نص حوار قناة الشيخ بدر العبري على (youtube)
نص الحوار الذي اجراه مع الشيخ حسن الصفار الشيخ بدر بن سالم العبري من سلطنة عمان وبثه عبر قناته على (youtube) وهي قناة شخصية تهتم بالفكر والتنوير، بتاريخ 27 ربيع الثاني 1439هـ الموافق 15 يناير 2018م.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
أيها الأخوة المشاهدون في قناتي اليوتيوب والفيسبوك وتويتر ووسائل التواصل الاجتماعي , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نواصل معكم حلقات حوارات ومع الحلقة الحادية عشرة ، ويسرنا أن يكون ضيفنا في هذا اليوم السعيد والمبارك الشيخ العلامة حسن بن موسى الصفار ، وسماحته من مواليد ١٩٥٨ ، وهو غني عن التعريف وشخصية معروفة في الخليج العربي خصوصا وفي العالم الإسلامي عموما
وسماحته من القطيف بالمملكة العربية السعودية. وبدأ حياته فيها ثم بعد ذلك تعلم في النجف الاشرف ، وبعدها في الكويت وقم وكذلك في طهران. له حوالي ثمانين مؤلفًا وأربعة آلاف مادة صوتية مسجلة ، بجانب عشرات المقالات والمشاركات، وله حضور كذلك في يوتيوب عبر قناة التسامح، وله موقع نشط ما شاء الله تعالى.
أهلا بك سماحة الشيخ في بلدك الثاني عمان
(الشيخ حسن): بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات المشاهدون والمشاهدات جميعا ورحمة الله وبركاته , أشكر الأخ الكريم فضيلة الشيخ بدر العبري على هذه الاستضافة وهذه الحفاوة ، وأن منحني هذه الفرصة للتخاطب معكم أيها المشاهدون والمشاهدات الأعزاء والعزيزات , وأسأل الله تعالى أن يكون في حديثنا ما يكون سببا لرضاه ولنيل أجره وثوابه وما فيه منفعة ومصلحة للمسلمين وللبشرية جمعاء.
(الشيخ بدر): أهلا بكم سماحة الشيخ وحياك ، طبعا سماحة الشيخ أنت كنت في السبعينات أتيت إلى عمان في تلك الفترة ، كم عمرك تقريبا؟
(الشيخ حسن): كان عمري في ذلك الوقت حوالي سبعة عشرة سنة ، دعيت للخطابة لإلقاء محاضرات دينية ، وبقيت أتردد على مسقط من سنة ١٩٧٤ إلى ١٩٧٨، وكنت أقيم الجماعة والجمعة في مسقط وألقي المحاضرات في مطرح. والحمدلله بالتعاون مع مجموعة من الشباب الواعين من أهالي مطرح، تم تأسيس مكتبة باسم مكتبة الرسول الأعظم على سطح مسجد الرسول الأعظم على كورنيش مطرح. وتم إصدار نشرة شهرية بعنوان "الوعي" , ننشر فيها مقالات الشباب الناشئين الذين أسّسنا دورات لتعليمهم على الكتابة والاهتمام الثقافي والحمدلله تربى منهم مجموعة من المثقفين الذين استمروا في أفق الثقافة والفكر والكتابة. ولا زلت أحتفظ بذكريات وانطباعات طيبة جميلة جدا عن هذا البلد الطيب، وعن أهله الطيبين المتسامحين الأصيلين في أخلاقهم وفي التزامهم القيمي والديني ، بل أعتبر أن تجربتي في العمل الاجتماعي نشأت وتأسست في هذه البلاد الطيبة "سلطنة عمان" وفي مسقط ومطرح بالذات.
(الشيخ بدر): ممكن تحدثنا عن أهم المعالم آنذاك؟ , مقارنة بالآن!
(الشيخ حسن): طبعا تغيرت الآن البلد الحمدلله الحكومة في عمان جهودها في التنمية وفي التطوير العمراني مستمرة ، وحينما أقارن بين الصورة التي أراها الآن في السلطنة وبين تلك السنوات في السبعينيات وبداية السبعينات , بداية حكم السلطان قابوس حفظه الله، في ذلك الوقت للتو قد بدأت مسيرة التنمية والآن قطعت شوطا وتقدمت خطوات ونأمل أن شاء الله أن يتطور البلد أكثر ، الشعب العماني يستحق أكثر بكفاءاته وبجهود أبنائه ، وله مستقبل مشرق و زاهر على صعيد التنمية والتقدم ان شاء الله.
(الشيخ بدر): في تلك الفترة انتشرت فكرة الشيوعية والاشتراكية ، هل وجدت الشباب كانوا متأثرين بهذا الفكر آنذاك ، في الوسط الشيعي ، في عمان؟!
(الشيخ حسن): حينما جئت، كانت تلك المرحلة مرحلة انتصار البلد على هذه الأفكار والتوجهات، وعلى أعمال العنف التي كانت في المنطقة الجنوبية ، كان البلد قد تجاوز هذه التوجهات ولم أجد .. خاصة في وسط الشباب الذين عشت معهم ورأيتهم ، لم تكن هذه الأفكار موجودة في صفوفهم ، نعم لم يكن هناك اهتمام ديني في أوساط الشباب ، ولم يكن هناك وعي ديني ، كان الاهتمام الديني آنذاك غالبا في صفوف الكبار في السن. الشباب بعضهم كانوا يحضرون المناسبات الدينية تبعا لآبائهم وعوائلهم ، لكن كانت تسود حالة اللااهتمام بالأمور الدينية والإقبال على اللعب والأشياء الأخرى.
