هل نقرأ الآخر؟

الشيخ حسن الصفار *
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين


لسنا مخيرين في وجود الآخر فهو حتمية اقتضتها حكمة الله تعالى في الخلق لتكون الحياة أكثر ثراءً، وليشحذ التنافس همم أبناء البشر، ويفجر طاقاتهم. ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ سورة هود آية 118. والآخر هو المختلف عنا في أي جانب من الجوانب التي نهتم بها، فقد يكون آخر من حيث انتمائه الاجتماعي، لعرق أو قومية أو قبيلة.

وقد تكون آخريته لجهة انتسابه الديني والثقافي، لمبدأ أو مذهب أو مدرسة فكرية.

كما يكون اختلاف التوجه السياسي أو النهج السلوكي سبباً لتشكيل الآخرية.

وهكذا يتحدد الآخر في مختلف دوائر اهتمامات الإنسان ومجالات تركيزه.

والآخر قد يكون جزءاً من بيتنا العائلي وأسرتنا الصغيرة حيث قد يختلف الدين أو المذهب أو المسلك بين الزوجين وبين الوالدين والأولاد، وفيما بين الأخوة الأشقاء.

وقد يكون جاراً لنا في السكن أو زميلاً لنا في العمل.

وفي إطار أوسع قد يكون شريكاً لنا في الوطن والانتماء الحضاري.

وعلى المستوى الدولي هناك جوار جغرافي وتشابك في المصالح وخاصة في عالم اليوم الذي أصبح قرية كونية واحدة.

مما يعني أن الآخر جزء من حياتنا كأفراد وشعوب ودول نتداخل معه، ونتأثر به ونؤثر فيه، إنه لا يمكن إلغاء الآخر وإلا الانفصال عنه كلياً.

تلك هي الحقيقة التي لا مراء فيها ولا يمكن تجاهلها.

بيد أن الامتحان الحقيقي أمام الإنسان هو مدى قدرته على تنظيم علاقته مع الآخر أخذاً وعطاءً، حتى لا يصبح التمايز سبباً للجفاء والعداء، بل دافع للتنافس الإيجابي والتعاون والتكامل والإثراء.

التعارف قاعدة أساس


إن الخطوة الأولى، والقاعدة الأساس، لتنظيم علاقة مع الآخر هي التعارف.

بأن يتعرف كل من الطرفين على الآخر، وخاصة فيما يرتبط بزاوية التغاير والتمايز بينهما.

ذلك أن الجهل وسوء الفهم غالباً ما يؤدي إلى التباعد حذراً، أو إلى النزاع والخصومة عداءً.

يقول تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ سورة الحجرات آية 6.

«وورد عن الإمام علي : ((الناس أعداء ما جهلوا))[1] . وقال : ((من جهل شيئاً عابه))[2] .»

إن المعرفة بالآخر تكشف لك نقاط قوته ومكامن ضعفه، فتمكنك من الاستفادة منه وإفادته، وتبرز لك مناطق الاشتراك ومواقع الاختلاف، بما يؤسس للتعاون وتنمية العلاقات.

لذلك يؤكد القرآن الكريم على محورية التعارف بين فئات البشر، باعتباره قاعدة أساس للعلاقات فيما بينهم يقول تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ سورة الحجرات آية 13.

كما أن أول أمر بدأ به الوحي، حين نزل للمرة الأولى على رسول الله ، هو الأمر بالقراءة،حيث اتفق المسلمون على أن أول القرآن هو قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ سورة العلق آية1ـ3.

والقراءة المأمور بها ليست مجرد عملية تتبع الكلمات والنطق بها، أو قراءتها بالنظر، بل هي أعمق من ذلك، إنها تعني عملية التفكير والفهم، وهو المعنى الذي أصبح متداولاً في الأوساط الفكرية، كما لخصت الباحثة (سيزا قاسم ـ 1995م) هذا المفهوم للقراءة بقولها: ((إنها خبرة محددة في إدراك شيء ملموس في العالم الخارجي، ومحاولة التعرف على مكوناته، وفهم هذه المكونات، وظيفتها ومعناها))[3] .

