احتواء الجدل المذهبي في نهج الامام الصادق

 

يقول تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. [سورة الشورى، الآية: 15].

مع تعدّد المذاهب الدينية والاتجاهات الفكرية في المجتمع، تحصل حالة اهتمام بالجدل والنقاش، في موارد الاختلاف بين تلك المذاهب والاتجاهات، وذلك من منطلقات ودوافع مختلفة.

أولًا: قد يندفع الانسان للجدل في المسألة الدينية أو الفكرية، من منطلق البحث عن الحقّ والصواب، ومعرفة الحقيقة في موضع الاختلاف.

وكما ورد في الدعاء عن الإمام جعفر الصادق : «وَأَرِنِي اَلْحَقَّ حَقًّا حَتَّى أَتَّبِعَهُ، وَأَرِنِي اَلْبَاطِلَ بَاطِلًا حَتَّى أَجْتَنِبَهُ، وَلَا تَجْعَلْهُ عَلَيَّ مُتَشَابِهًا فَأَتَّبِعَ هَوَايَ بِغَيْرِ هُدًى مِنْكَ، وَاِهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ اَلْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[1] .

ثانيًا: حين يعتقد الإنسان أنه على حقٍّ وصواب فيما يذهب إليه، قد يشعر بالمسؤولية عن إظهار الحقّ للآخرين، ودعوتهم إليه، وذلك عبر مجادلتهم، لإقناعهم بما يراه حقًّا، لينال من الله تعالى ثواب الدعوة إلى الحقّ والخير، وليكون سببًا في هداية الآخرين ونصرة الحقّ.

يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. [سورة آل عمران، الآية: 104].

وقد ورد عن رسول أنه قال: «فَوَاَلله لَأَنْ يَهْدِيَ اَللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»[2] .

ثالثًا: عادة ما يكون الانتماء المذهبي أو الفكري جزءًا من معادلة موازين القوة والتنافس الاجتماعي، فتسعى كلّ جهة لتوسيع رقعة امتدادها وتأثيرها في الساحة الاجتماعية، باستقطاب الآخرين إلى جهتها، والدفاع عن نفسها، والتقليل من شأن الجهة الأخرى، وقد يعبّر عن ذلك بالتبشير المذهبي.

وهنا فإنّ الجدل المذهبي يكون صورة من صور إثبات الذات، وتعزيز موقع الفرد والجماعة، في مقابل الأطراف الأخرى.

رابعًا: هناك عامل سياسي، يتمثل في سعي جهات خارجية معادية، أو جهات داخلية مغرضة، لإشغال ساحة المجتمع بالجدل المذهبي والفتن الطائفية.

دوافع الجدل في عصر الإمام الصادق

وفي عصر الإمام جعفر الصادق كانت هذه العوامل وغيرها، تدفع كثيرين ممن هم حول الإمام من التلامذة والموالين، للاستغراق في حالة الجدل المذهبي مع الآخرين، من اتباع المذاهب والمدارس الفكرية المختلفة.

خاصة وأنّ ذلك العصر كان عصر البروز والتبلور للمذاهب والاتجاهات الفكرية المتعدّدة داخل الأمة، بما فيها مدرسة أهل البيت ، التي اتضحت معالمها العقدية والفقهية على يد الإمام جعفر الصادق ، حتى أصبحت تنسب إليه، فيقال عنها المذهب الجعفري.

فبعد عقود من الحصار الأُمويّ على معارف أهل البيت، أتيحت الفرصة لأتباعهم أن ينتهلوا من علومهم، حين تصدّى الإمامان محمد الباقر وجعفر الصادق للتدريس وعقد حلقات العلم والحديث، واستقبال الطلاب والمستفتين.

ونتيجة لذلك ارتفع مستوى الوعي والمعرفة في أوساط أتباع أهل البيت، وامتلأت نفوسهم ثقة بمعتقداتهم ونهجهم، فاندفع كثير منهم للتبشير بمعارف أهل البيت، وخوض الجدال والنقاش مع أتباع المذاهب والمدارس الأخرى.