حينما كنت آتي ، وكان خطباء آخرون وعلماء آخرون يأتون في تلك المرحلة للسلطنة ، تكونت أجواء جديدة ، وبدأت مجموعة من الشباب تهتم أكثر بأمورها الدينية
وهذا مساوق للصحوة الدينية التي حصلت في مختلف المجتمعات الإسلامية آنذاك.
(الشيخ بدر): هل كان لك اتصال بشخصيات من الإباضية أو من السّنّة في تلك الفترة؟
(الشيخ حسن): نعم ، الأجواء التسامحية التي تسود السلطنة، والتي تسود المجتمع العماني، شجعتني أن أتواصل مع مختلف الشخصيات.
وأتذكر على هذا الصعيد زيارتي للمفتي السابق للسلطنة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري رحمة الله عليه ، وفوجئت بتواضعه مع أني كنت صغيرًا في السن وكان هو كبيرًا وفي مقام المفتي، وله شخصيته العلمية ، استقبلني بحفاوة وبتشجيع، وأعجبتني جدا أخلاقه الطيبة، كما رأيت إحاطته في المجال العلمي والفقهية لآراء المذاهب المختلفة ، وأيضا كانت لي علاقة من ذلك الوقت مع مفتي السلطنة الحالي سماحة الشيخ أحمد الخليلي حفظه الله، واستمرت العلاقة معه من لقاءات في المؤتمرات التي كانت تنعقد في الخارج، وكان يشارك فيها، وأنا كنت أشارك فيها ، ولازلت أكن له الكثير من الاحترام لفضله ولعلمه وللفكر التسامحي الذي يطرحه .
أيضا تعرفت آنذاك على فضيلة الشيخ سالم بن حمود السيابي ، وكان قاضيًا في المحكمة في مطرح ، وجلست معه في أكثر من لقاء، ودعاني إلى منطقته في عمان الداخل، وذهبنا إلى هناك، وكنا في ضيافته مع مجموعة من الأخوة الشباب، وأعجبني تواضعه وخلقه وعلمه وأدبه لأنه كان أديبا. وتعرفت على ولده الشيخ هلال والذي كان في السلك الدبلوماسي فيما بعد ، حينما تعرفت عليه كان في إدارة المطبوعات. وبعد ذلك أصبح في السلك الدبلوماسي، وزرته قبل سنوات حينما كان سفيرا في دمشق. يبدو الآن أنه تقاعد عن العمل الرسمي لكنه شخصية ودودة وثقافته واسعة ، أسأل الله تعالى له طول العمر والتوفيق.
وفي تلك الفترة ، انفتحت أيضا على الصحافة العمانية ، وكنت أنشر مقالات فيها، نشرت بضع مقالات في جريدة عمان، ومجلة "العقيدة" ، وكنت أنشر في "الأضواء" وفي مجلة "الأسرة" , كنت أنشر بعض المقالات وأتواصل مع العلماء والشخصيات، ورجال الأعمال، وفي الواقع كانت سنوات ثرية استفدت منها جدا في تكويني الثقافي والأخلاقي.
(الشيخ بدر): هل يوجد هناك تشابه بين المجتمع العماني والمجتمع الأحسائي ؟
(الشيخ حسن): طبعا ، كل مجتمعاتنا الخليجية متقاربة في طيبها وبساطتها، وفي التزامها الديني ، ومحافظتها الأخلاقية ، لعل التفاوت يكون بدرجات معينة ، لكن مجتمعاتنا والحمدلله متشابهة على هذا الصعيد.
محافظة الأحساء ومحافظة القطيف كلاهما من محافظات المنطقة الشرقية ، والعاصمة الإدارية "الدمام" ، في الأحساء والقطيف ، بسبب وجود التنوع المذهبي والتنوع الفكري ، وبسبب انفتاحهم على المنطقة خليجيا ، على البحرين ، والكويت ، وأيضا بسبب وجود شركة أرامكو.
والتي حينما نشأت وبدأت تعمل في المنطقة الشرقية، كان أكثر المدراء والعاملين فيها من الأجانب ، هذا العدد من الأجانب لما عاشوا في المنطقة واختلطوا بأهل المنطقة ، هذا عزّز -بالإضافة للتنوع الموجود- ثقافة التسامح ، وقبول الآخر ، فكان الناس في المنطقة يعيشون مع الأمريكان الذين كانوا في شركة أرامكو ، ومع الأوروبيين. وأيضا كان المدرسون في فترة من الفترات ، في مدارس التعليم في منطقتنا اكثرهم من مصر والأردن وسوريا ، كل هذا أوجد أجواء منفتحة واصبح الناس عندهم حالة كبيرة من التسامح.
وهذا التسامح الذي رأيته في المجتمع العماني كان صورة قريبة ، وكان الوضع الرسمي هنا في عمان يشجع هذه الحالة، لعل هذا من المائز لسلطنة عمان على الدول الأخرى ، أن الحكومة رسميا كانت تشجع هذه الحالة، ولا تسمح بوجود تمييز أو فوارق بين مواطنيها على أساس انتماءاتهم المذهبية، هذا عزز حالة الطيب والتسامح الموجودة في نفوس الناس.
(الشيخ بدر): ندخل في موضوع مهم ، وهو قضية التفريق بين المدرسة الأصولية والمدرسة الإخبارية عند الشيعة الإمامية ، أيضا بعضهم ينفي ان هناك ما يسمى بالمدرسة الجعفرية ، يقول لا يوجد هناك مذهب جعفري ، وإنما هناك مذهب إمامي، ثم المدرسة الأصولية هل لها علاقة بما هو موجود عند الآخرين بأصول الفقه ، أم هذا مصطلح مستقل عندكم ؟
(الشيخ حسن): بالنسبة إلى عنوان المدرسة ، هل هي الشيعية أو الإمامية أو الاثناعشرية أو الجعفرية.