ولم يحدد الوحي لفعل ﴿اقْرَأْ مفعولاً، مما يؤيد أن المقصود التوجيه لذات الممارسة والفعل، وأول ما يحتك به الإنسان ويحتاج لقراءته وفهمه، هو الوجود البشري الذي ينتسب إليه، فعليه أن يتأمل التمايزات الهامة بين فئات هذا الخلق، ليرى من خلال ذلك عظمة الله تعالى وحكمته، ولتنظيم حياته بإرساء علاقات سليمة مع من حوله.

وقراءة التمايزات بين أبناء البشر هو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ سورة الروم آية 22.

من سمات التقدم


تحرص المجتمعات المتقدمة، ممثلة بمراكز الدراسات والأبحاث فيها، الرسمية والأهلية، وعبر المبادرات الفردية الطموحة، على تحصيل أكبر قدر من المعلومات عن البلدان والشعوب الأخرى، لإثراء المعرفة، ولخدمة المصالح والأغراض.

وتمثل حركة الإستشراق التي قام بها الغرب أوسع نموذج منظم في هذا السياق، حيث اهتمت بدراسة الثقافات الشرقية (الأسيوية غالباً)، وأوضاع المجتمعات الإسلامية في مختلف المجالات.

وكانت بدايتها في القرن الثالث عشر الميلادي، بترجمة بعض الكتب الإسلامية إلى اللغات الأوربية. وأنشئت في القرن الثامن عشر الميلادي، كليات لتدريس اللغات الشرقية في عواصم أوربا. كما أنشئت معاهد ومراكز أبحاث في عدد من البلدان الشرقية، وزحف إلى الشرق عدد من العلماء والباحثين الغربيين، لدراسة الأوضاع والمجتمعات ميدانياً، وأصبحوا يعرفون بالمستشرقين، وعقدوا أول مؤتمر لهم في باريس سنة 1873م وتوالت بعده المؤتمرات إلى اليوم.

وصدرت عدة مجلات متخصصة بالأبحاث الشرقية، مثل مجلة (العالم الإسلامي)، والمجلة الأسيوية لجمعية المستشرقين الفرنسيين، ومجلة الجمعية الأسيوية الملكية لجمعية المستشرقين الإنجليز، ومجلة الجمعية الشرقية الأمريكية لجمعية المستشرقين الأمريكيين.

وصدرت دائرة المعارف الإسلامية بعدة لغات.

وقام جمع من المستشرقين بوضع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، في ثمانية مجلدات، شمل الكتب الستة المشهورة، إضافة إلى مسند الدارمي، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، وموطأ الإمام مالك. كما وضع الدكتور أ.ي. فينسنك معجماً آخر بعنوان (مفتاح كنوز السنة) للكشف عن الأحاديث النبوية في كتب أربعة عشر إماماً.

وأول معجم مفهرس للقرآن الكريم وضعه المستشرق (فلوغل)، وسماه (نجوم الفرقان في أطراف القرآن)، وهو العمل الإحصائي الأبجدي الذي اعتمد عليه محمد فؤاد عبدالباقي في وضع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن.

ولسنا الآن بصدد تقويم أغراض حركة الإستشراق، ولا أعمال المستشرقين، فمن الواضح أن كثيراً منهم لم يكن حيادياً ولا منصفاً، وكان يخدم أغراضاً استعمارية، لكن بعضهم اتصف نتاجه بالموضوعية والاعتدال، مثل الإنكليزي (توماس آرنولد ت 1930م)في كتابه (الدعوة إلى الإسلام). و (زيجريدهونكه) في مؤلفها الشهير(شمس العرب تسطع على الغرب)، والهولندي (هادريان ربلاند ت 1718م) في كتابه (الديانة المحمدية) الذي حرمت الكنيسة تداوله آنذاك.

لسنا بصدد التقويم، ولكننا نشير إلى مدى اهتمام الغرب كمجتمع متقدم جادّ في خدمة مصالحه، بالتعرف على الآخر.