ومن الطبيعي أن يدافع الآخرون عن معتقداتهم وآرائهم، وأن يحصّنوا أتباعهم، حتى لا يتركوا انتماءاتهم المذهبية والفكرية، ويلتحقوا بمدرسة اهل البيت .

وذلك ما صنع أجواءً ساخنة من السجالات والمناظرات والجدل المذهبي، حول قضايا الخلاف العقدي والفقهي.

موقف الإمام الصادق

تصدّى الإمام جعفر الصادق لضبط إيقاع حركة الجدل والحوار، في صفوف تلامذته وأتباعه، حتى لا تخرج عن المسار الصحيح، ولا تكون سببًا لإشعال الفتن والنزاعات في جمهور الأمة، وإشغال الناس عن قضاياهم وهموم حياتهم، وحتى لا تستغلّها السلطات العباسية الحاكمة آنذاك في التعبئة وإثارة الحساسية ضدّ مدرسة أهل البيت، ومحاصرة وعزل أتباعهم عن ساحة الأمة.

ويمكننا أن نرصد معالم موقف الإمام الصادق على هذا الصعيد في المحورين التاليين:

تقييد الاندفاع نحو الجدل

أولًا: كبح جماح الاندفاع نحو الجدل والتبشير المذهبي.

حيث نجد في مصادر الحديث الشيعية، عددًا كبيرًا من الروايات عن أئمة أهل البيت ، تنهى عامة أبناء المجتمع الشيعي، عن احتراف الجدل، والاستغراق في السجالات العقدية، والتبشير المذهبي، وقد خصصت هذه المصادر أبوابًا لهذه الأحاديث والروايات تحت عناوين مختلفة، فنجد في كتاب الكافي - مثلًا - «باب الهداية أنّها من الله»، وبابًا «في ترك دعاء الناس»، وبابًا عن «المراء والخصومة ومعاداة الرجال»، إضافة إلى عدد من الروايات ضمن باب «التقية» وباب «الكتمان».

وننقل بعض تلك الروايات كنماذج لهذه الرؤية والموقف.

جاء في الكافي بسند معتبر عن علي بن عقبة عن أبيه قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِالله  يَقُولُ: اِجْعَلُوا أَمْرَكُمْ لِله، وَلَا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ لله فَهُوَ لله، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ فَلَا يَصْعَدُ إِلَى الله، وَلاَ تُخَاصِمُوا النَّاسَ لِدِينِكُمْ، فَإِنَّ اَلْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ، إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ ﴿إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلٰكِنَّ اَللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ ، وَقَالَ: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنّٰاسَ حَتّٰى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. ذَرُوا اَلنَّاسَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ أَخَذُوا عَنِ اَلنَّاسِ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنْ رَسُولِ الله ، إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي  يَقُولُ: إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَتَبَ عَلَى عَبْدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ كَانَ أَسْرَعَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّيْرِ إِلَى وَكْرِهِ»[3] .

في هذه الرواية يؤكد الإمام على عدّة نقاط:

1/ الإشارة إلى تجاوز الدافع الاجتماعي للجدل والتبشير المذهبي، وأنّ المؤمنين التابعين حقًّا لأهل البيت، هم من يتصفون بالإخلاص لله في انتمائهم «اِجْعَلُوا أَمْرَكُمْ لِله»، ولا يضحّون بإخلاصهم من أجل تعزيز موقعهم الاجتماعي «وَلاَ تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ».

2/ التحذير من المخاصمة الدينية وأضرارها على الإنسان «وَلاَ تُخَاصِمُوا اَلنَّاسَ لِدِينِكُمْ، فَإِنَّ اَلْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ»، والجدل المذهبي مشهد للمخاصمة الدينية.

3/ إثارة الوعي بطبيعة انشداد الآخرين إلى انتماءاتهم، وهو ما تشير إليه الآيات القرآنية، ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، ﴿فَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، إنّ أصحاب كلّ انتماء قد وثقوا بمن أخذوا عنهم من أسلافهم أو رموزهم «ذَرُوا اَلنَّاسَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ أَخَذُوا عَنِ اَلنَّاسِ».

