سماحة الشيخ حسن الصفار لمجلة فواصل: «أسعى لإذابة الجليد بين السنة والشيعة»

مكتب الشيخ حسن الصفار

نشرت مجلة فواصل بتاريخ 1 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ في عددها الصادر رقم 163 حواراً مع سماحة الشيخ حسن الصفار تحت عنوان سماحة الشيخ لفواصل : «التقارب بين المذاهب، يتحطم فوق صخرة الخلل الثقافي والاجتماعي..!» وفيما يلي نص الحوار:

 

 

أعلن براءته من الإساءة للصحابة .. سماحة الشيخ حسن الصفار لـ فواصل:

«التقارب بين المذاهب، يتحطم فوق صخرة الخلل الثقافي والاجتماعي..!»

 


حوار: فراس الجبريل

هناك فقهاء ورجال دين، غيورون على دينهم الإسلامي، ويسعون دوماً لوحدة الأمة، لمواجهة أخطار الخارج.. فهؤلاء تصالحوا مع أنفسهم، ونبذوا الخلافات بين المذاهب، ويحاولون دوماً إذابة جبال الثلج الذي يمنع التقارب بين السُنة والشيعة، ويشعل نيران الفتنة بين أبناء الأمة..
من بين هؤلاء التقينا سماحة الشيخ حسن الصفار، مفتي الشيعة ومرجعهم بالمملكة العربية السعودية، والذي أخذ على عاتقه القضاء على الخلافات والنزاعات بين السُنة والشيعة، واتساع رقعة الوعي بين المسلمين، بعيداً عن التشنج والعصبية التي قد تصل إلى حد التطرف..
في حواره لنا، نجح الرجل في وضع رؤية ومنظومة متكاملة للعلاقات بين السنة والشيعة، ونفى أي تهمة لاحقة عبر الإنترنت، بشأن الإساءة للخلفاء، وحدد نهجه وفكره بكل اعتدال، وأكد نجاح الحوار الوطني بالمملكة.. ولم يخلو حديثنا من التطرق إلى حزب الله وأسباب قوته.. وغير ذلك من القضايا الملحة، نستعرضها في السطور التالية..

 

 

 

 

  • بداية.. حدثنا عن بطاقتك الشخصية.. وأي مراجع حصّلت منها علومك..؟!

    في البدء أشكركم لإتاحتكم لي الفرصة للتخاطب مع قرائكم الكرام، وأرجو أن يكون دور مجلتكم ريادياً في تعميق القيم الإنسانية الإسلامية وتأكيد التواصل الفكري الوطني.
    أما عن بطاقتي الشخصية فهي تحمل المعلومات التالية:
    • حسن بن موسى بن رضي بن علي الصفار
    • مواليد سنة 1377هـ ـ 1958م، في القطيف ـ المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
    • أكملت المرحلة الابتدائية في مدرسة زين العابدين، والمتوسطة في مدرسة الأمين بالقطيف.
    • بدأت دراستي الدينية على يد علماء في بلدي القطيف.
    • كما بدأت ممارسة الخطابة في سن مبكر؛ الحادية عشر من العمر.
    • هاجرت إلى النجف الأشرف ـ العراق؛ والتحقت بالحوزة العلمية سنة 1391هـ ـ 1971م.
    • ثم انتقلت إلى الحوزة العلمية في قم ـ إيران؛ سنة 1393هـ ـ 1973م.
    • ثم التحقت بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة 1394هـ ـ 1974م إلى سنة 1397هـ ـ 1977م.
    وفي هذه الحوزات والمدارس العلمية تلقيت شيئاً من العلم على يد علماء أفاضل من أبناء بلدي ومن العراق وإيران ولبنان.
    بدأت ممارسة نشاطي الديني الاجتماعي في القطيف كإمام جماعة في مسجد الفتح، إضافة إلى الخطابة الدينية في مختلف المناطق والمناسبات.
    وفقني الله تعالى لتأليف مجموعة من الكتب أرجو أن يكون فيها ما يفيد القراء.
    أسعى لخدمة ديني ووطني ومجتمعي بمقدار ما أستطيع. أسأل الله تعالى القبول والتوفيق وحسن العاقبة.
     