وقد ذكر الدكتور إدوارد سعيد في كتابه الهام عن (الإستشراق) انه بين 1800م إلى 1950م صدر في الغرب عن الشرق الأوسط 60 ألف مؤلفاً.

وأودّ الإشارة هنا إلى نموذج يرتبط بمنطقتنا الخليجية، هو كتاب (دليل الخليج)، الذي وضعه البريطانيون ليكون مرشداً لهم في الخليج، وقد أنجزه الباحث (جي. ج. لوريمر) يعاونه مستر (ج.س.هـ. جابرييل) وقد بدأ إعداد الكتاب سنة 1904م، ونشر باللغة الإنكليزية في أربعة مجلدات ضخمة، من قبل حكومة الهند في كلكتا سنة 1915م. وكان يعتبر وثيقة سرية لم يطبع منه إلا حوالي مئة نسخة حتى عام 1955م.

وترجم للعربية بقسميه التاريخي والجغرافي، في أربعة عشر مجلداً، كل قسم في سبعة مجلدات، قامت حكومة قطر بترجمته وطبعه. قال عنه أحد الباحثين: (لقد جمع الكتاب فأوعى لم يترك صغيرة في المنطقة ولا كبيرة إلا أحصاها، رسم المنطقة فصورها، وفصل تاريخها تفصيلاً، ووضع كل جزء منها تحت المنظار، مدنها وقراها، قبائلها وقواها، مللها ونحلها، وما فيها من نبات وشجر ومعادن، ورصد أنواءها وأجواءها)[4] .

خمول وتجاهل


في مقابل هذه الحركة الإستشراقية النشطة، هناك خمول في الشرّق في الاهتمام بمعرفة الغرب. وأكتفي هنا بشاهد جديد، تحدث عنه رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع، الطاهر لبيب، في مقدمته لكتاب (صورة الآخر العربي ناظراً ومنظوراً إليه) الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية، والجمعية العربية لعلم الاجتماع، سنة 1999م حاوياً أعمال الندوة الدولية التي عقدتها الجمعية العربية لعلم الاجتماع، حول (صورة الآخر) عامي 1993م و1996م في تونس.

قال الطاهر لبيب: ((بما أن ندوة 1993م ضمت باحثين من أقطار عربية، وآخرين من بلدان غربية، فقد يكون مفيداً، قبل عرض أعمالها، لفت الانتباه إلى بعض الظواهر ذات الدلالة، من وجهة ثقافية مقارنة:

إن أول ما يلاحظ أن الطرح الذي يتحول فيه مركز التركيز على الذات إلى الآخر لقي بعض العسر في الاستجابة له لدى أغلبية المشاركين من علماء الاجتماع العرب، إن ندوة 1993م الدولية قدمت بوضوح كاف الموضوع المتمثل في أن يعرض كل مشارك صورة الآخر في مجتمعه أو في مجتمع عربي يختاره. ومع ذلك فإنه في الوقت الذي تقيدت فيه أغلبية المشاركين من غير العرب بالموضوع المطروح فضلت أغلبية المشاركين من العرب تناول صورة العربي لدى الآخر. ويمكن القول بأن هذا الإصرار العربي على متابعة الذات كان من المؤشرات الثقافية البارزة في الندوة.

وبما أن التناول العربي (المعكوس) للموضوع المطروح أخل بتوازن المساهمات وبتجانسها فإن الجمعية العربية لعلم الاجتماع اضطرت إلى عقد ندوة عربية في الحمامات/تونس 1996م وذلك للإجابة عن السؤال الذي أعادت طرحه وألحت في طلب الإجابة عنه: كيف يرى العرب الآخرين؟ ثلاث سنوات إضافية لتقبل الثقافة العربية الإجابة عن السؤال.

نقول الثقافة العربية لأن المسألة ـ وهذا مفروغ منه ـ ليست مسألة كفاءة علمية أو مسألة (انضباط) وإنما هي أساساً مسألة ثقافة. لقد كان الخروج ـ أو ما بدا خروجاً ـ عن موضوع الهوية أمراً صعباً ووضعاً غير معهود))[5] .