4/ ما يجب الرهان عليه هو اندفاع الإنسان للبحث عن الحقّ باختياره ورغبته، وليس بالإلحاح عليه، والدعوة المتكلّفة له عبر المجادلة، فإذا ما حصل له الاندفاع الذاتي فسيبادر لاختيار نهج الحقّ والهدى.

وجاء فيه أيضًا بسند معتبر عن كليب بن معاوية الصيداوي قال: «قالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ : إِيَّاكُمْ وَالنَّاسَ؛ إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً، فَتَرَكَهُ وَهُوَ يَجُولُ لِذلِكَ وَيَطْلُبُهُ»[4] .

إنه تحذير من الإمام الصادق من التعرض للناس في مجال انتماءاتهم المذهبية، «إِيَّاكُمْ وَالنَّاسَ»، وإرشاد إلى أنّ التغيير الفكري يبدأ من داخل الإنسان، بحيث يتجه للبحث عن الحقيقة باندفاع ذاتي.

وجاء عن أبي بصير قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ [الإمام محمد الباقر] أَدْعُو اَلنَّاسَ إِلَى ما فِي يَدِي؟ فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: إِنِ اِسْتَرْشَدَنِي أَحَدٌ أُرْشِدُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنِ اِسْتَرْشَدَكَ فَأَرْشِدْهُ، فَإِنِ اِسْتَزَادَكَ فَزِدْهُ، فَإِنْ جَاحَدَكَ فَجَاحِدْهُ»[5] .

وهنا نجد نهيًا صريحًا من الإمام لأحد تلامذته الثقاة البارزين (أبو بصير)، وهو يحيى بن أبي القاسم (كما يرجح السيد الخوئي)، ينهاه الإمام عن دعوة الآخرين لمذهبه ومعتقده، حيث سأله: «أَدْعُو اَلنَّاسَ إِلَى ما فِي يَدِي؟»، فأجابه الإمام بالنهي «فَقَالَ: لَا»، إلّا إذا كانت المبادرة من الطرف الآخر لطلب الإرشاد، فيكون التجاوب معه بمقدار استعداده ورغبته «فَإِنِ اِسْتَزَادَكَ فَزِدْهُ».

قال المجلسي في البحار: (فجاحده، أي لا تظهر له معتقدك)[6] .

وفي المحاسن عن الإمام جعفر الصادق : «إِنَّ رَجُلًا أَتَى أَبِي [الإمام محمد الباقر ] فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ خَصِمٌ أُخَاصِمُ مَنْ أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبِي: لَا تُخَاصِمْ أَحَدًا فَإِنَّ الله إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا نَكَتَ فِي قَلْبِهِ»[7] .

اختيار الكفوئين للجدل والمناظرة

ثانيًا: إذا كان الإمام الصادق ينهى عامة من حوله عن الانخراط في سلك الجدل والتبشير المذهبي، فإنه كان يشجع الأكْفاء من تلامذته وأصحابه المتمرّسين في إدارة البحث والنقاش العلمي، والمتحلّين باللباقة، أن يقوموا بهذه الوظيفة المهمة للحاجة لمن يمثل وجهة نظر مدرسة أهل البيت ، ويدافع عنها أمام الباحثين عن الحقيقة، أو المشوّشين عليها.

ومن البارزين في أصحاب الإمام الصادق على هذا الصعيد، هشام بن الحكم، ومؤمن الطاق محمد بن علي النعمان.

وكما يبدو من عدد من الروايات أنّ الإمام الصادق كان يهتم بصفة القدرة على إدارة الحوار، وعلى حدّ التعبير الوارد في بعض تلك الروايات: «إِذَا طَارَ أَحْسَنَ أَنْ يَقَعَ وَإِنْ وَقَعَ يُحْسِنُ أَنْ يَطِيرَ».

جاء في رجال الكشي عن عبدالأعلى مولى آل سام، قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَعِيبُونَ عَلَيَّ بِالْكَلَامِ وَأَنَا أُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَمَّا مِثْلُكَ مَنْ يَقَعُ ثُمَّ يَطِيرُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا مَنْ يَقَعُ ثُمَّ لَا يَطِيرُ فَلَا»[8] .