  • نود أن نتوصل بالتحديد إلى الفرق بين الطائفية والتديّن..؟

    التدين يعني التزام الإنسان بقيم الدين وعمله بأحكامه وهو أمر مطلوب من كل مسلم.
    أما الطائفية فهي حالة من العصبية للطائفة على حساب الآخرين بما يشبه العصبية القبلية. التي تعني الشعور بالتعالي والتميز وتبرير الإساءة للآخر والتقليل من شأنه والتجاوز على حقوقه.
    والطائفية بهذا المعنى لا يقرها الشرع الذي يأمر بالعدل والإحسان، ولا العقل الذي يدعو إلى احترام حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
     
  • من وجهة نظرك.. ما هي الاستفادة من الحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية؟ وهل مشاركة المرأة حقيقية أم مجرد ديكور؟!

    أرى أن الحوار الوطني يحقق فوائد هامة من أبرزها:
    - الإقرار بواقع التعددية المذهبية والفكرية على المستوى الوطني، وأن الوطن لا يختصره مذهب واحد أو مدرسة واحدة، بل هو لكل أبنائه على تنوع مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، ولا يصح إلغاء أحد أو إقصاؤه ولا تجاهله أو تجاوزه.
    - الإعلان عن استعداد كل الأطراف لتجاوز حالة القطيعة والخلاف، والدخول في عهد التواصل والحوار الذي يخدم الأهداف العليا للأمة؛ والمصالح المشتركة للوطن.
    - الإعداد النفسي والفكري على مستوى المشاركين في الحوار، وعلى صعيد الرأي العام الوطني لتفعيل حالة التواصل والتعاون بين طاقات الوطن من مختلف المذاهب والتوجهات.
    أما مشاركة المرأة في الحوار الوطني فقد كانت في مستوى مشاركة الرجل منذ اللقاء الثاني للحوار الوطني.
     
  • الملاحظ أن هناك مبادرة طيبة للتقارب بين السنة والشيعة، إلا أن هناك موانع تحول دون هذا التقارب، وما زال الخلاف قائماً.. فما الحل للقضاء على هذه النزاعات برأيك..؟

    أعتقد أن أجواء الأمة أصبحت أكثر تقبلاً واستجابة لدعوات التقارب والوحدة بين السنة والشيعة، لأن رقعة الوعي قد اتسعت في جمهور الأمة، وما عاد الناس كلهم يقبلون الاتجاهات التعصبية والتعبوية، كما أن تطور وسائل الإعلام والتواصل المعلوماتي وفرّ فرص التعارف والتواصل المباشر بين التوجهات المختلفة، بعد أن كان البعض يعتمد على الوسائط غير الدقيقة في تصوراته عن الآخر؛ وقد تكون مغرضة.
    كما أن التحديات الخطيرة التي تواجه الأمة فرضت مستوى متقدماً من الوعي بأهمية الوحدة وتجاوز حالات الصراع والخلاف المذهبي.
    لذلك فإن مبادرات التقارب الآن أكثر نشاطاً وفاعلية في الكثير من المواقع والبلدان الإسلامية.
    أما الموانع التي تعرقل جدّية التقارب فهي تعود إلى خلل في الواقع السياسي والثقافي الذي تعيشه الأمة والذي يعرقل التقارب والوحدة على جميع الأصعدة والمستويات وليس على صعيد العلاقات المذهبية فقط.
    فبين الدول العربية ورغم وجود جامعة الدول العربية منذ نصف قرن لا زال التقارب شكلياً. وفي البلدان الإسلامية التي تتعدد فيها القوميات نجد هناك إشكاليات في العلاقة بينها، وبين الأحزاب السياسية مشاكل، وبين الجهات الدينية حتى ضمن المذهب الواحد تحصل مشاكل، فمثلاً العلاقة بين الاتجاه السلفي والاتجاه الصوفي مع إنهما ينتميان إلى أهل السنة ليست على ما يرام، وكذلك الحال داخل الشيعة بين الاتجاهات المختلفة.
    و أستنتج من ذلك أن القدرة على التعاون وإرادة الوحدة والتقارب ضعيفة في أوساط الأمة لخلل في واقعها الثقافي والاجتماعي.
     
