التعافي من الحقد والضغينة

مكتب الشيخ حسن الصفار
الخطبة الأولى: التعافي من الحقد والضغينة

ورد عن الإمام الحسن العسكري: «أقلُّ النّاس راحةً الحقود»[1]  .

بناء مكارم الأخلاق هدف أساس للشرائع السماوية. لذلك احتلّ هذا الموضوع المساحة الأكبر ضمن النصوص الدينية وجهود القادة الدينيين، ولعلّ مراجعة عابرة لمختلف الكتب الدينية المقدسة، ووصايا الأنبياء والأئمة، تكشف لنا عن مدى التركيز الغالب فيها على الجانب الأخلاقي، ليس هذا وحسب، وإنما عمدت الشرائع السماوية إلى توظيف الجانبين الآخرين فيها، أي العقائد والعبادات، لتعزيز الجانب الأخلاقي.

وإذا كانت مكارم الأخلاق هي أساس الشرائع السماوية فإنّ أساس الأخلاق تزكية النفس. ومعنى تزكية النفس هو النأي بالنفس عن شوائب الانحراف والتوجّهات السلبية، وبناء المشاعر الإيجابية تجاه الناس، وهذا في مجمله هو الأمر الأساس على المستوى الأخلاقي.

ذلك أنه إذا كانت نفس الإنسان عامرة بالمشاعر الإيجابية تجاه الناس، فإنّ ذلك يهيؤها لكي تتعامل معهم تعاملًا حسنًا، أمّا إذا كانت نفس الإنسان تطفح بالمشاعر السلبية، فإنّ ذلك يدفعه بطبيعة الحال للتعامل السيئ مع الآخرين. وبذلك تكون مشاعر الإنسان وأحاسيسه الداخلية تجاه الناس هي الأمر الأساس والمهم، فكلّما كانت المشاعر إيجابية كان المرء أقدر على التعامل الإيجابي معهم، وعلى النقيض من ذلك إذا كانت المشاعر سلبية، فإنّ ذلك يهيئ النفس للسلوك السّلبي تجاههم.

مرض الحقد

إنّ من الأمراض الخطيرة التي تصيب نفس الإنسان مرض الحقد. وقد أشار إلى ذلك الإمام الحسن العسكري حين قال: «أقلُّ الناس راحةً الحقود»، وتنبع خطورة الحقد لما ينعكس من أعراضه المرضية على المرء نفسه أوّلًا، وما ينعكس على علاقته بالآخرين ثانيًا.

وقد تحدثت نصوص دينية كثيرة عن مشكلة الحقد، وفي التعريف اللغوي قال ابن منظور في معنى الحقد إنّه إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها، والحقد هو الضغن، بحيث يحمل المرء الضغينة في نفسه على الآخرين.

إنّ من الدارج في العلاقات الاجتماعية، أن يواجه المرء أحيانًا ما يسوؤه من الآخرين، سواءً الأقربين أو الأبعدين. ومن ثم، يأتي السؤال عن الأسلوب الأمثل للتعامل مع التصرفات المزعجة من طرف أولئك؟

والجواب عن ذلك: إنّ التعامل الأفضل مع التصرفات المزعجة هو الصفح والتجاهل والتجاوز، واعتبار تلك التصرفات وكأنها لم تكن أصلًا، غير أن هذا المستوى من التعامل ربما عُدّ مرتبة أخلاقية عالية لا يرقى لها كلّ أحد. وهناك مرتبة أخرى وهي التي تقتضي التعامل مع الموقف بقدره وفي حينه، فلو أسيء لشخص من الأشخاص في مجلس ما على سبيل المثال، ورأى المعتدَى عليه أن يرد الإساءة، فليكن التعامل مع الموقف في حينه ولتنتهي المسألة فور ذلك. إلا أنّ هناك أشخاصًا لا يكفيهم التعامل مع الموقف في حينه، وإنما تبقى المشكلة ويبقى موقف الإساءة ماثلًا في نفوسهم، بل ويتحول إلى مخزون نفسي من العداوة والكراهية، وهذا تحديًدا ما يُعبّر عنه بالحقد. ولعلّ خطورة هذا المرض تكمن في تحوّل الاستياء من أيِّ شخص إلى كراهية تجاهه، ثم تتحول تلك الكراهية شيئًا فشيئًا إلى عداوة، وقد يعقب العداوة التحول إلى سلوك انتقامي. من هنا، فالحقد هو الإبقاء على المشاعر السلبية تجاه الآخرين.