المدرسة الشيعية تشمل عدة مذاهب ، فالتشيع إذا كان يعني الولاء لأهل البيت ع والاعتقاد بأفضليتهم واتباع منهجهم الفقهي والفكري ، فيشارك الاثناعشرية الزيدية ، ويشاركهم الإسماعيلية أيضا ، فالمدرسة الشيعية عنوان أعمّ.
أما المدرسة الجعفرية فهي للفرز بين هذه المدرسة وبين المدارس الأخرى وهم الزيدية والإسماعيلية.
أنا شخصيا لا أعتقد أن هناك مشاحة في التسميات والاصطلاحات ، الأمامية ، الاثناعشرية ، الجعفرية ، كما هو الحال في عدد من المذاهب ، لها تسميات مختلفة بسبب تفاوت الأدوار التي مر بها المذهب ، أو البيئات التي انتشر فيها، فليست هناك فوارق أساسية ضمن هذه التسميات، إذا اعتبرنا التشيع عنوانا عاما ، والجعفرية مكون ضمن مكونات التوجه الشيعي العام.
الأصولية الآن في هذا العصر ، أصبح مصطلحًا يقصد به التوجه لإحياء الدين ولإقامة الشريعة نسبة إلى الأصول والجذور الدينية ، لكنه يختلف عن المصطلح الداخلي الموجود عند الشيعة "الأصولية والأخبارية" هي نتيجة اختلاف في منهج الاستنباط الفقهي.
"الأخبارية" يرون أن الفقه والمسائل الشرعية تستنبط من الكتاب والسنة ، السنة المتمثلة في الأحاديث والأخبار الواردة.
ولأن "الأخبارية" لديهم رأي ، أن القرآن نأخذ تفسيره من أئمة أهل البيت ع ، ولديهم نقاش حول العمل بظاهر القرآن ، وإنما يأخذون بما ورد عن أهل البيت ع من أخبار ، ويعوّلون عليها بالدرجة الأساسية لذلك أطلق عليهم "أخبارية" نسبة إلى الأخبار والروايات. فهم للاستنباط عندهم مصدران فقط، الكتاب والسنة ، وبالدرجة الأولى يعولون على السنة ، أي على الأخبار حتى فيما يتعلق بفهم الكتاب .
(الشيخ بدر): هل يعتبرون جميع الأخبار الواردة في المصادر الأربعة صحيحة؟
(الشيخ حسن): فقط أبيّن المصطلح الثاني وهو "الأصولية". "الأصوليون" ، يرون العمل بظاهر القرآن ، ويرون إلى جانب القرآن والسنة ، الإجماع والعقل ، فعندهم أربعة مصادر للاستنباط ، الكتاب والسنة والإجماع والعقل ، لأنه يحتاج إلى ضوابط في عملية الاستنباط ضمن المنهج العقلي ولذلك وضعوا ما يطلق عليه "أصول الفقه" ، فَنُسِبوا إلى "الأصولية" بناء على اهتمامهم بأصول الفقه.
فهناك يهتمون بالأخبار ، وهنا يهتمون بالقواعد الأصولية التي تنظم عملية الاستنباط من المصادر الأربعة.
الشيعة عندهم أربعة مصادر في الحديث يعتبرونها مصادر أساسية ، هي كتاب "الكافي" للكليني، وكتاب "التهذيب" للطوسي، وكتاب "الاستبصار" للطوسي، وكتاب "من لا يحضره الفقيه" للصدوق القمي، هذه المصادر الأربعة.
"الإخباريون" يرون أن الأحاديث الواردة في هذه الكتب الأربعة، قطعية الصدور ، وبعضهم يرى، أن هناك اطمئنانًا بصدورها ، حتى لو لم تصل إلى درجة القطعية.
أما "الأصوليون" فلا يشاركونهم الرأي ، وإنما يرون أن الأحاديث التي فيها يجب أن تُدرس سندا ومتْنًا ، وما انطبقت عليه شروط الصحة نأخذ به ، وما لم تنطبق عليه شروط الصحة لا نأخذ به.
مثلا كتاب "الكافي" ، مجمل الأحاديث فيه 16199 حديثا ، "الإخباريون"، كل هذه الأحاديث يرونها في دائرة الاستدلال والحجية. اما الأصوليون يرون الصحيح منها يتراوح من ثلاثة إلى خمسة آلاف حديث من ١٦ ألف. مثلا العلامة المجلسي في كتابه "مرآة العقول" ، وهو شرح للكافي ، صحح منها فقط حوالي 5072 حديثا يعني حوالي الثلث أو أقل.
وهكذا في بقية الكتب ، طبعا هذا التصحيح ليس ملزما للجميع ، فهناك من صَحَّحَ المصحح ، وقلّلَ من خمسة آلاف إلى ثلاثة آلاف ، وهكذا. فهذا الفرق بين المدرستين.
(الشيخ بدر): تطرقت أيضا إلى قضية الولاية والبراءة ، ومفهومها السيء المذهبي الذي أثّر في واقع الأمة غاليا ، وما يتعلق أيضا بإحياء الماضي و محاولة ربطه بالولاية والبراءة.
(الشيخ حسن): أعتقد أن موضوع "الولاء والبراء" تضخّم كثيرًا ، عند بعض الشيعة وبعض السنة ، والآن أصبحت من الأفكار المركزية عند المتطرفين والمتشددين من أهل السنة مسألة "الولاء والبراء".