  • ما زال موقف بعض الشيعة تجاه الخلفاء والصحابة ثابتاً، فما هي أهم القناعات التي تستندون إليها، لحل هذه العقدة المزمنة؟

    ليس مطلوباً أن تتفق الآراء والمواقف بين السنة والشيعة على المستوى العقدي أو الفقهي فلكل مدرسة آراؤها في موضوع الإمامة والخلافة، وتقويم مواقف بعض الصحابة، واختلاف القناعات أمر قائم ولا يمكن تجاوزه، كما أن البحث والحوار في تلك القناعات وتبيين أدلتها أمر مطلوب على المستوى العلمي.
    وما ليس مقبولاً هو الطرح الحادّ المتشنج ومخالفة آداب الإسلام بإساءة طرف للآخر والتحريض على الكراهية.
     
  • هناك عدة مواقع على الإنترنت تنسب لكم شخصياً عبارات تحمل الإساءة لبعض الخلفاء، مما يخالف نهجكم في الدعوة للوحدة وإذابة الجليد بين المذاهب.. ما حقيقة ذلك؟ وهل تطاولت على الصحابة بالفعل أم أن هذه التصريحات أو العبارات دخيلة عليكم ولم يلفظها لسانكم؟

    حين تصدر مثل هذه النسبة من مواقع متخصصة في التهريج وإثارة الخصام الطائفي ونشر الكراهية والبغضاء بين المسلمين فإن ذلك يكفي لسلب الاعتبار عن تلك النسبة.
    وقد أعلنت براءتي وإنكاري لهذا التلفيق المغرض من خلال أكثر من قناة فضائية ومنبر إعلامي.
    ومن يتابع أفكاري وطروحاتي يدرك بوضوح أن مثل هذه التهمة لا تنسجم مع نهجي ومسيرتي الفكرية والعملية، ومعلوم أن الدبلجة والتلفيق في التسجيلات أمر سهل ميسور لذلك حينما ينسب أي تسجيل صوتي لأحد فإن الجهات المعنية تسعى للتأكد من صحته، وقبل أيام ردّ فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة على ما نشر في بعض الصحف وبث في بعض القنوات الفضائية عن أنه يحرض على الإرهاب ويدعم الإرهابيين في العراق والسعودية، ومما في البيان الذي أصدره في 24 ربيع الأول 1426هـ: «وما قيل عن شريط فيه صوتي وأنني قلت نعم هذا صوتي، فأنا لست ممن له تسجيلات سرية وأخرى علنية على الإطلاق، وعملية التلفيق وإدخال كلام في كلام في دبلجة تسجيلية أمر معلوم، وقطع ما لا يراد، وإبقاء ما يظن أنه يحقق الأهداف الخبيثة أمر لا يخفى على كل عاقل عارف بأحوال التسجيلات» (الشرق الأوسط 3 مايو 2005م).
     
  • حدثنا عن آليات سلمية وعلمية للحوار المذهبي والذي من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على الطائفية ويمنع الفتنة؟

    ما ينقذ المجتمعات الإسلامية من الطائفية ويمنع الفتن المذهبية أمران:

    - الأول: اعتماد الحكومات في البلاد الإسلامية لسياسة المساواة والعدالة بين المواطنين على اختلاف مذاهبهم، على أساس نظام المواطنة الذي تتكافأ فيه الفرص دون تمييز في الحقوق والواجبات.

    - الثاني: نشر ثقافة التسامح والقبول بالتعددية واحترام الرأي الآخر. ووضع حد للاتجاهات التكفيرية والتي تبث ثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد.
    أما آليات الحوار المذهبي المطلوب فأهمها ما يلي:
    1. التعارف المباشر بأن يتعرف أهل كل مذهب على آراء المذهب الآخر من مصادره ومرجعياته وليس من خلال النقولات والوسائط التي غالباً ما تكون غير دقيقة.