ويرى برنارد لويس في بحثه (كيف اكتشف الإسلام أوربا): ((أن هناك تجاهلاً إسلامياً لأوربا وعدم اهتمام معرفي بها يقابلهما (حب اطلاع أوربي) وإذا كان القرن الثامن عشر قد خفف بعض الشيء منهما فان استعمار القرن التاسع عشر هو الذي فرض على المسلمين معرفتهم بأوربا.

وأشار إلى أن توجه المسيحيين إلى معرفة الإسلام ليس مرده التسامح المسيحي، لأن الإسلام كان أكثر تسامحاً، لكن سيادة الخطاب المركز على الذات عند المسلمين حال دون تطوير معرفة علمية بالغرب))[6] .

ويرى هشام جعيط أنه: ((إذا كان الإسلام الكلاسيكي غير مبال تجاه الغرب فان ذلك لم يكن بسبب نقص في توقه إلى المعرفة، بل لأنه كان يجهله ويتجاهله شعوراً منه بانعدام أية فائدة من وراء ذلك))[7] .

وبما أن الترجمة من مظاهر التعرف البارزة فقد ذكر تقرير التنمية العربية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لهذا العام 2003م، أنه رغم ازدياد عدد الكتب المترجمة في العالم العربي من حوالي 175 عنواناً في السنة خلال الفترة 1970-1975م إلى ما يقرب من 330 كتاباً وهو خمس ما تترجمه اليونان مثلاً (10.451.000 نسمة). ويقدر الإجمالي التراكمي للكتب المترجمة منذ عصر المأمون حتى الآن بحوالي 10000 كتاب، وهو ما يوازي ما تترجمه أسبانيا في عام واحد (39.727.000 نسمة). ومتوسط الكتب المترجمة لكل مليون من السكان في الوطن العربي في هذه السنوات الخمس 4.4 كتاباً أي أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون من السكان. بينما بلغ 519 كتاباً في المجر و920 كتاباً في أسبانيا لكل مليون من السكان.

وفي أعقاب كارثة 11 سبتمبر 2001م التي حصلت في أمريكا تحدثت التقارير عن إقبال شديد لدى الأمريكيين في القراءة عن الإسلام والمسلمين، حيث نفدت جميع الكتب المعروضة في المكتبات عن هذا الموضوع، وأشار أكثر من ناشط إسلامي في أمريكا إلى كثافة الاهتمام بالتعرف على الإسلام والمسلمين من قبل الأمريكيين، حيث صارت مجاميع منهم تزور المراكز الإسلامية هناك، كما أن عدداً كبيراً من الجامعات والمؤسسات العلمية والأهلية استضافت شخصيات إسلامية للحديث عن الإسلام.

بينما نجد في المقابل تقصيراً هائلاً لدى الأوساط الإسلامية في الاهتمام بدراسة المجتمع الأمريكي والغربي بشكل عام، والاكتفاء بإدانة التوجهات المادية لتلك المجتمعات، والتنديد بمؤامراتهم ضد الإسلام والمسلمين، دون الالتفات إلى نقاط القوة الكبيرة عندهم، في تقدمهم العلمي والتكنولوجي، وفي تنظيم شؤون حياتهم على أساس الديمقراطية وحرية النشاط الفكري والسياسيأأ، وتفاعلهم مع القضايا الإنسانية والاجتماعية التي يقتنعون بها، عبر العمل التطوعي والمؤسسات الأهلية.

لقد طرح أحد المفكرين العرب الدكتور حسن حنفي ضرورة استحداث حركة معرفية من قبل العرب والمسلمين لدراسة الآخر الغربي تحت عنوان الاستغراب، كمقابل للاستشراق.

ونشر كتاباً ضخماً قبل حوالي عشر سنوات بعنوان (مقدمة في علم الاستغراب).

وهي قضية هامة تأخرنا كثيراً في الاتجاه لها.

