اليوم العالمي للصداقة

 

ورد عن الإمام علي أنه قال: «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ»[1] .

أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2011م، اليوم الثلاثين من شهر يوليو يومًا عالميًّا للصداقة، والهدف من إعلان هذا اليوم، هو دعوة الحكومات والمؤسسات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، إلى تعزيز قيمة الصداقة بين الشعوب والأمم والأفراد، بحيث يهتم الناس بهذه القيمة، وينشرون ثقافة الصداقة فيما بينهم، وذلك عبر المؤسّسات التعليمية، باعتماد مناهج دراسية تشجع الطلاب على الصداقات والعلاقات الإيجابية مع الناس، وإن اختلفت ثقافاتهم وأديانهم وتوجهاتهم وأعراقهم، وعبر منظمات المجتمع الأهلي المدني، وذلك بنشر ثقافة الصداقة والاهتمام بهذا البعد الإنساني.

وفي تراثنا الديني اهتمام كبير بقيمة الصداقة والتآخي، حيث وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال الأئمة، وعلماء الأمة وأدبائها، حول موضوع الصداقة والتآخي، هذه النصوص بما تحمل من معانٍ إنسانية وأخلاقية وتربوية، يمكنها أن تشكل رافدًا كبيرا لمثل هذا الاهتمام الإنساني.

وما دام العالم يحتفي بهذه القيمة الراقية، فإنّ علينا أن نظهر ما في تراثنا الديني، مما يُشكّل إلهامًا وزخمًا ورافدًا لتعزيز هذه القيمة بين أبناء البشر.

أتمنى لو أنّ جهة إسلامية تأخذ على عاتقها ـ في أمثال هذه المناسبات الدولية العالمية ـ طرح ما في تراثنا الحضاري والديني، مما يتناسب مع هذه المناسبات، حتى يعرف العالم ديننا وحضارتنا من خلال هذه القيم الإنسانية العامة.

العالم قد لا يعجبه أن يتعرف علينا من خلال خصوصيتنا، كالصلاة والصوم والحج، فهي خصوصية دينية، قد لا يتحمّس الآخرون للتعرف عليها، فينبغي أن نعرف العالم بما نملك من قيم إنسانية، ومن خلال ذلك يدرك عمق البعد الإنساني والحضاري في هذا الدين.

هناك أيام عالمية كثيرة، فالأمم المتحدة تحتفي باليوم العالمي للتسامح، واليوم العالمي للمرأة، والأسرة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والتنوع الثقافي، ومحاربة التميز العنصري...إلخ.

هذا الجدول الموجود في المؤسسة الدولية، ينبغي أن نشارك فيه، بتأصيل هذه القيم، من خلال مبادئنا وتراثنا الديني، وأن نعتبر هذه المناسبات فرصة لعرض روائع تراثنا الديني، حول هذه القيم والمناسبات.

الصداقة في تراثنا الديني

في مجال الصداقة والتآخي يحفّز الإسلام أبناءه وأتباعه على الاهتمام بكسب الإخوان والأصدقاء، فكما يأمر الدين بالصلاة والصوم وسائر العبادات، كذلك يأمر باكتساب الإخوان والأصدقاء، فهو مطلب ديني.

لماذا يأمرنا الدين بكسب الأصدقاء؟

أولًا: إنّ كسب الأصدقاء يشكّل استجابة لنزعة فطرية في نفس الإنسان، فهو يأنس بأبناء جنسه، حتى قيل: إنّ اشتقاق كلمة إنسان من الأنس، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[سورة الذاريات، الآية: 56].

ثانيًا: الصداقة تثري المشاعر الإيجابية في النفس، كالمحبة والعطف والإحسان والعطاء، فكلّما كثر أصدقاء الإنسان كانت هذه المشاعر في نفسه أثرى وأعمق، على العكس مما إذا كان انعزاليًّا منطويًّا على نفسه، حيث تخبو هذه المشاعر لديه.

ثالثًا: الصداقة تساعد الناس على التعاون فيما بينهم، لتحقيق مصالحهم ومتطلبات حياتهم، فكلّما توفر الإنسان على أصدقاء، كان أقدر على تسيير أمور حياته بالتعاون معهم، يستعين بهم ويعينهم.

رابعًا: الصداقة تشكل ذخرًا وملجأً للإنسان عند المحن، وأمام التحديات والشدائد، فما من إنسان إلّا وتعترضه شدائد وتحدّيات ومشاكل، فإذا كان عنده أصدقاء يساعدونه ويقفون معه، هانت عليه مشاكله، وكان أقدر على حلّها.

خامسًا: الصداقة تفتح أمام الإنسان آفاق الاستفادة من آراء الآخرين وتجاربهم.

لذلك جاءت النصوص الدينية تحثّ على كسب الأصدقاء والإخوان.

