النادي الرياضي والمجتمع

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


من أهم ما تحتاجه شريحة الشباب وجود أطر ومؤسسات اجتماعية تستقطبهم وتستوعبهم، وتحقق لهم الوظائف التالية:

إشباع الحاجة إلى انتماء:

ففي مرحلة الشباب، يكون الشعور بالحاجة إلى الانتماء لكيان ما، أكثر منه في أي مرحلة أخرى، لأن الانتماء يشكل مدخلاً إلى ساحة القوة والتأثير في المعادلة الاجتماعية، وهذا ما يسعى الشباب للوصول إليه، تأكيداً لتجاوزهم حالة التبعية والخضوع، إلى مستوى القدرة والفاعلية.

والانتماء عنوان ومظلة ينتزع الشباب عبره أدوارهم الاجتماعية، ويثبتون حضورهم ووجودهم الفاعل في الحياة العامة. وعادة ما يكونون مخلصين لانتمائهم، فالكبار تتبلور عندهم الاستهدافات المصلحية الشخصية، وقد يسخرّون انتماءهم لخدمة مصالحهم، بينما يضحي الشباب بصدق وإخلاص في خدمة الجهة التي ينتمون إليها، ويطغى عليهم الحماس للدفاع عنها، والتضحية من أجلها.

تنمية الطاقات والمواهب:

الشباب منطقة تزخر بالكفاءات والطاقات، لكنها بحاجة إلى التحفيز والتنمية، وهذه من أولويات المؤسسات الشبابية، حيث يكتشف الشباب عبر أجوائها التنافسية مواهبهم وقدراتهم، ويتوفر لهم التشجيع والتوجيه، لتفجير تلك الطاقات وتفعيلها.

فائض القوة والوقت:

بسبب محدودية الالتزامات والمسؤوليات، يجد الشباب لديهم فائضاً من الطاقة ووقت الفراغ، وعدم تصريف هذا الفائض يحدث مضاعفات ومشاكل نفسية، وقد يدفع لانحرافات سلوكية.

لذلك لا بد للشباب من مؤسسات تفتح أمامهم آفاق الحركة والنشاط، وتتيح لهم فرص استغلال فائض الطاقة والوقت، ضمن برامج نافعة تخدم مستقبلهم، ومصالح المجتمع.

الإعداد والتأهيل الاجتماعي:

والشباب كضيوف جدد على هذه الحياة تنقصهم الخبرة والتجربة، فيحتاجون إلى إطار يتدربون ويتأهلون من خلاله على مواجهة تحديات الحياة، وعلى ممارسة العلاقات الاجتماعية، واتخاذ القرارات والمواقف، وتحمّل مسؤولياتها وتبعاتها.

التحصين والترشيد:

ضبط الغرائز والشهوات تمثل تحدياً صعباً للشباب، حيث تتأجج أحاسيسه وعواطفه، وخاصة في هذا العصر الذي تشتد فيه أساليب الإغراء والإغواء، الموجهة نحو شريحة الشباب بالذات، إضافة إلى التيارات الفكرية والثقافية المختلفة، التي تسعى لاقتناص الشباب واحتوائهم.

ومن أجل تحصين الشباب، وترشيد مسارهم، يحتاجون إلى أجواء حاضنة، تنتصر لعقولهم على عواطفهم، وتحفظ انتماءهم القيمي، والتزامهم السلوكي.

هذه الوظائف الهامة لا تتحقق عبر التوجيه العام للشباب، ولا من خلال الإرشاد الفردي، والسبيل الأفضل لتحقيقها وجود المؤسسات والأطر الاجتماعية للشباب.

الأندية الرياضية نموذجاً:


تتنوع المؤسسات التي تعنى باستقطاب الشباب في المجتمعات البشرية، تبعاً لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية، فهناك الاتحادات الطلابية، التي تتنافس على استيعاب الشباب في المرحلة الجامعية، وتشكل إطاراً لتفعيل حركتهم ونشاطهم، وهناك النقابات العمالية والمهنية، وهناك الأحزاب والتنظيمات في البلدان التي تسمح بها، لمختلف الأغراض الدينية والسياسية والاجتماعية والبيئية.

