تدوير النفايات وسلامة البيئة

 

﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[سورة الأعراف، الآية: 85].

خلق الله الكون والحياة بنظام متقن بديع، كما يقول الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ 

وطلب من الإنسان أن يحافظ على سلامة هذه البيئة، بعد أن سخّر له الكون وما فيه من ثروات وإمكانات، وأعدّها بهذا الشكل المتقن البديع، وهذا يشبه أن إنساناً يوفر لآخر مكاناً مرتباً مهيأً، ثم يطلب إليه الحفاظ على نظافة المكان.

بالطبع إنّ هذه الوصية في صالح هذا المستفيد، لأنه إذا حافظ على المكان نظيفاً أنيقاً، كان ذلك من أسباب سعادته.

الله سبحانه وتعالى يأمر الإنسان أن يحافظ على سلامة البيئة والطبيعة التي يعيش فيها، يقول تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا.

خلق الله لك بيئة صالحة، فيها كلّ المقومات التي تفيدك لبناء حياة سليمة قويمة، فحافظ على هذه الطبيعة ﴿ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ هذا لمصلحتكم؛ لأنكم ستعيشون في هذه الأرض، في رحاب هذه البيئة 

﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، ونستفيد من ذلك: إنّ الإيمان يستلزم ويستدعي الحفاظ على صلاح البيئة وحمايتها وسلامتها، فهذا السلوك من مظاهر الإيمان.

معنى الإفساد

«وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاح».

في الغالب يفهم الفساد والإفساد بالمعنى التقليدي، أي: لا تفعلوا المفسدات، المحرّمات والموبقات.

لكن المعنى أشمل من ذلك، الفساد هو: كلّ شيء يضرّ الحياة ويعكر الاستمتاع بخيرات الأرض.

وهكذا تقرر الآية أنّ من مظاهر إيمان الإنسان وانعكاساته، المحافظة على سلامة البيئة التي يعيش فيها.

دور الإنسان في المشكلة 

الإنسان بجشعه وسوء تصرفه يحدث في البيئة أضراراً فادحة، تنعكس أثارها السلبية على حياته، وفي عصرنا الحاضر أصبحت الأخطار البيئية المحدقة بحياة الإنسان كبيرة وخطيرة جداً، فمع هذا التطور العلمي والتوسع الهائل في الإنتاج الصناعي في مختلف المجالات، ظهرت أمام الإنسان أخطار تلوث البيئة وإفسادها، لذلك أصبحت هناك قوانين واتفاقات دولية حول سلامة البيئة، كاتفاقية المناخ التي انسحبت منها أمريكا مؤخراً.

هناك مؤتمرات تعقد من أجل سلامة البيئة وحماية المناخ، كما أن الشعوب الحية لديها أنشطة ومنظمات ومؤسسات مدنية أهلية من أجل الدفاع عن سلامة البيئة، تبدي رفضها واستنكارها ضد أي تصرف أو قانون أو إجراء يضر بالبيئة، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، تتحرك تلك الشعوب وتضغط من أجل محاربة كلّ ما يضرّ البيئة.

وتنقل نشرات الأخبار عن اجتماعات ومظاهرات كبيرة للاحتجاج على عدم الاهتمام بسلامة البيئة وحمايتها.

مشكلة النفايات

الحديث حول سلامة البيئة حديث واسع ذو أبعاد مختلفة، سنقتصر منه على نقطه واحدة، وهي مسألة النفايات وكيفية التخلص منها أو استثمارها.

النفايات: هي مخلفات وبقايا استخدامات الإنسان من المواد الزائدة وغير المرغوبة، من أكله وشرابه ولباسه وأثاث منزله والأجهزة التي يستخدمها، حيث تبقى أشياء زائدة غير مرغوب فيها. وقد أصبحت مشكلة كبيرة في العالم، وذلك للأسباب التالية: 

أولاً: النفايات هدر في الإمكانات، فهي تدلّ على أنّ الاستخدام البشري للمواد لم يكن مقنناً بالمستوى المطلوب، مما أدى إلى الاستهلاك الزائد، ثم محاولة التخلص منه.

ثانياً: تحوّل النفايات إلى عبء على البيئة، فلها أضرار وانعكاسات سلبية.

وحسب الإحصائيات فإن العالم ينتج العالم في المتوسط 2.01 مليار طن من النفايات في السنة الواحدة، وفي المملكة العربية السعودية يتجاوز حجم النفايات سنوياً أكثر من 16 مليون طن سنوياً!!.

