مشروعية الاختلاف وإدارته

 

تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في الليلة الثامنة من شهر محرم الحرام عن ”مشروعية الاختلاف في الرأي“، حيث قال إن فتح باب الاجتهاد يعني تلقائيا فتح باب الاختلاف في الرأي على مصراعيه، ودعا إلى الحوار مع أصحاب الرأي الآخر، كما انتقد حالة التشنج في أوساطنا التي فاجأت الجميع بما فيهم بيوت مراجع الدين في النجف وقم، كذلك قال ان الدين دعوة إلى التفكير وليس التبعية والجمود، وأشار إلى ان بعض المتدينين يتصورن خطأ أن ما يؤمنون به حقائق دينية صلبة لا تقبل المس والتغيير.

لا شيء يعادل في هذه الحياة أن يتمتع الانسان بالحرية خاصة فيما يتعلق في حرية التعبير عن رأيه وما يعتقد به سواء من ناحية الأفكار أو العقائد وغيرها من الأمور التي تتيح للفرد أن يعبر عن ذاته من دون خوف من المجتمع الذي ينتمي إليه، لا أعلم لماذا بعض المجتمعات تضيق بالرأي المختلف؟، وكأنه جرم على الانسان أن يتوب منه مع العلم أن نفس هذا المجتمع ينتقد من يصادرون حريته في التعبير سواء عن عقائده أو أرائه، مثل هذه المجتمعات تعيش حالة من التناقض العجيب جدا.

أعتقد أن مسألة الخوف على الهوية هي المحرك الرئيس في الخشية من وجود آراء مغايرة، حيث يشعر هذا المجتمع أن تعدد الآراء واختلافها يؤدي بالضرورة إلى تمزق المجتمع وكذلك يسبب في خلل اجتماعي يصعب تجاوزه وسده بسبب تعدد الآراء فيه، ولابد حسب وجهة نظرهم أن يكون المجتمع كتلة صماء يسيطر عليها الرأي الواحد والصوت الواحد حتى تكون متحدة ومتجانسة، لكن مثل هذا التوجه يضعف ولا يقوي بل تنتشر في المجتمع حالة من عدم الثقة بقدرته في مواجهة التحديات والصعوبات في المستقبل، تعدد الآراء ليس ضعفا بل هو مصدر قوة لأي مجتمع قادر على ”إدارة خلافاته والتعايش معها“ كما أشار الشيخ الصفار لذلك.

نجد أن بعض المجتمعات المتدينة تزداد فيها حالة رفض أي رأي مغاير لما هو سائد للمجتمع الذي تنتمي إليه حيث شعارهم ”خلك على مجنونك لا يجي اللي أجن منه“ بحسب هذا المثل الشعبي، وأي فرد يكون لديه رأي مخالف لما هو موجود فسوف تسلط عليه شتى صنوف الحرب والعداء فقط لأنه مارس حقه في التعبير عن رأيه، ويتم تفسيقه والنيل منه والتشكيك في عقيدته ودينه، كل هذا لأنه قال رأيا لا ينسجم مع توجهات هذا المجتمع يقول الشيخ الصفار: ”وخلافا للمجتماعات الأخرى لا تزال مجتمعاتنا تواجه مشكلة في التعامل مع الرأي الآخر حتى داخل المذهب الواحد والجماعة الواحدة“، كل هذا كما يشير سماحة الشيخ الصفار بسبب ان ”التفكير السائد هو حاكمية الرأي الواحد، ورفض تعدد الآراء“.

وعليه فإن تعدد الآراء ليس مشكلة يجب الخشية منها، بل هي من الأمور التي يجب علينا ترسيخها اجتماعيا، وهي من مصادر القوة لأي مجتمع يتحلى بسعة صدره أمام تعدد الآراء فيه، كذلك الآراء والأفكار لا تواجه بالرفض والقطيعة والعداوة بل تواجه كما يؤكد الشيخ الصفار: ”إن رفض أي فكرة أو رأي معين لا ينبغي مطلقا أن يقود إلى نصب العداوة لصاحب ذلك الرأي، بل من الضروري التفكيك بين الفكرة وصاحب الفكرة ومواجهة الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي“.

في الختام نسأل الله أن يوفق سماحة الشيخ حسن الصفار لما فيه خير وصلاح لهذه الأمة، ويجعله الله مناراة في نشر الوعي والعقلانية والتسامح وكل ما هو نافع يجنب هذه الأمة الأزمات والشرور.