وفي مجتمعنا فإن الأندية الرياضية هي الإطار المناسب لملء هذا الفراغ في أوساط الشباب، حيث يصبح النادي كياناً ينتمون إليه، وإطاراً يجتمعون ويتلاقون في فنائه، ومن خلاله يمكن لطاقاتهم ومواهبهم أن تظهر وتتجلى، وأن تتوفر لهم مختلف البرامج الترفيهية والتدريبية، للتأهيل والإعداد الاجتماعي.

لم يعد النادي مجرد ساحة للرياضة، وحفظ اللياقة الجسمية، وتقوية العضلات، بل أصبح مؤسسة شبابية اجتماعية متعددة الأبعاد، يمكن أن يسهم في إعداد جيل المستقبل، وتأهيلهم للنجاح والتقدم.

حيث تتسع مهامه ووظائفه للنواحي العلمية والتربوية والدينية والاجتماعية، وغالباً ما يُعَنْوَن بأنه: رياضي ثقافي اجتماعي.

تتوفر فيه مكتبة للمطالعة، ومسجد للصلاة، وميزانية للنشاط الثقافي، يمكن أن تقام فيه دورات تقوية تعليمية، للمواد الدراسية التي يحتاجها الأعضاء، وأن تعقد فيه دروس للقرآن الكريم، حفظاً وتلاوة وتجويداً وتفسيراً، وأن تجري من خلاله مسابقات قرآنية وثقافية، وأن تشجع ضمنه المواهب الفنية من رسم وخط وتمثيل مسرحي، وكذلك تنمية الكفاءات العلمية العملية، كالحاسب الآلي، واللغات الأجنبية.

كما تتهيأ عبر النادي فرص العمل الاحترافي وتحصيل الرزق، فاللاعب الموهوب يستحق راتباً ومكافأة شهرية، قد تصل إلى عشرين ألف ريال شهرياً وأكثر، وتتنافس الأندية على شراء اللاعبين المتفوقين، والمدربين الكفوئين، والحكّام المعتمدين على الصعيد الوطني والدولي.

لقد أصبح النادي من الواجهات الحضارية للمجتمعات، يعبّر عن جانب من مستوى تقدمها الاجتماعي. كما يشكل مرآة لقدراتها التنظيمية والأخلاقية.

والجانب المهم في الأندية الرياضية أنها إطار يحتضن الأبناء والشباب، ويحميهم من الضياع والتسيب، إذا ما توفرت فيه أجواء صالحة مناسبة.

لقد أصبحت مجتمعاتنا تعاني من الشباب المنفلتين، وارتفعت فيها نسبة جنوح الأحداث، ومظاهر الممارسات المؤذية والشاذة، ولا يجدي الردع والقمع دون توفير البدائل والخيارات، التي تستقطب هؤلاء الأبناء وتستوعبهم، وتحميهم من الضياع والفساد.

فاعلية الإدارة:


من أجل أن يأخذ النادي دوره الاجتماعي المطلوب، ويتمكن من استقطاب الشباب، وتنمية كفاءاتهم وطاقاتهم، وتأهيلهم ثقافياً واجتماعياً، لا بد له من إدارة صالحة كفوءة، تنطلق في تصديّها من منطلق تحمّل المسؤولية تجاه المجتمع والوطن، وتدرك خطورة الشريحة التي تتعامل معها، وهي شريحة الشباب، وتتفهم ظروفهم وآمالهم وتطلعاتهم.

إن التصدي لإدارة النادي مهمة تطوعية خطيرة، يجب أن ينبري لها الصالحون من رجال المجتمع، ولا يصح أن تترك للعناصر الضعيفة في وعيها ونضجها، فتنحرف بهذه المؤسسة الهامة عن مسارها الصحيح، أو تشل حركتها، وتحصرها في بعض الأبعاد والأدوار.

إن ضعف الإدارة يحرم الشباب والمجتمع من الاستفادة الكاملة من مؤسسة النادي، ويحجّم دوره ونشاطه، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تفعيل حركة النادي، وتنشيط دوره، وتطوير أدائه.

فمجتمعنا تقارب فيه نسبة الشباب 55% ولا تتوفر فيه أطر ومؤسسات بديلة لاستيعاب هذه النسبة الكبيرة من الشباب، والنادي هو الخيار المتوفر، فينبغي استثمار دوره إلى أقصى حد ممكن.

