سماحة الشيخ الصفار يؤكد أهمية مفهوم التودد في منظومة المفاهيم الاجتماعية للإسلام

مكتب الشيخ حسن الصفار
أعدّه: أ. تركي العجيان

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار على أهمية مفهوم التودد في منظومة المفاهيم الاجتماعية للإسلام، مشبعاً حديثه بالنصوص الدينية التي تُعطي للتودد أهميةً كُبرى في الإسلام، وأشار إلى سبل التودد إلى الناس، مؤكداً أنه يكون من خلال عاملين أساسيين: المحبة القلبية والتوجه الذاتي لحب الناس، والإحسان وحسن التعامل مع الآخرين. وأضاف سماحته: بالتودد تكون الأجواء الاجتماعية أصفى وأنقى، وأقرب إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها سماحة الشيخ الصفار في مجلسه مساء الخميس 4 ربيع الآخر 1426هـ (12 مايو 2005م).

وهذه مقتطفات من هذه الكلمة:

هناك بعض المفاهيم الأخلاقية، التي ركّزت عليها النصوص الشرعية، وهي تُشكّل مفتاحاً هاماً لاستقرار العلاقات في المجتمع. ذلك أن نمط العلاقات في أي مجتمعٍ من المجتمعات يتأثر بالمفاهيم السائدة في ذلك المجتمع. فمثلاً المجتمع الذي تسود فيه المفاهيم الطبقية التي تُقسّم الناس إلى طبقات حسب ثرائهم وحسب مستواهم الاقتصادي، هذا المفهوم إذا ساد وانتشر في المجتمع فإنه يخلق نوعية معينة من العلاقات بين أبناء وشرائح المجتمع. وهكذا يبدو أثر المفاهيم والأفكار في نوعية العلاقات السائدة في محيط أي مجتمع من المجتمعات.

الإسلام له منظومة مفاهيمية اجتماعية من خلال هذه المنظومة يرى الإنسان بوضوح الأسس التي وضعها الإسلام لإرساء علاقاتٍ اجتماعية إيجابية بين أبناء المجتمع البشري، هذه العلاقات تجعل الناس اقرب إلى بعضهم البعض، وأقدر على التعاون، وبالتالي أقدر على الإنتاج، كما وتجعلهم أسعد في روابطهم الاجتماعية.

من تلك المفاهيم: ما تُطلق عليه النصوص الدينية عنوان التودد. والتودد مأخوذٌ من مادة (وَدَدَ)، ويُقصد بها الحب والمحبة، بمعنى أن الإنسان يَوَد، ويُوَد، يُحِب، ويُحَب.

هذا المفهوم (التودد) يكاد أن يكون غائباً، أو ليس مطروحاً بالمستوى الذي تتحدث عنه النصوص.

إن الله سبحانه يصف نفسه بأنه ودود، يقول تعالى: ﴿إن ربي رحيمٌ ودود، وكقوله تعالى: ﴿وهو الغفور الودود. وقال المفسرون: إن هذه الصفة بالنسبة لله تعالى تحتمل الأمرين، ودود بمعنى يُحب الناس، وتعني أيضاً المحبوب من قبلهم.

أما النصوص فإذا تأملها الإنسان يستغرب من أهمية هذا الخلق في المنظومة المفاهيمية الاجتماعية في الإسلام. عن رسول الله أنه قال: «رأس العقل بعد الإيمان التودد إلى الناس»، وفي نص آخر: «رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل التحبب إلى الناس». وفي حديث آخر عنه أنه قال: «التودد نصف العقل».

العلماء يُقسّمون العقل إلى: عقل عملي وعقل نظري، وهذه الأحاديث بالطبع تُشير إلى العقل العملي، بمعنى أن 50% من تجليات عقل الإنسان العملي يتمحور في تودده إلى الناس.

وفي حديث آخر عن رسول الله أنه قال: «التودد نصف الدين».

فهناك نصوص تتحدث عن التودد باعتبار موقعيته في حكم العقل، وهناك نصوص تتحدث عن التودد وعن موقعيته في الدين.

كيف يكون التودد نصف الدين؟ إن الدين في بعده السلوكي والمعاملاتي، يُمثل نصف تجلي الحالة الدينية عند الإنسان. والسلوك الديني عند الإنسان يتمظهر ويتجلى من خلال التودد إلى الناس.

وقد ورد عن الإمام علي قوله: «تحتاج القرابة إلى مودة، ولا تحتاج المودة إلى قرابة»، وعنه أنه قال: «رب أخ لم تلده أمك»، ويقول : «أنفع الكنوز محبة القلوب».

وهكذا نجد النصوص الشرعية تؤكد على هذا المفهوم الخلقي من المنظومة الإسلامية: التودد.

والتودد حالة تفاعلية، ويعني أن يتعامل الإنسان مع الناس معاملةً تجلب بها ودهم.

كيف يتودد الإنسان إلى الناس؟


قد يحصل التودد بشكل عفوي، وفي حالاتٍ أخرى يكون التودد نتيجة تخطيط وسعي، وهذا ما تؤكد عليه النصوص الدينية بأن يكون للإنسان سعيٌ وتخطيط واهتمام لكي يُحبه الناس ويُحبَّ الناس.

ويكون ذلك من خلال عاملين أساسيين:

الأول: المحبة القلبية، والتوجه الذاتي عنده لحب الناس.

لأن من لديه توجه لحب الناس، يخلق أرضية لمحبة الناس له، وأما من يُثقل قلبه بالأحقاد والأضغان، فمن الصعوبة بمكان أن يكسب محبة الناس. فالقلوب تتعاطى مع بعضها بلغتها الخاصة.

الثاني- الإحسان وحسن التعامل مع الآخرين.

فإذا أراد الإنسان أن يُحبه الآخرون، فعليه أن يُحسن التعامل معهم وأن يتعاطى معهم بطريقةٍ مناسبة، حتى يجلب محبتهم ومودتهم. والغريب أن هناك قسماً من الناس لا يهتم بهذا الجانب، فترى البعض يتصرف على سجيته ورغبته دون أن يكون لرضا الآخرين أو غضبهم مكانةً في قلبه، وهذا خطأ. لأن النصوص الآداب والتعاليم الدينية تُربي الإنسان على أن يُراعي مشاعر الآخرين وأحاسيسهم، بل هي في بعض الأحيان مقدمة حتى على بعض العبادات المستحبة.

لو أن هذا المفهوم ينتشر في أوساط الناس، ويكون كل واحدٍ حريصاً على أن يُحبَّ الآخرين، وعلى أن يكتسب إليه محبةَ الآخرين لكانت أجواء المجتمع أفضل وأصفى وأنقى وأقرب إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.

نسأله الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يُحبهم، ويُحبونه، وممن يجعل لهم في قلوب الآخرين المحبة والمودة، إنه ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ آله الطاهرين.