تغيير العقلية القبلية

 

﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [سورة الأحزاب، الآية: 67].

كانت العقبة الكأداء التي واجهت رسول الله في دعوته للدين هي العقلية القبلية السائدة في المجتمع العربي.

ذلك أنّ المجتمع العربي كان يحكمه نظام القبيلة.

والقبيلة هي جماعة من الناس تنتمي إلى أصل واحد، وينحدرون من أبٍ واحد، فتجمعهم قرابة النسب والدم، وهم يؤمنون بهذا المبدأ، ويعتبرونه مبدأً يحدد ويرسم علاقتهم الداخلية فيما بينهم، وعلاقاتهم مع الآخرين.

كان عنوان العربي قبيلته، ينتمي إلى القبيلة ويفخر بها، فهي التي توفر له الحماية، وتمنحه القيمة، وتعطيه حصته من الغنيمة، فقد كانت حياتهم حياة احتراب واقتتال، وكانت الطبيعة التي يعيشون فيها عبارة عن صحراء شاسعة قاسية، مواردها محدودة، لذلك لم يكن الفرد وحده وبذاته قادرًا أن يؤمّن لنفسه الحياة والرزق والحماية، فكانت القبيلة هي التي تؤمن كلّ ذلك لأفرادها، الآخرون يحترمونه؛ لأنهم يحسبون لقبيلته حسابًا، وإذا أصيب أحدٌ من أيّ قبيلة، فقبيلته كلها معنية بالانتقام له والأخذ بثأره، كانوا يقتاتون على الاقتتال والاحتراب، قبيلة تهاجم أخرى، وتسلبها، وتحصل على الغنائم منها، وتوزع ذلك على أفرادها، خاصة المقاتلين، فمصلحة الفرد وحياته واعتباره آنذاك يتحدد بانتمائه القبلي، فكان هذا هو النظام السائد والمسيطر على الناس، هذا النظام القبلي أنتج ما نطلق عليه (العقلية القبلية).

فالمسألة ليست مجرد نظام حياة وعلاقات اجتماعية، بل أصبحت عقلية الإنسان وتفكيره ومشاعره متشكلة من خلال هذا النظام القبلي، والعقلية القبلية لها مظاهر، أبرزها:

تجميد عقل الفرد

الفرد ضمن القبيلة غير معني بالتفكير واتخاذ الرأي والقرار، فهو واحد من قبيلة، وهي التي تفكر وتتخذ الرأي والقرار، والفرد تابع لهذه القبيلة، والعبارة المشهورة في المجتمعات العربية (الشيوخ أبخص) تلخص هذه الحالة، أي إنّ شيوخ القبيلة أعرف، فهم الذين يفكرون ويتخذون القرار، والفرد العادي غير معني بالتفكير إطلاقًا.

وتجري هذه القاعدة حتى في الدين والمعتقد!

فليس للفرد أن يقرّر أيّ دين يتبع، أو أيّ مذهب يختار، القبيلة هي التي تقرر، والقرآن الكريم يصف هذه الحالة، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ[سورة البقرة، الآية: 170].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ[سورة المائدة، الآية: 104].

فالفرد التابع للقبيلة لا ينظر إلى زاوية العقل أو العلم أو الهداية، ما دامت القبيلة قررت، فليس له أيّ خيار آخر، ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [سورة ا لأحزاب، الآية: 67].

وكان العربي يعترف بهذا الأمر ويقر به فهو يتبع قبيلته، يقول الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة:

ومَا أنَا إلّا من غُزيَّةَ إنْ غوَتْ
غوَيْتُ وإنْ تَرشُدْ غزَّيَةُ أُرْشَدِ[1] 

الولاء للقبيلة هو القيمة العليا

لا يوجد في العقلية القبلية حقّ أو باطل، فالولاء للقبيلة فوق كلّ اعتبار، وحينما تقرر القبيلة موقفًا ليس للفرد أن يخالفه، حتى لو أدرك الإنسان بفطرته وعقله أنّ هذا قرار خطأ، أو فيه ظلم واعتداء على الغير، وكان متداولًا عندهم مقولة: (انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومًا)، وعندما جاء النبي الأكرم أقرّ هذا المبدأ، وغيّر المعنى.