ما أراه من خلال ما فهمته من الآيات والنصوص ، أنه في داخل المسلمين ، ليس هناك شيء اسمه "تبرّي" ، التبرّي مع خارج المسلمين عندما يكونون في موقع العداوة. أما داخل المسلمين ، فان القرآن الكريم يقول بكل صراحة ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ ، والمؤمنون يقصد كل المسلمين ، لأن هذا التفريق في المصطلح بين المسلم والمؤمن ، مصطلح متأخر ومذهبي ، أما في الإطلاق القرآني حينما يقول ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ يقصد كل المسلمين.
وحينما يقول القرآن ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ ، يعني أنه داخل المسلمين لا مجال للتبري ، وحينما نقول لا مجال للتبري ، يعني التبري من المسلم كهوية لكن التبري من بعض سلوكياته ، إذا كان منحرفًا نتبرأ من سلوكياته.
عندنا حديث عن أحد أئمة أهل البيت وهو الإمام الكاظم ، يسأله أحد أصحابه "فلان عنده انحرافات وموبقات، هل نحبه أو نبغضه؟. فَقالَ : "تَبَرَّؤوا مِن فِعلِهِ ولا تَتَبَرَّؤوا مِنهُ ، أحِبّوهُ وأَبغِضوا عَمَلَهُ".
(الشيخ بدر): يعني تبقى الذات الإنسانية باقية!.
(الشيخ حسن): الإنسانية والاخوة الدينية تبقى موجودة. نعم ، البراءة من أعداء الدين الذين يكونون في موقع العداوة. وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم ، يقول تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم﴾ ، ولا يجتمع التبري مع البِرّ والقسط ، وقد استعمل مصطلح "البر" الذي استعمله مع الوالدين ، بر الوالدين ، نعم نحن نفارقهم فكريا وعقديا وسلوكيا فيما يرتبط بالسلوكيات المخالفة لديننا اما بالقيم الإنسانية العامة فهي مشتركة بين أبناء البشر ، وإن كانوا من ديانات أخرى.
(الشيخ بدر): طيب ، والعلاقة مع غير المسلمين؟
(الشيخ حسن): العلاقة مع غير المسلم ، هي علاقة سلم ومسالمة وتعاون في أمور الحياة.
(الشيخ بدر): يَسَعُها مصطلح "الولاء"؟
(الشيخ حسن): مصطلح "الولاء" بمعناه الإنساني ممكن ، ولكن بمعناه الشرعي بمعنى التعاطف الروحي والتمازج الروحي والدفاع عنه فكرًا وعقيدة ، بهذا المعنى خاص بالمسلمين.
(الشيخ بدر): تطرقتَ في كتاب التسامح وثقافة الاختلاف إلى فكرة مرتبطة بهذا الموضوع هل كل مخالف في النار؟ وهل كل مخالف جاحد؟
(الشيخ حسن): نحن نعيش في مجتمع بشري كبير ، أبناء المجتمع البشري يؤمنون بمختلف الديانات. نحن نؤمن بالإسلام ونعتقد أنه الدين الحق ، غيرنا أتباع الديانات الأخرى يمكننا أن نصنفهم إلى صنفين: قسم اطّلعوا على الاسلام ، واتضحت لهم أحقّية الإسلام فأصروا على العِناد والتَزموا بأديانٍ انكشَفَ لهم بطلانها ، هذا كافر جاحد معاند ، وهذا كما يبدو يكون في النار ، لأنه اتّضح له الحق وخالفه.
القسم الثاني من أتباع الديانات الأخرى لم تصله رسالة الإسلام ، لم يطّلِع على هذا الدين، أو اطّلع على الدين بصورةٍ لم تقنعه، بصورة غير واضحة ، وفي زماننا وصَلَته صورة مشوهة عن الدين ، فهو غير مسلم لكن ليس من منطلق العناد والجحود ولكن من واقع الجهل بالإسلام. هذا لم تصله الرسالة ولم تثبت عليه الحجة ، الله تعالى لا يعذبه في النار ، لأن الله تعالى يقول ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ ، ويقول تعالى ﴿لله الحجة البالغة﴾ ، ويقول تعالى﴿رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾. إذًا الذي لم تبلغه الحجة ، لسنا متأكدين أن يكون من أهل النار ، بهذه النظرة أعتقد أن الصنف الأول وهو الكافر الجاحد المعاند ، الذي اطّلع على الإسلام وتبيّنت له أحقيته ، ولكنه أصرّ على العناد ، هؤلاء قلة ، أما أكثرية أتباع الديانات الأخرى فهم من القسم الثاني ، الذين لم يتضح لهم الدين ولم تبلغهم رسالته ولم تثبت عليهم الحجة ، وبالتالي لا أرى أن من عدل الله ومن سعة رحمة الله أن يدخلهم إلى النار .
(الشيخ بدر): بعضهم يربط هذا كَـ حسن فرحان وغيره بقضية التكفير ، يقول "لا يُطلَق الكفر إلا على الجاحد" ، هل توافق هذه النظرة؟
(الشيخ حسن): يعني ، الكفر ، في المصطلح الديني المتداول ، مَن لم يؤمن بأساسيات الدين ، الإيمان بالله والإيمان بالنبوة والإيمان بالمعاد ، مَن لم يؤمن بهذه الأسس الثلاثة ، هذا يكون عنوانه أنه "كافر".
لكن قد يكون ، معذورًا أو غير معذور ، فالكافر يطلق على كل من لم يؤمن بهذه الأصول الثلاثة ، هناك بعض العلماء ناقش ، أن أتباع الديانات الأخرى مثل اليهود والنصارى يؤمنون بالله من حيث المجمل ، وإن كان في تفاصيل الإيمان هناك اختلاف ، ويؤمنون بالنبوة العامة ولهم نبي يؤمنون به ، هل هذا يطلق عليه "كافر"؟ ، أو لا يطلق عليه "كافر"؟ ، هذا فيه نقاش.