مما يوجب دفع العناصر الواعية الصالحة، لتحمل مسؤولياتها، والتصدي لإدارة الأندية، وإذا كان ذلك يأخذ من وقت الإنسان وجهده، ويسبب له شيئاً من المعاناة والمشاكل، فإنه كأي عمل تطوعي يحتسب الإنسان فيه الأجر والثواب من قبل الله تعالى، ويسهم من خلاله في خدمة مجتمعه ووطنه، مما تنعكس آثاره ونتائجه الإيجابية عليه كجزء من هذا المجتمع والوطن.

ومؤسف جداً أن يصل العزوف عن التصدي لهذه المسؤولية الخطيرة، في بعض أندية المنطقة، إلى حد تعطيل مجلس الإدارة، لعدم تقدم مرشحين يكتمل بهم نصاب مجلس الإدارة. مما يدل على ضعف الإقبال على العمل التطوعي، ومجالات الخدمة الاجتماعية.

ويلحظ أنه كان هناك إقبال وتنافس على الترشيح لعضوية إدارات الأندية يوم كانت الإمكانات وفيرة، وميزانيات الأندية كبيرة، أما الآن ومع تقلص الإمكانات المخصصة للأندية، واستلزام التصدي لتحمل المصاعب والمشاق، فقد حدث هذا العزوف!!

إنني أدعو الواعين القادرين من رجال المجتمع، أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أبنائهم وشباب وطنهم، بالدخول في مجالس إدارات الأندية، ليسهموا في تقديم أكبر خدمة للمجتمع والوطن، برعاية هذا الجيل الناشئ، وتنمية مواهبه وطاقاته، وفي ذلك عظيم الأجر والثواب إن شاء الله، كما نأمل من الإدارات القائمة مضاعفة جهدها، وتطوير أدائها، لتصبح أنديتنا في طليعة أندية الوطن، وتحقق التقدم على المستوى الإقليمي والعالمي.

تفاعل المجتمع:


تشعر كثير من العوائل بقلق بالغ تجاه مستقبل أبنائهم الفكري والسلوكي، في ظل انفتاح إعلامي مبتذل، وتواصل معلوماتي غير منضبط، ومع وجود مشاكل وتحديات، تثير في نفوس الشباب مختلف الانفعالات، يرافق ذلك انشغال الوالدين عن إحاطة الأبناء بما يحتاجون من رعاية واهتمام.

ويزيد من مستوى هذا القلق، ما يسمعه ويلحظه الآباء من وقوع بعض أبناء المجتمع في مهاوي الانحراف والفساد، كعصابات الإجرام، والإدمان على المخدرات، والاعتداء على أعراض الناس، وممارسة سلوكيات شاذة كالتفحيط بالسيارات..

ولكن ماذا يفيد اجترار القلق، وإبداء الاستياء، تجاه واقع يزداد قتامة وسوءاً؟

إنه يجب أن يكون دافعاً نحو مبادرات إيجابية فعَّالة تضع حداً للمشكلة، وتقدم حلولاً لمعالجتها.

إن توفير المناخ الصالح والأجواء الطيبة لشباب المجتمع، هو من أجدى الوسائل، وأنفع الأساليب، لحمايتهم من الغواية والضياع، ولتوجيههم نحو الاستقامة والخير.

والنادي الرياضي يمثل خياراً نموذجياً على هذا الصعيد، ضمن ظروفنا الاجتماعية القائمة، فهو مؤسسة تحظى برعاية الدولة، وتتوفر له مستوى من الإمكانيات، وينجذب إليه الشباب، مما يتيح الفرصة لتوجيه مسارهم وتنمية طاقاتهم، وحماية أفكارهم وسلوكهم.

لكن نسبة نجاح النادي في القيام بمهامه المرجوة، تتوقف على مدى تفاعل المجتمع معه، فكلما تقدم مستوى التفاعل الاجتماعي مع النادي، ارتفعت نسبة نجاحه، وارتفعت درجة أدائه وإنجازه.

وقد ينظر البعض من الناس للنادي كمؤسسة رسمية حكومية، تتحمل الحكومة أعباء رعايتها ونجاحها. لكن هذا التفكير ليس صحيحاً، وإنما هو تبرير للتهرب من المسؤولية. فالنادي مؤسسة أهلية في الأساس تحظى بدعم الحكومة، فإذا لم تكن هناك حالة رياضية في منطقة ما، ضمن مستوى يستحق إقامة ناد، فإن الحكومة لا تنشئ النادي ابتداءً. كما أن أعضاء الإدارة ينتخبون أهلياً ولا تعينهم الحكومة، وفائدة النادي تعود إلى المجتمع، وهو يشكل إسهاماً في حل مشكلة يعاني منها الجميع، هي استيعاب الشباب وحسن توجيههم.

