مجلة "المصباح" تنشر بحثاً للشيخ الصفار عن مبادئ التعايش السلمي في القرآن

 

نشرت مجلة "المصباح" المتخصصة في الدراسات والابحاث القرآنية في عددها التاسع والعشرون – السنة الثامنة – ربيع 2017م – 1438هـ، بحثا لسماحة الشيخ حسن الصفار بعنوان: "مبادئ التعايش السلمي للفرد والمجتمع.. رؤية قرآنية" صفحة 113-123.

بدأ سماحة الشيخ الصفار بحثه بالحديث عن المعاناة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذا العصر، واصفا إيها بأنها أزمة حادّة في العلاقة مع الآخر المختلف دينيًا.

وقد ارجع اسباب هذه الازمة إلى "ترعرع تيار في وسط الأمة يتبنى الصدام مع الآخر، ويمارس أشد ألوان العنف والإرهاب تجاهه، من الخطف والقتل والسبي، وتدمير المنشآت، واستهداف التجمعات المدنية بالتفجير والقتل والإرعاب، وكل ذلك يتم باسم الإسلام، وتحت رايات ترفع شعاره".مجلة المصباح عدد 29

داعيا للرجوع إلى القرآن الكريم، وهو المصدر الأساس للعقيدة والتشريع الإسلامي، لمعرفة الرؤية الدينية، والمنهج التشريعي للتعامل مع الآخر الديني.

ولكي تعود الأمة إلى واقعها المطلوب قرآنيا اقترح سماحته اربعة أمور كخارطة طريق لذلك، وهي:

1/ الشراكة الإنسانية: بأن يستحضر المؤمن أن الآخر مهما كان دينه ومذهبه وعقيدته فهو شريك له في هذه الحياة، ولا بدّ من التعامل معه على هذا الأساس، مستشهدا بقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فالخطاب في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً موجه إلى البشر مؤمنهم وكافرهم، بدليل سياق الآية مع التي قبلها والتي تخاطب الكافرين.

2/ الاعتراف والإقرار بوجود الآخر: فكما أنك موجود فكذلك الآخر موجود، حيث لا يستطيع أحد إلغاء أحد، وكما لا يرضيك أن يتنكَّر الآخر لوجودك، فإنه لا يقبل أن تنكر وجوده. وهنا يجب أن نفرق بين مشروعية الوجود، وحقانية الوجود، فكل صاحب دين أو مذهب يرى الحقانية في عقيدته، وأن المعتقدات الأخرى باطلة.

ويروّض القرآن الكريم نفوس المؤمنين ليتعايشوا مع واقع التنوع الديني فهو قدر البشرية إلى يوم القيامة، فلا يتوهمن أحد إمكانية الفصل والحسم بين الديانات في هذه الحياة الدنيا، إذ أنها مهمة مؤجلة إلى يوم القيامة. وتتم بين يدي الله سبحانه تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

3/حرية الرأي والمعتقد: غالبًا ما يندفع الإنسان للتبشير برأيه وعقيدته بدافع وجداني، لأنه يؤمن بصحة رأيه، ويرغب أن يشاركه الآخرون الإيمان به، ويكسب المزيد من الثقة والاطمئنان برأيه حين تتسع رقعه المقتنعين به.

وهنا يؤكد القرآن الكريم على احترام حرية الرأي والمعتقد، ويرفض أي محاولة لإكراه الآخرين على تبني معتقد أو قبول رأي. يقول تعالى ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [سورة البقرة: 256] ويقول تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [سورة يونس: 99].

4/سيادة العدل وحفظ الحقوق: إن التمايز الديني والمذهبي لا يعطي لأحد الحق في الاستعلاء على الآخر، ومصادرة شيء من حقوقه الإنسانية، أو النيل من كرامته. فاعتقادك بأحقية دينك وبطلان دين الآخر، لا يمنحك مبررًا للتسلط عليه أو امتهان كرامته، ذلك أن الإنسان بما هو إنسان وقبل أي عنوان آخر ديني أو عرقي أو طبقي، له قيمته وكرامته التي يجب أن تحفظ وتحترم في هذه الحياة، أما في الآخرة فحسابه عند ربه. يقول تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾

وفي الختام يوضح أن ما ذكر عبارة عن مبادئ أساسية يقررها القرآن الكريم لتوطيد السلم العالمي، ولتحقيق التعايش بين بني البشر، لكن المؤسف تجاهل هذه المبادئ في أوساط أبناء الأمة الإسلامية، بل سيادة توجهات على النقيض منها تحت عنوان الجهاد، أو الولاء والبراء، أو مواجهة أهل البدع.

يشار إلى أن مجلة "المصباح" فصلية محكمة تعنى بالدراسات والابحاث القرآنية تصدر عن العتبة الحسينية المقدسة في كربلاء – العراق.