قيادة التحول الأخلاقي

 

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ[سورة القلم، الآية: 4].

وروي عن رسول الله أنه قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ»[1] .

في القرن السادس الميلادي كانت المجتمعات البشرية بشكل عام والجزيرة العربية بشكل خاص تعيش عصرًا من أسوأ عصور التدهور والانحطاط الأخلاقي.

فقد انحسرت آثار تعاليم الأنبياء والرسل، وعبث التحريف والتزوير فيما جاؤوا به للناس من شرائع وكتب، وأصبحت رسالات الأنبياء السابقين كاليهودية والمسيحية حالة من الكهنوت، تستغلّها طبقة من رجال الدين الفاسدين من (الأحبار والرهبان)، الذين كانوا يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله، وكان القياصرة والأكاسرة في الروم والفرس، يحكمون الناس بالطغيان والظلم والاستبداد، يسحقون كرامة الناس ويذيقونهم الذلّ والفقر والحرمان، فلم تكن للإنسان قيمة ولا مكانة ولا احترام.

وفي الجزيرة العربية كان المجتمع عبارة عن قبائل متناثرة، يعيش الناس فيها بلا هدف، فيقتتلون على أتفه الأسباب، تسودهم الأساطير والخرافات، يعبدون الأصنام والأوثان وتسيطر على نفوسهم الأنانية المفرطة والعصبية المقيتة، وتكثر بينهم الحروب والمعارك، صراعًا على المراعي، وتحصيلًا للغنائم. 

حتى قال شاعرهم:

               وأحيانًا على بكرٍ أخينا 
                                                إذا ما لـم نجد إلّا أخانا

وكان التفاخر والتباهي بين القبائل هو ما يشغل أذهانهم، بما يدفعهم إلى التعالي ويكرّس التمييز والطبقية فيما بينهم.

ولأنّهم يعيشون حياة القتال والحرب، كانوا يقدّسون القوة، أما الضعفاء فلا قيمة لهم ولا مكانة، ومن هنا كانت المرأة مهانة محتقرة ينظر إليها بدونية؛ لأنّها لم تكن جزءًا من معادلة القوة في الحرب، بل كانت ـ في كثير من الأحيان ـ تشكل عبئًا على القبيلة، لجهة حمايتها ومنع أسرها، مما يكلّف القبيلة، لذلك كانوا ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ[2] .

في ظلّ هذه الأوضاع في الجزيرة العربية، وما ذكرناه على المستوى العالمي، وبالتحديد في سنة (570 للميلاد) أشرق على البشرية نور نبيّنا محمد في شهر ربيع الأول من عام الفيل، كما تشير الروايات.

حينما ابتعث رسول الله إلى البشرية قاد حركة تحوّل أخلاقي، فوضع حدًّا للتدهور والانحطاط الذي كان سائدًا في المجتمعات البشرية وأسّس لعصر جديد، فقد أعلن رسول الله أنّ المهمّة الأساس لرسالته وشريعته هي إتمام مكارم الأخلاق، كما في الحديث الشريف «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ»[3]  وفي رواية «لأتمّم صالح الأخلاق»[4] .

وإنّما تفيد الحصر، أي حصر مهمّته ووظيفته وهدف رسالته الأساس في هذا الهدف (أن يتمّم للناس مكارم الأخلاق).

أي إنه لا يبدأ من الصّفر، فالأخلاق تنبع من فطرة الإنسان ووجدانه النقي السّليم، كما أنّ عقل الإنسان السّوي يدفعه إلى مكارم الأخلاق.

وهناك كلمة جميلة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «لَوْ كُنَّا لاَ نَرْجُو جَنَّةً وَلاَ نَخْشَى نَارًا وَلاَ ثَوَابًا وَلاَ عِقَابًا لَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَطْلُبَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ فَإِنَّهَا مِمَّا تَدُلُّ عَلَى سَبِيلِ اَلنَّجَاحِ»[5] .

الإنسان بعقله السّوي يدرك أنّ مكارم الأخلاق تنفعه وتنجحه في إدارته لشؤون ذاته وإدارة حياته في مجتمعه البشري. 

إنّ الأخلاق تنبع من الفطرة ويرشد إليها العقل، والأنبياء يأتون لتوجيه الإنسان إلى عقله، ومساعدته أمام ضغوط الشّهوات والأهواء التي تنحرف به عن الفطرة وعن إرشاد العقل، فتبعده عن مكارم الأخلاق. كما أنّ الأنبياء يقومون بتبيين مصاديق القيم الأخلاقية وتطبيقاتها.