جاء في صحيح البخاري، أن رَسُولُ اللهِ قَال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»[2] .

هذه هي النصرة الحقيقية، أعنه على نفسه.

ووفق العقلية القبلية يجب على الفرد أن يشارك قبيلته أيّ معركة تخوضها، سواء كانت محقة أو مبطلة، حتى إنّ أحد شعرائهم كان يفخر بنصرة ابن قبيلته حتى وإن كان ظالماً مبررًا ذلك بقوله:

إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم
على القوم لم أنصر أخي وهو يظلم[3] 

وقال قريط بن أنيف العنبري التميمي:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا[4] 

حين يطلب أحدهم النجدة يهبون لنصره، بغض النظر عن صحة موقفه، فلا يطلبون منه دليلًا أو برهانًا، فولاء القبيلة فوق كلّ القيم، بل هو القيمة العليا.

العنصرية القبلية

كلّ فرد من القبيلة يرى أفضلية أفراد قبيلته على الآخرين، حتى لو كان الآخرون أكثر كفاءة ومكانة وعلمًا، ما دام هذا الفرد من قبيلتي فهو أفضل من كلّ فرد من أفراد القبائل الأخرى.

ولما خرج مسيلمة وادّعى النبوة جاءه واحد من قبيلته، وقال له: أنت مسيلمة؟

قال: نعم.

قال: من يأتيك؟

قال: رحمن.

قال: أفي نور أو في ظلمة؟

فقال: في ظلمة.

فقال: أشهد أنك كذّاب وأنّ محمدًا صادق، ولكن كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر[5] .

موقف النبي من الانتماء القبلي

أمام هذا الواقع القبلي لم يستهدف النبي إلغاء القبيلة كانتماء اجتماعي، ولم يأمر الناس بترك قبائلهم أو الانتساب لها كنظام اجتماعي، بل سعى لإصلاح العقلية القبلية، بالتأكيد على فاعلية الفرد الفكرية، وتحمله المسؤولية، في مقابل الذوبان والتهميش والتبعية العمياء، من جهة أخرى شدد في خطاباته وأحاديثه على مبادئ الوحدة بين أبناء المجتمع الإسلامي، وشّن حربًا على الأفكار والتصورات الجاهلية، بالتفاخر بالأنساب والأحساب، أو التفاضل بالانتماء القبلي أو العرقي.

كقوله : «ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية»[6] .

فمن مهام النبي الأساسية تغيير العقلية القبلية، ودعوة الفرد إلى التفكير وتحمل مسؤولية الرأي والموقف الذي يتخذه.

أنت إنسان حرٌّ، منحك الله عقلًا، وغدًا يحاسبك على قراراتك ومواقفك، فيجب أن تفكر وتتحمل المسؤولية، لا تجمّد عقلك، لا تكن تابعًا لما تقرره القبيلة أو ما يقوله الكبراء، فذلك لا يعفيك من المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.

يقول تعالى مصورًا مشهد اعتذار هؤلاء يوم القيامة: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا[سورة ا لأحزاب، الآية: 67].

هذا العذر غير مقبول، فقد منح الله الإنسان العقل، وهو محاسب على ضوء عقله وفطرته التي منحه الله إيّاها، لذلك ينبغي للإنسان ألّا يكون أسيرًا لانتمائه، فهذه العقلية لا تنحصر في الانتماء القبلي، فقد يصاب الإنسان بها في مختلف الانتماءات، الدينية أو المذهبية أو الفئوية أو غيرها، فينبغي للإنسان أن يكون حذرًا من غلبة الانتماء على عقله وإرادته.