وفي هذا السياق يقول الإمام الصادق: «حقد المؤمن مقامه ثم يفارق أخاه فلا يجد عليه شيئًا»[2]  . ومقتضى رواية الإمام أنْ إذا سمع المرء ما يزعجه، فإنه ربما تأذى نتيجة ذلك، ولربما اندفع نحو الردّ على مصدر الإساءة، لينتهي الموقف ضمن هذا الحدّ وإلى غير رجعة. غير أنّ ما يجري لدى بعض الناس أنّ الأمر لا يكاد ينتهي عندهم مدى الحياة، فلو تعرّض إليه أحد في موقف ما، فلربما احتفظ بذلك إلى ما شاء الله، ولربما تحوّل الأمر إلى ثأر شخصي متجدّد بين الحين والآخر، ومن عجب أن يحتفظ المرء بسجل خاص في نفسه يحفظ فيه مختلف المؤاخذات على المحيطين به، لا يزول على مدى الأعوام. والأعجب من ذلك أن هناك من يُدرّبون أنفسهم بالممارسة على حفظ المواقف المسيئة للآخرين، فهم بذلك ينشئون في أنفسهم جبالًا من الأحقاد على الآخرين.

تخزين المشاعر السلبية

إنّ الإبقاء على الأحقاد والمشاعر السلبية إزاء الآخرين مسألة مؤذية للنفس بالدرجة الأولى. ذلك أنّ نفس الإنسان مجبولة على الارتياح عندما تنعكس في داخلها المشاعر والصور الإيجابية والذكريات الجميلة، وعلى النقيض من ذلك تشعر بالانزعاج عند استعادة المواقف المؤذية، من هنا يصبح الإبقاء على المشاعر السلبية تجاه الآخرين، هو بحدّ ذاته مبعث أذى وانزعاج للإنسان. وكلّما استطاع المرء أن يمحو المشاعر السلبية من نفسه، فسيكون ذلك مبعث راحة له، ويكون أقدر على التعامل الإيجابي مع الآخرين.

وقد حذّرت العديد من النصوص الدينية من الوقوع في براثن الحقد. فقد ورد عن أمير المؤمنين قوله: «سبب الفتن الحقد» [3] ، فالإنسان الحاقد على الآخرين، يُبرّر لنفسه مختلف الارتكابات بحقهم، ولا يرى بأسًا في سوق الكلام السيئ عليهم، واستغابتهم، وازدراؤهم، واتخاذ مختلف المواقف السلبية تجاههم، وبذلك يتحول هذا الحقد إلى دافع للفتن والمشاكل. كما ورد عنه أنه قال: «طيّبوا قلوبكم من الحقد فإنه داء موبئ»[4]  ، وجاء في رواية أخرى عنه: «من اطّرح الحقد استراح قلبه ولبّه»[5]  ، وقال: «الحقود معذّب النفس متضاعف الهمّ» [6] ، أي إنّ هموم الحقود عادة ما تكون في ازدياد مستمر.

إنّ على المرء أن يتجنب استحضار الأقوال والمواقف المسيئة التي يمرّ بها سواء مع المحيطين به أو البعيدين عنه. فمن غير المناسب استحضار الزلات والأخطاء التي ربما وقع فيها أو ارتكبها أحد الزوجين بحقّ الآخر، وكذلك الشأن مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، فالواجب أن يتجاوز المرء جميع ذلك، ولا يستحضره بين الفينة والأخرى، وبعبارة أخرى، ينبغي لنا أن نتجنّب الاحتفاظ بأرشيف لأخطاء الآخرين في نفوسنا!، لأنّ تداعيات هذا الأمر ستكون مؤذية لنا بالدرجة الأولى.

للتخلص من الأحقاد

وبإطلالة على النصوص الدينية نجدها تورد جملة من الوصايا للتخلص من مرض الحقد. ومن أولها، التزام المكاشفة والمصارحة، فلا ضير من الاستفسار ومعاتبة من يرتكب الخطأ، فلربما كان لديه مبرّر ما، دفعه للتصرف على النحو الذي جرى، ولعله بذلك يسحب كلامه ويتراجع عن خطئه، لينتهي الموقف وتطوى بذلك المشكلة، وقد ورد في هذا الشأن عن الإمام الهادي قوله: «العتاب خير من الحقد»[7]  ، فالانفتاح ومعاتبة الطرف المخطئ أفضل بكثير من حمل الأحقاد عليه.