    2. القبول بمبدأ تعدد القراءات واختلاف الاجتهادات في التفاصيل العقدية والفقهية. في إطار الاتفاق على أصول الإيمان التي لا يختلف فيها المسلمون وهي: الإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر ومرجعية الكتاب والسنة وكذلك أركان الإسلام وفرائضه المتفق عليها كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج بيت الله الحرام.

    3. البحث عن القواسم المشتركة وموارد الاتفاق وهي كثيرة واسعة ثم تحديد مواقع الاختلاف وهي محدودة لا تضاهي مساحات الاتفاق واللقاء، ومعرفة وجهة نظر كل طرف حولها وأدلته وبراهينه لتكون مجالاً للحوار العلمي.

    4. الاتفاق على خدمة الأهداف العليا للإسلام والقضايا المصيرية للأمة والمصلحة الوطنية المشتركة.
     
  • من وجهة نظركم.. هل يحق للمرأة أن تخوض العمل السياسي باعتبارها نصف المجتمع، أم ترى أن تهميشها ضرورة اجتماعية حفاظاً على العادات والتقاليد؟ وإلى أي مدى يمكن للمرأة أن تمارس حريتها في الرأي والمشاركة الفعالة بالمجتمع؟

    ليس هناك ما يمنع المرأة من المشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي فالقرآن الكريم يتحدث عن مبايعة النساء لرسول الله : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ..... (سورة الممتحنة الآية 12)، والبيعة مفهوم سياسي.

    كما يتحدث القرآن الكريم عن الولاية المتبادلة والمسؤولية المشتركة في حماية القيم والمصالح العامة بين أبناء الأمة ذكوراً وإناثاً يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (سورة التوبة آية 71).

    وفي التاريخ الإسلامي قامت المرأة بأدوار سياسية واجتماعية واضحة، وكانت تمارس حريتها في طرح الرأي وحتى في مجادلة رسول الله ؛ حيث نزلت سورة المجادلة: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا. كما كانت ترفع صوت الاعتراض على الخليفة كما حصل في عهد عمر بن الخطاب حيث سحب قراره في تحديد مهور النساء أمام اعتراض امرأة حجته بالدليل الشرعي، لكن العصور المتأخرة سادت فيها بعض الآراء المتشددة والأعراف والتقاليد المتخلفة التي تنظر للمرأة نظرة دونية وكأنها إنسان من الدرجة الثانية.
    و أعتقد أن تطور المجتمعات الإنسانية لم يعد يقبل بمثل هذه التوجهات، وستأخذ المرأة دورها الطبيعي إلى جانب الرجل مهما عارض المتشددون لكن علينا أن نبادر لإصلاح الواقع قبل أن تفرض الأمور علينا نفسها بشكل غير مناسب لأوضاعنا.
     
  • هل تتوقعون أن تحدث فتنة بين السنة والشيعة بالعراق، وسط هذه الأحداث الدامية، وغياب الدور الأمني بالبلاد؟

    من المؤلم أن تتسارع وتيرة أحداث العنف في العراق منذرة بخلق فتنة طائفية، لكن ما نراهن عليه بعد الثقة بالله تعالى هو وعي الشعب العراقي ونضج قياداته الدينية والسياسية المخلصة.
    إن المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني له موقف ثابت حازم في الحفاظ على وحدة الشعب العراقي وتحريم وتجريم كل ما يخدم مخطط الفتنة الطائفية.
    والمطلوب من عقلاء الأمة وقياداتها السياسية وجماهير الأمة خارج العراق أن تغادر حالة الصمت والسكوت وأن تبادر إلى التحرك لرفض وإدانة هذا العنف والإرهاب الأعمى في العراق الذي يستهدف المدنيين تحت شعارات طائفية، وبدعاوى المقاومة للاحتلال، بينما لا يكاد يصل إلى القوات الأجنبية إلا شيء قليل من الأذى في مقابل سقوط عشرات القتلى والجرحى من العراقيين يومياً.