الانتماء الاجتماعي

كون الإنسان منتميًا إلى حالة اجتماعية معينة أمر طبيعي، لكن هذا الانتماء لا يسوّغ له أن يلغي عقله، وأن يعطي مسؤولية التفكير عنه للآخرين، كما لا يصح للإنسان أن يعتبر الولاء لجماعته أو فئته فوق القيم، إذا أخطأت الطائفة أو الجماعة يجب أن يتحرر الفرد من قيد الجماعة ويتبرأ من الخطأ.

الإمامُ زينُ العابدينَ لديه كلمة جميلة يتناول فيها هذا المفهوم، عندما سُئلَ عَنِ العَصَبِيَّةِ، فقال: «العَصَبِيَّةُ الّتي يَأثَمُ عَلَيها صاحِبُها أن يَرَى الرَّجُلُ شِرارَ قَومِهِ خَيرًا مِن خِيارِ قَومٍ آخَرينَ، ولَيسَ مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُحِبَّ الرَّجُلُ قَومَهُ، ولكِن مِنَ العَصَبِيَّةِ أن يُعينَ قَومَهُ عَلَى الظُّلم»[7] .

حبّ الإنسان للجماعة التي ينتمي إليها أمر طبيعي، لكن الخطأ هو إعانة الجماعة على الظلم، إذا اتخذت الجماعة موقفًا خطأ ضد جهة ما، أو ارتكبت خطأ في مجال من المجالات، على الإنسان أن يبين موقفه ويرفض الخطأ.

البعض يعترف أن الموقف الصادر من جماعته خطأ، لكنه يقول: هؤلاء جماعتي، ماذا أصنع؟!

العقلية الإسلامية الصحيحة التي يريدها الدين لا تقبل أن يكون انتماء الإنسان الاجتماعي فوق القيم والمبادئ، وإنما تحت سقف المبادئ والقيم.

تأثير الانتماء على تقويم الآخرين

يتأثر البعض بانتمائه القبلي أو المناطقي عند تقويمه للأشخاص والآراء، ومن أمثلة ذلك ما يحصل في مجال الوظائف، حين تجرى مسابقة للحصول على وظيفة، يتقدم لها مجموعة من المواطنين، هل يتخلى الموظف المختص عن مشاعره القبلية أو الفئوية، ويُـحّكِّم النظام، ويقدم الكفاءة؟!

إذا كان الشخص المؤهل الذي تنطبق عليه المواصفات من غير قبيلتي، هل أتيح له الفرصة؟

البعض لا يستطيع التخلص من حالته القبلية، وهذا ظلم، وهو معنى (أن يَرَى الرَّجُلُ شِرارَ قَومِهِ خَيرًا مِن خِيارِ قَومٍ آخَرينَ).

وحتى في مجال تقويم الأفكار أو الأعمال، البعض لديه موازين متفاوتة، تختلف باختلاف الأشخاص ومدى قربهم منه، وهذه هي العقلية القبلية التي جاء الإسلام لتغييرها.

النبي جاء لتغيير هذه العقلية، حتى يوجه الإنسان ليفكر بعقله، لكي يكون ولاؤه للقيم أولًا، وانتماءاته الأخرى تحت سقف القيم، لكي يتعامل مع الناس بموضوعية وإنصاف، وإن كانوا من خارج دائرة جماعته.

في مجال الشهادة

ومن أمثلة ذلك ما يحصل في مجال الشهادة، عند حدوث نزاع بين شخصين، هل أشهد بالحقّ وإن كان في صالح الطرف الآخر من غير قبيلتي؟!

البعض يجيز لنفسه شهادة الزور، كي يجعل الحقّ لصالح من هو ضمن جماعته وقبيلته، وهو أمر محرم شرعًا.

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً[سورة النساء، الآية: 135].

الإسلام جاء ثورة على هذه العقلية القبلية المتحيزة، وقد شدد النبي في خطاباته وتوجيهاته على هذا الأمر.

وروي أنه خطب يوم فتح مكة فقال: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إلَّا بِالتَّقْوَى، ثُمَّ تَلَا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ»[8] .

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: «يا أيها الناس، إنّ ربكم واحد، وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم»[9] .