ويتمثل علاج المشكلة في خطوتين مهمتين: 

الخطوة الأولى: تقليل النفايات، أن يقتصر الإنسان في مقتنياته على احتياجاته، فلا يأخذ أكثر من حاجته.

الخطوة الثانية: السعي لتدوير النفايات، والاستفادة منها.

عادات الاستهلاك

إنّ عادات الاستهلاك في بعض شعوبنا ومجتمعاتنا قائمة على كثرة الاقتناء، بخلاف المجتمعات الأخرى.

ترى الإنسان في تلك المجتمعات يذهب إلى السوق ليشتري من الطعام والفاكهة مقدار حاجته، ليوم أو يومين، بل تجد ما يثير العجب، عندنا حيث يشتري أحدهم حبة أو حبتين من الفاكهة!

بينما في مجتمعنا يفاخر المتسوق بملء سيارته بعدد كبير من الصناديق التي تحمل الأطعمة، وبعد أيام يبقى قسم من هذه الأطعمة فيتلف، ويكون مصيره إلى القمامة!!

وكذلك في المناسبات والولائم، نشاهد ما يتقطع له القلب ألماً!!

يقدّم الطعام في صحون كبيرة يزيد على الحاجة، فلا يستهلك منه إلّا النصف أو أقلّ، ويرمى الباقي في القمامة!! 

وفي بعض المناسبات يبقى عدد من الصحون لم يلمس، ويتحير به أصحاب المناسبة!!

وهكذا الحال بالنسبة إلى الملابس والأحذية، البعض يكدّس الملابس، وخاصة إذا كان مهتماً بالموضات الجديدة على مستوى النساء!.

لقد نشأت أعراف وتقاليد تُثقل كاهل الناس، والكلّ مستسلم لها، تشارك المرأة في حفلة زواج لإحدى قريباتها، فتشتري فستاناً تلبسه لحضور تلك الحفلة، وبعد فترة وجيزة تأتي مناسبة أخرى لزواج قريبة أو صديقة لها، فلا بُدّ أن تحضر المناسبة بفستان جديد!!

وهكذا تتكدس الملابس سنوياً دون استعمال، وهي بمبالغ طائلة!

وكذلك تتكرر المشكلة ذاتها في شراء واقتناء الأجهزة المنزلية والهواتف النقالة (الجوال)، في كلّ موسم تعلن الشركات عن شكل جديد وموضة حديثة، والناس يتفاعلون مع هذه الإعلانات والدعايات، وتكون النتيجة هذه الكمية الهائلة من المخلفات والنفايات!!.

سياسة التقادم المخطط 

في عشرينات القرن الماضي، لاحظت كبرى الشركات المنتجة للمصابيح الكهربائية أنّ استهلاك الناس للمصابيح منخفض، نتيجة ديمومتها لنحو (1500 إلى 2000 ساعة).

فاجتمع رؤساء هذه الشركات في جنيف نهاية سنة 1924م، وقرّروا تقصير عمر المصابيح إلى (1000 ساعة) فقط، بهدف مضاعفة الإنتاج وزيادة الأرباح.

ومنذ ذلك الإفشال المتعمّد لجودة المصابيح الكهربائية، تطوّرت سياسة إنتاجية في الصناعات الاستهلاكية اسمها «التقادم المخطَّط» (Planned Obsolescence)، وهي ممارسة ذات عوائد تجارية كبيرة، لأنها تزيد حجم الإنتاج وتعزّز ثقافة الاستهلاك، لكنها في المقابل ذات أثر ضار بالبيئة، يظهر في استنفاد الموارد الطبيعية، وزيادة المخلفات والانبعاثات.

وكان أفضل من قدّم وصفاً متكاملاً لهذه الحيلة التسويقية هو المصمم الصناعي الأميركي بروكس ستيفنز في محاضرة ألقاها سنة 1954م. فاعتبر أنّ غاية التقادم المخطط هي غرس الرغبة لدى المشتري في شراء منتج جديد يحتوي على تحسينات بسيطة، وذلك قبل انتهاء صلاحية استخدام المنتج القديم. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المصطلح مثار الجدل، ومدار النقاش، حول أخلاقيات التصميم الصناعي وحقوق المستهلك.