ويشير النبي الأكرم فيما روي عنه إلى بعد أخروي في الصداقة، قال : «اِستَكثِروا مِنَ الإِخوانِ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤمِنٍ شَفاعَةً يَومَ القِيامَةِ»[2] ، فلعلّ هذا الصديق في الدنيا يكون هو المنقذ في الآخرة، ولا يدري المرء إذا كان بحاجة إلى من يشفع له، على يد من تكون الشفاعة له في يوم القيامة.

بعض الأشخاص لا يبدو في الدنيا أنّ له شأنًا رفيعًا، وإذا بك تراه يوم القيامة وجيهًا مقدّرًا عند الله، وببركة معرفتك به يقول: يا ربّ، هذا من أصدقائي، فيأتيه النداء: خذه معك إلى الجنة!

ورد عن الإمام علي : «مَنْ لا صَديقَ لَهُ لا ذُخْرَ لَهُ»[3] .

كما ورد عنه : «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ»[4] .

إنّ اكتساب الإخوان لا صعوبة فيه، إذا توجه الإنسان إلى الاستزادة من الأصدقاء حقق ما يريد، فلماذا لا تكسب أصدقاء؟!

فعن النبي : «الْمَرْءُ كَثِيرٌ بِإِخْوانِهِ»[5] .

وعن الإمام الصادق : «مَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْإِخْوَانِ ابْتُلِيَ بالخُسْرانِ»[6] .

فكلّ صديق تتعرف عليه يشكّل مكسبًا، فإذا لم تستكثر من الإخوان تكون قد حرمت نفسك خيرًا ممكنًا.

مقومات الصداقة

هناك ثلاث مقومات أساسية لحقيقة الصداقة:

أولًا: تبادل المحبة.
ثانيًا: تبادل الثقة.
ثالثًا: تبادل التعاون.

وهي ضمن مستويات متفاوتة، فالأصدقاء ليسوا في درجة واحدة من المحبة، بل هي نسبة متصاعدة من الانشداد العاطفي بينك وبين الطرف الآخر، وبدون المحبة لا تتكون صداقة، وكذلك الأمر في مستويات الثقة، هناك من تثق برأيه، وهناك من تثق بخبرته، وآخر تثق بدينه وعدالته، وأخيرًا فإنّ من آثار الصداقة أن يكون هناك مستوى من التعاون، وإلّا فمجرد تعايشك وتواصلك مع الآخرين في المحيط الذي تكون فيه لا يعني أنهم أصدقاؤك.

الإنسان وهو يعيش مع عائلته في بيت واحد، قد لا تتحقق معاني الصداقة بينه وبين أفراد عائلته!

بعض الآباء صديق لأولاده تتوفر بينه وبينهم المحبة والثقة والتعاون، في حالة جميلة من الانفتاح والانسجام، والبعض قد يعيش حالة فتور في العلاقة مع أبنائه، فتصبح الحالة بينهم كعلاقة رسمية!!

وكذلك بين الأم وبناتها، في بعض الأحيان تكون لدى البنت مشكلة، لكنها لا تجد نفسها قريبة من أمها، كي تتحدث لها عن معاناتها، فتبحث عن إحدى صديقاتها تشكو لها!

وهذا يكشف عن تدني مستوى الانفتاح والثقة داخل العائلة، وهي قضية معيشة في المجتمع، بعض الأبناء يعيش مع أصدقائه ويشاركهم ما يحمل من آلام وآمال وتطلعات، بعيدًا عن والديه!

وكذلك العلاقة مع زملاء العمل، تارة يكونون أصدقاء، وتارة مجرد أشخاص تتواجد معهم في مكان العمل.

صنع الصداقات

تبدأ العلاقة مع الآخرين من داخل الإنسان نفسه، ومن طبيعة سلوكه، نجد أنّ بعض الناس لديهم توفيق ونجاح في صنع الصداقات، حيثما يسافر يكسب أصدقاء، فلا يعود إلى بلده إلّا وقد كوَّن له صداقات، والبعض ليس لديه توجه لصنع الصداقات حتى في بلده ومجتمعه!

هل أنت مهتم بالانفتاح على الآخرين؟!

هل تسعى لكسب الأصدقاء؟!

إذا بدأت بتبادل الود وإبداء المحبة والتعاون مع الآخرين، ستجد في المقابل تفاعلًا من جهتهم.

روي عن الإمام علي : «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا»[7] .

وعن الإمام الباقر : «اعْرِفِ الْمَوَدَّةَ لَكَ فِي قَلْبِ أَخِيكَ بِمَا لَهُ فِي قَلْبِكَ»[8] ، إذا كانت لديك مودة مع الآخرين سيبادلونك المودة، أما إذا كان قلبك جافًّا تجاههم، كيف تتوقع منهم أن يبذلوا لك المحبة؟!