ولذلك بعض العلماء يفرّقون بين "الكتابي" ، يعني من له ديانة سماوية ، وبين غير الكتابي ، فيقولون "إن الكافر يطلق على غير الكتابي ، من لا يؤمن بديانة سماوية" ، بينما مَن يؤمن بديانة سماوية ، يمكننا أن لانطلق عليه انه كافر.. نقول "غير مسلم" ولا نقول أنه "كافر" ، إذا كان من أتباع الديانات السماوية.
(الشيخ بدر): بعضهم يفرق بين الكفر اللغوي والكفر بالمصطلح الشرعي ، فقال : هذا يَسَعُهم الكفر اللغوي ...
(الشيخ حسن): باعتبار أن الكفر في اللغة هو السِّتر والتغطية ، يعني يغطي الحقيقة ، ومنه أخذ أن الزارع يطلق عليه كافر باعتبار أنه يستر البذور في بطن الأرض ، كما يقول تعالى: ﴿كمثل غيث اعجب الكفار نباته﴾ أي الزرّاع.
(الشيخ بدر): يُفهم من كلامك هذا انه.. لا علاقة بين الكفر والنار ؟
(الشيخ حسن): نعم ، لا علاقة بين هذين الأمرين ، إذا كان الكافر معذورًا ، يعني لم تبلغه الحجة ولم تتضح له , فإن رحمة الله تعالى قد تَسَعُهُ .
وفي رأيي ، نحن لسنا مقيدين كثيرًا بالمصطلحات ، لو وجدنا أن هناك مصطلحا في القرآن وفي السنة ، لكن أصبحت الظروف غير مناسبة لاستخدام هذا المصطلح ، لا مشكلة في أن يكون هناك مصطلح آخر.
مثلا ، نحن الآن حينما نعبر عن شخص تُوُفّي بأنه "هلك" ، هذا مصطلح سيء عندنا ، فلا نقول "شيخ فلان هلك"، بينما القرآن الكريم يستخدم هذه الكلمة في نبي الله يوسف ع ﴿حتى إذا هلك﴾، فإذًا قد يكون , هناك مصطلح في وقت من الأوقات متداول ، في وقت آخر تكون هناك ظلال سيئة لهذا المصطلح ، نحن لسنا مجبرين على استخدام مصطلحٍ له ظلال سيئة ، يمكننا أن يكون عندنا مصطلح جديد.
(الشيخ بدر): أنت أشرت في تغريدة جميلة، "أن العقلاء يبحثون عن المشترك ، بينما الجهلاء والحمقى يبحثون عن مناطق الاختلاف"
(الشيخ حسن): صحيح ، يعني ان العاقل هو الذي يشخّص ما ينفع وما يفيد ، وفي علاقة الإنسان مع أبناء جنسه ، لابد وأن يكون هناك ما ينفع ويفيد، لأن مصالح الحياة متداخلة ومشتركة ، فالعاقل يبحث عما ينفع في حياته وحياة أبناء جنسه الذين يعيشون معه ، لكن الجاهل والأحمق لا يفكر في المصلحة ، أساسا عقله مصاب بنوع من الجمود ، ولهذا نجد أن القرآن الكريم حينما يتحدث عن بعض الأمم يقول ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون﴾ ، ماذا يعني لا يعقلون! ، أي "لو استخدموا عقولهم لاتّحدوا فيما بينهم ، لَتَواصلوا ، لكن لأنهم لم يستخدموا عقولهم ، لذلك هم شتى".
انعكاسُ استخدامِ العقل على الإنسان يظهر في علاقته مع محيطه البشري والاجتماعي ، فإذا كان عاقلًا فإنه يبحث عن المشتركات في محيطه الإنساني، وإذا لم يكن يستخدم عقله فإنه يبحث عما يعكّر صفوَ علاقته مع أبناء جنسه.
حتما هناك ما يختلف فيه الإنسان حتى مع إخوانه في البيت الواحد , ولهذا نجد أن هناك أحاديث تتكلم عن التودد , وان "التودد للناس نصف العقل" , التودد باعتباره مظهرًا من مظاهر التعايش والتآلف بين أبناء البشر , ومن لم يكن لديه تودد فهذا يكون جمد نصف عقله.
(الشيخ بدر): أشرت أيضا في موقعك إلى عبارة جميلة "ضيقي الأفق يمارسون الإرهاب الفكري على الباحثين وكأنهم وحدهم الأوصياء على الدين والمذهب"
(الشيخ حسن): نعم , خاصة في هذا العصر , أدوات البحث ووسائل الدراسة للتراث وللأفكار , بدأت تتوفر بين أيدي الناس , في الماضي كانت الأمية هي السائدة , القادرون على القراءة والكتابة كانوا قلة , أما الآن فأصبحت الأكثرية متعلمة تقرأ وتكتب , وسائل وصول المعارف والمعلومات أصبحت متداولة بين أيدي الناس. سابقا الإنسان كان يتلقى معارفه وعلومه من إمام المسجد ومن خطيب المنبر ومن المعلم في الكُتّاب فقط , الآن بإمكانه أن يتواصل مع أرقى العقول في العالم ومع كل العلماء والمفكرين والمثقفين , فأصبحت فرص البحث والدراسة في الأمور الدينية والحياتية متاحة امام الناس , وهناك مَن يجتهدون في البحث , لا يكتفون بما وصلت إليه أفكارهم , والبحث قد يوصل الإنسان إلى شيء جديد , بعض ضيقي الأفق يتشبثون بالموروث عندهم , بما ألفوه , فإذا جاءتهم فكرة لم يألفوها , ولم يسبق أن طرقت أسماعهم , قالوا ﴿ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين﴾ , يكتفون بما ورثوه عن آبائهم ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة وان آثارهم مهتدون﴾, هذا ضيق أفق , الدين يربي الإنسان على أن يكون واسع الأفق , وأن يطلع على مختلف الأقوال , يقول تعالى ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه﴾ , والملاحظ أنه استخدم "يستمع" يعني يتقصُّد الاستماع, ولا "يسمع" بشكل عفوي , يستمعون القول فيتبعون أحسنه , يعودون إلى عقولهم , يمحّصون الأفكار , ويتبعون ما رأوه أصوب وأقرب إلى الحق, فالإنسان المسلم ينبغي أن يكون أفقه واسعا.
