تأهيل المعلم وتقديره

 

ورد عن الإمام علي : «قُمْ عَنْ مَجْلِسِكَ ِلأبِيكَ ومُعَلِّمِكَ وإِنْ كُنْتَ أَمِيرًا»[1] .

يحتفل العالم كلّ عام في اليوم الخامس من شهر أكتوبر، باليوم العالمي للمعلّمين، وذلك منذ عام 1996م.

ويهدف الاحتفاء بهذا اليوم إلى التذكير بأهمية دور المعلمين، وتقدير جهودهم، والارتقاء بأدائهم.

إنّ المعلّمين والمعلّمات هم الذين يعلّمون أبناءنا القراءة والكتابة، ومبادئ العلوم والمعارف، ويصقلون مواهبهم وقدراتهم، ويهيئونهم لتحمّل مسؤوليات الحياة.

إنّهم يصرفون ساعات طويلة مع أبنائنا وبناتنا، في أخطر مراحل حياتهم وأكثرها حساسية، وهي مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب، وبذلك يقومون بمهمّة تربية الأجيال ويصنعون عبرهم مستقبل المجتمع والوطن، وهنا تكمن أهمية دور المعلمين وتأثيرهم في مستقبل الشعوب والأوطان.

الاهتمام بمستقبل الأمة والوطن

فالاهتمام بالمعلّمين يعني الاهتمام بمستقبل الأبناء والمجتمع والوطن؛ لأنّ المعلم هو الركن الأساس في العملية التعليمية التربوية، فكلّما كان أكثر كفاءة وإخلاصًا، كانت العملية التعليمية أفضل مستوًى ونتاجًا، لذلك تبدي الدول والمجتمعات المتقدّمة اهتمامًا مميّزًا بالمعلّمين على صعيدين:

الأول: الاهتمام بتأهيل المعلم والارتقاء بكفاءته، ليكون أقدر على أداء مهمته.

بعض الدول مثل ألمانيا لا تقبل أن يمارس التعليم من لم يحصل على شهادة جامعية، إضافة إلى الدورات التأهيلية التي يقدّمونها لإعداد المعلم، حتى يتسلّم مسؤولية التربية والتعليم.

الثاني: تحفيز المعلم للعطاء الأفضل ولمزيد من الجدّ والاجتهاد، عبر مكافأة جهوده وتقدير دوره.

سلّم رواتب المعلمين في العالم 

تتفاوت الدول في رواتب المعلّمين، وتظهر بيانات صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قائمة الدول العشر الأفضل في رواتب المعلمين، نشرها موقع «العربية. نت»[2]  وأظهر التقرير أنّ الدولة الأفضل بالنسبة لرواتب المعلّمين على مستوى العالم هي لوكسمبورغ، حيث يبدأ راتب المعلم في المدرسة الابتدائية ممن ليس لديه أيّ خبرات سابقة بـ79 ألف دولار سنويًّا (6583 دولارًا شهريًّا)، ويصل راتبه عند الذروة إلى 137 ألف دولار سنويًّا (11 ألفًا و400 دولار شهريًّا).

المركز الثاني: سويسرا وتصل رواتب معلّمي المدارس فيها بحدّها الأعلى إلى 92 ألف دولار سنويًّا (7666 دولارًا شهريًّا).

المركز الثالث والرابع: ألمانيا وكوريا الجنوبية التي يتقاضى المعلّم فيهما 75 ألف دولار (6250 دولارًا شهريًّا).

المركز الخامس: الولايات المتحدة، حيث يبدأ راتب المعلّم عند 44 ألف دولار سنويًّا ويصل في حدّه الأعلى إلى 67 ألفًا في السنة (3666 إلى 5500 دولار شهريًّا).

المركز السادس والسابع: النمسا وهولندا التي يصل راتب المعلّم فيهما إلى 66 ألف دولار سنويًّا.

المركز الثامن والتاسع: كندا وإيرلندا براتب 65 ألف دولار سنويًّا.

وأخيرًا تحتلّ اليابان المركز العاشر عالميًّا حيث يبلغ راتب المعلّم في حدّه الأعلى 62 ألف دولار سنويًّا.