أمّا الوصية الثانية فهي التقارب واتخاذ المبادرات الإيجابية من الطرف الآخر، لغرض امتصاص الاحتقان، وتبريد نقاط التوتر، فقد ورد عن النبي الأكرم قوله: «تصافحوا يذهب الغلّ، وتهادوا تحابّوا وتذهب الشحناء»[8]  ، وذلك على النقيض مما يقوم به بعض الناس حيث يعمدون للابتعاد عمّن يختلفون معهم، ولا يبدون رغبة في مقابلتهم، بل يتجنبون مصافحتهم، حتى لو جمعهم بهم مجلس واحد، ولا معنى لجميع ذلك إلّا الرغبة والإصرار على عداوة الآخرين، والاحتفاظ بسخونة الخلاف معهم، وهذا خطأ كبير.

أما ثالث الوصايا للتخلص من مرض الحقد، فهي الامتناع عن الاستماع إلى النميمة، ورفض التقولات المنسوبة للآخرين، ذلك لأنّ الكثير من الأحقاد تنشأ نتيجة النميمة، كأن يأتي من يقول لك إنّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، من هنا ينبغي للمرء ألّا يُصغِي للنقولات، ولا يستجيب لتأثيراتها على نفسه، وضمن هذا السياق نفهم التحريم الشرعي للنميمة، وكما نقل عن الإمام الشافعي أنه قال: «من نَمَّ لك نَمَّ عليك»[9]  .

إنّ من الخطأ الاعتقاد بأنّ من يأتون بالنميمة هم أناس محبّون ومدافعون. بل العكس غالبًا هو الصحيح، فمن يعمد لجلب طعون الآخرين فيك، إنما يزيدك همًّا وغمًّا، فهو أشبه ما يكون بمن يأتيك بالقمامة والأوساخ عند بيتك، والنميمة والكلام السيء لا يقلّ نتانة عن القمامة، فلا ينبغي بأيِّ حالٍ أن نرتاح لها.

وقد ورد عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله أنه قال لأصحابه: «لا يُبْلِغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ»[10]  ، وفي هذا النهج النبوي درس كبير لنا جميعًا.

تبادل الأحقاد بين الجماعات

من هنا، نحن أحوج ما نكون للتربية على المحبّة ونبذ الكراهية. ومن المؤسف جدًّا أن تتحول الكراهية من نطاق الأفراد إلى نطاق الجماعات، حيث تعمد كلّ جماعة على تربية أبنائها وأتباعها على الحقد على الجماعات الأخرى، فينشأ الصغير وتنشأ معه الانطباعات السلبية عن الآخرين، فيحقد عليهم وهو بعد لم يتعاطَ معهم يومًا، ولم يصله سوء منهم أبدًا، اللّهم إلّا النشأة ضمن بيئة درجت على زرع الأحقاد والضغائن في نفسه ضدّ الأطراف الأخرى، لاعتبارات الاختلاف المذهبي، أو الاتّجاه السياسي، أو لأيِّ قضية خلافية أخرى. ومن اللافت أنّ هذه الأضغان سرعان ما تتبخر عندما تتاح الفرصة للقاء المباشر والعيش المشترك مع المختلفين، بعد أن كان يحكمها الحذر والريبة، كما تفيد بذلك تجارب كثير من الناس. إنَّ زراعة الأحقاد والضغائن في النفوس هي أسوأ ما يمكن أن تمر به المجتمعات، لذلك ينبغي أن نربّي أبناءنا على محبّة الآخرين، ومن الخطأ الفادح التعلّل بسلوك الآخرين في زرع الأحقاد والرد عليهم بالمثل، فلا ينبغي الانسياق خلف هذا المسلك، فالدين والمبادئ والأخلاق توجّهنا إلى المسلك الآخر، القائم على محبة الآخرين، وحسن الظن بهم، والرغبة في التقارب معهم.

 

الخطبة الثانية: الاحتراب والقتل العبثي في بلاد المسلمين

قَالَ النَّبِيُّ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ وَلا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ»[11]  .