ثم سارت مختلف المصانع لإنتاج مختلف الأجهزة على هذه السياسة مثل الثلاجة والكمبيوتر وغسالة الملابس وأفران الطبخ، كلها تُصمم على أساس صلاحيتها لمدة معينة، وبعد تلك المدة يظهر فيها الخلل، بحيث يصبح التصليح أغلى من قيمة الجديد، فيضطر المستهلك أن يشتري جهازاً جديداً!

وفي العالم اليوم توجد منظمات مدنية للاحتجاج على هذا الواقع، ترفع شعارات الحق في الصيانة، وتدعو إلى ضرورة إطالة مدة صلاحية عمل الأجهزة، ما دامت الشركات المصنّعة قادرة على ذلك، ولبيان حجم المشكلة يكفي الاطلاع على الإحصائيات الغريبة في هذا المجال، ففي الولايات المتحدة

تبلغ كمية الهواتف الذكية التي يجري التخلص منها يومياً (416000 جهاز)، تُضاف إلى 142000 

جهاز كومبيوتر تصبح غير ذات قيمة بالنسبة لأصحابها يوميًّا، وفقا لتقديرات وكالة حماية البيئة الأميركية!!.

السعي لتدوير النفايات

ويتم ذلك عبر فرز النفايات وإيصالها إلى الجهات التي تعيد تصنيعها أو الاستفادة منها، بدلًا من حرقها أو دفنها.

ويمكن لكلّ إنسان أن يقوم بعملية الفرز في منزله بسهولة، وذلك بوضع كلّ مادة في مكان مخصص، وهذا يجري في البلدان المتحضرة، حيث يوجد في البيت عدة حاويات، للمواد الغذائية، والمواد البلاستيكية، و المواد الورقية،... إلخ.

والخطوة الثانية إيصال هذه المواد إلى الجهات التي تعيد تصنيعها ومعالجتها، وتوجد في مختلف بلدان العالم شركات ومصانع لإعادة التدوير، ومن أشهر الدول المهتمة بهذا الجانب الصين، حيث كانت تستورد أكثر من %54من نفايات البلاستيك على مستوى العالم، ولعلّها بدأت تخفض استيراد نفايات البلاستيك، بل إنّ دولة النرويج تستفيد من النفايات في إنتاج الطاقة الكهربائية.

ورأينا في بعض الدول أنّ شركات متخصصة تبعث مندوبيها إلى المنازل لتأخذ ما يزيد على حاجات الناس، من أثاث منزلي أو أجهزة وغيرها، وتخيّرهم بين البيع أو التبرع إلى الجمعيات الخيرية.

ومن الجهات المهتمة محليًّا بإعادة التدوير الهيئة الملكية بالجبيل، فلديها أكثر من عشر شركات خاصة بتدوير النفايات والمواد المتخلفة، ومع ذلك فإنّ نسبة الاستفادة من النفايات في السعودية لا تتجاوز (15%).

الجمعية الخيرية للطعام

تأسست في الدمام جمعية خيرية (الجمعية الخيرية للطعام)، تقوم بمهمة إيصال الأطعمة الزائدة إلى الفقراء والمحتاجين، بعد تغليفها بصورة مناسبة، حيث تتفق مع المطاعم ومن لديه مناسبة يفيض فيها الطعام، فتستلمه الجمعية للقيام بتوزيعه على المحتاجين.

وفي شهر رمضان 1440هـ استطاعت هذه الجمعية أن توفر أكثر (230714) وجبة طازجة، وتوزعها على المحتاجين، وهو إنجاز كبير، ولو لم تقم بهذا العمل سيكون مصير هذه الأطعمة النفايات!!.

وهناك بعض الجمعيات الخيرية تجمع الورق أو الخبر أو الملابس، وتقوم جمعية عطاء الخيرية في القطيف بجمع الكمبيوترات المستغنى عنها، ولديهم تعاون مع بعض المؤسسات والمصانع. على تدويرها والاستفادة منها

ويمكننا بشيءٍ من الاهتمام أن نقوم بدور على هذا الصعيد، ففي ذلك رضى الله سبحانه، حيث الاستجابة لأمره تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا 

ومن جهة ثانية هو أمر مفيد على المستوى الوطني وعلى المستوى الصحي. كما يقول تعالى: ﴿ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ.

فينبغي التأكيد على تقليل اقتناء ما لا يحتاج إليه الإنسان، والسعي لإيصال النفايات والمخلفات إلى من يستفيد منها ويعيد تدويرها.

* خطبة الجمعة بتاريخ 2 ذي القعدة 1440هـ الموافق 5 يوليو 2019م.