وفي إحدى الغزوات حصل سوء تفاهم بين مهاجري وأنصاري فصاح أحدهما: يا للمهاجرين! ونادى الآخر: يا للأنصار!

فلما سمع رسول الله أدان هذا المنطق قائلًا: «ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة»[10] .

التطبيق العملي

لم يكتفِ رسول الله بالتوجيهات والخطابات، بل أكد على ذلك من خلال الممارسة العملية في الإدارة والقيادة الاجتماعية، فقد أسند بعض المهام والمسؤوليات إلى أشخاص ليس لهم شأن اجتماعي حسب المعيار القبلي السائد آنذاك، بهدف كسر هذه الحالة، وليؤكد أنّ الشخص يستحق موقعه بكفاءته، وليس بانتمائه، لأنه ابن فلان، أو لأنه من عائلة أو قبيلة لها شأن.

بلال مؤذن الرسول

في يوم فتح مكة اختار رسول الله بلالًا الحبشي ليكون أول مؤذن على ظهر الكعبة، وهو الذي كان عبدًا يباع ويشترى في مكة، وأوقع به أسياده القرشيون صنوف الإهانة والتنكيل، حتى أغروا صبيانهم وسفهاءهم أن يقتادوه بحبل ليسخروا منه ويؤذوه، وقد أثار اختياره للأذان على ظهر الكعبة يوم النصر، حفيظة كثير من القرشيين، حتى قال أحدهم لصاحبه: لقد أكرم الله أبي أن مات وألّا يكون سمع هذا!!

وكان الحارث بن هشام وصفوان بن أمية قاعدين فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الحبشي!!

فقال الآخر: إن يكرهه الله يغيّره[11] .

قيادة زيد وابنه أسامة

وحينما عين رسول الله زيد بن حارثة، وهو عبد اشتراه حكيم بن حزام، ثم وهبه لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته لرسول الله ، عيّنه رسول الله على رأس جيش المسلمين إلى الروم في غزوة مؤتة، إلى جانب جعفر الطيار وعبدالله بن رواحة، فاعترض البعض على هذا التعيين، وردّ عليهم رسول الله منطقهم.

وفي آخر حياته عيّن ولده الشاب أسامة بن زيد على رأس آخر بعث عسكري له، وجعل تحت إمرته كبار المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وقتادة بن النعمان وأمثالهم، وحينما اعترض بعض المسلمين على ذلك، وقال أحدهم وهو عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين؟ وبلغ ذلك رسول الله، فغضب غضبًا شديدًا، وتحامل على مرضه وخرج إلى المسجد وخطب الناس قائلًا: «أما بعد، أيّها الناس، فما مقالة قد بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيمُ الله كان للإمارة لخليقًا وإنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة»[12] .

هكذا جاء الإسلام، ليس ليلغي الانتماءات الاجتماعية ـ ومن أهمها الانتماء القبلي ـ وإنما جاء ليصلح هذه العقلية التي يمكن أن تصيب أيّ شخص من المنتمين إلى أيّ انتماء اجتماعي.

* خطبة الجمعة بتاريخ 28 صفر 1439هـ الموافق 18 نوفمبر 2017م.
[1]  أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، شرح ديوان الحماسة لأبي تمام، ص577.
[2]  صحيح البخاري، كتاب الإكراه، باب: أعن أخاك ظالماً أو مظلومًا، حديث 2339.
[3]  المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج7، ص393.
[4]  عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب، ج3، ص73.
[5]  ابن كثير، البداية والنهاية، ج6، ص360.
[6]  السجستاني: الحافظ أبوداود، سنن أبي داود، حديث رقم 5121.
[7]  الكافي، ج٢، ص٣٠٨، حديث 7.
[8]  الكافي، ج 8، ص 246.
[9]  كنز العمال، حديث رقم 8502.
[10]  مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، حديث رقم 2584.
[11]  الطبقات الكبرى، ج3، ص235.
[12]  محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ج6، ص248.