تحفل المصادر الإسلامية بكثير من الأحاديث النبوية التي يحذّر فيها النبي أمته من وقوع الفتن. وليس الغرض من هذه الأحاديث استعراض القدرة حول العلم بالغيب، كما يتوهّم بعض الناس، وإنما الهدف تحذير الأمة، حتى تكون يقظة ومتهيأة على مرّ الأجيال؛ لئلّا تقع في أتون الفتن. ولعلّ أعظم التحذيرات النبوية للأمة، ذلك المتعلق بالنأي عن الوقوع في الاقتتال العبثي، بحيث لا يعود القاتل نفسه يدري عن سبب إقدامه على قتل الآخرين، كما لا يدري المقتول عن علّة تعرضه للقتل، فهو ليس طرفًا في أيّ نزاع يجعله عرضة للاستهداف والقتل!، كما ورد عنه: «والذي نفسي بيده ليأتينّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أيِّ شيء قتل، ولا يدري المقتول على أيِّ شيء قتل».

لقد مرّت الأمم بصراعات واحترابات، كانت فيها جبهات الصراع معروفة مشخّصة غالبًا. بحيث تعرف الأطراف المتحاربة مواقعها ضمن هذا الصراع لكونها طرفًا فيه، كما يدرك الجميع حدود المساحة والجبهة التي تمتد عليها المعارك، وبذلك لا شأن لبقية الناس العزّل خارج ساحات المعارك. وعمدت الأمم الراقية في العصر الحديث إلى نقل وإدارة صراعاتها إلى الساحة السياسية، بعيدًا عن ساحات القتال، وذلك من خلال نشأة الأحزاب السياسية، التي تخوض المنافسات الانتخابية للوصول للسلطة، في ظلّ ضمان التداول السلمي للسلطة، وضمان حقّ المعارضة السلمية، وبذلك بات الصراع يدار من خلال الوسائل الحضارية. في مقابل ذلك لا تزال المجتمعات المتخلّفة تدير صراعاتها بنفس الأسلوب القديم باستخدام العنف والاقتتال، والأسوأ من ذلك، هو انعدام الجبهات الواضحة للصراع، حتى لم يعد هناك من ساحات حرب يمكن أن يكون لها معادلاتها وتقاليدها، وإنما أصبح المدنيون الأبرياء وقودًا وأهدافًا للقتل من قبل مختلف الأطراف المتحاربة.

استهداف المدنيين

ولعلّ أسوأ حالات الاستهداف للمدنيين العزّل هو ذلك القتل الأعمى الذي يأخذ طريقه باسم الدين. حتى بات الناس يفقدون أمنهم واستقرارهم، ويدفعون حياتهم ثمنًا لشعارات ورايات إسلامية باتت ترفع هنا وهناك، وهو الأمر الماثل في وقتنا الراهن. حتى بلغ الحال أنك تجد المسلحين أنفسهم المفترض بهم التدين، يتذابحون فيما بينهم، ويفتك بعضهم ببعض فتكًا، كما هو الحال في سوريا مثلًا، فهناك جهات حملت راية القتال ومضت في إقناع الناس أنها بإزاء إسقاط النظام الحاكم، ولكنها ما لبثت أن انشقت على نفسها، وصارت تتقاتل فيما بينها وفي داخلها، كما حصل تمامًا في افغانستان في وقت سابق، والشيء ذاته لا يزال يجري في العراق والصومال، حيث القتل العبثي الذي لا حدود ولا نهاية له.

بين إنجازات الحضارة وإحصاءات الضحايا

لقد درجت الأمم المتقدمة على إحصاء إنجازاتها الحضارية مع نهاية كلّ عام، بينما باتت أمتنا الإسلامية تحصي عدد ضحاياها. فقد أصحب من الدّارج أن تستعرض الأمم سنويًّا إنجازاتها العلمية ومكاسبها على كلّ صعيد، في مقابل ذلك انتكس الحال بأمتنا حتى لم يكن لديها من إنجاز إلّا أن تحصي ضحايا الاقتتال العبثي بين أبنائها، وليس هناك أكثر إيلامًا من هذا الحال. حتى أشارت آخر إحصائيات الصراع في سوريا، إلى سقوط أكثر من 130 ألف ضحية، ناهيك عن ملايين اللاجئين والنازحين، والعراق ليس أحسن حالًا، فقد سقط في العام الماضي وحده أكثر من تسعة آلاف قتيل، فضلًا عن آلاف الجرحى، نتيجة حوادث التفجير والقتل العبثي، وهكذا الأمر في الصومال وأفغانستان وباكستان وليبيا ومصر واليمن.

