قوله: «تفأل بالخير تنجح»، ومضمون الوصية أن يلتزم المرء حالة التفاؤل باستمرار، عندما يقبل على أيّ مهمة أو عمل، حتى في ظلّ بروز المشاكل والصعاب، فلا ينبغي أن نسمح بانخفاض حالة التفاؤل والأمل في نفوسنا.

الإيمان نبع الثقة والأمل

إنَّ لتمثل حالة التفاؤل في النفس مناشئ أساسية، يأتي الإيمان والثقة بالله سبحانه وتعالى على رأسها. فكلّما كان الإنسان أكثر ثقة بربه، وكان حسن الظن بالله تعالى، كان أكثر تفاؤلًا، فربنا سبحانه هو الخالق الرحيم اللطيف، فلا يقدّر لنا إلّا الصالح والخير، لذلك ينبغي أن تكون نفوسنا عامرة بهذا الأمل. ولو استعرض كلٌّ منا شريط حياته، لأدرك كم أن الله تعالى وقاه من الشّدائد والصعوبات، وأنعم عليه بتجاوزها، فالأحرى أن نتذكر ذلك باستمرار، فهو سبحانه المنقذ والمعطي دائمًا، دون أن تتضاءل يومًا رحمته ولطفه وعطفه بنا.

الوعي بطبيعة الحياة

ويأتي الوعي بطبيعة الحياة، في المقام الثاني من مناشئ التفاؤل في النفس. فالحياة ملأى بالمشاكل، ولا ينبغي أن يتوقع المرء أن يحقق النجاح من الوهلة الأولى، وأنّ الطريق سيكون أمامه مفروشًا بالورود والرياحين باستمرار، عندما يُقدِم على أمر، أو يواجه مهمة من المهام.

إنّ بروز المشاكل والصعوبات في هذا المنعطف أو ذاك، لا يعني بأيِّ حالٍ أن الطريق مسدود أمامنا، ولا يعني انعدام فرص النجاح. وكثيرًا ما وجدنا ضمن تجارب الأفراد في مختلف الأمم، أنهم يصرفون المحاولة تلو الأخرى حتى يحققوا النجاح، فالكثير من الناجحين في الحياة لم يلمسوا بشائر النجاح في أول الأمر، ولعلّ إطلالة على سيرهم الذاتية تكشف إلى أيِّ مدى عانى وتحمّل هؤلاء من عوائق وصعوبات، لكنهم مع ذلك حققوا النجاح في نهاية المطاف. وإذا ما برزت أمام المرء مشكلة أو شدّة أو مؤشّر سلبي، فلينحِّ التشاؤم جانبًا، ويضع في الاعتبار أنّ ذلك جزء من طبيعة الحياة، ويلتزم في مقابل ذلك التفاؤل، فلعلّ النجاح قاب قوسين منه.

البرمجة النفسية على التفاؤل

أمّا المنشأ الثالث من مناشئ التفاؤل فهو العادة والبرمجة النفسية. فالإنسان يستطيع أن يبرمج ذاته، ويعوّد نفسه حالة التفاؤل، وعلى النقيض من ذلك يستطيع فعل العكس، فقد يُعوّد ذاته على التشاؤم، فالواحد من هؤلاء لا يكاد يلتقط أدنى مؤشّر سلبي حتى يطبق التشاؤم على نفسه، ومثل هذه الحالات مشاهدة ودائمة الوقوع عند الكثيرين للأسف. على المرء أن يبرمج نفسه على التزام حالة التفاؤل دائمًا وطرد التشاؤم من نفسه.

ثقافة التفاؤل

إنّ الدين الإسلامي يشجّع أتباعه على التفاؤل دائمًا، ويحضّ على النأي عن التشاؤم والتطيّر. فالتفاؤل هو توقع الخير، فيما يتلخص معنى التشاؤم في توقع الشرّ والسوء، والدّين يريد من الإنسان توقع الخير دائمًا وأبدًا. فالتفاؤل هو ما يجعل المرء أكثر جدّية وعزمًا وإصرارًا، وأكثر حيوية في الإقبال على العمل وإنجاز المهام، وقد ورد عن النبي الأكرم قوله: «تفاءلوا بالخير تجدوه»[6]  ، وقد كان من أبرز صفاته أنه كان كثير التفاؤل.