وكما يقال (القلوب شواهد) أي تشهد بمحبة بعضها لبعض. لكنّ البعض ليس لديه توجّه لكسب الآخرين، ورد عن رسول الله أنه قال: «مِنَ الْجَفَاءِ: أَنْ يَصْحَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلَا يَسْأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ»[9] .

ومثل هذه النماذج نراها في المجتمع، ترى شخصًا يرتاد مجلسًا ثم ينقطع عنه، وحين تسأل من التقى به وجالسه لا يعرف عنه حتى مجرّد اسمه!!

وفي الاتجاه الآخر ترى البعض وهو مسافر في الطائرة أو القطار يتعرف على من بجانبه، يحييه ويرحب به، وينخرط معه في حديث متشعب كأنه يعرفه منذ زمن.

وتوجد الآن طريقة سهلة في التعارف، وهي (بطاقات التعريف) التي تحمل اسم الشخص وهاتفه وبريده الإلكتروني.

فكم من آفاق للعلاقة فتحت وتطورت بين شخصين بسبب لقاء في سفر أو سكن في فندق؟!

البعض يسافر لحج بيت الله الحرام، ويتعرف على الحجاج المرافقين له في أجواء الفريضة، لكنه يعود خالي الوفاض من أيّ صداقة جديدة!

والبعض يعود ومعه قائمة جديدة من الأصدقاء، هذا يعني أنّ اهتمام الإنسان بتكوين الصداقات له أثر كبير في تحقيق ذلك.

بالطبع على الإنسان أن يتخيّر الأصدقاء، فلا يصادق أيّ شخص، فهناك من تكون الصداقة معه مضيعة للوقت، مضرة بدنيا الإنسان وآخرته، وهم أصدقاء السوء.

شرطان لاختيار الأصدقاء

أولًا: الاستقامة الأخلاقية.
ثانيًا: النجاح في الحياة.

في حديث جميل مروي عن رسول : «مَنْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِدِينِهِ وَلَا دُنْيَاهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي مُجَالَسَتِهِ»[10] .

من لا يتوفر على قيمة معنوية أخلاقية، ولا هو ناجح في أموره الدنيوية، فالصداقة معه مضيعة للوقت، فلا خير لك في مجالسته.

بالطبع لا يشترط في الصحبة والصداقة التطابق الديني والفكري، أوليس الله تعالى يقول: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[سورة الممتحنة، الآية: 8].

وفي الرواية عن الإمام الصادق أنه قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحْسِنْ صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ»[11] ، إذا لم يكن الإنسان حسن الصحبة فإنه يفقد مفردة من مفردات الإسلام الحقيقي!

نموذج مميّز في الصداقة

ينقل المؤرخون عن الصداقة التي تكونت بين الشريف الرضي، وهو من أعلام الشيعة الكبار، وبين أبي إسحاق، إبراهيم بن هلال الصابي، (من الصابئة)، حيث كان وثيق الصلة به، وكان كلّ واحد منهما يفخر بصداقته للآخر، وعندما توفي أبو إسحاق رثاه الشريف الرضي بقصيدة رائعة، يقول فيها:

أعَلمْتَ مَنْ حَمَلُوا عَلى الأعْوَادِ
                                    أرَأيْتَ كَيْفَ خَبَا ضِيَاءُ النّادِي
جَبَلٌ هَوَى لوْ خَرّ في البَحرِ اغتَدى
                                    مِنْ وَقْعِهِ مُتَتَابِعَ الإزْبَادِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ حَطِّكَ فِي الثَّرَى
                                    أَنَّ الثَّرَى يَعْلُو عَلَى الأَطْوَادِ
بُعْداً لِيَوْمِكَ فِي الزَّمَانِ فَإِنَّهُ
                                    أَقْذَى العُيُونَ وَفَتّ فِي الأعْضَادِ
لا يَنْفَدُ الدّمْعُ الذِي يُبْكَى بِهِ
                                    إنّ القُلُوبَ لَهُ مِنَ الأمْدَادِ
كَيْفَ انْمَحَى ذَاكَ الجَنَاب ُوَعُطِّلَتْ
                                    تِلْكَ الفِجَاجُ وَضَلَّ ذَاكَ الهَادِي 

إلى أن يقول:

الفَضْلُ نَاسَبَ بَيْنَنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ
                                    شَرَفي مُنَاسِبَهُ وَلا مِيلَادِي
إنْ لمْ تكُنْ مِنْ أُسرَتِي وَعَشِيرَتِي
                                    فَلَأَنْتَ أَعَلَقُهُم يَداً بِوِدَادِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِي الأُصُوْلِ فَقَدْ وَفَى
                                    شَرَفُ الجُدُوْدِ بِسُؤْدَدِ الأَجْدَاد[12] 

أسباب ضياع الأصدقاء

هناك من يكسب أصدقاء لكنه لا يحتفظ بهم، بل يخسر أصدقاءه، وقد عبّر عنه الإمام علي فيما روي عنه أنه (أَعْجَزُ النَّاسِ)، وهناك عوامل وأسباب لخسارة الأصدقاء، لعلّ من أبرزها ما يلي:

1/ عدم مراعاة حقوقهم

للصديق حقوق تجب مراعاتها، عن الإمام علي : «وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ»[13] ، فللصديق احترامه وتقديره، فإذا لم تراعِ حقوق الصديق، فإنك تفقده.