قبل رسول الله كان هناك رسل وأنبياء، ولكن بسبب الفترة الزمنية الفاصلة تلاشت آثار تلك الرّسالات والشّرائع وحرّفت، فجاء رسول الله ليذكّر الناس بما كان في تلك الشّرائع ويصدّقها ويكمّلها، وهذا ما تؤكّد عليه آيات القرآن الكريم ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[6] .

ومع تطورات الحياة البشرية هناك مصاديق وموارد جديدة تحتاج إلى تبيين تطبيق تلك القيم عليها وهذا هو دور رسالة رسول الله : «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ».

كما أنّ الله سبحانه وتعالى يتحدّث عن أهمّ صفة وميزة في شخصية رسول الله وهي الجانب الأخلاقي مما يدلّ على أهمية هذا البعد في الرسالة الإسلامية، فحينما يصف الله تعالى نبيّه لا يتحدّث عن علمه، ولا عن فضله، ولا عن جوانب الكمال المختلفة في شخصيته، وإنّما يتحدّث عن هذا الجانب الأخلاقي فيقول: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ[سورة القلم، الآية: 4].

وكأنّ هذه الصّفة هي الأهم والأبرز التي ينبغي الالتفات إليها والاهتمام بها، وبالفعل قام رسول الله بجهد عظيم من أجل إعادة بناء ذلك المجتمع، وتشكيله على أنقاض ذلك المجتمع الجاهلي، الذي كان يعاني من التدهور والانحطاط الأخلاقي، ورغم صعوبة المواجهة والمعاناة، فقد تحقق على يدي النبي إنجاز كبير، حيث أسّس مجتمعًا جديدًا تتمثّل فيه مكارم الأخلاق، التي كانت متجاهلة ومهملة في المجتمع قبل بعثة رسول الله ، والقرآن الكريم يشير إلى هذه التغييرات التي حصلت في المجتمع كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا[سورة آل عمران، الآية: 103].

حيث تشير الآية إلى أنّ التغيير قد تحقّق، وأنّ حالة الاحتراب والاقتتال زالت، وحينما تصف الآيات القرآنية المجتمع الذي ربّاه رسول الله تقول إحدى الآيات: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ[سورة الحشر، الآية: 9].

لقد تغيّرت الحالة في ذلك المجتمع من سيادة الأنانية إلى خُلق الإيثار ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ والمجتمع الذي كان يعيش العصبية القبيلة، حيث كان الإنسان يقاتل مع قبيلته دون سؤال أو نقاش، تحت شعار (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) بحرفيته، هذا المجتمع تبدّل حاله، إلى ما وصفه به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بقوله: «وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ، نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا»[7] ، فلم يعد المعيار هو الانتماء إلى القبيلة، وإنّما الانتماء إلى الحقّ، فمن واجه الحقّ وحاربه ـ ولو كان من الآباء والإخوة ـ كان المسلمون يقاتلونه.

وهكذا تأسّس مجتمع جديد على أساس قيم جديدة، ولا نقول إنّ ذلك المجتمع كان مجتمعًا مثاليًّا ملائكيًّا، هو مجتمع بشري تظهر فيه الأخطاء والثغرات، وتحصل فيه الانحرافات كأيّ مجتمع بشري، لكنّ الحالة العامة والصورة المجملة كانت إيجابية. 

والسؤال: كيف استطاع رسول الله أن ينجز هذا التغيير ويحقّق هذا الهدف؟

وفي الجواب نشير إلى نقطتين:

الأولى: التعبئة الأخلاقية

كان رسول الله يكافح معتقدات الشّرك ومظاهر الوثنية، ويدعو إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وفي الوقت ذاته كان يحارب نزعات الشَّر وميول الفساد والانحراف داخل النُّفوس، ليغرس فيها بذور الفضيلة والصّلاح، ويوجّهها إلى مكارم الأخلاق. وهي مهمّة التزكية التي تشير الآيات القرآنية إلى قيام النبي بها كمهمّة أساس في رسالته.

يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[سورة الجمعة، الآية: ٢].

فالآية قدّمت التزكية التي تشير إلى الجانب الأخلاقي على التعليم.

وفي آية أخرى يشير الله تعالى إلى الهدف الأساس من بعثة الأنبياء ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[سورة الحديد، الآية: 25].

وإنجازًا لهذه المهمّة الأساس بذل النبي جهده الأكبر في التعبئة الأخلاقية، بالتأكيد على محورية الأخلاق في الالتزام الديني، فقد ورد عنه أنه قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا»[8] .

