الليلة الثانية: سماحة الشيخ الصفار يدعو أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لإيصال رسالة أهل البيت للبشرية جمعاء

القطيف: تركي مكي علي


دعا سماحة الشيخ حسن الصفار أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لإيصال رسالة أهل البيت للبشرية جمعاء، فأهل البيت ليسوا احتكاراً لأتباعهم فقط، فهم خيرٌ ونور لجميع المسلمين وللبشرية جمعاء. مشيراً أن الفرص في الماضي كانت محدودة أمام الآباء والأجداد، أما الآن فقد أصبحت الظروف أفضل.

وتحدث في الليلة الثانية من هذا الموسم (محرم 1427هـ) في (مأتم العدواني) بدبي، عن الإمامة الدينية لأهل البيت ، في محاضرة تضمنت ثلاثة محاور:




* معنى الإمامة الدينية وضرورتها.

* مؤهلات الإمامة لأهل البيت

* مدى استجابة الأمة لإمامة أهل البيت


المحور الأول/ معنى الإمامة الدينية وضرورتها.



أوضح سماحة الشيخ الصفار في بداية حديثه أن في حياة الأمة الإسلامية هناك مهمتان:

الأولى: مهمة التبيين لمعالم الدين وأحكام الشريعة، وهي المهمة الدينية بالمعنى الخاص للدين.

الثانية: مهمة القيادة لهذه الأمة، وتسيير أمورها.

وأضاف: الرسول الأعظم في حياته كان يجمع بين المهمتين، فكان يتلقى الوحي ثم يُبين للناس ما أنزل، يقول تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل، 44). وبذلك تتحقق مهمة التبليغ وتبيين الرسالة، وفي ذات الوقت كان القائد الأعلى للأمة. فهو حسب المصطلح الدارج اليوم يمثل القوة التشريعية والقوة التنفيذية للأمة إضافة لدور القضاء.

وفي إجابته على سؤال: ماذا بعد رسول الله ؟ قال: لا شك أن فراغاً كبيراً حصل للأمة بغياب رسول الله ، فمن يملأ هذا الفراغ؟ مبيناً أن هناك مدرستين حصلت في الأمة:

الأولى: ترى الفصل بين المهمتين، في مجال القيادة تختار الأمة لها حاكماً يحكمها، أو بأي طريقة يصل شخص للحكم ويدير شؤون الأمة دون أن تكون هناك منهجية واضحة ومحددة، (من تولى عليكم فاسمعوا له وأطيعوا). وفي مجال التشريع ترى هذه المدرسة أن هناك صحابة عاشوا مع رسول الله وسمعوا حديثه وتعلموا على يديه، فهم ينقلون للأمة والأمة تستفيد منهم، فليس هناك منهجية واضحة ومحددة. هذه المدرسة هي المدرسة التي سارت عليها ألأمة طوال حقبها المتعاقبة.

الثانية: مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وترى أن القيادة ينبغي أن يكون لها نهجٌ محددٌ وضوابط واضحة، وبالتالي لا تكون إلا بالنص، من قبل رسول الله بأمرٍ الله تعالى.

وركّز سماحة الشيخ الصفار حديثه على البعد الثاني وهو: من أين تأخذ الأمة معالم دينها؟ مؤكداً على حقيقة لا ينكرها أحد وهي أن رسول اله عاش في الأمة فترة محدودة، فهناك آثار من مرحلة الجاهلية، وهناك الكثير من القضايا والأحكام لا تزال الأمة في حاجة إلى أن تستوضحها أكثر، كما أن هناك مستجدات قد تطرأ على الأمة. فلابد من وجود جهةٍ ترجع إليها الأمة في أمور دينها (الإمامة الدينية)، مؤكداً أن ألإمامة الدينية هي المقوم الأساس للإمامة، في حين أن الإمامة السياسية مقوم ثانوي، وهذا هو الفارق بين الإمامة والخلافة، فالخلافة مقومها الأساس استلام السلطة، بينما الإمامة لا تتقوم على أساس استلام الحكم والسلطة: («الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»).

وتساءل: هل هناك ضرورة لكي تتحدد هذه الإمامة الدينية؟ وقال في إجابته: نعم، لأن الصحابة الذي عاشوا مع رسول الله قد لا يتفق فهمهم، وآراؤهم، وهذا ما حصل بالفعل. وإذا اختلفت الاجتهادات فبرأي من تأخذ الأمة؟

وأضاف: من ناحية أخرى، كيف نضمن أن هذا الرأي يكون صحيحاً وصائباً، ويكون مطابقاً لما أراده الله سبحانه وتعالى، لذا يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ (آل عمران، 7)، والمحكمات هي الآيات الواضحة التي لا تحتمل أكثر من معنى، كقوله تعالى:﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه، وهذه الآيات هي الأصل والأساس في القرآن الكريم، ولكن المتشابهات هي تلك الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، وأرجع البعض السبب في وجود الآيات المتشابهات كابتلاء وامتحان للناس فهل يُتعامل معها بشكلٍ موضوعي أو يكون هناك استرسال خلف الأهواء والشهوات. وذكر آخرون أن السبب في وجودها أ، تشعر الأمة بالحاجة إلى من يُبين لها هذه الآيات.

