برامج العبادة

مكتب الشيخ حسن الصفار
أمّ سماحة الشيخ حسن موسى الصفار –حفظه الله- اليوم الجمعة الموافق 29 ذو القعدة 1423هـ جموع المصلين في مسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف، وبعد الصلاة ألقى سماحة كلمةً تحدث فيها عن العبادة وتعريفها، متطرقاً إلى تقسيم العلماء لها إلى قسمين (عبادات ومعاملات)، وقد ركّز حديث عن الجانب الأول منها. وأكد سماحته في حديثه على ضرورة السعي باتجاه أن تكون العبادة عبادة أحرارٍ لا عبادة تجارٍ أو عبيد. ثم تحدث عن أبرز ميزات العبادات. وفيما يلي عرض موجز لأبرز فقرات هذه الكلمة:

مدخل تعريفي


العبادة لغةً: الطاعة بخضوع.

وفي الاصطلاح الشرعي: تلك الأعمال التي يُؤديها الإنسان مع نية القربة إلى الله تعالى، ولا تصح إلا بها.

وقد قسّم العلماء أعمال الإنسان إلى قسمين:

القسم الأول: مطلوبٌ من الإنسان العمل به لذاته، وعليه أن يُؤديه قربةً إلى الله تعالى. ويُطلق على هذا القسم (العبادات). ومن أمثلة ذلك: الصلاة، الصوم، الزكاة، الخمس، الحج.

القسم الثاني: مطلوبٌ من الإنسان العمل به ليس لذاته وإنما كطريق إلى نتيجة أخرى وهدف يخدم مصلحة الإنسان. ويُطلق على هذا القسم (المعاملات). ومن أمثلة ذلك: العدل والإنصاف مع الزوجة.

عبادة الأحرار


يختلف الناس في عبادتهم لله تعالى فالبعض منهم يعبدون الله تعالى رغبة في ثوابه وهذه العبادة عبادة التجار؛ والبعض الآخر يعبدون الله تعالى رهبةً وخوفاً من عقابه وهذه عبادة العبيد؛ أما القسم الأخير فيعبدون الله تعالى شكراً وهذه عبادة الأحرار. وهذا ما يقرره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في قوله: إ«ن قوماً عبدوا الله تعالى رغبةً فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.»

«وفي مناجاته يقول : إلهي ما عبدتك طمعاً في ثوابك ولا خوفاً من عقابك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدك.»

وأبرز ما يُميز عبادة الأحرار شيئان:

الأول: سرعة الاستجابة؛ بمجرد أن يأتي وقت العبادة تكون المبادرة إلى أدائها.

الثاني: الرغبة؛ مهمٌ جداً أ، يمارس الإنسان عبادته مع الله تعالى برغبة وشوق حتى يصل إلى درجة الأحرار.

وإذا لم تتوفر في الإنسان هاتان الصفتان فإنه بعيداً عن الأحرار في عبادته، جاء في الحديث القدسي: كذب من قال إنه يُحبني فإذا جنّ الليل نام عني، أو ليس يُحب الحبيب أن يخلوا بحبيبه.

ميزات العبادات


أولاً- تفاصيل العبادات غيبية بعكس المعاملات.

وهذا يعني أن الإنسان ليس له أي تصرف في تفاصيل العبادات وإنما عليه أن يؤدي العبادة كما أمر الله تعالى وقربةً إليه تعالى. وكمثال مناسك الحج على الإنسان أن يؤدي هذه المناسك كما أمر تعالى دون أن يعترض على شيءٍ منها أو يُغير شيئاً وفقاً لأهوائه وآرائه، حتى وإن كانت نظرته لا تتفق مع الأمر الإلهي في هذه العبادة.

ثانياً- تحتوي الأعمال العبادية على ألوانٍ شتى من حياة الإنسان.

فهناك عبادة تختص بجانب الجهد النفسي، ومثاله الصلاة؛ وهناك عبادة يتجلى فيها تأكيد الإسلام على النظافة كما في الوضوء والغسل؛ وهناك عبادة تختص بالجانب المالي كالزكاة والخمس، وهناك عبادة تشمل جميع هذه الألوان وأبرز مثال على ذلك الحج.

ثالثاً- العبادات ليست فكرية تأملية فقط وإنما لها جانب حسي.

فالصلاة مثلاً تؤدى باتجاهٍ معين وبأعمالٍ خاصة، والصوم له وقت وزمن محدد، والحج أيضاً له موسم معين ومناسك خاصة، كلها تحكي الجانب الحسي عند الإنسان.

رابعاً- العبادات ترتبط بالجانب الاجتماعي.

فصلاة الجماعة أفضل ثواباً من الفرادى، والصوم يُؤدى جماعةً، والإنفاق في سبيل الله يوطد أجلى صور التكاتف الاجتماعي، وأما الحج فهو من أبرز العبادات التي تتجلى فيها الصورة الاجتماعية إذ يجتمع مئات الألوف من الناس في صعيدٍ واحد وبزيٍ واحد ونداءٍ واحد إذ تتجلى في ذلك أروع صور الوحدة الإسلامية.

خاتمة


وأخيراً على الإنسان أن يعرف قيمة العبادات، كما عليه أن يخلق في نفسه الشوق للعبادة وحلاوة والعبادة إذ أن فقدان حلاوة العبادة يُعد مرضاً ينبغي علاجه، وعلاجه يكون بمزيد من الوعي والتفكير الدائب بين علاقة الإنسان وربه حتى يشعر بلذيذ مناجاة الخالق جلّ وعلا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.