حسن الصفار متحدثا عن السلم الاجتماعي ومقوماته

صحيفة الوطن الأحساء: علي الموسى

 

تحت عنوان (السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته) تحدث الشيخ حسن الصفار في أحدية الدكتور راشد المبارك في الرياض بحضور جمع كبير من المفكرين والمثقفين والمهتمين بالشأن العلمي والأدبي.

وقد أشار المحاضر في بداية محاضرته إلى أن تحقق السلم الاجتماعي عامل أساس لتوفير الأمن والاستقرار في المجتمع، وإذا ما فقدت حالة السلم والوئام الداخلي أو ضعفت، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هو تدهور الأمن وزعزعة الاستقرار، حيث تسود حالة الخصام والاحتراب، فيسعى كل طرف لإيقاع أكبر قدر من الأذى والضرر بالطرف الآخر، وتضيع الحدود، وتنتهك الحرمات، وتدمّر المصالح العامة، حين تشعر كل جهة أنها مهددة في وجودها ومصالحها، فتندفع باتجاه البطش والانتقام وإحراز أكبر مساحة من السيطرة والغلبة.

وذكر الصفار اختلاف الأوضاع والظروف في البلدان التي ابتليت بفقدان السلم الاجتماعي والوقوع في فخ الاحتراب والتناحر نظراً لاختلاف البلدان ما بين بلد فقير وآخر غني، وبلد آسيوي وآخر أفريقي، وبلد تتنوع فيه الأعراق، وآخر ينتمي مواطنوه إلى عرق واحد وقومية واحدة، وبلد تتعدد فيه الأديان والمذاهب وآخر يسوده دين واحد ومذهب واحد وهكذا مما يعني أن الخطر قد يدهم أي مجتمع لا يمتلك المناعة الكافية، ولا يتسلح بقوة السلم الاجتماعي المتين.

وبين الصفار أنه تكرر الحديث عن السلم والسلام في أكثر من خمسين آية في القرآن الكريم، موضحاً أن الإسلام يوجه الأمة المسلمة إلى إنشاء العلاقات السلمية القائمة على البر والقسط والإحسان مع الأمم الأخرى، أما المواجهة فهي محصورة في حدود من يمارس العدوان ضد الإسلام والمسلمين، أو يمنع حركة الدعوة إلى الله تعالى، وحتى لو نشبت الحرب والمعركة مع المعادين المعتدين فإن الإسلام يشجع على اغتنام أي فرصة لإيقاف الحرب والقتال إذا ما أظهر الطرف الآخر إرادته في التراجع عن عدوانه والرغبة في إقامة علاقات سلمية.

وأكد الصفار أنه إذا كانت هذه دعوة الإسلام على المستوى العالمي وفي العلاقة بين الأمة وسواها، فمن الطبيعي أن تكون أكثر تأكيداً وإلحاحاً على الصعيد الداخلي. لذلك تناولت العديد من آيات القرآن الكريم وتشريعات الإسلام قضية الوحدة والوئام والسلم ضمن الكيان الإسلامي. مبيناً أن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أمر واضح ودعوة صريحة للالتزام بالسلم الاجتماعي، وتقريره كشعار للمجتمع، وتحذير من الانزلاق عن مساره، وأن صفاء أجواء المجتمع من العداوات والصراعات، يجعله مهيئاً للتعاون والانطلاق، ويحفظ قوته من الهدر والضياع، لذلك كان من الطبيعي أن تسعى القوى المناوئة لأي مجتمع من أجل تمزيق وحدته وإثارة العداوات بين فئاته، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ.

وأوضح الشيخ حسن الصفار أن من أهم مقومات السلم الاجتماعي السلطة والنظام، حيث لا يستغني أي مجتمع بشري عن سلطة حاكمة ونظام سائد، يتحمل إدارة شؤون المجتمع، وتعمل القوى المختلفة تحت سقف هيبته. وإلا كان البديل هو الفوضى، وتصارع القوى والإرادات.

مبيناً أنه كان من سمات حياة العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، غياب السلطة المركزية، حيث كانوا يعيشون وضعاً قبلياً تسوده النزاعات، وتكثر فيه الحروب، ولا يخضع لنظام أو قانون، إلا بعض التقاليد والأعراف التي لا تصمد أمام نوازع الشر، وغرور القوة.

وبسبب ذلك لم يكن لهم كيان ولا شأن بين الأمم، وحينما جاء الإسلام استوعب تلك القبائل المتناحرة، ووحدها تحت لوائه، وصنع منها أمة متماسكة لم تلبث أن أخذت بأزمة قيادة العالم. وأشار المحاضر إلى أن من مقومات السلم الاجتماعي العدل والمساواة فالمجتمع الذي يتساوى الناس فيه أمام القانون، وينال كل ذي حق حقه، ولا تمييز فيه لفئة على أخرى، هذا المجتمع تقل فيه دوافع العدوان، وأسباب الخصومة والنزاع، أما إذا ضعف سلطان العدالة، وحدثت ممارسات الظلم والجور، وعانى البعض من الحرمان والتمييز، وأتيحت الفرصة لاستقواء طرف على آخر بغير حق.