وعن الإمام الكاظم : «لَا تُذْهِبِ الْحِشْمَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَخِيكَ، أَبْقِ مِنْهَا؛ فَإِنَّ ذَهَابَهَا ذَهَابُ الْحَيَاءِ»[14] .

2/ الانفعال وضيق الصدر

الأصدقاء بشر، يصدر منهم الخطأ والزلل، والعاقل لا بُدّ أن يكون مستعدًّا لتجاوز الأخطاء والزلات.

عن الإمام علي : «مَنْ جانَبَ الإخْوانَ عَلى كُلِّ ذَنْبٍ قَلَّ أصْدِقاؤُهُ»[15] .

وعنه : «اِحْتَمِلْ أَخاكَ عَلى ما فيهِ، وَلا تُكثِرِ العِتابَ؛ فَإِنَّهُ يورِثُ الضَّغينَةَ»[16] .

وعن الإمام الصادق : «مَنْ لَمْ يُؤَاخِ إِلاَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيْهِ، قَلَّ صَدِيْقُهُ»[17] .

3/ الجفاء والقطيعة

من الطبيعي أن تنتهي العلاقة بين الأصدقاء إذا شابتها حالة الجفاء والقطيعة، حيث لا يكون لها وجود، وذلك يحرم الإنسان من مكسب حصل عليه، ورد عن رسول الله أنه قال: «إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الإِخَاءِ الْقَدِيمَةِ، فَدَاوِمُوا عَلَيْهَا »[18] .

فعلى سبيل المثال: المبتعث الذي يعيش في أمريكا أو اليابان أو أوروبا عدة سنوات، لا بُدّ وأن يتعرف على أساتذة وعلى زملاء، فهل يلغي قائمة أصدقائه بمجرد انتهاء بعثته؟!

هذا غير مناسب، بل ينبغي للإنسان أن يحافظ على الصداقات التي يحرزها، فإذا كان صنع الصداقة مع الآخرين مكسبًا مهمًّا، فإنّ الحفاظ على هذا المكسب هو التحدي الكبير، ومن يفرّط في أصدقائه ويضيعهم، يكشف عن عجز وضعف كما يقول الإمام علي : «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ»[19] .

علينا أن نهتم بهذا الجانب، وأن نعلم أن هذا أمر يرضي الله سبحانه وتعالى، وتنال عليه الأجر والثواب وفيه فوائد دنيوية وأخروية، وأن نربي أبناءنا على كسب الأصدقاء، وأن ننشر ثقافة الصداقة والإخاء في مجتمعاتنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإيّاكم للالتزام بمكارم الأخلاق، إنه ولي التوفيق.

* خطبة الجمعة بتاريخ 21 ذو القعدة 1439هـ الموافق 3 أغسطس 2018م.
[1]  نهج البلاغة، حكمة: ١٢.
[2]  كنز العمّال: ج9، ص4، ح 24642.
[3]  الآمدي: غرر الحكم ودرر الكلم، ص636.
[4]  نهج البلاغة، حكمة: ١٢.
[5]  كنز العمّال: ج9، ص38، ح 24823.
[6]  تحف العقول: ص319.
[7]  الشيخ الصدوق: من لا يحضره الفقيه، ج4، ص381، ح5826.
[8]  المحدث الأربلي: كشف الغمة في معرفة الأئمة، ح2، ص659.
[9]  الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج8، ص501، باب 101: استحباب سؤال الصاحب والجليس عن اسمه وكنيته...، ح4.
[10]  من لا يحضره الفقيه، ج4، ص354، ح5762.
[11]  المصدر السابق، ج2، ص274، ح2423.
[12]  ديوان الشريف الرضي، ج1، ص294.
[13]  نهج البلاغة: كتاب: 31.
[14]  الكافي: ج2، ص672، ح5.
[15]  عيون الحكم والمواعظ، ص443.
[16]  عيون الحكم والمواعظ، ص519.
[17]  الديلمي: أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص304.
[18]  كنز العمّال: 24759.
[19]  نهج البلاغة، حكمة: ١٢.