من ناحية أخرى فإن بعض الأوساط في المجتمع لا تزال تنظر للنادي نظرة ريب وتجاهل، فهو عندهم مجرد ساحة للعب واللهو، وإشغال الشباب وتضييع أوقاتهم، وقد تتسلل إليهم من خلاله عوامل الفساد والانحراف!!.

هذه النظرة الضيقة نابعة من محدودية أفق أصحابها، وقد تكون نشأت كرد فعل من تجارب بعض الأندية غير الناجحة في بعض الفترات.

وأساساً فإن هؤلاء يتصورون أن النادي منحصر في الاهتمام الرياضي، ولا يعرفون الجوانب الأخرى التي يمكن الاستفادة منها، كما أن نظرتهم للرياضة وكأنها أمر معيب لا تستحق العناية والاهتمام، هي نظرة خاطئة.

الرياضة: بين نظرتين:


غالباً ما تتركز النظرة السلبية نحو النشاط الرياضي في بعض الأوساط الدينية، انطلاقاً من أن الرياضة لعب ولهو على حساب جدّية الإنسان، واتزان شخصيته، وأنها مدخل لتجمع غير مضمون الاستقامة والصلاح، وقد يستشهدون بنماذج سلبية، لأوضاع إدارية وسلوكية في بعض الأندية، كما يشيرون إلى جانب المبالغة والتضخيم في النشاط الرياضي، وأن ذلك له استهدافات سياسية واجتماعية، لتزييف اهتمامات الناس، وإشغالهم عما هو أهم وأوجب.

ويجب أن نعترف بأن هذه النظرة السلبية نحو الرياضة، لا تقتصر على هذه الأوساط الدينية، فهناك علماء اجتماع ومفكرون من مختلف العصور والمجتمعات، كانت لديهم مثل هذه التحفظات.

فقد أشار (كارل ديم) Karl Diem الألماني الجنسية 1949م وهو أحد رواد علم اجتماع الرياضة، إلى الوظائف السلبية للرياضة عندما كتب عنها أنها ((أنشطة بلا غاية)) وأنه توصل إلى ذلك من خلال تحليله للأفكار النظرية الغربية، ولكنه عدل عن هذا الرأي فيما بعد، حيث صرح بأن الرياضة تغني القوى الحيوية، ولكن ليس دائماً في الاتجاه الصحيح، ولذلك ينصح بأن يناط بالرياضة التوجيه التربوي.[1] 

ولم يتحرج أرنو بلاك Arno Plack من نعت الرياضة بأنها ليست سوى شكل من أشكال العدوان، حتى لو تم الادعاء بعدم ضررها، ذلك لأن التأثير النفسي اللاشعوري للرياضة يعني عدم الإيمان بجدية الذات الإنسانية، وتجاهل القيم الأخلاقية الإنسانية، فقد اتهم ممارسو الرياضة التنافسية بالتحايل والمغالطة في سبيل الفوز.

ولقد أورد لوشن في دراسته الممتازة (الرياضة والصراع وحل الصراع) قائمة بالباحثين ممن تناولوا سلبيات المنافسات الرياضية مثل مظفر Muzafer، كارولين شريف Carolyne Sherif 1961 اللذين أثبتا بطريقة ميدانية تطبيقية إلى أي حد يؤثر التعبير النفسي في الرياضة على العنف والعدوانية، حتى يقال إن المسؤولين عن التجربة تدخلوا لفض بعض المنازعات التي حدثت بين الأندية التي اشتركت في التجارب البحثية!

