الجمال الخفي

 

 

وصل على الموعد المحدد، تبادلنا أطراف الحديث وصولاً لموضوع زواجه. سكت لبرهة وعلامات القلق في صوته فسألته، لماذا رفضت الفتاة التي قابلتها مؤخرا؟

رفع عينيه باتجاهي، وقال عشت في أوروبا لسنوات رأيت فيها أصناف الفتيات الجميلات وذوات الأخلاق، لم أرغب بالزواج منهم لعدم تدينهم، أردت فتاة محتشمة من بلادي تسير معي بزواج ناجح برضا الله.

رشحتها والدتي وقابلتها كفتاة متدينة محتشمة الملابس من الخارج ولكنها عارية التدين من الداخل وهذا الطراز لا يعجبني. استغربت جوابه لأن أسرة الفتاة عُرف عنها الطيبة والسمعة الحسنة والتدين فطلبت منه توضيحاً أكثر.

هي شابة جميلة الشكل؛ لكنه جمالا خارجيا مبطنا يخفي فكرا منحرفا، زاد أهلها في تدليلها، سافرت أوروبا كثيراً، جذبتها ثقافة الغرب المخادعة، دخلت تمشي باتجاهي بخطوات متمايلة غير معتبرة لعباءة العفة التي ترتديها. كانت حواراتها بقناعات وأفكار مسممة غير صالحة لتناسب هويتنا الدينية، ولا تجلب إلا الفساد الأخلاقي. خالفتها الرأي واعتبرت كلامي حكما ومثاليات لا يعاش بها بعالم الواقع. أريد فتاة بجمال حقيقي نابع من طهارة فكرها القريب من الله.

هذا الشاب واحد من مجموعة مروا بنفس التجربة، يؤسفني حقاً وجود هذه المشكلة الخطيرة داخل بيوتنا التي تستحق تسليط الضوء عليها بقوة،

وهذا ما فعله مشكوراً سماحة الشيخ حسن الصفار في محاضرة جميلة بعنوان «تحديات الالتزام الديني والأخلاقي»

بدأ محاضرته بالصراع الديني القائم بين ثقافات الأمم اليوم، خاصة بعد أن غزت المفاهيم الغربية عقول شبابنا من كل الأبواب الممكنة محاولة تشويه المعتقدات الدينية باسم التقدم والتحرر، كل العصور السابقة مرت بتكلف للحفاظ على عقائد الدين لكن عصرنا الحالي هو الأكثر كلفة بسبب تحديات هذا العصر.

كما أكد الشيخ على أن الفكر الإنساني صار مشوشاً في ظل هذا الغزو ألا أخلاقي المقصود والمصوب نحو عقيدتنا، وأصبح «الإلحاد» موجة قوية تعصف بعقول أبنائنا هدفها إغراقهم ونزع الدين الإسلامي من صميم فكرهم، فزادت كتب الإلحاد وترجمت بعدة لغات؛ لتزين أفكارهم المدفونة في كلمات كتبهم المنتشرة بخطة مدروسة تقنعهم أن لا وجود لشيء يسمى الله بيننا.

كما أن هناك هاوية أخرى من تأثير الثقافات الغربية متمثلة بالترويج للإباحية والمثلية الجنسية؛ ليغيروا برمجة العاطفة الحقيقية الطبيعية بعقولنا. ومن جهة أخرى تسير عصابات المافيا كأفعى سامة تنشر سمها بأجساد أبنائنا مفسدة العقل والجسد معاً؛لتدمر الطاقات البشرية المسلمة.

ولم تكن الضغوظ السامة من الخارج فقط بل كان للتطرف الديني من داخل على الدول المسلمة آثار مدمرة من الإرهاب التي كافحت الحكومات العربية جاهدة للتخلص منه ولكن أفكاره مازالت متواجدة بالخفاء بيننا.

أكد الشيخ الصفار على ضرورة التخلص من التنمر داخل منازلنا ومدارسنا وأعمالنا؛ لخلق جيل بثقة وشخصية قوية لا تتأثر بإشعاعات الغرب المفسدة، يجب أن تزال أفكار القلق من المستقبل وفرص العمل من عقول الناس، بتوفير الدولة أعمال تتسع للأغلبية العظمى من الشعب فتقلل بذلك هجرة الموهوبين والأكفاء للدول الغربية بحثاً عن لقمة العيش الكريمة.