وهو اهتمام يشعر المعلّم بأهمية دوره وقيمة عطائه، لذلك يعتبر التعليم في بعض البلدان مثل اليابان من الوظائف الراقية، حيث يتسابق الناس إليها.

الحوافز والجوائز

هناك عدد من الجوائز العالمية والمحلّية تمنح للمعلّمين المتميّزين، منها على سبيل المثال: جائزة أفضل معلّم بالعالم، وهي جائزة دولية خاصّة بالتعليم تمنحها مؤسسة فايركي جيمس (VGF) تبلغ قيمتها مليون دولار أمريكي، للاعتراف بأهمية التعليم كمهنة، وتشجيع الامتياز في مجال التعليم. وتُمنح الجائزة تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. 

وقد فاز بهذا الجائزة في دورتها الخامسة لعام 2019: المعلّم «بيتر تابيشي» من (كينيا)، لمساهمته في مساعدة ودعم الفقراء، وتخصيص 80% من راتبه الشهري لهم. 

وقد قال تابيشي بعد تتويجه باللقب: «كلّ يوم في إفريقيا نفتح صفحة جديدة من الحياة، هذه الجائزة لا تعبّر عنّي لكنّها تعبّر وتعترف بشباب هذه القارة، أنا هنا بسبب ما أنجزه طلابي في حياتهم»، وأضاف تابيشي: «هذه الجائزة تمنح الفرص، إنّها تخبر العالم أنه يمكننا فعل أيّ شيء».

المعلّم في التراث الديني

يحظى المعلّم في تراثنا الديني بتقدير كبير، فالتعليم من وظائف الأنبياء، والله سبحانه حينما يتحدّث عن نبيّه الأعظم محمّد يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[سورة الجمعة، الآية: 2].

ونجد الإمام عليًّا يجعل المعلّم في رتبة الأب، من حيث الاحترام والتقدير، فيقول: «قُمْ عَنْ مَجْلِسِكَ ِلأبِيكَ ومُعَلِّمِكَ وإِنْ كُنْتَ أَمِيرًا»[3] ، ينبغي للإنسان أن يقدّم أباه على نفسه، حتى وإن كان صاحب موقع اجتماعي مميّز، إذا دخل عليه أبوه يتوجب أن يقوم عن مجلسه، ليظهر احترامه وتقديره لأبيه، وفي الدرجة الثانية المعلم، يقول الإمام: (وإِنْ كُنْتَ أَمِيرًا) أي مهما كانت مكانتك ورتبتك، يجب أن تبدي احترامك لهذين الشخصين، أبيك ومعلّمك، الإمام يجعل المعلم في رتبة الأب من حيث تقديم الاحترام.

ويروى أنَّ (عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ اَلسُّلَمِيَّ عَلَّمَ وَلَدَ اَلْحُسَيْنِ (سورة) الْحَمْدَ، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَى أَبِيهِ أَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَلْفَ حُلَّةٍ وَحَشَا فَاهُ دُرًّا.

فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ (أي بالغت في العطية)!

فَقَالَ: «وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا مِنْ عَطَائِهِ؟!» يَعْنِي تَعْلِيمَهُ»[4] .

هكذا نجد في تراثنا الديني الاهتمام بالمعلّم وتقديم المكافأة والتقدير له.

اليوم العالمي للمعلّمين

وبمناسبة اليوم العالمي للمعلّمين، حيث تحتفي بلادنا بهذه المناسبة، وهناك فعاليات من قبل وزارة التعليم ومختلف الجهات المعنية، نتوجه بالنقاط التالية:

أولًا: نتوجه للسّادة والسّيدات المعلّمين والمعلّمات الأعزّاء، بأن يدركوا أهمية الدور الذي يقومون به في خدمة مجتمعهم ووطنهم، وأن يخلصوا لله في عملهم، فالتعليم ليس مجرّد مهنة للارتزاق، بل هو أسمى وظيفة في المجتمع الإنساني، وعليه يعتمد مستقبل المجتمعات والأوطان.

ينبغي للمعلم أن يتعامل مع طلابه كأبنائه، يهمّه نجاحهم ومستقبلهم، فهم أمانة في عنقه، وهو مسؤول عنهم أمام الله تعالى وأمام التاريخ، وأن يكون قدوة لطلابه في الأخلاق، ومعزّزًا للقيم الفاضلة في نفوسهم.