وفيه عن محمد الطيار، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ : بَلَغَنِي أَنَّكَ كَرِهْتَ مِنَّا مُنَاظَرَةَ اَلنَّاسِ، وَكَرِهْتَ اَلْخُصُومَةَ، فَقَالَ: «أَمَّا كَلاَمُ مِثْلِكَ لِلنَّاسِ فَلاَ نَكْرَهُهُ، مَنْ إِذَا طَارَ أَحْسَنَ أَنْ يَقَعَ، وَإِنْ وَقَعَ يُحْسِنُ أَنْ يَطِيرَ، فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَلاَ نَكْرَهُ كَلاَمَهُ»[9] .

الرؤية القرآنية للجدال الديني

إنّ الإمام الصادق قد استوحى موقفه هذا من القرآن الكريم حيث نجد فيه نوعين من الآيات، أحدهما يشجع على الحوار والجدل المنضبط بالقيم الأخلاقية، ومراعاة الظروف المناسبة الصالحة، كقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. [سورة النحل، الآية: 125].

والنوع الثاني من الآيات ينهى عن الخوض في الجدل العقيم، الذي لا يؤدي الى نتيجة إيجابية، لإصرار الطرف الآخر على مواقفه، فلماذا الانشغال بالجدل معه، واستهلاك الوقت والجهد؟ إنّما يكون المطلوب حينئذٍ التعايش مع الطرف الآخر، والتركيز على المشتركات العامة، كالإيمان بالله تعالى، وإيكال أمر الاختلاف إلى الله تعالى وكلمته الفصل يوم القيامة.

يقول تعالى: ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. [سورة الحج، الآيتان: 68-69].

ويقول تعالى: ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. [سورة الشورى، الآية: 15].

في الآية الكريمة أمر لرسول الله ، أن يعلن لأهل الكتاب الذين جاءت الآية في سياق الحديث عنهم، أنه ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ أي لا داعي للاحتجاج والجدل وتقديم الأدلة والبراهين؛ لأنكم غير مستعدّين للتعاطي معها بجدّية واهتمام. فالأمر بيننا موكول إلى الله حينما نصير جميعًا إليه يوم القيامة.

إثارات الجدل المذهبي المعاصر

وعلينا أن نأخذ من موقف الإمام الصادق رؤية، تجاه ما نراه من استغراق واحتراف بعض الجهات من السنة والشيعة، للجدل المذهبي في وقتنا الحاضر، عبر فضائيات متخصصة بهذا الشأن، وبأسلوب يتنافى مع المنهج القرآني، الذي يؤكد على الجدال بالتي هي أحسن، وليس بالسباب واللعن والتجريح وإثارة الضغائن والفتن بين المسلمين.

إنّ أقلّ واجب على الواعين تجاه قنوات الفتنة من السنة والشيعة، وبرامجها الاستفزازية، هو مقاطعتها، والإعراض عنها، وتوعية الآخرين بأضرارها على الدين والأمة والوطن.

وألّا نستجيب للإثارات التي تطرحها هذه الجهات والقنوات، فننشغل بها عن قضايانا المهمة، وتعكّر صفو علاقاتنا مع أبناء وطننا وأمتنا المختلفين معنا في الانتماء المذهبي والفكري.

وعلينا أن ندرك أنّ هذه الجهات والقنوات الإعلامية لا تمثل السنة ولا الشيعة، وإنّما تمثل أصحابها والداعمين لهم.

حمى الله الأمة من شرورهم ومكائدهم.

 

خطبة الجمعة 23 ذو القعدة 1445هـ الموافق 31 مايو 2024م.

[1]  السيد ابن طاووس: فلاح السائل ونجاح المسائل، ص254.
[2]  صحيح البخاري، ح4210.
[3]  الكافي، ج1، ص166، ح3.
[4]  المصدر السابق، ج2، ص212، ح1.
[5]  مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج2، ص246.
[6]  بحار الأنوار، ج2، ص134.
[7]  أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي: المحاسن، ج1، ص201، ح40.
[8]  رجال الكشي، ج1، ص319، ح578.
[9]  المصدر السابق، ج1، ص348، ح650.