فماذا تصنع الأمة أمام هذه الآيات المتشابهات؟

وخاصةً في هذا العصر نجد أن الأمة عانت كثيراً من الآراء المسيئة للدين، كما يحصل من قبل الجهات المتطرفة الإرهابية التي تُمارس أعمالها الشنيعة معتبرة ذلك جهاداً وتضحيةً، وأنه الدين الصحيح.

مؤكداً أن صورة الإسلام بسبب ذلك تشوّهت في العالم، خاصةً وأن هناك جهات تنتظر الفرص في هذا الدين، وأشار إلى ما حصل في بعض الصحف الدنماركية والنرويجية من إساءة لمقام رسول الله ، مؤكداً أن هذه الجهات استغلت التصرفات المتطرفة لبعض الجهات المتشددة والإرهابية التي تمارس أعمالها باسم الإسلام.

وهذا يؤكد على ضرورة وجود مرجعية دينية، والسبب في ذلك:

أولاً- الوصول إلى الرأي الصائب والحق.

ثانياً- لمنع التمزق والاختلاف.


ولذلك قالت سيدتنا الصديقة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: (جعل الله إمامتنا أماناً من الفرقة).


المحور الثاني/ مؤهلات الإمامة لأهل البيت



قسم سماحة الشيخ الصفار مؤهلات أهل البيت (عليهم السلام)) للإمام إلى قسمين: مؤهلات ذاتية من خلال المستوى العلمي والإطلاع الحقيقي على معارف وأحكام الدين والتي لا يُنافسهم فيها أحد، ومؤهلات عبر النص الذي يكشف عن هذه المؤهلات الذاتية، فالنص يعني تأهيل أهل البيت (عليهم السلام) للإمامة.

المؤهل الأول: النصوص الواردة في دعوة الأمة للرجوع إلى أهل البيت .

أكد سماحة الشيخ الصفار أن هذه النصوص كثيرة ولم ترد في مصادر الشيعة فقط، وإنما وردت في المصادر المعتمدة عند جميع المسلمين، ومنها: الحديث الوارد عن رسول الله بعد حجة الوداع وفي منطقة (غدير خم)، حيث قال: («إنما أنا بشر يُوشك أن أدعى فأجيب، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»). فالكتاب وحده لا يكفي ليعصم الأمة من الضلال لأن هناك من يأتي فيتبع ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ (آل عمران، 7)، وبالتالي فإن خطر الضلال والانحراف وارد على الأمة.

واستطرد سماحة الشيخ الصفار في ذكر نماذج من هذه الأحاديث التي تؤكد على أحقية أهل البيت (عليهم السلام) بموقع الإمامة، وفيها دعوة صريحة لتعود الأمة في أمور دينها إلى أهل البيت. وذكر منها:

- حديث الثقلين: («إني مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»).

- حديث سفينة نوح: («أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى»).

المؤهل الثاني: سيرة أهل البيت وحياتهم التي تكشف عن مكانة في العلم والمعرفة بالقرآن والدين، ولا ينافسهم في ذلك أحد.

أكد سماحة الشيخ الصفار على عمق المكانة العلمية للإمام علي والتي تكشفها سيرته العطرة من خلال كلماته وتوجيهات رسول الله ، وكذلك المواقف التي خلّدها التاريخ من سيرة الإمام المباركة، فقد كان يقول: (أنا أعلم الناس بكتاب الله وتأويله)، ذكر النسائي في خصائصه هذا الحديث: «عن أبي سعيد الخدري قال: كنا ننظر رسول الله إذ خرج علينا وشسع نعله كان منقطعاً، فرمى به لعلي يخصفه، ثم جلس وقال: أما إن فيكم رجلاً يُقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلتهم على تنزيله) قال أبو بكر: أنا يا رسول الله. قال : لا. قال عمر: أنا يا رسول الله. قال : لا. قيل له: من؟ قال : ذاك خاصف النعل. »وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

وأضاف سماحته: إن مكانة الإمام علي وفضله لا يخفى على أحد ولا يستطيع أحد أن يُنكر ذلك، وتطرق إلى نصٍ في كتاب (مناقب الإمام أحمد بن حنبل) للحافظ الجوزي: أن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل يقول: سألت أبي أحمد عن التفاضل بين الصحابة ومن أفضلهم، قال: في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، قلت: أبه، فعلي! قال: يا بني عليٌّ من أهل بيت لا يُقاس بهم أحد.

