سماحة الشيخ الصفار يؤكد أن مبدأ الوحدة الإسلامية أصل له أولوية

أعده: هاني الشبيب

أكدّ سماحة الشيخ حسن الصفار في المحاضرة التي ألقاها في مجلسه مساء يوم الأربعاء 25 ربيع الأول الموافق 4 مايو 2005م، بحضور جمعٍ غفيرٍ أن مبدأ الوحدة الإسلامية أصل له موقع الأولوية على سائر القضايا الأخرى الموجودة في الإسلام.

حيث افتتح سماحة الشيخ محاضرته بالآية الكريمة : ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) سورة الأنبياء، وقال: " أن الآية الكريمة نص صريح واضح يقرر وحدة هذه الأمة، وهي من الآيات المحكمات التي لا تحتمل أي معناً آخر غير المعنى الظاهر الواضح لكلمة الوحدة.

و الآية الكريمة تشمل الأمة بكل تنوعاتها وطوائفها وتقسيماتها، ولا يمكن القول بأنه يقصد قسماً دون آخر أو طائفة دون غيرها فقط، من هنا يمكن القول أن وحدة الأمة أصل من أصول الإسلام ومبدأ أساسيٌ لا يمكن التنازل عنه بأي شكل من الأشكال.

وأشار سماحته أن أئمة أهل البيت كانوا يقدمون هذا الأصل، كما أنهم يعطونه أولوية على سائر القضايا والأمور، فرغم اعتقادنا بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأنها أمرٌ إلهي، كما نص على ذلك رسول الله ، ولكن أئمة أهل البيت ، حينما رأوا أن ممارسة هذه الولاية وتحققها الخارجي الفعلي، يمكن أن يؤدي إلى انقسام داخلي، فإنهم قد غضوا الطرف عن ممارسة ولايتهم وإمامتهم، كما هو واضح من خلال تصريح أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت ، بل وأن سيرتهم تحكي ذلك.

ولو لم يكن الحفاظ على مصلحة الأمة ووحدتها لها أولوية عند أهل البيت لما كان هناك تفسيرٌ مقنع لسكوت أهل البيت عن ممارسة حقهم في القيادة والإمامة.

فهم ليسوا ضعفاء ولا جبناء، ولكنّ التفسير المقنع ما صرحوا به وهو الشيء المعقول، أن تمسكهم بحماية المصلحة العامة للأمة وتمسكهم بمبدأ الوحدة الإسلامية هو الذي جعلهم يغضون الطرف، ويصبرون ويبدون التنازل الظاهري عن حقهم في ممارسة مقام القيادة والولاية ".

وانطلاقاً من هذا المبدأ .. أكَّد سماحة الشيخ أن الوحدة الإسلامية أصل له موقع الأولوية على سائر القضايا الأخرى الموجودة في الإسلام، كما أن تلامذة مدرسة أهل البيت والعلماء والفقهاء السائرين على خط أهل البيت اتخذوا نفس النهج والمنحى.

والقارئ لسيرة علمائنا ومراجعنا ، يرى أنهم يؤكدون على هذا المبدأ، رغم وجود كثيرٍ من الاستفزازات عبر التاريخ، ورغم وجود كثيرٍ من الاعتداءات على أتباع أهل البيت ، وهذه الاعتداءات ولو الاستفزازات لو تركت وتأثيرها الطبيعي لكان يمكن أن تؤدي إلى انقسام عميق وحرب أهلية طول تاريخ الأمة، ولكن العلماء والفقهاء والمراجع رفضوا السير في هذا الطريق.

وذكر سماحة الشيخ في حديثه جملة من الشواهد في التاريخ الماضي والتاريخ الحاضر

- في التاريخ الماضي:

موقف العلماء والفقهاء تجاه العدوان البريطاني على العراق، حيث كان العثمانيون يحكمون العراق، وكانوا يتعاملون مع شيعة آل البيت تعاملاً ظالماً مع وجود المراقد المقدسة للأئمة في العراق ومع وجود الحوزات العلمية والمراجع، فحينما جاء البريطانيون وكأنهم يريدون إنقاذ الشيعة من هذا الضغط العثماني، ولكن علماء الشيعة وفقهائهم رفضوا هذا الطرح وأصروا على البقاء في ظل الخلافة الإسلامية وقاوموا الاحتلال البريطاني.

- في الوضع الحاضر:

موقف المرجعية الشيعية الإسلامية مما يحدث في العراق حالياً ، من أروع وأعمق المواقف الوحدوية التي تجسد هذا المبدأ، فالجميع الآن يدرك أن المرجعية الدينية هي التي تقف حائلاً دون الانجراف وراء الحرب الطائفية المدمرة .

انطلاقاً من هذه المقدمة .. تحدث سماحة الشيخ عن مؤتمر الوحدة الإسلامية الثامن عشر في طهران وعن مشاركته فيها، حيث طرح بداية نبذة تاريخية عن مؤتمر الوحدة وعن تركيبته وهدفه من تجديد البحث والطرح لمبدأ الوحدة وقيمتها، وسبل ووسائل تفعيل هذا المبدأ، والوقوف أمام محاولات تمزيق الأمة وتفرقتها.

ثم أكد سماحته أن انعقاد المؤتمر في هذا العام كانت له أهمية خاصة تتمثل في الأخطار التي تطل على المنطقة والتي تنذر بانقسام طائفي أو بحروب أهلية يخطط لها الحاقدون.

ثم قال: إن الواعين من الطرفين السنة والشيعة يدركون خطورة هذه المؤامرة ويدركون البذور السيئة التي تلقى في أوساط الأمة من أجل أن تنشب هذه الفتنة لا سمح الله.

واستطرد سماحة الشيخ أن هناك جهلاء وبسطاء مغفلين من كلا الطرفين يستجيبون لانفعالاتهم، والنتيجة أن الجميع يجد نفسه في فتنة لا يستطيع الخروج من مأزقها.

كما حذر سماحته من أي تحضيرات تجري في الوسطين الشيعي والسني:

- في أوساط السنة: وجود الاتجاهات المتطرفة التي تعلن موقفها التكفيري لبقية المسلمين وتبيح دماءهم وتمارس هذا الإرهاب في العراق وفي باكستان وفي مناطق مختلفة.

- وفي الوسط الشيعي: هناك تحضيرات تحصل بوعيٍ أو بدون وعي، وكما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «إن الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت. يُنكرن مقبلات، ويُعرفن مدبرات».

فالفتنة في بدايتها تشتبه على البعض، ولا يدركها، وقد يشارك فيها بحسن نية، أو بدوافع نبيلة في داخل نفسه، وقد تكون المنطلقات صحيحة، ولكن يكون قد اشترك في الفتنة.

في أوساط الشيعة أيضاً هناك بعض الطروحات إذا قرأت في مقابل ما يجري في الطرف الآخر يرى الإنسان أنها مكملة للحلقة الأخرى.

ولذلك كان هناك إصرار – في المؤتمر الذي انعقد في طهران - عند النخبة الواعية المفكرة في العالم الإسلامي على ضرورة التنادي وعلى ضرورة طرح الموضوع ومناقشته، حيث استمر المؤتمر لمدة ثلاثة أيام ، بطرح أوراقٍ جادة للحيلولة دون وقوع مثل هذه الأمور.

ثم استعرض سماحة الشيخ الصفار جانباً من الشخصيات المشاركة في المؤتمر والذي شمل العديد من الدول ومن مختلف المذاهب الإسلامية.

هذا وقد أشار إلى اللقاء الذي انعقد مع قائد الجمهورية الإسلامية السيد الخامنئي إضافة إلى كلمة الشيخ رفسنجاني في افتتاح المؤتمر.

ثم انتقل في حديث إلى أجواء المؤتمر حيث عبر عنها بأنها:

تشدد على ضرورة الوحدة.

تندد بالتصرفات السلبية.

تقترح وضع حد للممارسات السلبية.


ثم تحدث الشيخ بعد ذلك عن لقائه بالمراجع والعلماء الكرام في الحوزة العلمية ، مبيناً أن المرجعية الدينية تشكل السند والشرعية للعمل الديني والعمل العام، وهذه نقطة قوة. كما ينبغي وجود آليات للتواصل بين المرجعية الدينية وبين الفعاليات العاملة في الساحة سواءً كانت أحزاب أو مؤسساتٍ أو أفراد.

وحتى تكون المرجعية على اطلاع قريب لما يجري في الساحة ليكون التقويم وتشخيص الحالة أكثر دقة وصحة.

فالعاملون في الساحة قد يستغرقون في جو الاهتمامات العملية، وتواصلهم مع الحوزات العلمية يفتح لهم آفاق ويسندهم بما يحتاجون إليه من بحوث وأفكار وفتاوى، وليست هناك آلية محددة لهذا الأمر ولكنها متروكة للمبادرات.

وبعد المحاضرة .. بدأت المشاركات والتساؤلات تترى من الحضور الذي بدا متفاعلاً مع ما طرحه سماحة الشيخ.