لقد درجت شعوب العالم على إنعاش روح الأمل، ورفع منسوب التفاؤل في أوساطها مع بداية عامها الجديد، على النقيض مما يجري في شعوبنا نتيجة تردّي الأوضاع على كلّ المستويات. فأغلب شعوب العام تحتفي ببداية العام الميلادي الجديد، وتسود في أوساطها روح التفاؤل، غير أنّ مجتمعاتنا تفتقد ذلك، نتيجة تردّي الأوضاع والواقع السّلبي الذي تغرق فيه، حيث تسود حالة من التشاؤم، ويزيد من ذلك سوءًا انتشار العرّافين والمنجّمين الذين ينذرون الناس بمزيد من النكبات والشدائد، سيّما في ظلّ وجود من يصدّق هذه التنبؤات، وإذا ما صدقت عند أحد هؤلاء المنجمين نبوءة واحدة، من أصل عشرات النبوءات، فهو يتاجر بها إلى سنوات مقبلة وإلى أقصى المديات.

ينبغي للإنسان المؤمن الواعي ألّا يسمح للتشاؤم بالسيطرة على نفسه. حتى في ظلّ تردّي الأوضاع، ومع انتشار الإرهاب الأعمى، الذي بات ينشر الموت والرعب والدمار في بلاد المسلمين، ومع سيطرة لغة التشاؤم على مختلف وسائل الإعلام، بشكل بات الكثيرون يتساءلون: ما إذا بقي هناك من مجال للتحلّي بالتفاؤل؟ فقد هيمنت حالة من الشك في المستقبل نتيجة ما يجري من حولنا، وطال ذلك مستقبل شعوب المنطقة برمّتها، سيّما مع انفلات الأوضاع الأمنية. إنّ من المؤلم والمرعب حقًّا ما يجري في بلاد المسلمين من تفجيرات واغتيالات وسفك للدماء المحترمة، حتى بات من المعتاد أن يفجّر أحدهم نفسه، ويقتل ويصيب معه عشرات الأبرياء، دونما مبرّرات مقنعة، وقد ناهز عدد ضحايا النزاعات الأهلية في بلاد المسلمين مئات الآلاف من الأبرياء، ناهيك عن ملايين النازحين واللاجئين، الذين باتت تكتظّ بهم مخيّمات اللجوء، نتيجة سوء الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان والصومال.

هل يسمح واقعنا بالتفاؤل؟

من هنا يأتي السؤال بعد كلّ هذا، ما إذا كان من المبرر أن تسود عندنا حالة التشاؤم والتطيّر، وإلقاء التفاؤل جانبًا، والجواب على ذلك، أننا مدعوون دينيًّا وباستمرار لأن نتشبّث بالأمل والتمسّك بحالة التفاؤل، ولعلّ ما يخفف الوطء هنا، أن شعوبًا وأممًا عديدة مرت بمثل هذه التحولات والمخاضات المؤلمة، لكنها تجاوزتها باقتدار.

ينبغي أن نجعل نفوسنا عامرة بالتفاؤل، حتى مع كلّ العنف والقسوة الجارية، وأن نؤمن أن في انتظار أمتنا مستقبلًا مشرقًا إن شاء الله. سيّما في ظل التصميم عند الواعين والخيرين من أبناء الأمة، ناهيك عن حركة التاريخ التي تسير في الاتّجاه ذاته، علاوة على ما يفرضه الواقع العالمي من تعديل لهذه المسارات، سواء طال الزمان أو قصر. إنّ التمسك بالأمل والتفاؤل، ليس في سبيل التراخي والنوم على حرير الأوهام، وإنما التمسّك بالتفاؤل الذي يعطينا طاقة الاستمرار والتطلّع للإصلاح والتغيير، فهذا التفاؤل والأمل هو الذي يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة المشكلات والعمل على تجاوزها وتخطّيها.

خطبة الجمعة 2 ربيع الأول 1435ﻫ الموافق4 يناير 2014م
[1]نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم 176.
[2]عباس القمي. سفينة البحار، الطبعة الأولى1414ﻫ، (دار الأسوة)، ص682.
[3]محمد بن يوسف الصالحي الشامي. سبل الهدى والرشاد، ج7، ص11.
[4]بحار الأنوار، ج ٦٨، ص ٤١٥.
[5]عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص١٩٩.
[6]السيد الطباطبائي. تفسير الميزان، ج ١٩، ص ٧٧.