عاشوراء إعلان المحبّة لأهل البيت (ع)

 

ورد في الحديث عن رسول الله أنه قال: «أحِبُّوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي»[1] .

وورد عنه : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُبْغِضُنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ رَجُلٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ»[2] .

وعنه : «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اَللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً»[3] .

محبّة أهل البيت مورد إجماع عند أبناء الأمة الإسلامية، فلا يوجد مذهب ولا عالم أو أحد من المسلمين يتنكّر لهذا المبدأ، إلّا فرقة شاذّة هي (النّواصب) خالفت هذا المبدأ، لكنّ هذه الفرقة نبذها كلُّ المسلمين وانقرضت، فلم يعد هناك أحدٌ يتجرّأ على الإعلان عن بغض أهل البيت أو عداوتهم.

نعم، هناك اختلاف حول مقام أهل البيت وأتباعهم، فشيعة أهل البيت يرون لهم مقام القيادة والإمامة، وأتباع المذاهب الأخرى يحصرون الموقف في المودّة، ولا يرون لهم هذا المقام بالخصوصيات التي يراها الشّيعة.

فأصل محبّة أهل البيت محلّ إجماع عند جميع المسلمين؛ لورود النّص القرآني ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ[ سورة الشورى، الآية: 23].

وإذا كان هناك من تأوّل الآية على معنى آخر، فإنّ الأحاديث النبوية صريحة، وفيها أمر من الرسول حيث يقول: «وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي»، وقوله : «لَا يُبْغِضُنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ رَجُلٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ»، وهذا الحديث صحيح عند إخواننا السنة، حيث صحّحه الألباني وغيره من العلماء.

إذًا لا خلاف في الأمّة على أنّ محبّة أهل البيت مبدأ ديني، إضافة إلى أنّ فضل أهل البيت وكفاءتهم وأخلاقهم هي بحدّ ذاتها عوامل جذب لقلوب أبناء الأمة، بل قلوب أبناء البشرية جمعاء نحو محبّة أهل البيت وتعظيمهم.

حتى لو لم يكن هناك نصٌّ ديني يأمر بمحبّة أهل البيت، فإنّ كفاءتهم وسلوكهم وأخلاقهم كفيلة أن تجذب قلوب الناس إليهم، فينالون محبّة الناس ومودّتهم، لكن ما حصل في التاريخ الإسلامي أنّ السُّلطات الحاكمة كالأمويين والعباسيين رأوا في أئمة أهل البيت منافسًا حقيقيًّا لهم.

إذ كيف يبرّرون تصدّيهم لقيادة الأمة مع وجود هؤلاء الأئمة الأطهار، ومع ما هم عليه من الفضل والمكانة العظيمة والمحبّة في القلوب، لذلك اقتضت مصالحهم السّياسية التعتيم على فضل أهل البيت وحصار معارفهم؛ حتى لا تتعرّف الأمة على مكانتهم، وتتأثّر بهديهم ونهجهم، فهديهم مخالف لسياسة أولئك الحكّام، لذلك عمدوا إلى السّعي لفصل أهل البيت عن الأمة بشتّى الوسائل والسُّبل، مما أدّى إلى إخفاء فضائل أهل البيت، وشكّل حالة من البعد والتباعد الظاهري بين الناس وأهل البيت، وإن كانت قلوب الناس تميل إليهم ، لكنّ التعبير عن ذلك خارجيًّا، تحول دونه محذورات سياسية وأمنية في تلك الظّروف.

وأثناء تلك الحقبة تكونت المذاهب، وأصبح هناك أتباع لأهل البيت ولهم مدرستهم، وفي المقابل كانت هناك مذاهب أخرى، وحصل بينها تجاذبات وخلافات، كانت سببًا للتعتيم على كثير من فضائل أهل البيت، وإخفاء مظاهر محبّتهم في أجواء الأمة الإسلامية.

نحن الآن نعيش في عصر يفترض فيه أنّ الأمّة قد تجاوزت تأثير هذين العاملين، العامل السّياسي، وعامل التّجاذب والتوترات المذهبية.

وكلّما تجاوزت الأمة تأثير العوامل السّياسية وحالة التوترات الطائفية، تصبح محبّة أهل البيت موردًا لتآلف الأمة وسببًا لاجتماعها.

موسم إعلان المحبّة لأهل البيت

هذا الموسم العظيم المبارك بذكرى الشهادة الخالدة لأبي عبد الله الحسين ، فرصة لتجلّي محبّة أهل البيت في نفوس المسلمين.

شيعة أهل البيت في هذا الموسم المبارك يعلنون محبّتهم وولاءهم لأهل البيت، في كلّ بلدٍ وفي كلّ بقعةٍ يوجد بها ولو أفراد من أتباع أهل البيت يقيمون مراسم إحياء هذه المناسبة، فتكون إقامة هذه المراسم باعثًا لتذكير الأمة بمحبّة أهل البيت والولاء لهم، والتذكير بمعاناة أهل البيت في التاريخ، وكيف أنهم نالوا الكثير من الأذى على أيدي أولئك الحاكمين.

موسم المحرّم له بركات عظيمة، لذلك كان أئمة أهل البيت يحضّون على إحياء هذه المناسبة، وعلماء مدرسة أهل البيت يؤكّدون على إحياء هذه المناسبة، حتى يترسّخ هذا الولاء في النفوس، ويترجم إلى اتّباع واهتداء بتعاليم أهل البيت، وهو رسالة إلى أبناء الأمة، تذكرهم بضرورة محبّة أهل البيت .