حرص الشيخ على التأكيد بأن صمود الإسلام أمام التيارات المخالفة له، لا يحتاج إلى شعارات فقط بل إلى عمل جماعي ووحدة دينية. الإسلام وضع كآخر الديانات والقرآن جاء مناسب لكل الأزمنة؛ لذلك يجب أن يكون الدين قويا في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية له بقوة كتاب الله وسنة نبيه.

هناك الكثير من التشريعات الدينية غير المفهومة ولا مانع من طرح التساؤلات فيها لأزالة الغموض عنها، وكثيرة هي الأسئلة الذاتية من النفس أو النابعة من جهات أخرى هدفها التشكيك في المعتقدات الدينية التي يجب محاربتها بتوضيحها لا الهرب منها.

ومن هذا المنطلق حرص الشيخ على ترديد مقولة الإمام علي كرم الله وجهه «لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم» فعلاً فالعصر الحديث لا تفيده كل الحقائق القديمة ووجب مواكبة التحديث بتشريعات جديدة تناسب هذا النمو، فبعض الكتب القديمة التي كانت سبب لهداية الناس قد تكون اليوم سبب في ضياعهم وحيرتهم.

ومن هذا المنطلق يناشد الشيخ الصفار المؤسسات الدينية توفير كتب مكتوبة إلكترونياً أو ورقياً ودروسا متجددة لخدمة فئات المجتمع مستفيدين من التطور التكنلوجي في ذلك، كما

وشدد على ضرورة التربية السليمة بالبيت ومتابعة توجهات الأبناء واهتماماتهم، فالأفلام الأجنبية تحوي أفكارا غربية كثيرة؛ لتبين للشباب خاصة أن المجتمع الغربي هو الأفضل رغم أن سحب المشاكل الأخلاقية تمطر على حياة الغربيين، فالتحرش الجنسي هو الأعلى أنتشاراً في دولهم ففي فرنسا حالة اغتصاب كل سبع دقائق.

بالإقناع ولغة الحوار الجيدة والتربية يفهم أبنائنا أنهم ليسوا أحرارا فيما يفعلون وأن الحرية لا تعني الانحراف، فيجب الالتزام بقواعد الدين الإسلامي التي يحرص الغرب على تشويهها باعتبارها أغلال برقبة المسلم، يجب تعديل هذه الأفكار الرجعية بتعبئة أخلاقية من الأسرة والمؤسسات الاجتماعية، مؤكدا على أن المرأة الغربية لا تملك الشخصية المقدرة والمحترمة مثل الحقوق المعطاة للمرأة المسلمة لذا وجب الحفاظ على هذا بالحشمة المطلوبة من نسائنا وبناتنا.

إن موسم عاشوراء هو إحدى التعبآت الدينية التي تسد بؤرات الفساد، من خلال المنابر الحسينية ومحاضرات رجال الدين الأفاضل، منهم سماحة الشيح الصفار جاء كمنارة النور لأولادنا الذين جذبهم بريق الفكر الغربي، شيخ ذو مقام عال وثقافة مميزة، ابتعد عن التشدد وفتح باب مجلسه لأسئلة الجميع؛ لينزع الحيرة بينهم وليخلق جيلا قويا ذا مناعة مرتفعة لمواجهة أي حروب فكرية، من خلال مناقشات ومحاضرات هادفة بأسلوب متجدد مقنع طوال موسم عاشوراء الحسين.

ليكن كل واحد منا نموذجاً يحتذى به كانعكاس للعقيدة الإسلامية، إن الدين الإسلامي لا يمنع السعادة والمتعة، بل هو طريق منظم قوانينه لمصلحة الفرد. وأن تكون مسلما أنت تملك بذلك رصيدا مفتوحا من المميزات التي تجعلك فخوراً بدينك، إن المعركة مع الاتجاهات الغربية مفتوحة سننتصر بها بسلاح واحد متركز حول اتباع تعاليم الدين والمفاهيم العالية الجميلة فيه من الداخل والخارج معاً معتز بأغلى شيء تملكه وهو الدين الاسلامي.