الأحاديث النبوية تؤكد هذا المنحى, النبي يقول فيما روي عنه "الحكمة ضالة المؤمن , أنى وجدها فهو أولى بها".
(الشيخ بدر): يعني نفتح للجيل أن يبحث وأن يبدع وأن ينقد من الباب الواسع , ولا نستخدم أداة تكفير وإقصاء؟
(الشيخ حسن): علينا أن نقوم بواجبنا أيضا في أن نوفر لهذا الجيل فرص التعرف على حقيقة دينه , إذا تعرَّف على حقيقة دينه واطّلع , لا نخشى عليه , المشكلة أننا نقصر في توضيح الدين لأبنائنا , فإذا اطّلع أبناؤنا على الأفكار الأخرى وهم لم يَتَمَلّوا من الدين , لم يتعرفوا على الدين , تصيبهم بعض الشبهات , البعض يقول هذا بسبب الانفتاح , لماذا تجعلونهم يقرؤون! , كلا , هذا بسبب تقصيرنا في توفير المعرفة الدينية لهم..
الإنسان حينما يعيش في هذه الحياة مُعرّض لمختلف الجراثيم والميكروبات والأمراض , نحن لا نستطيع أن نضع الإنسان في إطار زجاجي حتى لا يتعرض للميكروبات , وإنما يُحصّن عند ولادته واثناء طفولته بتطعيمات , في المجال الديني إذا كنا نخشى على أبنائنا ونخاف على دينهم , الحل ليس أن نغلقهم وأن نمنعهم من الاطلاع على الأفكار الأخرى , الحل أن نكون مقنعين لهم في طرحنا لأفكار الدين، ثم فليطّلعوا على الأفكار الأخرى
(الشيخ بدر): جميل , ما شاء الله , سماحة الشيخ آية في المعرفة والإبداع
(الشيخ حسن): حسن ظن منكم
(الشيخ بدر): نفتح المجال للأخوة إذا أحد عنده تعقيب أو سؤال
كمال اللواتي (ناشط اجتماعي): شيخنا , ما رايكم بحديث "الفرقة الناجية" ؟
(الشيخ حسن): حديث "الفرقة الناجية" هناك إشكالات كبيرة في سنده , وقد ورد بعدة أسناد ولكن لا يوجد سند واحد من الأسناد التي ورد بها هذا الحديث يكون سندا صحيحا معتمدا , وإذا تجاوزنا مسألة السند , فإن هناك إشكالا في المتن , الحديث إذا قرأناه كله , وأن الفرق كلها هالكة , أو كلها في النار إلا فرقة واحدة , هذا خلاف ثقافة الدين في إشاعة الثقة بين أبناء الأمة الاسلامية ببعضهم بعضا , وخلاف ما نقرؤه من سعة رحمة الله سبحانه وتعالى , إذا اعتقدنا بهذا الحديث , أن كل غير المسلمين لا يدخلون الجنة , وضمن المسلمين لا يدخل من المسلمين إلا فرقة واحدة , فما الحاجة إلى جنة كعرض السماوات والأرض , لا نحتاج إلى جنة بهذه السعة , ولا نحتاج إلى حديث عن رحمة الله بهذه السعة , حتى ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ جعل الرحمة هي العنوان الملاصق لاسم الذات في البسملة التي تفتتح بها كل سور القرآن, والآيات الكريمة الكثيرة عن سعة رحمة الله لا تتناسب مع مفاد هذا المتن أو هذا الحديث , ورأينا كيف أن هذا الحديث كان سببا في توتر وتشنج العلاقات بين أبناء الأمة الاسلامية , كيف تريدني أن تكون علاقتي مع أخي المسلم من المذهب الآخر علاقة طيبة وأنا أرى انه من أهل النار؟, إذا اعتقدت أنه لا يدخل الجنة إلا فرقة واحدة من المسلمين , وبالطبع سأقول "أنا وفرقتي" , كل واحد يقول "أنا وفرقتي" , وبقية الفرق سيدخلون النار , فكيف سأنظر إلى أخي أنه أخ لي والأحاديث والنصوص حول الحق المسلم على أخيه المسلم "لا يسلمه , لا يظلمه , لا ... " , وأنا أعتقد أنه من أهل النار. هذا المتن مضطرب , وطبعا هناك نقاش حول متن الحديث أيضا , حيث ورد بعدة صيغ, ومن خلال دراستي لهذا الحديث في مصادره المختلفة , لا أعتقد أنه حديث صحيح , لا من حيث السند , ولا من حيث المتن.
خميس العدوي (باحث وكاتب): سماحة الشيخ , من خلال طرحكم في كتاب "الثابت والمتغير في الأحكام الشرعية" , عن وضع الأحكام وتغير الأحكام , طبعا موضوع تغير الأحكام موضوع قديم جدا , ربما نقول من زمن الصحابة هذا التغير في الأحكام , لكن اليوم ولعلكم أشرتم إلى الموضوع هذا بالذات عن تلك الأحكام الواردة في القرآن الكريم , لأن ربما الباحث في الروايات , يقول بعدم صحتها أو بضعفها أو بخصوصية موردها أو عارض عَرَضَ عليها فنقلها بالمعنى , ولكن ما يواجه الشباب الآن , هو موضوع الأحكام الواردة في القرآن وتغير الزمان ومدى تأثير تغير الزمان عليها ؟!
(الشيخ حسن): أحسنت , فيما يرتبط بالأحكام الشرعية , الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين, هناك أحكام ترتبط بالعبادات , وهذه الأحكام المرتبطة بالعبادات لا مشكلة عندنا فيها , أحكام الصلاة , الصوم , كونها ثابتة وكونها غير متغيرة إلا في وسائل التنفيذ قد تفرض ظروف بعض التغييرات التطبيقية فيها. لكن القسم الثاني من الأحكام هي الأحكام المرتبطة بشؤون الحياة , في بعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي , هذه الأحكام مادامت مرتبطة بأمور الحياة , ونحن نعتقد أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد , وأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع حكما إلا لمصلحة الناس , ليست هناك مصلحة إلهية في أي حكم , لأن الله غني عن العالمين , فهي لمصلحة الناس , الزمن يتغير والحياة تتغير , وهذا قد يعني تغيرًا في نوعية المصلحة التي تتحقق من خلال تطبيق الحكم. وشخصيا لست في موقع الجزم حاليا , لكني في موقع الدعوة لإعادة النظر في كثير من الأحكام الشرعية التي وردت في النصوص فيما يرتبط بأمور الحياة , علينا أن نرى هل هذا النص مطلق أو مقيد بزمن , ثم إذا اختلف الزمن وأصبحنا في وضع آخر , هل نحن ملزمون بتطبيق ذلك النص أم لا.
من الناحية العملية , سيرة المسلمين وسيرة المتشرعة في هذه العصور , وحتى في العصور السابقة , يعتبرون أنفسهم معذورين حينما يفرض عليهم واقع آخر , ومثاله "قضية الرق"، الإسلام لم يمنعه , ولم يحرمه , والقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تتحدث عما ملكت أيمانكم , وتتحدث عن عتق الرقبة ﴿فك رقبة﴾ , ولكن لما أصبح المسلمون يعيشون واقعا جديدا , وهناك تشريع أممي ودولي بمنع "الرّق" , فإن المسلمين قد التزموا بهذا الأمر , في البداية كان البعض يناقش , ولكنهم الآن كل المسلمين أصبحوا خاضعين لهذا الأمر , وهذا يعني أن بعض الأحكام حتى المنصوص عليها , في القرآن الكريم ، قد تقتضي المصلحة تجميدها أو تطويرها, حسبها ما يقرره الفقهاء , والمتصدون للإفتاء , ولست هنا في مقام الإفتاء.
نجد مثلا , قضية "قطع يد السارق" هناك نص واضح في القرآن الكريم ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ , طيب؟ , في بلاد المسلمين وحتى في البلدان التي تلتزم فيها الحكومة بتطبيق الشريعة الإسلامية كما نرى مثلا في المملكة العربية السعودية و في الجمهورية الإسلامية الايرانية , حالات سرقة كثيرة وتحال إلى المحاكم وتحال إلى الشرطة , لكن لم يعد قطع اليد معمولا به , لماذا لا يُعمل بهذا الحكم , وهو حكم منصوص عليه في القرآن الكريم , طبعا نحن نعلم أن حدّ السرقة لا يكون إلا إذا توفرت شروط , لنفترض أنه ليس كل السرقات التي تُضبَط في إيران أو في السعودية تنطبق عليها كل الشروط , لكن نسبة منها تنطبق عليها الشروط , ولكن لا تقطع اليد , هذا يعني أن الفقهاء والعلماء يأخذون بعين الاعتبار أوضاع الزمن بالعنوان الثانوي , بوجود مصلحة أخرى , المهم أن يكون هناك مخرج.
ما أهتم به في هذا البحث وفي بحوث أخرى , لا بد من وجود مصالحة بين المسلم وبين العصر الذي يعيش فيه , المسلم إذا عاش في عصر يتصادم معه في كثير من وقضايا الحياة , إما أن ينكفئ المسلم على نفسه ويعيش العزلة والانغلاق , وإما أن تضطرب وترتبك حياته , نحن نجد في المجال السياسي كثيرًا من الدينيين والإسلاميين كتبوا ضد الديمقراطية وتحدثوا ضد الانتخابات , لكن عملا الآن كثير من البلدان الإسلامية , وحتى من تتجه باتجاه الحكم الديني مثل الجمهورية الاسلامية في إيران , قبلوا الديمقراطية كممارسة.
فإذًا لماذا ننتظر؟ , إلى أن تفرض علينا الأمور فرضا , فتنتزع منا الموافقة انتزاعا , لماذا لا نستبق الأمور وندرس التطورات , حينما جاء التعليم الأكاديمي , بعض المتدينين تحفظوا تجاهه , تعليم البنات تحفظوا تجاهه , آخر شيء عندنا في المملكة العربية السعودية , "قيادة المرأة للسيارة" , كان هناك تحفّظ كبير إلى أن قررت القيادة في المملكة الآن أن تسمح بقيادة المرأة.