وقد تحدّث كثير من أبناء الأمة من العلماء والكتّاب والمثقفين عن مقتل أبي عبد الله الحسين وعن فضله ومكانته، وبعضهم صاروا يبادلون إخوانهم الشّيعة التعازي بهذه المناسبة.

وفي بلادنا عدد من المواطنين من المذاهب المختلفة وبعضهم شخصيات مرموقة أخذوا يتواصلون ويبدون مشاعر المواساة بهذه المناسبة الأليمة، وهذا دليل على أنّ أجواء الأمّة بدأت تتغيّر إلى الأفضل، وكلّما قلّت التوترات المذهبية والطائفية، تصبح الأجواء أفضل، وهذا ما نأمل أن يحصل في المستقبل إن شاء الله تعالى.

مسؤولية الشّيعة

في مقابل الجفاء والتهميش والإقصاء الذي عانى منه أتباع أهل البيت برزت فيهم توجهات تمثل ردود فعل، اعتمدت أسلوب الغلوّ والحدّة تجاه الآخرين، وهو أسلوب لا يرضاه أئمة أهل البيت .

لذا فإنّ الواعين من مدرسة أهل البيت يتحمّلون مسؤولية كبيرة في صناعة خطاب هادئ معتدل، يتّسق مع منهج الأئمة ، فقد أكّدوا على شيعتهم أن يقابلوا الإساءة بالإحسان، وأن يبتعدوا عن لغة التطرّف والإساءة التي تنفّر الآخرين، تطبيقًا للآية المباركة: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[سورة فصلت، الآية: 34].

وورد عن الإمام جعفر الصّادق أنه قال: «رَحِمَ اَللَّهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى اَلنَّاسِ، وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ»[4] .

الخطاب الشّيعي المعتدل المنفتح الحكيم الهادئ، الملتزم بأخلاق القرآن وأخلاق أئمة أهل البيت، هو الذي ينتج جذب القلوب والعقول، بينما الخطاب البذيء الحادّ المتطرف ينفّر ويصنع العداوات.

وعنه : «رَحِمَ اَللَّهُ عَبْداً اِجْتَرَّ مَوَدَّةَ اَلنَّاسِ إِلَيْنَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ وَتَرَكَ مَا يُنْكِرُونَ»[5] ، أي لا يتحدّث عن أمرٍ غير مقبول عند الأطراف الأخرى، بل يتحدّث بما يمكن قبوله عند الآخرين، حتى يجتذب قلوبهم، فتكون محبّة أهل البيت محورًا لتآلف الأمة واجتماعها.

توصيات المرجعية

التوصيات التي صدرت من مكتب المرجعية العليا (السيد السيستاني حفظه الله) قبيل شهر المحرّم، تؤكّد على كثير من النقاط المهمّة في هذا السّياق، ومن جملتها:

التأكيد على الخطباء والشّعراء والرّواديد أن يبتعدوا عن كلّ ما يوهم الغلوّ في أهل البيت، فالغلوُّ لا يجوز شرعًا، وحتى الكلام الموهم بالغلوّ مرفوض.

أحيانًا يقول الشّاعر أو الخطيب كلامًا ظاهره الغلوّ وإن كان يمكن تأويله وتفسيره، لكنّ ذلك يؤدي إلى نتيجتين سلبيتين: إحداهما إعطاء الفرصة للمغرضين لتشويه صورة مدرسة أهل البيت والنّيل من أتباعهم.

والثانية: تعزيز أفكار الغلوّ في أذهان غير الواعين واستثمار التّوجهات المغالية لهذه الطُّروحات.

إنّ أيّ كلامٍ يوهم الغلوّ منهيٌ عنه من قِبل أئمة أهل البيت طبق حديث «فَحَدَّثَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ وَتَرَكَ مَا يُنْكِرُونَ»

وأشار بيان المرجعية إلى أنّ الغلوّ يتحقّق بأمرين:

إسباغ بعض صفات الألوهية على أحدٍ غير الله. 

نسبة فضيلة لأحد من الأئمة، ليست هناك حجة شرعية على إثباتها.

البعض يتحدّث عن فضائل وكرامات، فإذا سألته عمّا يُثبت ذلك، يغالطك بالقول:

وهل تنكر فضل أهل البيت؟!

هل تصعب الكرامة على أهل البيت؟!

هذه مغالطة، فالممكن شيء، والواقع شيء آخر.

فعلى سبيل المثال: من الممكن أن يسافر الإمام إلى الهند، لكن هل حصل أن سافر؟!

إذا كانت لديك حجة معتبرة شرعًا تقول حصل، وهذا هو الدليل، أما إذا لم تكن هناك حجة معتبرة، فهذا يكون مصداقًا من مصاديق الغلوّ والكذب والافتراء.

خطباء مميّزون

بحمد لله أصبح لدينا خطباء نفخر بخطابهم، ومستويات راقية من الخطابات، تتميّز بالإعداد الجيّد والمواضيع المهمّة لتنمية المجتمع، ونأمل أن يرتقي جميع الخطباء بمستوياتهم.

وهنا لا بُدّ من التذكير بدور النخبة الواعية في المجتمع، أن يساعد ذلك على أن تتجاوز بعض المنابر الإشكالات والسّلبيات، لتكون في المستوى المطلوب.

* خطبة الجمعة بتاريخ 13 محرم 1441هـ الموافق 13 سبتمبر 2019م
[1]  المستدرك على الصحيحين، حديث 4716.
[2]  محمد ناصر الدين الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة، حديث 2488.
[3]  محمد ناصر الدين الألباني: صحيح الجامع الصغير وزياداته، حديث 3146.
[4]  الكافي: ج8، ص229.
[5]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص99.