وينقل الشيخ محمد أبو زهرة عن الإمام الشافعي في كتابه (حياة الإمام الشافعي) قوله: عليٌّ كان أعلم الصحابة بالقرآن والفقه، وقد كان يقضي في حياة رسول الله فتؤخذ قضاياه لرسول الله فيُمضيها.

وأضاف: ويكفي في توضيح مكانة الإمام علي العلمية المتميزة أن الآخرين من الخلفاء والصحابة كانوا يعودون إليه فيما أشكل عليهم من أمور الدين، وهذا أمر واضح. وجمع الشيخ نجم الدين العسكري في كتابه (عليٌّ والخلفاء) القضايا والمسائل التي عاد فيها الخلفاء للإمام علي و المذكورة في كتب المسلمين السنة، ففي عهد الخليفة أبو بكر أحصى (عشر) قضايا رجع فيها الخليفة للإمام علي ، وفي عهد الخليفة عمر (إحدى وتسعين) قضية وموقف! وفي عهد الخليفة عثمان (عشر) قضايا. وحتى معاوية بن أبي سفيان مع ما كان بينه وبين الإمام علي من النزاع والصراع فعندما أتته مسائل من ملك الروم ولم يستطع الإجابة عليها، بعث رسلاً للإمام علي حتى يُجيب عليها.

ويقول الدكتور ظافر القاسمي في كتابه (نظام الحكم في الإسلام): إن الخلفاء والصحابة كانوا يرجعون إلى عليٍّ في مسائلهم، ولم ينقل التاريخ ولا كتب السير أن علياً استشار أحداً في مسألة من المسائل.

وينقل التاريخ عن الخليفة عمر قولته المشهور: لو لا عليٌّ لهلك عمر. لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن علي.

وأوضح سماحته أن كل إمام من أئمة أهل البيت في عصره كانت كفاءته وعلميته واضحة، ولا يُقاس بها أحد.


المحور الثالث/ مدى استجابة الأمة لإمامة أهل البيت



عبر سماحة الشيخ الصفار عن أسفه لما حصل في العصور الغابرة وبسبب الطمع في السلطة والحكم من قبل الأمويين والعباسيين فلم يتركوا المجال أمام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لكي تستفيد الأمة من علومهم، فحاولوا أن يفصلوا الأمة عن أهل البيت ويحجبون أهل البيت عن الأمة بمختلف الطرق.

فالوعي لم يكن بالمستوى الذي يؤهل الأمة للاستفادة من أهل البيت (عليهم السلام)، وكانت العوائق التي صنعها الأمويون والعباسيون تحول دون ذلك أيضاً.

وأضاف: إن العهود الغابرة ألقت بظلالها على مستقبل الأمة، ولذلك تجد أحاديث وعلوم وتراث أهل البيت لم تأخذ موقعها المناسب في تراث المسلمين. وضرب سماحته لذلك مثالاً بصحيح البخاري، حيث ينقل ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه (فتح الباري في شرح أحاديث البخاري) أرقام الأحاديث الواردة عن الصحابة والتي رواها البخاري في صحيحه، فمثلاً:

- عن أنس بن مالك: 268 حديث.

- عن عبد الله بن عمر: 270 حديث.

- عن أبي هريرة: 446 حديث.

- عن أم المؤمنين عائشة: 224 حديث.

ولكن:

- عن الإمام علي بن أبي طالب : 29 حديث فقط.

- عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): حديث واحد فقط.

وهذا يكشف عن أن تاريخ الأمة لم يحفظ لأهل البيت (عليهم السلام) موقعيتهم الحقيقية على مختلف الأصعدة والجوانب، والخسارة تتحملها الأمة.

وأضاف سماحته: من هنا فإن مسؤولية الأمة وخاصة في هذا العصر مسؤولية كبيرة، ونحن الآن في عصر العلم والانفتاح والموضوعية، ولذلك فإن الأمة مطالبة بالبحث في هذه المعارف الدينية بموضوعية لتأخذ الأمة العلوم والمعرف من أهلها ومنابعها بالطرق السليمة الصحيحة وهذا في مصلحة الأمة والدين.

وعلى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أن يتحملوا مسؤوليتهم في مساعدة الأمة على اكتشاف تراث الأئمة، فأهل البيت ليسوا احتكاراً لأتباعهم فقط، فهم خيرٌ ونور لجميع المسلمين وللبشرية جمعاء.

مشيراً إلى أن الفرص في الماضي كانت محدودة أمام الآباء والأجداد، وكانت الظروف لا تتسع لأكثر من أن يُحافظوا هم على انتمائهم وولائهم لأهل البيت (عليهم السلام)، أما الآن فقد أصبحت الظروف أفضل.

مؤكداً أن موسم عاشوراء ينبغي أن يُستثمر لتفعيل الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) في داخلنا، ولإيصال رسالة أهل البيت (عليهم السلام) للآخرين من خلال مختلف البرامج والأنشطة.