رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية بالبحرين يؤكد أن قضية الأحول الشخصية مثار جدل منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين

مكتب الشيخ حسن الصفار
القطيف: حسين الشيخ

أكد سماحة الشيخ حميد المبارك رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية بالبحرين على أن قضية الأحوال الشخصية مثار جدل منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، جاء ذلك في مجلس سماحة الشيخ حسن الصفار بالقطيف، ضمن ندوة حضرها جمع من العلماء والخطباء من المنطقة (البحرين، الأحساء، القطيف) وقد تحدث لهم عن الأوضاع الأخيرة التي تشهدها الساحة البحرينية وذلك مساء الجمعة ليلة السبت الموافق 1 ذو القعدة 1426هـ - 3 ديسمبر 2005م. وكان عنوان الندوة: «قانون الأسرة والأحوال الشخصية»، الذي كان سببًا لخروج المظاهرات الكبيرة التي شهدتها البحرين في الأيام القليلة الماضية.

فبعد تلاوة عاطرة لآيات من الذكر الحكيم قدّم سماحة الشيخ حسن الصفار للمحاضر بمدخل عرض فيه لأوضاع الطائفة في منطقة الخليج وعلاقتها بالأنظمة الحاكمة، فذكر أنها مرت بمراحل ثلاث، تميزت أولاها بالجمود والانقطاع بين الأنظمة وأبناء الطائفة، تلتها مرحلة الصراع والتأزم في العلاقة، إلى أن وصلنا إلى المرحلة الحالية التي من غير المفيد للجميع أن تكون علاقة انقطاع مع الأنظمة، وفي نفس الوقت أن لا تكون علاقة صراع، خصوصًا إذا نظرنا إلى ما يحيط بنا من تحديات، يمكن إيجازها في ثلاثة:

1. التطرف الديني والمذهبي الذي تشهده المنطقة، خصوصًا بعد احتلال العراق وظهور الصراع المذهبي على السطح.

2. تأكيد عنصر الوحدة بين المسلمين في مواجهة ما يخطط للمنطقة ككل.

3. ما يجب علينا فعله لبناء مجتمعاتنا وإصلاح شؤوننا الاجتماعية والمؤسسية.

ولأن البحرين تعيش وضعًا خاصًّا ضمن مجتمعات الخليج بسبب الانفتاح السياسي ولوجود أغلبية شيعية فيها جعلها محط نظر الحكومات الخليجية.

ومن هذا المنطلق يأتي اهتمام علماء ومثقفي المنطقة هنا بما يحدث من تطورات على الساحة السياسية بالبحرين لتداول الرأي والمشورة والإحاطة عن قرب بما يدور فيها من أحداث.

بعد هذا التقديم تفضل سماحة الشيخ حميد المبارك بشرح وافٍ عن مسألة قانون الأسرة والأحوال الشخصية بالبحرين، حيث قدّم للموضوع بالتنبيه إلى أن قضية تقنين الأحوال الشخصية لم تكن وليد اليوم، فبين فترة وأخرى يعاد طرح هذه القضية التي هي مثار جدل منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين.

الوضع القضائي البحريني


وقبل البدء في استعراض الأحداث الأخيرة بين سماحة الشيخ المبارك هيكلة القضاء البحريني، فذكر أن المحاكم في البحرين قسمان:

1. محاكم مدنية: تبحث في الأحوال العامة، كالاقتصاد والشأن الاجتماعي العام وما إلى ذلك.

2. محاكم شرعية: تبحث في الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والنفقة والإرث والرضاع وما شابهها.

وتضم المحاكم الشرعية: محاكم قضائية شرعية صغرى وكبرى ومحكمة استئناف، جميعها تبتُّ في قضايا الأسرة والأحوال الشخصية.

والمحاكم الشرعية منها ما يقع ضمن الدائرة السنية، وأخرى تقع ضمن الدائرة الجعفرية، وعدد القضاة الشيعة ثلاثة عشر وهناك سعي لزيادة العدد.

ونبّه بأن ما يميز القضاء في البحرين أنه مستقل تمامًا عن السلطة وعن القرار السياسي، خصوصًا القضاء الشرعي.

ولكن القضاء الشرعي في تناوله لقضايا الأسرة والأحوال الشخصية غير منضبط في قانون عام يشمل جميع المحاكم، بل يحكم فيها القاضي الشرعي بما يصل إليه رأيه.

ولهذا تأتي الدعوات إلى تنظيم وتقنين الأحوال الشخصية، وذلك لعدة مبررات ذكرها سماحة الشيخ، منها:

1. أن التقنين يساعد في محاسبة أي قاضٍ قد يخطئ في عملية القضاء.

2. أنه بسبب عدم تقنين الأحوال الشخصية لا يمكن للمحامي في بعض القضايا التنبؤ بحكم القاضي ومن ثم المدافعة عن المتهم، لعدم وضوح الحكم الذي سيصدره القاضي في القضية.

3. أن التقنين بصفة عامة سمة حضارية، من دونها يظل القضاء الشرعي مثارًا للهرج والمرج وذا سمعة مشوّهة.

وغيرها من المبررات التي رفعها المطالبون بتقنين القضاء الجعفري.

وفي قبال هذه الدعوات ترفض شريحة من العلماء أصل التقنين، وذلك إما التزامًا بالنظرة الشرعية التي تلزم القاضي ـ شرعًا ـ بأن يقضي حسب رأيه اجتهاداً أو تقليداً، لا ما تنص عليه مدونة قانونية معينة. وإما خوفًا من التعديلات التي قد يجريها البرلمان البحريني على مدونة قانون الأحوال الشخصية، لعدم وجود ضمانة دستورية بأن تكون بنود القانون القضائي ضمن الضوابط الشرعية.

وفي نهاية المطاف اتفقت الأغلبية العلمائية في البحرين على صياغة مسوّدة لقانون الأحوال الشخصية وفقًا للفقه الجعفري حسب آلية شرعية حددوها في بيان مشترك قبل شهر من هذا التاريخ، إيمانًا منهم بأهمية وضع قانون ينظّم عملية القضاء الشرعي في البحرين.

ولكن الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة البحرينية ربما كانت بدوافع الخوف من أن تكون هذه المسوّدة أو المدوّنة النهائية التي يقرّها البرلمان البحريني مروّجة لحالة الانفلات الأسري والأخلاقي في البحرين.

وهذا ما نفاه سماحة الشيخ المبارك، بل طمأن الحاضرين بأن هناك وعودًا من الملك البحريني بأن لا تكون هناك تغييرات جوهرية على المسوّدة المقدمة للبرلمان.

وشارك الشيخ المبارك في الحضور جمع من علماء البحرين، كان من أبرزهم سماحة الشيخ أحمد العصفور وسماحة الشيخ علي المبارك وسماحة الشيخ ناصر العصفور. كما حضر عدد كبير من العلماء والفضلاء من الأحساء والقطيف في طليعتهم سماحة السيد علي السيد ناصر السلمان وسماحة الشيخ علي المحسن المدن وسماحة الشيخ فوزي السيف وسماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل وسماحة الشيخ محمد علي الشيخ عبد المجيد وسماحة الشيخ حسن الراضي، حيث دارت بعض الحوارات والمداخلات حول موضوع المحاضرة، ثم تناول الجميع طعام العشاء، على شرف الضيف الكريم.

وهذا جانب من الصور: