بإيجابيتنا نقوى ونتقدم

كي نكون كما نريد ونرغب أقوياء وأسوياء، مسيطرين ومحبين، متصدرين وجاذبين،لابد أن نقلع عن بعض التصورات والتصرفات التي اعتدنا على الأنس بها والركون إليها واعتقدناها طريقا لتحقيق كل ما نوده ونطمح له.

لقد خدعتنا نظرة الانفراد والتفرد والهيمنة على كل شيء، وتسببت هذه الخديعة لنا في الاسترسال وراء منهجية الشطب والإلغاء وطحن الآخرين كي لا يبقى لهم أثر ولا ذكر، وكانت النتيجة هي ما نحن عليه من واقع محزن لنا ومخجل لأجيالنا.

قبول الآخرين على أرضية التنافس معهم هو الطريق القويم والصحيح الذي ينجينا من ويلات التحارب والضياع وشتات الأمر.

هذا المسلك التنافسي سيحقق لنا كل ما نطمح له، وسنرى عبر ممارسته أننا أصبحنا شيئا مختلفا عمّا كنا عليه، وسنتمكن من إحراز التقدم المشهود لا على صعيدنا الشخصي فحسب بل سنثبت ذاتنا في إطارها الأكبر والأشمل الذي يعطينا الصدارة ويشرح صدورنا لنضم الآخرين معنا في كل نجاح وتقدم، بعد أن نحترمهم ونقبلهم منافسين أقوياء لنا.

بالتنافس في الخير والعمل المنتج سنمارس أمرا مطلوبا شرعا (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ومحبًذا عقلا ومقبولا عرفا، وذلك سيغنينا عن التقلب إلى ذات اليمين وذات الشمال، ويعفّنا عن الالتجاء لمحاولات إثبات الذات بوسائل أخرى ممنوعة شرعا، ومستقبحة عقلا، ومستهجنة عرفا، وسنصبح مجتمعا يأنس بتنوعه واختلافاته وتباين وجهات النظر فيه.

إن توجه حواسنا وقوانا الكامنة نحو التنافس الإيجابي والعمل الخلّاق ستمكننا من إثبات أنفسنا وجدارتنا بوضع المزيد من الأعمال والإبداعات والمشاريع في كفتنا (إذا صورنا التنافس ترجيحا لإحدى كفتي الميزان) لتسجل فوزا على الكفة الأخرى.

وسنرى عقولنا في ذهول عن التفكير في تحطيم الكفة الأخرى أو إسقاط ما يوضع فيها، أو العيب والقدح فيه أو إثارة الشبهات والتشكيك في صفائه ونقاوته ، لأن ذلك كله تنافس سلبي (صراع) يبخس الناس أشياءهم ويسلبهم محاسنهم، ويخسرهم حقوقهم.

إن ما يدفع الأفراد والجماعات لهذا النحو من التصارع السلبي، وترجيحه على التنافس الإيجابي هو أمور متعددة . فالناس بغض النظرعن تدينهم ولونهم ولغتهم وبقعتهم الجغرافية تفرض عليهم طبيعتهم البشرية نحو من التنافس، لكن رجحان كفة الصراع في تنافسهم وتوجهه إلى الجهة السالبة يكثر أن تعود إلى أحد أمرين:

الأول: الإحساس بالضعف، فمن يشعر بقوته وقدرته يحاول غالبا أن يسلك الطرق السليمة والطاهرة للوصول إلى مبتغاه، ويحاول التقيد بقوانين التقدم والنجاح وإثبات الذات بالطرق المشروعة لأنه لا يجد الداعي في نفسه إلى الطرق الأخرى، ولكن حين يشعر بالضعف ويحس بالوهن، تنقلب المعادلة عنده في الكثير من الأحيان . فكل الوسائل تصبح مباحة عنده، وكل الطرق قابلة للسير، وكل القوانين الشرعية والعرفية الاجتماعية بعيدة عن الذهن، فهو مستعد لكسرها ومخالفتها وتجاوزها وعدم الاعتراف بها.

هَمُ إثبات الذات هذا وبأي وسيلة وطريقة هو أسلوب يستخدمه لاعبو الكرة - حين تعيهم الحيلة في الوصول للنصر - ويشعر فريقهم بالهزيمة، فيعمدون إلى إسقاط اللاعب وكسره وعرقلة حركته وبدلا من أن يتجه اللاعب إلى الكرة التي في رجل اللاعب الآخر يتجه إلى ساقه ليعيبها ويؤذيها، ويستخدم هذه الطريقة أيضا بعض الطلبة في امتحاناتهم حين يشعر أحدهم بالضعف وعدم القدرة على الإجابة فيسلك كل الطرق الملتوية ليتخلص من كسله وعدم اهتمامه، ليتجه إلى الغش وتهديد الطلبة وإثارة الشغب كي يتمكن من أخذ مبتغاه.

إنه سلوك يدل عن ضعف وهشاشة، وهو يسلك عادة حين المشكل الذي يستعصى على الحل لضعف في الذات خصوصا إذا كان المشكل منافسا قويا لا ينتج الالتزام بقوانين التنافس معه نتيجة مرضية، فتبدأ عملية التعويض عن الضعف الداخلي بإثارة الصراع والسلوك غير السوي خارجيا.

قد لا تشد الجماعات والفئات الدينية عن هذه المسلكية حين الضعف ووجود المنافس، لأنها حين توصد الأبواب أمامها أو يضيق أفقها جراء نشاط الآخر وتقدمه، فلا تستطيع المجاراة والمنافسة قد تعمد لأسلوب الصراع، وهو ليس بالضرورة تقاتلا بالسلاح، بل هو صراع بأساليب أخرى وأشكال مختلفة، يبدأ بالشائعات والاتهامات والإسقاطات وينتهي إلى ما عند الله سبحانه علمه.

أما حين تشعر في نفسها القوة والقدرة على المنافسة فإنها تندفع (غالبا) للمنافسة بأطروحات أفضل وبرامج أحسن، وتصورات أدق، ومشاريع أكثر فائدة ونفعا، وبذلك تتجاوز شعورها بالضعف. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قوله : «الاختلاف والتنازع والتثبط من أمر العجز والضعف وهو مما لا يحبه الله ولا يعطي عليه النصر».

وقوله مشيرا إلى العلاقة بين الإحساس بالضعف والسلوكيات الملتوية «ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه».

msaffar45@hotmail.com

السبت 12/8/1428هـ الموافق 25/8/2007م - العدد 12489