ولقد استعرض لوشن عدداً من المؤلفين والباحثين ممن أبرزوا السلبيات الاجتماعية للرياضة، ولعل أشهرهم باسكال Pascal وفبلن Veblen، حيث نظروا للرياضة والرياضي خلال المنافسة على أنه موقف عدمي، لا جدوى ترجى منه.[2] 

ونقول في مناقشة هذه التحفظات: إن كل ظاهرة من ظواهر النشاط الإنساني، قد ترافق ممارستها بعض السلبيات والأضرار، وحتى أقدس الممارسات وهي الأعمال العبادية التي يتوجه بها الإنسان إلى الله تعالى، لم تنج من هذا الاحتمال، حيث يؤديها البعض رياءً، وتصبح ستاراً لأغراض دنيئة، كما قد يتنطع البعض في أدائها إلى حد الإصابة بالوسواس. والمطلوب هو ترشيد الظواهر الاجتماعية، وتوجيهها بالاتجاه الصحيح، وصيانتها من سوء الاستغلال.

والرياضة هي أحد الأنشطة الإنسانية العريقة في تاريخ الإنسان، فلا يكاد يخلو مجتمع إنساني من ممارستها، وتؤكد تجارب البشرية على الدور الحيوي للرياضة، ليس في مجال تقوية عضلات الجسم، وصحة البدن، وحفظ لياقته فقط، بل تؤدي دوراً على الصعيد النفسي، حيث تعتبر إحدى الوسائل الاجتماعية المقبولة لتفريغ الدوافع والنوازع المكبوتة، وتخفيف مشاعر المعاناة والتوتر التي يستشعرها الفرد حيال ضغوط الحياة.

يقول الدكتور أمين الخولي: ((بالرغم من ادعاء البعض أن الرياضة تتضمن بعض العناصر العدوانية، أو أن الناس قد تستعرض العدوانية من خلال الرياضة، والعدوانية قد تكون مضمرة وقد تكون معلنة، بل إن العدوانية في بعض الأحيان تتنكر في شكل رقيق يصعب اكتشافه، لكن ما زال الكثيرون يؤمنون بأن أحد عوامل الجذب في الرياضة، أنها تتيح وسطاً اجتماعياً مقبولاً للفرد لاستعراض العدوانية أو التنفيس عنها.

وقد تكون هناك مساحة ما للعدوانية في الرياضة لكنها محكومة بقواعد اللعب وجزاءاته، لكن مما لا شك فيه أن الرياضة كأحد المناشط الإنسانية، تعد أكثر هذه المناشط ملاءمة للتخلص من قدر كبير من العدوانية، حتى أننا كثيراً ما نسمع التربويين يشبهون ضرب الكرة بالمضرب أو بالعصي كآلية تسمح بتخريج قدر كبير من العدوانية والتنفيس عنها)).[3] 

وللرياضة دور إيجابي في تنمية قدرات التعامل والعلاقات الاجتماعية، حيث يكون الفرد جزءاً من فريق، وعضواً في مؤسسة، وملتزماً في ممارسته الرياضية بنظام وقانون، ويطمح في الانتصار على الطرف المقابل، لكنه مستعد لاحتمال الهزيمة أمامه.

الرياضة: برؤية دينية:


تكاملية الإسلام وشموليته تفرض أن يهتم بلياقة الجسم، كما يهتم بسمو الروح، وأن يرعى تنمية مختلف الأبعاد في شخصية الإنسان، لذلك من الطبيعي أن نجد في تعاليم الإسلام إشادة بممارسة الرياضة، وتشجيعاً للاهتمام بأنشطتها.

فقد أورد البخاري في صحيحه عدة أحاديث حول الفروسية وسباق الخيل منها ما رواه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «سابق رسول الله بين الخيل التي قد ضمِّرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنيّة الوداع ـ ستة أميال أو سبعة ـ وسابق بين الخيل التي لم تضمَّر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق ـ ميل أو نحوه ـ وكان ابن عمر ممن سابق فيها.»[4] 

وإضمار الخيل: إعدادها للسباق بأن تعلف حتى تسمن وتقوى، ثم يقلل علفها، ويُستنزل عرَقها، حتى يخف لحمها، وتقوى على الجري.

قال ابن حجر في فتح الباري: ((وفي الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو، والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة، بحسب الباعث على ذلك. قال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب)).[5] 

كما أورد البخاري أحاديث عن ممارسة رياضة الرمي، منها ما عن سلمة بن الأكوع (ر) قال: «مر النبي على نفر من أسلم ـ قبيلة عربية ـ ينتضلون، لتناضل الترامي للسبق ـ فقال النبي : ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان. قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله مالكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي : ارموا فأنا معكم كلكم».[6] 

«ونقرأ في حديث آخر أنه مرّ بقوم يربعون حجراً يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم»[7] . وهي رياضة حمل الأثقال.