والتركيز على الأخلاق؛ لأنّها ثمرة العقيدة والعبادة. وفي حديث آخر عنه : «إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا»[9] .

وقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فلانةً تُكثِرُ من صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بلسانِها قال: «هي في النَّارِ»[10] .

ومن هذه النصوص يظهر أنّ النبي كان يركز على التعبئة الأخلاقية، وهو ما حقّق هذا الإنجاز العظيم ببناء مجتمع أخلاقي على أنقاض ذلك المجتمع الجاهلي.

الثانية: كان رسول الله هو القدوة للناس في أخلاقه وسيرته، فاستقطبهم واجتذبهم بهذه الأخلاق، وربّاهم بسيرته على الالتزام بها.

ونلتقط فيما يلي بعض المواقف والصّور الرائعة التي تنقلها لنا السّيرة النبوية من الخلق النبوي العظيم:

المشهد الأول

تقول الرواية: «أنَّ اليَهُودَ أتَوُا النبيَّ ، فَقالوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: وعلَيْكُم. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ علَيْكُم، ولَعَنَكُمُ اللَّهُ وغَضِبَ علَيْكُم، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ : مَهْلًا يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ، أوِ الفُحْشَ قَالَتْ: أوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قَالَ: أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلتُ، رَدَدْتُ عليهم، فيُسْتَجَابُ لي فيهم، ولَا يُسْتَجَابُ لهمْ فِيَّ»[11] . 

بالرغم من أنهم تمنّوا له الموت إلّا أنه لم يَرضَ بما فعلته عائشة حين ردّت عليهم بالقول (بل عليكم السَّام واللعنة) فأمرها بالرفق واجتناب الفحش.

المشهد الثاني

بَعَثَ النبيُّ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النبيُّ ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ ا

لدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النبيُّ [12] . 

لو تأمّلنا هذه الرواية نجد أنّ ثمامة في المرتين الثانية والثالثة عندما سأله رسول الله لم يذكر القتل، ذلك أنه عرف أنَّ الجوَّ العام لم يكن جوّ انتقام وقتل ولذلك لم يذكر القتل في جوابه. 

نجد في الرواية معانيَ وصورًا عظيمة تدلّ على عظمة أخلاق رسول الله ، فقد أطلق سراح ثمامة بلا قيد أو شرط، وبسبب تلك الأخلاق العالية للرسول نرى ثمامة قد رجع إلى المسجد بعد أن اغتسل بصورة طوعية، من تلقاء نفسه وأعلن إسلامه.

المشهد الثالث

جاء في السيرة النبوية أنّ النبي سخط على أحد أصحابه المجاهدين؛ لأنه تلفظ بكلام جارح لأحد المشركين ردًّا على استهزائه برسول اللّه . وذلك في الطريق إلى بدر، أولى معارك الإسلام الفاصلة، لقي المسلمون رجلًا من الأعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرًا، فقال له الناس: سلّم على رسول اللّه ، قال: أوَفيكم رسول اللّه؟ قالوا: نعم، فسلّم عليه، ثم قال: إن كنت رسول اللّه فأخبرني عمّا في بطن ناقتي هذه. قال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول اللّه، وأقبل عليّ فأنا أخبرك عن ذلك، نزوت عليها، ففي بطنها منك سخلة، فقال رسول اللّه : مَهْ، أفحشت على الرجل، ثم أعرض عن سلمة [13] .

هكذا لم يَرضَ رسول اللّه بصدور كلام بذيء وإن كان لمشرك مستهزئ بالرسول .

* خطبة الجمعة بتاريخ 17 ربيع الأول 1441هـ الموافق 15 نوفمبر 2019م.
[1]  معاني الأخبار، ص188، كنز العمال. ج3، ص16، حديث 5218.
[2]  سورة النحل، الآية: 58
[3]  معاني الأخبار، ص188، كنز العمال. ج3، ص16، حديث 5218.
[4]  كنز العمال، ج11، ص425، حديث ٣١٩٩٦.
[5]  المستدرك على الصحيحين. ج 11، ص193.
[6]  سورة المائدة، الآية: 48.
[7]  نهج البلاغة، خطبة 56.
[8]  سنن أبي داود. ج2، ص632، حديث 4682.
[9]  صحيح الترمذي، حديث 2018.
[10]  مجمع الزوائد، ج8، ص 171.
[11]  صحيح البخاري، ص185، حديث6401.
[12]  صحيح البخاري، ص114، حديث 4372.
[13]  ابن هشام: عبد الملك المعافري: السيرة النبوية ج2 ص187 دار الجيل-بيروت.