كما ينبغي أن يبذل جهده لتطوير قدرته وكفاءته التعليمية، فليست المسألة قضاء وقت الدوام في المدرسة، أو شرح الدروس كيفما اتفق!

كان الشهيد الشيخ مرتضى المطهّري (رحمه الله) يدرّس في جامعة طهران، فكان قبيل ذهابه للجامعة يسبغ الوضوء، فقيل له: هل تريد الذهاب للمسجد أو للصلاة؟

فيقول: إنّ التعليم عبادة، أتقرّب به إلى الله، فيذهب إلى التعليم وهو على وضوء، يستحضر بذلك في نفسه قدسية ومكانة التعليم الدينية.

أيّها المعلّم، إنّ هؤلاء التلاميذ بين يديك اليوم، سيكون أحدهم الطبيب الذي يعالجك غدًا أو يعالج أحد أفراد عائلتك، وأحدهم قد يكون العالم الذي يقوم بتوجيه أبناء المجتمع، وأحدهم قد يكون المهندس الذي تحتاج إليه أو الموظف الذي تراجعه، فهم الذين سيديرون أمور البلاد وشؤون المجتمع في المستقبل، فكلّما أتقنت مهمة التربية والتعليم، ضمنت الحياة في مجتمع له إدارة كفوءة صالحة.

ثانيًا: كلمة نتوجه بها إلى وزارة التعليم

نأمل من وزارة التعليم مضاعفة الاهتمام بأوضاع المعلّمين والمعلّمات، بتفعيل برامج تطويرهم، وزيادة مكافآتهم، وتقديم الامتيازات التي تساعدهم على إدارة شؤون حياتهم، وتحفّزهم للعطاء أكثر في العملية التعليمية، ومعالجة ما قد يواجههم من مشاكل في أداء دورهم. 

وأشير هنا إلى (برنامج خبرات) [5]  وهو برنامج مميّز يتيح للمعلّم أن يعيش في بيئة تعليمية متقدّمة، حيث يُبتعث إلى إحدى الدول لمدة سنة أو أكثر ـ حتى يعيش عمليًّا ضمن بيئة تعليمية متقدّمة، فيستفيد منها في أدائه التعليمي، ينبغي أن يتسع هذا البرنامج ليشمل أعدادًا كبيرة من المعلّمين والمعلّمات، لكي تتاح الفرصة للمعلم أن يطور أداءه التعليمي.

ثالثًا: الدور الاجتماعي 

يجب أن نربّي أبناءنا على احترام المعلم وتقديره، ففي السنوات الأخيرة أصبح المعلّمون يعانون من تمرّد بعض الطلاب، وفي بعض الأحيان قد يتعرّض المعلّم إلى الإساءة، وتنشر الجرائد مثل هذه الحوادث.

ينبغي أن يسمع التلميذ من العائلة كلمات الاحترام والتقدير للمعلّمين، وإذا كانت هناك إشكالات على المدرس ينبغي لأولياء الأمور أن يتواصلوا معه بشكل مباشر، لا أن يصنعوا انطباعًا سيئًا في نفوس أبنائهم تجاه معلّميهم.

على المجتمع أن يحترم المعلّمين، وأن يقدّر جهدهم، وفي الخطاب الديني من قبل العلماء والخطباء ينبغي ألّا يغيب الحديث عند دور المعلّم وتقديره، ومن جهة أخرى تذكيره بمسؤوليته تجاه طلابه ومهمّته التعليمية الخطيرة.

* خطبة الجمعة بتاريخ 5 صفر 1441هـ الموافق 4 أكتوبر 2019م.
[1]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص136.
[2]  https://ara.tv/2t5rp
[3]  غرر الحكم ودرر الكلم، ص136.
[4]  بحار الأنوار، ج44، ص191.
[5]  هو برنامج تطوير مهني نوعي للمعلمين والمرشدين الطلابيين، وقادة المدارس، والمشرفين التربويين، أطلقته وزارة التعليم عام 2016م، ضمن إطار شراكات دولية مع 27 جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبريطانيا، وأستراليا، وفنلندا، ونيوزيلندا.