الآخر الجوّاني


اصطلح الكتاب المحدثون على تقسيم الآخر إلى نوعين:

الآخر الخارجي المنتمي إلى حضارة وكيان آخر.

والآخر الداخلي أو الجوّاني وهو المختلف ضمن ذات الإطار الديني أو الوطني، حيث تعددت المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية والتوجهات السياسية ضمن الأمة الإسلامية.

وهنا تكون حساسية الاختلاف أشد لأنه في الدائرة الأقرب، والخطأ في التعاطي مع هذا الآخر خطير جداً، لماله من تأثير على تماسك المجتمع واستقراره.

وبالتالي فإن القراءة الصحيحة لهذا الآخر الداخلي أكثر إلحاحاً وأشد ضرورة.

هنا لا نواجه حالة الخمول التي لاحظناها في الاهتمام بالآخر الخارجي، بل نلاحظ حالة من الاستغراق والانشغال الكبير، بالفوارق والاختلافات بين الفرق والمذاهب.

وقد تأسس علم جديد في وقت مبكر من تاريخ الأمة بعنوان علم الملل والنحل، و المذاهب والفرق.. كان انعكاساً للنزاعات والخلافات العاصفة التي عاشتها الأمة بين تياراتها الفكرية وطوائفها الدينية، وكان للمصالح السياسية في ذلك دور محوري.

لقد ألف الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري كتاباً حول (فرق الشيعة).

كما صنف شيخ الأشاعرة أبو الحسن الأشعري (المتوفى عام 330هـ) كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين).

وكتب ابن حزم الظاهري (المتوفى 456هـ) كتابه (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل).

وكذلك ألف أبو الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني (المتوفى 548هـ) كتابه (الملل والنحل).

وألف الشيخ عبدالقاهر بن طاهر البغدادي السفرائيني (المتوفى 429هـ) كتابه (الفرق بين الفرق).

وغيرها من الكتب المصادر في هذا المجال.

ولكل فرقة كتب في الدفاع عن نفسها والردّ على الفرق الأخرى، ويمكن القول إن الاهتمام بالخلافات المذهبية أخذ حيزاً كبيراً من الثقافة الإسلامية في الماضي والحاضر.

لكن القسم الأعظم من هذه الكتابات والطروحات، يتسم بإصدار الأحكام وتقرير الإدانة للآخر،أكثر مما هو قراءة له.

وبعض الكتب اختار مؤلفوها عناوين قمعية تلخص منهجيتهم في التعامل مع الآخر مثل:

-إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية.

-الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة لابن حجر الهيتمي (توفي 973هـ).

-ذكر الفرق الضوال وأصناف الكفر لأبي الحسن العراقي.

-شم العوارض في ذم الروافض لعلي ملا القاري.

-القضاب المشتهر على رقاب ابن المطهر لمجد الدين الفيروزآبادي.

-الانتصار والردّ على ابن الرواندي الملحد لعبدالرحيم الخياط المعتزلي.

-سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد للشيخ يوسف البحراني.

-صواعق النواصب للسيد محمد مهدي الموسوي.

-الصوارم الماضية لرد الفرقة الهاوية للسيد محمد القزويني الحلي.

نسأل الله تعالى أن يجمع شمل المسلمين، وأن يوحد صفوفهم، إنه لطيف رحيم.
[1] الشريف الرضي: محمد بن الحسين الموسوي، نهج البلاغة، حكم 172، الطبعة الأولى 1967م، تحقيق صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني، بيروت.

[2] المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج75 ص93، الطبعة الثانية 1983م، دار إحياء التراث العربي و مؤسسة التاريخ، بيروت.

[3] الحاجي:الدكتور علي بن عبدالله، واقع القراءة الحرة لدى الشباب، ص96، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 2003م.

[4] خالد مسعود الزيد،الكويت في دليل الخليج ج1 ص11.

[5] لبيب: الطاهر، صورة الآخر ـ العربي ناظراً ومنظوراً إليه،ص 19ـ20، الطبعة الأولى 1999م، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.

[6] المصدر السابق ص197.

[7] المصدر السابق ص201.