وورد عن رسول الله أنه قال: «علموا أولادكم السباحة والرماية.»[8] 

«وعن علي بن الحسين : أن رسول الله أجرى الخيل وجعل فيها سبع أواقي من فضة، وأن النبي أجرى الإبل مقبلة من تبوك، فسبقت العضباء ـ ناقة رسول الله ـ عليها أسامة، فجعل الناس يقولون: سبق رسول الله. ورسول الله يقول: سبق أسامة.»[9] 

وجاء عن الإمام جعفر الصادق أنه كان يحضر الرمي والرهان.[10] 

«وفي أمالي الصدوق عن الإمام جعفر الصادق عن أبائه قال: دخل النبي ذات ليلة بيت فاطمة ومعه الحسن والحسين ، فقال لهما: قوما فاصطرعا فقاما ليصطرعا، وقد خرجت فاطمة في بعض خدمتها، فدخلت فسمعت النبي وهو يقول: إيه يا حسن شدّ على الحسين فاصرعه..»[11] 

تعطينا هذه النصوص وأمثالها صورة واضحة عن تشجيع النبي ورعايته لأشكال وألوان من ممارسة النشاط الرياضي: سباق الخيل، الرماية،حمل الأثقال، السباحة، المصارعة.. وأين هذا من مظاهر التزمت التي يوحي بها بعض المتدينين، وكأن الرياضة شيء مستهجن مذموم؟!!

وقد أدرج الفقهاء في كتب الفقه أحكام المسابقة والرمي ضمن أبواب معنونة بها.

وأفرد ابن القيم الجوزية مؤلفاً كاملاً تحت اسم (الفروسية) ورصد الباحث محمد كامل علوي ما يربو على الخمسة والأربعين لعبة رياضية كان يمارسها العرب الأقدمون، بل لقد ذهب إلى أن عدداً كبيراً من الرياضات المعاصرة التي يمارسها الغرب هي من أصول عربية إسلامية، وقد ضرب مثلاً برياضة البولو، التي مارسها المسلمون الأقدمون في عصر الخلافة العباسية وما بعدها، تحت اسم الصوالج أو الصولجان.

الدعم المطلوب:


تعاني أغلب أندية المنطقة من عجز مالي كبير، بعد تراجع الدعم الرسمي لها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، فبعض الأندية وخاصة التي لا تمتلك منشأة لم تعد قادرة حتى على تسديد إيجار مقرها، فضلاً عن رواتب الموظفين، ومستلزمات النشاط الرياضي، مما يهدد بعضها بالانهيار والإغلاق.

وقد أثر هذا العجز المالي على نشاط مختلف الأندية، وفي الوقت الذي نأمل فيه مضاعفة الاهتمام من قبل الحكومة بهذه الأندية، لما لضعفها وتراجعها من انعكاسات سلبية على الأمن الاجتماعي، فإن على رجال المال والأعمال في المجتمع أن يتحملوا مسؤوليتهم تجاه هذه الأندية، ولا ينبغي أن تكون كل أعبائها على كاهل الدولة، وفي الوضع الحاضر عليهم أن يمدوا يد الدعم والإنقاذ لتستمر الأندية الرياضية في أداء دورها الاجتماعي الخطير، بل هي بحاجة إلى إمكانات كبيرة، لتطوير نشاطها، بما يتناسب مع تصاعد التحديات أمام أجيال الشباب.

وفي بعض مناطق الوطن تحظى الأندية الرياضية بدعم جيد من القطاع الخاص، وهذا ما نطمح إلى حصوله في منطقتنا إن شاء الله.

إن كل ناد رياضي بحاجة إلى هيئة أعضاء شرف، تتكون من رجال الفكر والأعمال المهتمين بمصلحة المجتمع والوطن، لتصبح هذه الهيئة ظهراً وسنداً للنادي في احتياجاته المادية، ومصدراً للتوجيه والرعاية والدعم المعنوي.

