وتبقى الحاجة لمشاريع الدولة

الشباب في كل المجتمعات هم الحاضر والمستقبل, هم الأمل والأمان, هم العزم والثبات, هم الأرض والثمر. هم السماء والمطر، هم كل المجتمع وكل الخير والعطاء. الشباب وإن احتضنتهم أسرهم أحسن احتضان، وبذلت كل ما عندها من حنان وعطاء وعناية , فلن تروي كل الظمأ عندهم، ولن يكفي ذلك في إصلاح أمرهم ,إما لأنهم في فترة الشباب يميلون للتمرد على أجوائهم العائلية, وأما لأن شعورهم بالاستقلال وبحثهم عنه يجعلهم يسبحون خارج محيطهم الأسري بعض الشيء.

إذا تبقى الأسرة لاعبا أساسيا في حياة الشباب بما توفره من سكينة وسكن واحتضان لهم, لكن في البين يعيش صراع قد ينفجر بعنف، ويعبر عن نفسه بوضوح بين الشباب ووالديه، أو بينه وبين أفراد أسرته , يحاول الشاب من خلاله أن يبين رجولته وغناه عن أسرته وما تقدمه له.

إن رعاية الأسرة للشباب تحل جزءا مهما من أزماتهم الحياتية ولكن تبقى أطراف وزوايا كثيرة من حياة الشباب تحتاج لعناية ورعاية قد لا تستطيع الأسرة ولا الصداقات الصالحة, ولا المجتمع القيمي الأخلاقي, ولا البيئة المدرسية الجادة, أن تحلها وإن خففت من شدتها واستفحالها.

يضاف إلى ذلك أنه لابد للشباب من عقيدة صالحة تحمي تفكيرهم وتصون أرواحهم , وتجعل الوعظ والحساب والرقابة داخلية في أنفسهم وقلوبهم , فيمتثلون لأوامرها ويبتعدون عن زواجرها , ويشعرونها حاضرة في كل خطوة من خطواتهم ,ويتحسسون وجودها في علاقاتهم وتعاملاتهم , لتستمر حياتهم منسجمة مع معتقداتهم وقناعاتهم.

بذلك يكتمل جزء كبير ومهم من الوسائل الضرورية لصناعة الشباب الصالح, فالعقيدة من جهة والأسرة الملتزمة في الجهة الأخرى وكل منهما يدفع الشباب للاستقامة والإخلاص والعطاء والأخلاق وهذا أهم ما يحتاجه الشباب في مبتدأ حياتهم، لكن الخوف والخشية هو أن يتخرج الشباب من هذين الأمرين بشكل ديني خارجي، وبحالة قشرية لا تلامس جوهر وحقيقة الشباب فانتماؤهم للإسلام ومعتقدهم التوحيد وأسرهم مسلمة، لكنهم في حياتهم العملية يعيشون الضنك والبلاء والمعاناة والخوف من المستقبل، ما يجعلهم في حالة غير مستقرة قد تدفعهم لسلوكيات وتصرفات نقرأ عنها في جرائدنا المحلية ما يدمي القلب، ويندي الجبين، وكأننا لسنا أبناء مدرسة الإسلام ولسنا أولادا تربينا في أسر مسلمة موحدة مؤمنة.

لا أريد استحضار بعض الجرائم والسلوكيات الآخذة في الاستفحال والتطور المخيف , فكلنا كأبناء وطن نعلم واقع الحال ومستوره , ولكن أريد القول ان الأسرة المسلمة والعقيدة السليمة في أي مجتمع لا تعالج كل شيء بل يبقى القصور ومناطق الفراغ بحاجة إلى من يملأها ويسدها.

وأعتقد أن جميع المواعظ والخطب والنصائح الدينية التي يتحدث بها الخطباء وأئمة الجمعة (جزاهم الله خير الجزاء ) لن تتجاوز التذكير البسيط (على أهميته) الذي تسكته ضغوط الشباب وصراعهم الصعب مع مستقبلهم الذي يبدو قاسيا بعض الشيء.

بل انها خطب ومواعظ ستبقى في إطار الحديث عما يجب وما لا يجب دون أن تلامس الحل الضروري لمشكلات الشباب ولأوضاعهم , , أكرر أن هذا الدور يبقى مهما وضروريا لكن علينا ألا نتوقع منه حلا سحريا يحوّل حياة الشباب إلى جنة ونعيم ينسون فيها كل منغصات العيش وآلام الحياة.

في هذه المعمعة الشبابية لابد من حضور فاعل ومؤثر للدولة ولرجال القرار فيها, حضور يخطو بالشباب نحو المستقبل عبر مشاريع وبرامج مدروسة تقرأ الواقع بدقة.وتفكك المستقبل على ضوء قراءتها للأوضاع وتحليلها إلى مؤدياتها ونتائجها ومن ثم تأخذ بيد الشباب إلى حيث الوضوح والاطمئنان والتربية التي تعدهم لمواقع الغد الشاغرة واحتياجاته الضرورية.

لقد كانت زيارة سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود في السابع عشر من الشهر الجاري وافتتاحه مبنى برنامج سمو الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود للمنطقة حضورا قويا لأميرين أساسين ومساهمين في صناعة قرار هذا البلد ورسم الطريق أمام أبنائه وشبابه , كما كان التبرع السخي من سمو الأمير سلطان للبرنامج دليلا على الوقوف إلى جانب الشباب وإحساسا منه بضرورة مد يد العون والمساعدة لهم ومن أعلى المستويات في هذا البلد.

كل الشكر لسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز وكل التقدير لسمو الأمير محمد بن فهد , تقدير يحمل في طياته كلمات لربان هذه المنطقة (الشرقية ) وأميرها فبرنامج الأمير محمد ليس غاية الطموح للأمير فالمنطقة بحاجة إلى مشاريع أخرى تضاف إلى رصيد عطاء الأمير، إننا على طمع له ما يبرره بأن تتشعب مشاريع الأمير لخدمة الشباب فهم الأمل وهم الخير وهم المستقبل المشرق، خصوصا اذا خدمتهم طاقات مقتدرة وأمينة كالدكتورعيسى الأنصاري مدير برنامج الأمير والرقم الفاعل والمؤثر في نجاحه.

كما أعيد الشكر لسمو الأمير سلطان على تبرعه لبدء إنشاء مركز الأمير سلطان الحضاري بالقطيف، على أمل أن تكون زيارات المنطقة كرما وعطاء ومشاريع وفتوحات لأهلها، فلا غنى للمجتمع عن مشاريع الدولة ولا غنى له عن رجاله.

Msaffar45@hotmail.com