لماذا نحن المتدينين هكذا ؟ ننفر من أي جديد , من أي تطور في واقع الحياة , ثم يفرض نفسه علينا , فتنتزع منا الموافقة انتزاعا , هذا ما أدعو إلى بحثه ودراسته.
زكريا المحرمي (طبيب وكاتب): تحدثتَ عن رؤيتك حول التسامح وكون أن الإيمان بالله واليوم الآخر والنبوة هي المشترك الجامع للمؤمنين , أنا سؤالي حول موضوع يشغل بالي كثيرا , وهو موضوع "التبشير" , "التبشير المذهبي" بشكل خاص , لأني أرى وقد أكون مخطئا , ولكن هذا ما يتضح لي , أن "التبشير المذهبي" يؤدي إلى كثير من الاستفزاز الاجتماعي , وهذا الاستفزاز يؤدي إلى كثير من حالات العنف التي نراها ونذكر كثيرا منها, يعني تلك الحادثة التي حصلت في مصر , حيث سُحِل أحد الدعاة من الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي , بسبب آرائه حول أم المؤمنين أو ما زُعم أن تلك كانت آرائه , ولكن يبدو هناك أن المجتمع كان مستفَزًا بأن هناك دعوة هم يرونها غريبة عليهم, سؤالي هو , هل "التبشير المذهبي" أمر حميد ؟ , أولا , ثانيا , إن كان أمرا حميدا أم غير ذلك , هل هو جزء من بنية المذاهب الإسلامية القائمة وأتحدث عن المذهب الشيعي والمذهب السلفي بشكل خاص , لأنا لا نرى مثل هذا "التبشير المذهبي" بصورة فَجَّة على الأقل عند المذاهب الأخرى , الشي الثالث ما هو دور السياسة في موضوع "التبشير المذهبي" , هل – وأنت عشت هذه التجربة قبل الثورة الإسلامية في إيران على سبيل المثال- وقبل الصحوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية في المجتمع الخليجي , هل كانت توجد هذه الصورة من التحفز نحو "التبشير المذهبي" , أم بالفعل أن "التبشير المذهبي" ليس سوى عصا تستخدمها السياسة للتمدد والنفوذ , ولكن البنية المذهبية لا تقبلها وتفارقها في الحقيقة؟
(الشيخ حسن): "التبشير المذهبي" إذا كان مطروحا على أساس أن جهة من مذهب ما تحاول أن توجد تغييرا في أتباع المذهب الآخر لتحولها إلى مذهبها , هذا العمل أنا أراه عملًا خطأً ومدانًا ويسبب الفتنة والتفرقة بين المسلمين , وهذا لا أقبله ولا أرتضيه لشيعي أو لسني , لجهة شيعية أو سنية. "التبشير" بهذا المعنى مرفوض , لكن هناك شيئًا آخر وهو الانفتاح الفكري والمعرفي بين المذاهب , ألا يكون هناك حصار حول المذاهب وحول الآراء , وإنما يكون كل مذهب له الحق أن يطرح كتبه , وآراءه وتصوراته , وإذا حصل أن أحدا من نفسه اقتنع بمذهب آخر, شيعي اقتنع ان يصبح سنيًا , أو سني اقتنع ان يصير شيعيًا , أو أباضي اقتنع ان يصير سنيًا , فهذا حق طبيعي ولا اشكال فيه, حتى في الماضي , علماء كبار يتحولون من مذهب إلى آخر , هذه قناعات تكون عند الإنسان , وتحصل بشكل فردي , وهنا لا يصح مصادرة حرية الانسان في الاختيار.
فإذًا "التبشير" بمعنى أن جهة تعمل على التغيير في أبناء المذهب الآخر , هذا خطأ و مدان ، لكن أن تكون هناك حرية فكرية لكل المذاهب بمختلف أنواعها ليطرحوا آراءهم , وإذا حصل أن بعض الأفراد بشكل عفوي تغير أو غير مذهبه , هذا لا ينبغي الوقوف أمامه , وهذا أمر طبيعي لا يخالف حرية الرأي والفكر.
نحن نجد الآن في الغرب , المجتمعات الغربية , ليس عندهم مشكلة أن يرتبط ابناؤهم بأي دين , بل نحن نفتخر أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في تلك المجتمعات , لا مشكلة عندهم أن مسلمًا يتحول إلى مسيحي , أو مسيحي يتحول إلى الإسلام , أو إلى أي ديانات أخرى. يجب التفريق بين الأمرَيْن , الأول وهو استهداف التغيير المذهبي مرفوض , والثاني وهو الانفتاح وحرية الفكر والاختيار هو جزء من الحرية التي ينبغي الاعتراف بها.
(الشيخ بدر): وصلنا إلى نهاية اللقاء , إذا عندك في أقل من دقيقة تريد ان توصل كلمة للمشاهدين؟
(الشيخ حسن): الكلمة التي أريد أن أوصلها , مثل هذه الآراء والأفكار ينبغي أن تأخذ حقها من النقاش , قد يكون البعض يرى أنها فكرة لم يألفها , ولم يفكر فيها سابقا , أدعو كل من يسمع مثل هذه الأفكار ألا يتسرع في القبول ولا في الرفض , وإنما أن يأخذ حقه وفرصته في التأكد من الفكرة , إذا وجد أنها فكرة صحيحة , يمكنه أن يقتنع بها , إذا وجد أنها فكرة خطأ بإمكانه أن ينصح صاحب الفكرة , وأنا شخصيا أتقبل النصيحة وأتقبل أي ملاحظة على الأفكار المطروحة.
لمشاهدة الحوار (حوار مع الشيخ حسن الصفار)