فهنا لا يمكن التوفر على سلم اجتماعي، وحتى لو بدت أمور المجتمع هادئة مستقرة، فإنه استقرار كاذب، وهدوء زائف، لا يلبث أن ينكشف عن فتن واضطرابات مدمرة. من هنا جاء تأكيد الإسلام على ضرورة العدل وأهميته في حياة البشر، واعتبره هدفاً أساساً لبعثة الأنبياء وإنزال الشرائع وأكد الصفار على أن المجتمع هو عائلة كبيرة، وعدم المساواة بين أبنائه، وتمييز بعضهم على البعض الآخر، جور يزرع الضغائن والأحقاد، ويضعف حالة المودة والإخاء. موضحاً أن الطرف الذي يحظى بالامتيازات يشعر بالحصانة والعلو تجاه سائر الأطراف، مما قد يدفعه للطغيان والعدوان، كما أن الطرف الذي يقع عليه التمييز يشعر بالغبن والاضطهاد، فيضعف ولاؤه لمجتمعه ووطنه، ويتحيّن الفرصة للانتقام وإعادة الاعتبار، وقد يفتش عن جهات داخلية أو خارجية يستقوي بها، مما يخلق ثغرة في أمن المجتمع والوطن، تنفذ منها مؤامرات الأعداء ودسائسهم كما ذكر المحاضر أن من مقومات السلم الاجتماعي أيضاً.الوطن

ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع فإذا كان المجتمع يعيش نوعًا من التنوع والتعدد، في انتماءاته العرقية أو الدينية أو المذهبية، أو ما شكل ذلك من التصنيفات، فيجب أن يشعر الجميع وخاصة الأقليات بضمان حقوقها، ومصالحها المشروعة، في ظل النظام والقانون ومن خلال التعامل الاجتماعي.

وهذا وإن كان متفرّعاً عن موضوع العدالة والمساواة، لكن أهميته تقتضي التركيز عليه. فعلماء الاجتماع يصنفون المجتمعات من حيث درجة تنوعها وانسجامها إلى ثلاثة أصناف:

المجتمع المتجانس ولا يوجد في العالم مجتمع واحد متجانس كليًا وبشكل مطلق وإنما يقصدون به التجانس النسبي وليس المطلق، وهو الذي يتكون من جماعة واحدة منصهرة اجتماعيًا وثقافيًا، فتتوحد الهوية الخاصة والعامة في هوية واحدة جامعة وتسود في هذا المجتمع عملية الانصهار.

المجتمع الفسيفسائي وهو الذي يتألف من عدة جماعات تغلب هويتها الخاصة على الهوية العامة، وتتصف العلاقات فيما بينها بالتراوح بين عمليتي التعايش والنـزاع وعدم الاتفاق على الأسس.

المجتمع التعددي وهو الذي يتشكل من عدة جماعات تحتفظ بهويتها الخاصة ولكنها تمكنت من إيجاد صيغة تؤلف بين الهوية الخاصة والهوية العامة، لكنها قد تتعرض لهزات بسبب تدخل خارجي أو تسلط لجهة داخلية على حساب أخرى. فمع وجود التنوع والتعدد في المجتمع، لا بد من ضمان الحقوق والمصالح المشروعة للجميع، ليعيش الجميع في إطار المصلحة المشتركة، وفي بوتقة الوطن الواحد. ومبادئ الإسلام وشرائعه العظيمة تقدم النموذج الأرقى للتعايش بين الناس على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم، على أساس العدل والمساواة، وضمان الحقوق والمصالح المشروعة للجميع.

وختم الصفار محاضرته بقوله: أما عن التعامل مع فئة من المسلمين لها مذهب أو مسلك مخالف. ففي سيرة الإمام علي مثل إنساني حضاري رائع. حيث كان حريصا على حماية حقوق ومصالح مناوئيه من الخوارج، مع ما أظهروه من معتقدات مخالفة لما عليه جمهور الأمة. بهذه المقومات يتجذّر السلم في المجتمع، وتوصد أبواب الفتن والنزاع، وإذا حصلت بادرة من بوادر الشر أمكن تطويقها ومحاصرتها، وهبّ الجميع لمقاومتها.

وقد أعرب المداخلون عقب المحاضرة عن ارتياحهم وتقديرهم للأفكار التي قدمها الصفار في محاضرته والتي تدعو إلى توثيق عرى الوحدة بين أبناء الأمة والوطن، وتجنب مزالق الفتن والصراعات، التي تستهلك الجهود، وتوجب الخلل والضعف في استقرار المجتمع وأمنه، وتعرقل مسار التنمية والتقدم. كما دارت الحوارات حول سبل ووسائل تجاوز الخلافات المذهبية والطائفية، وحول بعض المؤاخذات والشائعات حول هذا المذهب أو ذاك، حيث أكدّ الصفار والأساتذة المشاركون على ضرورة تجاوز هذه الإثارات التحريضية، واستبدالها بالحوار الموضوعي البناء، من أجل مزيد من الفهم والتفاهم، وأن يتم التركيز على هموم الحاضر وتطلعات المستقبل بدل الاستغراق في مشاكل الماضي.

 

صحيفة الوطن السعودية: العدد (227) السنة الأولى الاثنين 20 صفر 1422هـ الموافق 14 مايو 2001م.