وقد بلغ العبث والاستهتار بالأرواح حدًّا كبيرًا تكشفت بعض جوانبه في جرائم المجموعات المسلّحة في المنطقة. فقد نقلت صحيفة الحياة (الخميس، ٠٩ كانون الثاني ٢٠١٤ م)  [12] ، مشاهدات لمعتقل سابق جرى تحريره من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، حيث ينقل بأنّ عناصر داعش أحضروا للسجناء ذات يوم رأسًا مقطوعًا، لرجل في أواخر الثلاثينيات من العمر، وطلبوا من كلّ سجين أن يقدر وزن ذلك الرأس المقطوع!، وأمروا السجناء أن يرفع كلّ منهم الرأس من الأذنين بعد أن تعذر حمله نتيجة غرقه في الدماء، وبعد أن قدّر كل سجين وزن الرأس، أطلق عناصر داعش الضحكات وهم يصححون مقدار وزن الرأس، ثم خاطب أحد العناصر ذلك السجين بالقول، أنّ غدًا سوف يأتي شخص آخر ليزن رأسك. وتواصل الصحيفة نقل مشاهدات المعتقل بالقول، إن عناصر داعش أخذوهم ذات مرة في جولة سياحية كما يطلقون عليها، إلى مسلخ للأجساد البشرية، فساروا بهم معصّبي الأعين إلى أطراف البلدة، حيث رأوا الأجساد المعلقة بلا رؤوس، والأخرى المقطعة إربًا، وقد خاطب أحد السّيافين أرمنيًا كان ضمن السجناء بالقول، إنّ رقبتك لا تزال طرية، فلن تعذّبني حين أهمّ بحزّ رأسك. فهل ثمة عبث واستهتار أكثر من هذا المستوى.

لذلك ينبغي للعقلاء والواعين في هذه الأمة، حكّامًا وقيادات وعلماء وشعوبًا، أن يتداركوا الأمر قبل أن يدهم الجميع. فلا يظنّن أحدٌ أنه في مأمن من الخطر، ولقد رأينا كيف اندلعت الفتنة في أفغانستان أولًا، فسكتنا عنها، بل أوغلّ كلّ فريق في دعم جماعة من الجماعات المتحاربة هناك، لتنتقل الشرارة بعدها إلى باكستان، ومن ثم إلى الصومال، ولتمتد إلى العراق وسوريا ولبنان، وهكذا أصبحت تتدحرج كرة النار من بلدٍ إلى بلد، فهل لا يزال هناك من يظنّ أنه في مأمن من الخطر!.

لقد أصبحت جميع ساحات الأمة مكشوفة أمام هذا الواقع المأساوي، إلى أن يتدارك الأمر وتكون هناك عودة إلى الذات، ووقفة جادة يقوم بها جميع العقلاء، رفضًا لهذا الواقع السيئ. فلن يفيدنا الوقوف إلى جانب هذا الطرف ضد طرف آخر، طمعًا في مكاسب تكتيكية وموضعية، فذلك ما سيرتدّ على أوطاننا وشعوبنا.

خطبتي الجمعة 9 ربيع الأول 1435ﻫ الموافق11 يناير 2014م
  [1] بحار الأنوار، ج٧٥ ص٣٧٣، حديث 17.
  [2]   بحار الأنوار، ج٧٢ ص٢١١، حديث 7.
  [3] غرر الحكم ودرر الكلم، ص 225، حكمة (21).
  [4] المصدر نفسه، ص 249، حكمة (43).
  [5] المصدر نفسه، ص330، حكمة (241).
  [6] المصدر نفسه، ص29، حكمة (656).
  [7] بحار الأنوار، ج٧٥ ص٣٦٩، حديث 4.
  [8] كتاب الموطأ، الإمام مالك، ج٢ ص٩٠٨، حديث 16.
  [9] سير أعلام النبلاء، ج10، ص99.
  [10] سنن أبي داوود، ج5، ص 299، حديث 4860 (4827).
  [11] صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث 2908.
  [12] http://www.alhayat.com/Details/591227