للوردة أشواك

 

 

مع مرور الوقت، وبلوغ الستين من العمر، يزداد قلق الأنسان من الموت، تعتريه موجة من الحزن والرغبة في تكثيف العبادة، ويزداد هذا الشعور عمقاً عندما يعتري جسده مرض ما، فيتمدد على سريره يفكر أن الموت قادم بأي لحظة ليخطف أنفاسه.

وهناك فئة شابة في أعمار الزهور أصبحت الحياة لهم كابوسا، ويرون بالموت سر سعادتهم التي لم يجدوها بالحياة، وبها الخلاص وراحة البال من الهموم والمشاكل التي فشلوا في تحملها، فيستعجلون الموت بأيديهم بالانتحار في لحظة ضعف ويأس.

هل خلقنا الله ليعذبنا؟ ما الهدف من خلقنا بدنيا ممتلئة بالامتحانات؟ هل نحب الله أم نخافه؟ أحقاً السعادة فقط بالجنة؟ أتوقع واحدة من تلك الأسئلة خطرت ببالكم الآن.

في محاضرة الشيخ حسن الصفار بعنوان «فلسفة الحياة» حاول أن يوضح أبسط الإجابات لتلك الأسئلة. بدأ حديثه بمفهومية رحلة حياتنا التي يقدرها الله وليست بأيدينا تقديرها، ولكن علينا أن نعرف طبيعة هذه الحياة وهدف وجودنا فيها، عندها سنفهم كيفية التعامل الأصح معها.

أشار الشيخ الصفار أن الإنسان يمر بمراحل في حياته، تعتريها شيء من المشقة. تبدأ من الولادة والمهد إلى البلوغ والكهولة والموت. يرى الناس أن الألم الذي يوضع بمراحل حياتهم هي عقبات لمنع وصولهم للسعادة أو كعقاب لسوء قد أقترفته أنفسهم وقليل منهم من يراه خيراً لهم.

إن الطريقة التي نرى الله فيها هي خلل أفكارنا، فإذا رأينا الله بعين المحبة والرحمة فإننا نرى البلاء والنعمة خيراً بسواسية وأي نظرة غير هذه ستخلق الرعب وسوء الظن بالله، لقد كرم الله بني آدم بنعم كثيرة وحمله أمانات عظيمة لم تقو الجبال على حملها، مع هذه المكانة العالية يجب أن نكون ممتنين لمحبة الله لنا، فهو ينظر بعين الرحمة في أعماق قلوبنا دائما.

لنا رب كريم وعدنا الخير عند شكره «ولئن شكرتك لأزيدنكم» وبشرنا بالخير عند الصبر على بلائه «أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة»

هل الخالق الذي يكرم عباده بفيض من نعمه هكذا خلقهم ليعذبهم ويهينهم؟

لخلق روح جديدة يجب أن يكون هناك ألم الولادة. للإحساس بقيمة النعم يجب أن تعش تجربة فقدها، أن تتحمل المصائب لا يعني أن تراها بجانبها السلبي بل يجب ان تكون ثاقب النظر للأمام حيث ترى النتيجة النهائية لتحملك. هناك من يضع تركيزه على ظلمة الليل ويعيش الخوف في وحشته وهناك من ينتظر النهار رغم سواد الليل فيعيش مطمئناً، لأنه يعلم أن الفجر بازغ مهما طال الليل فأيهما أنت.

تطرق الشيخ الصفار إلى الهدف من معرفة طبيعة الحياة للبشر، وهو جزء مهم جداً لأن معرفتك لطبيعة حياتك ستقودك لحب الله، وكان أبرز الأهداف هو تهيئة الإنسان النفسية والعملية بوجود بعض المشقات التي قدر تلاقيه في مسيرة حياته لكنها ستجعله أكثر نضجا ووعيا وقوة يجب أن تكون رحلتك من داخلك أساسها حسن الظن بالله عندها تستطيع تخطي العقبات وستتجنب الصدمات واليأس والاحباط.

قدم الشيخ الصفار حقيقة قد يجهلها الكثيرون هي أن الله لم يخلق بني آدم لإيذائه بل ليبرز طاقته وينضج فكرة ويبلور إرادته ويعتصر ذهنه ومعرفته ليؤدي أي امتحان يصادفه بيسر وسهولة وأحيانآ عليك التضحية بالمال أو المتعة أو الصحة التي سيعوضك الله أضعافا منها بإذنه.

إن الدنيا ليست نارا لتحرقنا بهمومها، إن الحياة هي النور الذي نشعله لينير دربنا وصولا إلى دار الخلد والسلام، لذلك قيمة يوم بالدنيا أثمن من يوم في الآخرة، لأن أيام الدنيا هي التي سترزقنا فيوضات الآخرة، لذلك ليكون دعاؤنا بتيسير أمورنا وتخفيف بلاءاتنا لا منعها لأن طبيعة الدنيا قائمة بها «اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه»

ويقدم لنا الشيخ الصفار الحسين   كقدوة في ملحمة الصبر والرضا والمثول لقضاء الله وعدله، يخرج من مكة ليس خوفا من الموت لأنه مدرك أنه لاقيه «خطّ الموت على وُلد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة»؛ لكنه خرج ليحافظ على حرمة بيت الله وأن لا يستباح بها دمه بعدما علم أن يزيد وأتباعه قرروا قتاله.

لنأخذ من مبادئ عاشوراء الحسين خطوة للتقرب السليم من الله فهناك من يرى أن الله غير عادل برزقه فيمتحن البعض بالفقر والمرض ويمنح آخرين الثروة والصحة، ويظنون أن الغني في راحة والفقير في مشقة وهذا فكر الجاهلين.

إن الله يعاملنا على حدة لأننا جزء من نظام متقن يسير بكمال يوزع فيه الأرزاق بدقة عظيمة عادلة لا ظلم فيها، ولم يجعل الله الكمال في النعم لدينا، لذلك بالدعاء نرزق مالا نملك وبالمعصية نفقد ما نملك. ولا يغرنك ظاهر الأمور فلا الغني بلا وجع ولا الفقير بلا هم خلقنا جميعا في نقص لنحتاج الله دائما ونرى عظمة لطفه وكرمه.

وفي النهاية رحلتنا مقدرة بيد الله الذي يعرف متى تبدأ ومتى تنتهي وأين ومتى وكيف... لذا عش أكثر هدوءا وواقعية وإطمئنانا وتعلم أن للوردة أشواك يجب أن تتقبلها وتتحملها لكي تقطفها. كذلك هي الجنة تسبقها درجات يجب أن تسعى جاهدا لمحاولة تسلقها للوصول بنجاح.

نحن نذكر الشيطان دائما في ألسنتنا نرى الجانب الظال لنا فقط. وقليل ما نردد اسم الملائكة وننسى أن الله حتى بهذا الامر عادل. فكما وجد الشيطان وجدت الملائكة وهم حفظتنا، ولكن سواد بصيرتنا يجعلنا ننسى ذلك.

تقبل مساوئ الحياة وحسناتها وكن كجناح الطير تتوازن بهما. وستصل إلى ما تريد مهما طال الطريق فسماء الله واسعة برحمته تتسع للجميع

واعلم أن الدنيا ما خلقت إلا لتتربح بها بتجارة مع الرحمن أرباحها مخلدة لك وما عليك إلا اتباع قواعدها.