إننا نقرأ في النصوص والأحاديث أن الرسول كان يبذل المال في سباق الخيل، كما ورد عن الإمام علي بن الحسين : «أن رسول الله أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة».[12] 

وفي رواية أخرى عنه : «أن رسول الله أجرى الخيل وجعل فيها سبع أواقي من فضة».[13] 

وعن الإمام محمد الباقر : «أن رسول الله سابق بين الخيل وأعطى السوابق من عنده».[14] 

وحينما يتحدث الفقهاء عن المكافأة والعوض الذي يجعل في السباق، يذكرون أن المكافأة إما أن تكون من أحد الفريقين، أو تكون من الإمام شخصياً، أو من بيت المال.

قال ابن قدامة في المغني: ((إن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين، لم تخل إما أن يكون العوض منهما أو من غيرهما، فإن كان من غيرهما نظرت فإن كان من الإمام جاز، سواء كان من ماله، أو من بيت المال...)).[15] 

وجاء في فتاوى السيد السيستاني: ((يجوز أن يكون العوض المقرر في السبق أو الرماية عيناً، وأن يكون ديناً، وأن يبذله أجنبي أو أحد الطرفين، أو من بيت المال...)).[16] 

ويبدو لي أن التبرع للنادي الرياضي، في إطار رعاية أبنائنا واستقطابهم وحمايتهم من الانحراف، هو من أفضل موارد الإنفاق في سبيل الله تعالى، ولا يقل عن ثواب الإنفاق على المساجد والأعمال الخيرية الأخرى، لأن الشباب هم المنطقة الأكثر خطورة وأهمية في هذا العصر، وما يبذل من أجل هدايتهم وإرشادهم، أنفع وأجدى.

من ناحية أخرى فإن المأمول من علماء الدين ورجال الفكر في المجتمع، أن لا يبخلوا على الأندية الرياضية بدعمهم ورعايتهم، لتفعيل الجوانب الأخرى من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، وينبغي تجاوز الهوة والحاجز بينهم وبينها، فعالم الدين من أولى مسؤولياته الهداية والإرشاد، وخاصة لمن هم أحوج إليها وهم الشباب، وحضور عالم الدين في أوساط الشباب، وضمن تجمعاتهم يجعله أقرب إلى نفوسهم، وأكثر تأثيراً على توجهاتهم. فهناك شريحة من الشباب لا يلتقي بهم عالم الدين في المسجد أو المجلس، لكنه يجدهم في النادي، ومنه يمكن استقطابهم إلى المسجد والأجواء الدينية.

بقى أن نشير إلى ضرورة تفعيل العلاقة بين النادي والمجتمع، بتواصل إدارة النادي، أو لجنة العلاقات فيه، مع الساحة الاجتماعية، من علماء دين ورجال أعمال، ومثقفين ومؤسسات أهلية، وكذلك بالمشاركة والحضور في المناسبات الاجتماعية العامة، وتطوير الأداء الإعلامي للنادي.

اللهم أصلح أمورنا ووفقنا لما يرضيك عنا يا أرحم الراحمين.
[1] الخولي: الدكتور أمين أنور، الرياضة والمجتمع ص59، سلسلة عالم المعرفة 216، الكويت 1996م.

[2] المرجع السابق ص60.

[3] المرجع السابق ص86.

[4] البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 2899، طبعة دار الكتب العلمية 1999م، بيروت.

[5] العسقلاني: ابن حجر، فتح الباري، ج6 ص89، الطبعة الأولى 1997م، دار السلام، الرياض.

[6] البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 2870، طبعة دار الكتب العلمية 1999م، بيروت.

[7] ابن قدامة: عبدالله بن أحمد بن محمد، المغني، ج13، ص405، الطبعة الثانية 1992م، هجر للطباعة، القاهرة.

[8] الحر العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 22689، الطبعة الأولى 1993م، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت.

[9] المصدر السابق، حديث رقم 24538.

[10] المصدر السابق، حديث رقم 24528.

[11] المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج100 ص189.

[12] الحر العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، حديث رقم 24519، الطبعة الأولى 1993م، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت.

[13] المصدر السابق، حديث رقم 24538.

[14] المصدر السابق، حديث رقم 24537.

[15] ابن قدامة: عبدالله بن أحمد بن محمد، المغني، ج13، ص408، الطبعة الثانية 1992م، هجر للطباعة، القاهرة.

[16] السيستاني: السيد علي الحسيني، منهاج الصالحين، ج2 ص160، مسألة 570.